المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ - كشف اللثام شرح عمدة الأحكام - جـ ٦

[السفاريني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب القصاص

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌كتاب الحدود

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب حد السرقة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب حد الخمر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب النذر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب القضاء

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الصيد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ

‌الحديث الثاني

عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهنِيِّ رضي الله عنهما: أنّهُمَا قَالَا: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْشُدُكَ الله، إِلا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الخَصمُ الآخَرُ -وَهوُ أَفْقَهُ مِنْهُ-: نعم. اقْضِ بينَنَا بَكِتَاب اللهِ، وَائذنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قُلْ"، قَالَ: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفًا عَلَى هذَا، فَزَنَى بامرَأَتِهِ، وَإنِّي أُخْبرتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتديْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَة، فَسأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ فَأَخْبَرونِي: أنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِئة وَتَغْرِيْبُ عَامٍ، وأَنَّ عَلَى امرَأَةِ هذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ! لأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بكِتَابِ اللهِ، الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أَنِيسُ -لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَم- إلَى امرَأَةِ هذَا، فَإنِ اعتَرَفَتْ، فَارجُمها"، فَغَدَا عَلَيْها، فَاعتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرُجِمَتْ (1).

العسيف: الأجير.

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2190)، كتاب: الوكالة، باب: الوكالة في الحدود، و (2506)، كتاب: الشهادات، باب: شهادة القاذف والسارق والزاني، و (2549)، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور =

ص: 214

(عن عُبيد الله) -مصغرًا- (بنِ عبد الله بنِ عتبةَ بنِ مسعودٍ) الهُذَليِّ، وهو أخو عبد الله بن مسعود، أحدُ الفقهاء السبعة من المدينة، وأحد أعلام التابعين، إمام ثقة، مأمون، كثير الحديث والعلم، شاعر مُجيد، لقي خلقًا

= فالصلح مردود، و (2575)، كتاب: الشروط، باب: الشروط التي لا تحل في الحدود، و (6258)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم، و (6440)، كتاب: المحاربين، باب: الاعتراف بالزنا، و (6443)، باب: البكران يجلدان وينفيان، و (6446)، باب: من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبًا عنه، و (6451)، باب: إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس، و (6467)، باب: هل يأمر الإمام رجلًا فيضرب الحد غائبا عنه، و (6770)، كتاب: الأحكام، باب: هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلًا وحده للنظر في الأمور، و (6831 - 6832)، كتاب: التمني، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، و (6850)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله.

ورواه مسلم (1697)، كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى، وأبو داود (4445)، كتاب: الحدود، باب: المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، والنسائي (5410 - 5411)، كتاب: آداب القضاء، باب: صون النساء عن مجلس الحكم، والترمذي (1433)، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في الرجم على الثيب، وابن ماجه (2549)، كتاب: الحدود، باب: حد الزنى.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 323)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 474)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 205)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 520)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 104)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 206)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 111)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1450)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 312)، و"فتح الباري" لابن حجر (12/ 137)، و"عمدة القاري" للعيني (13/ 272)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 3)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (7/ 249).

ص: 215

كثيرًا من الصحابة، وسمع من ابن عباس، وابن عمر، وسمع عائشة، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وغيرهم، وروى عنه: أبو الزناد، والزهري.

مات سنة تسع وتسعين على ما قاله المديني، وقال البخاري: سنة خمس، أو أربع، وقال الواقدي، وابن نمير: سنة ثمان، أخرج له الجماعة (1).

(عن أبي هريرة) عبدِ الرحمن بنِ صخرٍ (وزيدِ بنِ خالدٍ الجهني) الصحابي -وقد تقدمت ترجمته في باب: اللقطة - رضي الله عنهما -؛ يعني: من تقدم ذكرُهم من الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- (أنهما)؛ أي: أبا هريرةَ، وزيدَ بنَ خالد (قالا):(إن رجلًا من الأعراب) لم يسمِّه البرماوي في "مبهمات العمدة"، ولا الأسيف، ولا اسم أبيه، ولا اسم المرأة، ولا وقفت على من سمَّى أحدًا منهم (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال) ذلك الأعرابي: (يا رسولَ الله! أنشدُكَ الله) سبحانه وتعالى (إلا قضيتَ بيننا)؛ أي: بيني وبين هذا الرجل، وابنه الذي زنى بامرأته، (بكتاب الله)؛ أي: بحكم الله -تعالى-.

فإن قيل: هذا المتكلم وخصمُه يعلمان أنه عليه السلام لا يحكم إلا بكتاب الله -تعالى-، فما معنى قولهما: اقض بيننا بكتاب الله؟

(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 250)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 385)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 319)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 63)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (2/ 188)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 290)، و"تهذيب الكمال" للمزي (19/ 73)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 475)، و"تذكرة الحفاظ" له أيضًا (1/ 78)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (7/ 22).

ص: 216

فالجواب: أن مرادهما الفصلُ بينَهما بالحكم الصرف لا بالصلح، إذ للحاكم أن يفعل ذلك، لكن برضاهما (1).

(فقال الخصم الآخر: وهو أفقهُ)؛ أي: أعلمُ وأفهم (منه)؛ أي: من الأول الذي هو زوجُ المرأة، (نعم) وفي لفظ: صدقَ (2): (اقضِ)؛ أي: افصل (بيننا بكتاب الله)؛ أي: بحكمه (وائذَنْ لي) فعل دعاء؛ لأنه من الأدنى إلى الأعلى، ومن أدبه وفقهه: طلبُه الإذنَ من الرسول صلى الله عليه وسلم.

(فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل) جوابًا لطلبه أن يأذن له بالتكلم (قال: إن ابني كان عسيفًا)؛ أي: أجيرًا، ويُجمع على عسفاء، ذكره الأزهري (3)، وعَسَفَة على غير قياس، ذكره ابن سيده (4)، وقيل: كل خادم عسيفٌ.

وقال ابن الأثير: عسيف: فَعيل بمعنى مفعول؛ كأسير، أو بمعنى فاعل؛ كعليم؛ من العَسْف: الجور، أو الكفاية، يقال: هو يعسفهم؛ أي: يكفيهم، وكم أعسف عليك؛ أي: أعمل لك، ومنه الحديث:"لا تقتلوا عسيفًا ولا أسيفًا"(5).

(على هذا)، إنما عداه بعلى دون اللام؛ ليعلم أنه أجير، وأجرته ثابتة عليه، وإنما يكون كذلك إذا لابسَ العملَ وأتمّه، ولو قال: لهذا، لم يلزم ذلك (6).

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 272).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2549، 6446، 6467).

(3)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (2/ 106)، (مادة: عسف).

(4)

انظر: "المحكم" لابن سيده (1/ 310)، (مادة: عسف).

(5)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 237)، ولم أقف على الحديث الذي ذكره. وانظر:"عمدة القاري" للعيني (13/ 272)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.

(6)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 272).

ص: 217

(فزنى) ابني الذي هو أجيرُ هذا (بامرأته)، ويُعلم من فحوى هذا أنه برضاها غير غاصب لها، فلا مهر لها، (وإني) استخبرتُ عن حكم ذلك، وما يلزم ابني منه، فـ (أُخبرت أن على ابني الرجمَ) حتى يموت، وفي لفظ: فقالوا لي: على ابنك الرجمُ (1)، (فافتديت) ابني (منه)؛ أي: من الرجم، أو من هذا بألَّا يرجم (بمئة شاة) من الغنم، (ووليدة)؛ أي: جارية، فقبل ذلك مني، وتسلم المئة شاة والوليدة مني، (فسألتُ)، وفي لفظ: ثم سألت (أهلَ العلم)(2) -أراد بهم: الصحابة- الذين كانوا يُفتون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: الخلفاء الأربعة، وثلاثة من الأنصار: أُبي بن كعب، ومُعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم كما تقدم في ترجمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أول الكتاب، (فأخبروني أَنَّما)؛ أي: ليس (على ابني) شيء سوى (جلد مئة) من الجلدات، (وتغريب عام)، التغريب -بالغين المعجمة-: النفي من البلد الذي وقعت فيه الجنابة، يقال: أغربته، وغَرَّبته: إذا نحيته وأبعدته، والغرب: البعد (3).

(و) أخبروني (أن على امرأة هذا) الرجلِ (الرجمَ)؛ لكونها محصنة، وأما ابني؛ فإنه بكر لم يحصن.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده!) وكانت هذه يمينه غالبًا، وهو الله -جل شأنه- (لأقضينّ بينكما) ثناه لإرادة الخصمين، بقطع النظر عن

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2549، 6770).

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2549، 6258، 6446، 6451، 6770، 6832).

(3)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 349).

ص: 218

الزاني والمزنيِّ بها (بكتاب الله)؛ أي: بحكمه -تعالى-؛ إذ ليس في الكتاب حكم الرجم، وقد جاء الكتاب بمعنى الفرض، قال -تعالى-:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]؛ أي: فرض، أو لأنه نزلت أولًا آية الرجم، ثم نسخ لفظها وبقي حكمها (1).

كما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قرأناها فيما أنزل الله: (الشيخُ والشيخةُ إذا زنيا، فارجموهما البتةَ)(2).

وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلًا، البكرُ بالبكر مئةُ جلدة ونفيُ سنة، والثيبُ بالثيبِ جلدُ مئة والرجم" رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلًا زنى بامرأة، فأمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فجلد الحد، ثم أُخبر أنه محصَن، فأمر به فرُجم. رواه أبو داود (4).

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزَ بنَ مالك، ولم يذكر جلدًا. رواه الإمام أحمد (5).

(الغنم)(6) التي دفعتها له مصالحةً عما أخبرت به من رجم ولدك، (و) كذا (الوليدةُ) التي دفعتها له كذلك (رَدُّ)؛ أي: مردود ذلك (عليك)،

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 272).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

رواه أبو داود (4438)، كتاب: الحدود، باب: رجم ماعز بن مالك.

(5)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 92).

(6)

في الأصل: "المئة شاة"، والصواب ما أثبت.

ص: 219

ويروى: "فترد عليك" على صيغة المجهول من المضارع (1)، فالواجب (على ابنك جلدُ مئة) سوط (وتغريب عام) من محله إلى مسافة قصر، والبدوي يغرب عن محلته وقومه، ولا يمكَّن من الإقامة بينهم، والواجب على امرأة هذا الرجل الرجم بالحجارة حتى تموت إن ثبت زناها، إما بالبينة، أو الاعتراف.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس)؛ أي: ائت.

وقال البرماوي: أُنيس -بضم الهمزة- تصغير أنس، واختُلف فيه، فقيل: إنه أنيس بن مرثد بن أبي مَرْثَد -بفتح الميم والثاء المثلثة- الغَنَوِيُّ -بفتح الغين والنون-، واسمُ أبي مرثد: كَنَّاز -بفتح الكاف وتشديد النون وآخره زاي- ابنُ حصن أو حُصين، وقيل: بل اسمه حصينُ بنُ كناز.

وقيل: اسمه أيمن، نقله الذهبي عن "تلقيح" ابن الجوزي (2)، وهذا جده حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهو من بني غَنِيّ -بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء- اسمه: عمرو بن أَعصُر -بفتح الهمزة وسكون العين وضم الصاد المهملتين-، ويقال: يَعْصُر: بإبدال الهمزة ياء مثناة تحت، ابن سعد بن قيس عيلان -بالعين المهملة- بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وأنيس هذا وأبوه وجدُّه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل أبوه يوم الرجيع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومات جده في خلافة الصديق الأعظم رضي الله عنه.

وشهد أنيسٌ هذا فتحَ مكة وحُنينًا، وكان عينًا للنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين.

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 272).

(2)

انظر: "تلقيح فهوم أهل الأثر" لابن الجوزي (ص: 118).

ص: 220

والصحيح أن أنيسًا هو الأسلمي، نسبة إلى أَسْلَم -بسكون السين المهملة وفتح اللام- ابن أَفْصى -بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد-، وقد روي عنه حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: "البسِ الخشنَ الضيق"، ويُعد في الشاميين، ومخرج حديثه عندهم.

قال ابن الأثير في "جامع الأصول" عن أبي مرثد هذا: يقال: إنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "واغدُ يا أنيس على امرأة هذا"، وقيل: هو غيره، ويكنى هذا بأبي يزيد، والصحيح أنه الأسلمي لا الغَنَوي؛ لكثرة الناقلين له، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقصد أَلَّا يؤمر في القبيلة إلا رجلًا منهم؛ لنفورهم من حكم غيرهم.

قال البرماوي: وكانت المرأة أسلمية، وفي رواية البخاري في "كتاب الأيمان" في باب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: "وامر أنيسَ الأسلميَّ أن يأتي امرأة الآخر" الحديث (1). وهذا قضية كلام الحافظ الذهبي في "تجريده" حيث جزم في ترجمة الأسلمي بأنه الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اغد يا أنيس"، وقال في ترجمة الغنوي: ويقال: إنه الذي قال له: "اغد يا أنيس".

قال البرماوي: لم أطلع على وفاة الأسلمي، وأما الغنوي، فقال ابن عبد البر: إنه توفي في ربيع الأول سنة عشرين، والله الموفق (2).

(إلى امرأة هذا) الجار والمجرور متعلق بـ "اغد"، فاسألها عما نسب

(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (6258).

(2)

وانظر ترجمته في: "الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 114)، و"جامع الأصول" لابن الأثير (15/ 847 - قسم التراجم)، و"تجريد أسماء الصحابة" للذهبي (1/ 33)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (1/ 138).

ص: 221

إليها من الزنا (فإن اعترفت) به، (فارجمها)؛ لأنها محصنة، ولا لها ما يدرأ الحد عنها.

قال الراوي: (فغدا عليها)؛ أي: أتاها غدوةً، قاله ابن التين، ثم قال: قيل: فيه تأخير الحكم إلى الغد، وقال غيره: ليس معناه: امض إليها بكرة، بل معناه: امش إليها، فمشى إليها (1)، (فاعترفت) بالزنا، ولم تجد ما يدرأ الحد عنها، (فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم)، في الكلام طيٌّ، والتقدير: فرجع أنيسٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره باعترافها، فأمر بها، (فرجمت) حتى ماتت.

قال رحمه الله ورضي عنه-: (العَسيف) -بفتح العين وكسر السين المهملتين-: (الأجير) كما ذكرنا أولًا.

احتج به الإمام أحمد، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وإسحاق، وغيرهم على أن الرجل إذا لم يكن محصنًا، وزنى، فإنه يجلد مئة، ويغرب عامًا، وقال أبو عمر: لا خلاف بين المسلمين أن البكر إذا زنى، فإنه يجلد مئة جلدة.

واختلفوا في التغريب:

فقال مالك: ينفى الرجل، ولا تُنفى المرأةُ، ولا العبدُ.

وقال الأوزاعي: ينفى الرجل، ولا تنفى المرأة.

وقال الثوري، والشافعي، والحسنُ بن حَيّ: ينفى الزاني إذا جُلد، امرأةً كان أو رجلًا.

واختلف قول الشافعي في العبد، فقال مرة: استخرت الله في تغريب

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 272).

ص: 222

العبد، وقال مرةً: ينفى العبد نصفَ سنة، وقال مرةً: ينفى العبد إلى غير بلده، وبه قال الطبري.

ومذهب الإمام أحمد: وجوبُ التغريب على الرجل والمرأة دون الرقيق مطلقًا، ويأتي تحرير ذلك.

قال الإمام الترمذي: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النفيُ، والعملُ على هذا عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر، وغيرهم، وكذلك روي عن غير واحد من التابعين، وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق (1).

وقال إبراهيم النخعي، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر: البكر إذا زنى، جُلد مئة جلدة، ولا ينفى إلا أن يرى الإمام أن ينفيه للدعارة التي كانت منه، فينفيه إلى حيث أحب (2).

قال البدر العيني في "شرح البخاري": الدعر والدعارة والشَّرُّ والفساد، ومدة نفي الدعار موكولة إلى رأي الإمام، انتهى (3).

وروي عن عمر: أنه غَرَّبَ في الخمر، وكان إذا غضب على رجل، نفاه، واحتج أبو حنيفة بحديث أبي هريرة الآتي في الأَمَةِ إذا زنت ولم تحصن، فأمر بجلدها، ولم يأمر مع الجلد بنفي.

وقال -تعالى- في حق الإماء: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فأعلمنا بذلك أن الواجب على الإماء إذا زنين نصفُ

(1) انظر: "سنن الترمذي"(4/ 44)، عقب حديث (1438).

(2)

انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 272 - 273).

(3)

المرجع السابق، (13/ 273).

ص: 223

ما على الحرائر إذا زنين. ثم ثبت أن لا نفي على الأمة إذا زنت، كذلك -أيضًا- لا نفيَ على الحرة إذا زنت.

وقال الطحاوي من الحنفية: وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع مَحْرَم (1)، قال: وفي ذلك إبطال النفي عن النساء في الزنا، وانتفاء ذلك عن الرجال -أيضًا-؛ لأنه في درئه إياه عن الحرائر دليلٌ على درئه عن الأحرار، هذا كلامه (2).

وعلل غيره منهم ذلك بأن تغريبها بغير محرم إغراءٌ لها بالفجور، وتضييع لها، وإن غربت بمحرم، أفضى إلى تغريب مَنْ ليس بزانٍ، ونفي مَنْ لا ذنب له، وإن كلفت أجرته، ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به، كما لو زاد ذلك على الرجل.

وقال أبو حنيفة، ومحمد: لا تغريب على رجل، ولا على امرأة؛ لأن عليًا رضي الله عنه قال: حَسْبُهما من الفتنة أن يُنفيا (3).

ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "البكر بالبكر جلدُ مئة وتغريب عام"، وروى أبو هريرة، وزيدُ بنُ خالد هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على العسيف بالتغريب عامًا، وفيه: فقال أبو العسيف: سألت رجالًا من أهل العلم، فقالوا: إنما على ابنك جلدُ مئة وتغريب عام، وهذا يدل على أن هذا كان مشهورًا عندهم من حكم الله وقضاء رسوله، وقد قيل: إن الذي قال له هذا أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، ولأن التغريب فعلَه الخلفاء

(1) تقدم تخريجه.

(2)

انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (3/ 136).

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(13313). وانظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 273).

ص: 224

الراشدون، ولا يُعرف لهم في الصحابة مُخالف، فكان إجماعًا، وما روي عن علي رضي الله عنه لا يثبت؛ لضعف رواته وإرساله، وما ذكروه من التعليل قياسٌ في مقابلة نص، فلا ينظر إليه، وقياسُهم الحرائر على الإماء قياسٌ مع الفارق لا ينهض لهم بحجة، ولأن تغريب الإماء تضييعٌ لحقوق ساداتهن، وإبطال لما يستحقونه من خدمتهن (1).

وعلى كل حال ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون أولى وأحقُّ وأجدرُ أن يتبع، والله أعلم.

وفي هذا الحديث: رجم الثيب، ويأتي الكلام عليه في حديث ماعز.

وفيه: أن المدعي أولى بالقول، والطالب أحقُّ أن يتقدم بالكلام، وإن بدأ المطلوب.

وفيه: أن الباطل من القضاء مردود، وما خالف السنة الواضحة من ذلك فباطل.

وفيه: عدم اعتبار القبض الباطل، وأنه لا يدخل المقبوض في ملكه، ولا يصح ذلك، لأنه مبني على فاسد، وعليه رده.

وفيه: أن للعالِم أن يُفتي في عصر فيه مَنْ هو أعلم منه حيث أفتى بعلم.

وفيه: أن مجرد الزنا لا يوجب الفرقة بين المزني بها وزوجها.

وفيه: دليل على قبول خبر الواحد.

وفيه: أدب السائل في طلب الإذن.

وفيه: أن الرجم لا يجب إلا على المحصَن، وهذا لا خلاف فيه بين

(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 45).

ص: 225

العلماء، ولا التفات إلى ما يحكى عن الخوارج وقد خالفوا السنن (1).

تنبيهات:

الأول: المراد بالمُحْصَن هنا: من وطىء امرأة في قُبلها -ولو كانت امرأة كتابية- وطئًا حصل به تغييبُ الحَشَفة أو قدرِها بلا حائل في نكاح صحيح، وهما بالغان عاقلان حرّان ملتزمان لديننا، فإن اختل شرط منها، ولو في أحدهما، فلا إحصان لواحد منهما، فإن عتقا وبلغا وعقلا بعد النكاح، ثم وطئها، صارا محصَنين، فلا يحصل الإحصان بالوطء بملك اليمين، ولا في نكاح فاسد، ولا في نكاح خال عن الوطء، سواء حصل في خلوة، أو وطىء فيما دون الفرج، أو في الدبر، أو لا.

ويثبت لمستأمنين كذميين، نعم، لا يصير المجوسيُّ محصنًا بنكاح ذي محرم (2).

وكل ما ذكرناه متفق عليه بين الأئمة الأربعة، إلا أن الإمام مالك قال: إذا كان أحد الزوجين كاملًا، والآخر ناقصًا، صار الكامل محصنًا، إلا الصبيَّ إذا وطىء الكبيرة لم يحصِنْها، ونحوه عن الأوزاعي.

واختلف عن الشافعي، فقيل: له قولان: أحدهما: كقولنا، والثاني: أن الكامل يصير محصنًا، وهو قول ابن المنذر، وذكر ذلك من علمائنا: ابنُ أبي موسى في "الإرشاد"، فقال: إذا وطىء الحر البالغ حرة صغيرة في نكاح صحيح، صار محصَنًا دونها، وإذا وطىء الصبي الحرة الكبيرة، صارت محصنة دونه.

(1) انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 273).

(2)

انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 217).

ص: 226

وكذا يشترط الإسلام في الإحصان، وعطاء، والنخعي، والشعبي، ومجاهد، والثوري قالوا: فلا يكون الكافر محصنًا، ولا تُحصِن الذميةُ مسلمًا، وقال مالك كقولهم، إلا أن الذمية تحصن المسلم بناء على أصله في أنه لا يعتبر الكمال في الطرفين (1).

قلت: معتمد مذهب الشافعي -كما في "شرح المنهج" للقاضي زكريا-: يحصل الإحصان الكامل بناقص؛ كأن وطىء كامل بتكليف، وحرة ناقصة، أو عكسه، فالكامل محصن نظرًا إلى كماله (2).

ويأتي الكلام على رد قول من أهدر الإحصان في حق أهل الذمة في الحديث الخامس.

الثاني: لو ثبت زناه، وشهدت بينة الإحصان أنه داخل بزوجته، فقال علماؤنا: يثبت الإحصان بذلك، لأن المفهوم من لفظ الدخول كالمفهوم من لفظ المجامعة.

وقال محمد بن الحسن: لا يكتفى به حتى يقول: جامَعها، أو باضَعَها، أو نحو ذلك؛ لأن الدخول يطلق على الخلوة، ولهذا يثبت بها أحكامه.

قال الإمام الموفق: وهذا أصح القولين (3).

قلت: مشى في "الإقناع" على هذا حيث قال: ويثبت -يعني: الإحصان- بقوله: وطئتها -يعني: زوجته-، أو جامعتُها، أو باضعتُها، ويثبت إحصانها بقولها: إنه جامعها، أو باضعها، أو وطئها، وإن قالت: باشرها،

(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 42 - 43).

(2)

انظر: "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 272).

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 44).

ص: 227

أو مسها، أو أصابها، أو أتاها، أو دخل بها، أو قاله هو، فينبغي أَلَّا يثبت الإحصان، انتهى (1).

وفي "المنتهى": يثبت؛ أي: إحصانه بقوله: وطئتها، أو جامعتها، أو دخلت بها (2).

الثالث: لو كان لرجل ولد من امرأته، فقال: ما وطئتها، لم يثبت إحصانه، وكذا هي إذا كان لها ولد من زوج، فأنكرت أن يكون وطئها، لم يثبت إحصانها، وبهذا قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة: يثبت الإحصان بذلك، ويُرجم إذا زنى؛ لأن الولد لا يكون إلا من وطء، فقد حكم ضرورة الحكم بالولد.

ولنا: أن الولد يلحق بإمكان الوطء واحتماله، والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء، فلا يلزم من ثبوت ما يكتفى فيه بالإمكان وجود ما تعتبر فيه الحقيقة، وهو أحق الناس بهذا، فإنه قال: لو تزوج امرأة في حضرة الحاكم في مجلسه، ثم طلقها فيه، فأتت بولد، لحقه، مع العلم بأنه لم يطأها في الزوجية، فكيف يحكم بحقيقة الوطء مع تحقق انتفائه؟ والله أعلم (3).

الرابع: دل الحديث على عدم صحة الصلح عن الحدود التي متمحضة لحق الله، فلا يصح الصلح عنها، واختلف في حد القذف هل يصح الصلح فيه أم لا؟ ولم يختلف في كراهيته؛ لأنه عن عِرض.

ومعتمد مذهب الإمام أحمد: عدم صحة الصلح عنه، ويسقط.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 218).

(2)

انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (5/ 121).

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 44).

ص: 228

قال في "الإقناع": وإن صالح شفيعًا عن شُفعتِهِ، أو مقذوفًا عن حدِّه، أو صالح بعِوَضٍ عن خيار، لم يصح الصلح، وتسقط الشفعة وحد القذف، انتهى (1).

وأما حقوق الأبدان من الجوارح، وحقوق الأموال، فلا خلاف في جواز الصلح عنها مع الإقرار، واختلف في صحة الصلح مع الإنكار، فأجازه أحمد، ومالك، وأبو حنيفة، ومنعه الشافعي (2)، والله -تعالى- أعلم.

(1) انظر: "الإقناع" للحجاوي (2/ 372).

(2)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 378).

ص: 229