الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، قَالَ:"غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَأْكُلُ الجَرَادَ"(1).
* * *
(عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات)، وفي "البخاري": سبع غزوات، أو ستًا، كذا للأكثر، وفي لفظ: أو ستَّ -بلا تنوين-.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (5176)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: أكل الجراد، ومسلم (1952)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: إباحة الجراد، واللفظ له، وأبو داود (3812)، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الجراد، والنسائي (4356)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الجراد، والترمذي (1821)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في أكل الجراد.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (8/ 15)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 391)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 237)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 103)، و "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 190)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1602)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 621)، و"عمدة القاري" للعيني (21/ 109)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 271)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 75)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 25).
وفي توجيه ذلك وجهان (1):
أجودهما: أن يكون حذف المضاف إليه، وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف.
الثاني: أن يكون المنصوب كُتب بغير ألف على لغة ربيعة.
وهذا الشك في عدد الغزوات عن شعبة، وقد أخرجه مسلم من رواية شعبة بالشك أيضًا، والنسائي من روايته بلفظ: الستة، من غير شك (2)، والترمذي من طريق شعبة، فقال: غزوات، ولم يذكر عددًا، ورواه الإمام أحمد عن ابن عُيينة جازمًا بالست (3).
وتقدم في ترجمة عبد الله بن أبي أوفى: أن أول مشاهده الحديبية، فشهدها وما بعدها، وكنا نأكل معه صلى الله عليه وسلم كما في "البخاري"، فيحتمل أن يريد بالمعيّة مجردَ الغزو دون ما تبعه من قوله:(نأكل الجراد)، ويحتمل أن يريد: مع أكله.
ويدل على الثاني ما وقع في رواية أبي نعيم في الطب: ويأكله معنا، وهذا إن صح، يرد قول من قال: إنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب، ومستند هذا ما أخرجه أبو داود من حديث سلمان: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد، فقال:"لا آكلُه، ولا أحرمه"(4)، إلا أنه مرسل على الصواب.
ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم
(1) في الأصل: "وجهين"، والصواب ما أثبت.
(2)
رواه النسائي (4357)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الجراد.
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 380).
(4)
رواه أبو داود (3813)، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الجراد.
سئل عن الضب، فقال:"لا آكله ولا أحرمه"، وستل عن الجراد، فقال مثل ذلك (1)، وهذا ليس بثابت.
قال النسائي في ثابت: ليس بثقة.
وقد نقل الإجماعَ على حل الجراد غيرُ واحد من العلماء؛ كالنووي (2)، والدميري (3)، وغيرهما، لكن فصَّلَ ابنُ العربي في "شرح الترمذي" بين جراد الحجاز، وجراد الأندلس، فقال في جراد الأندلس: لا يؤكل؛ لأنه ضرر محض (4).
قال في "الفتح": إن ثبت أن أكله يضر؛ بأن يكون فيه سُمِّية تخصُّه دون غيره من جراد البلاد، تعين استثناؤه (5).
وقال أبو المظفر عونُ الدين بنُ هبيرة في "اختلاف الأئمة": اتفقوا على إباحة الجراد إذا صاده مسلم، واختلفوا فيه إذا مات بغير سبب.
فقال أبو حنيفة، والشافعي: يحل أكله.
وقال مالك: لا يؤكل الجراد إلا أن يتلف بسبب، قال عبدُ الوهاب في "التلقين" من أصحابنا -أي: المالكية- مَنْ لا يراعي فيه السبب.
وعن الإمام أحمد روايتان:
أظهرهما: حلُّه من غير اعتبار السبب.
(1) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(2/ 94).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (13/ 103)، وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (9/ 621 - 622).
(3)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 220).
(4)
انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (8/ 16).
(5)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 622).
والثانية: السبب في حلِّه (1).
قلت: معتمد المذهب الذي لا شك فيه: إباحة السمك والجراد بدون ذكاة؛ لحل ميتتهما؛ لما روى الإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم، وغيرهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّ لنا مَيْتَتان ودَمان، فأما الميتتان، فالحوت والجراد، وأما الدمان، فالكبد والطحال"(2).
قال علماؤنا كغيرهم: وسواء مات بسبب، أو بغير سبب، على الأصح المعتمد.
وقيل في الجراد: يؤكل إلا أن يموت بسبب، ككبسه، ولا فرق على المعتمد بين أن يصيده ما تُباح ذبيحتُه أو لا، وعنه: يحرم سمك وجراد صاده مجوسي ونحوه، وهذا ضعيف في المذهب جدًا، ولا فرق في السمك بين الطافي وغيره، على الأصح (3).
وقال الدميري: قال الأئمة الأربعة: يحل أكل الجراد، سواء مات حتف أنفه، أو بذكاة، أو باصطياد مجوسي، أو مسلم، قُطع منه شيء أم لا.
قال: وملخص مذهب مالك: إن قطعت رأسه، حلّ، وإلا، فلا، والدليل: عمومُ حِلِّه (4).
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 311).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 97)، وابن ماجه (3314)، كتاب: الأطعمة، باب: الكبد والطحال.
(3)
انظر: "الإنصاف" للمرداوي (10/ 384)، و"الإقناع" للحجاوي (4/ 315).
(4)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 221).
وقد روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه: أنه قال: كُنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادَيْنَ الجراد على الأطباق (1).
وفي "موطأ الإمام مالك" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب سُئل عن الجراد، فقال: وددت أن عندي قُفَّةً آكل منها (2).
وروى البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مريم بنة عمران عليها السلام سألت ربها أن يُطعمها لحمًا لا دمَ فيه، فأطعمها الجراد، فقالت: اللهم أَعِشْهُ بغير رَضاع، وتابع بينه بغير شياع"، قلت: يا أبا الفضل! ما الشياع؟ قال: الصوت (3).
وكان يحيى بن زكريا يأكل الجراد وقلوبَ الشجر؛ يعني: الذي ينبتُ في وسطها غضًا طريًا قبل أن يقوى ويصلب، واحدها قُلْب -بالضم-، وكذلك قُلب النخلة (4).
تنبيه: الجراد -بفتح الجيم وتخفيف الراء- معروف، الواحدة جرادة، الذكر والأنثى سواء؛ كالحمامة، ويقال: إنه مشتق من الجرد؛ لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده، وخلقته عجيبة فيها صفة عشرة من الحيوانات، ذكرها ابن الشهرزوري في قوله:
[من الطويل]
لَهَا فَخِذَا بَكْرٍ وَسَاقَا نَعَامةٍ
…
وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وجُؤْجُؤُ ضَيْغَمِ
حَبَتْها أَفَاعِي الرَّمْلِ بَطْنًا وَأَنْعَمَتْ
…
عَلَيْهَا جِيَادُ الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ وَالْفَمِ
(1) رواه ابن ماجه (3220)، كتاب: الصيد، باب: صيد الحيتان والجراد.
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 933).
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 258).
(4)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 220 - 221).
قيل: وقد فاته عينُ الفيل، وعنق الثور، وقرن الإِيَّل، وذنب الحية.
وهو صنفان، واختلف في أصله، فقيل: إنه نثرةُ حوت، فلذلك كان أكله بغير ذكاة، وهذا ورد في حديث أنس بن مالك، وجابر رضي الله عنهما، رواه ابن ماجه (1)، إلا أنه حديث ضعيف.
وأخرج أبو داود، والترمذي، وابن ماجه بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة، فاستقبلَنا رِجْلٌ من جراد، فجعلنا نضربه بنعالنا وأسواطنا، فقال:"كلوه؛ فإنه من صيد البحر"(2)، ولو صح، لكان فيه حجة لمن قال: إنه لا جزاء فيه إذا قتله المحرم، وجمهورُ العلماء على خلافه.
قال ابن المنذر: لم يقل: لا جزاء فيه غيرُ أبي سعيد الخدري، وعروة بن الزبير، واختلف عن كعب الأحبار، وإذا ثبت فيه الجزاء، دلَّ على أنه بَرِّي.
قال في "الفتح": وقد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية، إلا أن المشهور عند المالكية اشتراطُ تذكيته، واختلفوا في صفتها، فقيل: بقطع رأسه -كما قدمنا-، وقيل: إن وقع في قِدْرٍ أو نارٍ، حَلَّ، وقال وَهْبٌ: أخذُه ذكاته، ووافق مطرفٌ منهم الجمهور في أنه لا يفتقر إلى ذكاة (3)، والله تعالى أعلم.
(1) رواه ابن ماجه (3221)، كتاب: الصيد، باب: صيد الحيتان والجراد.
(2)
رواه الترمذي (850)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في صيد البحر للمحرم، وابن ماجه (3222)، كتاب: الصيد، باب: صيد الحيتان والجراد.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 620 - 621)، وعنه نقل الشارح رحمه الله هذا التنبيه.