الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى القَوْمُ فَلَغَبُوا، فأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بهَا أَبَا طَلْحةَ، فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا أوَ فَخِذَيْهَا، فَقَبِلَهُ (1).
لَغَبُوا: أَعْيَوْا.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2433)، كتاب: الهبة وفضلها، باب: قبول هدية الصيد، واللفظ له، و (5171)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: ما جاء في التصيد، و (5215)، باب: الأرنب، ومسلم (1953)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: إباحة الأرنب، وأبو داود (3791)، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الأرنب، والنسائي (4312)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: الأرنب، والترمذي (1789)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في أكل الأرنب، وابن ماجه (3243)، كتاب: الصيد، باب: الأرنب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (6/ 392)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 238)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 104)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 184)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1588)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 661)، و"عمدة القاري" للعيني (21/ 103)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 265)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 76)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (8/ 290).
(عن) أبي حمزة (أنسِ بنِ مالك) النَّجَّاريِّ (رضي الله عنه قال: أنفَجْنا) - بفاء مفتوحة وجيم ساكنة؛ أي: أثرنا (أرنبًا) هي دويبة معروفة تشبه العَناق، لكن في رجليها طول، بخلاف يديها، والأرنب: اسم جِنْسٌ للذكر والأنثى، ويقال للذكر أيضًا: الخُزَز بوزن عمر بمعجمات-، الأنثى عِكْرِشَة، وللصغير: الخِرْنَق -بكسر المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها قاف-، هذا هو المشهور (1).
وقال الجاحظ: لا يقال أرنب للأنثى (2).
ويقال: إن الأرنب شديدة الجبن، كثيرةُ السبق، وإنها تكون سنة أنثى، وسنة ذكرًا، وإنها تحيض، وتنام مفتوحة العين، كذا في "الفتح"(3).
قلت: وكونها تكون سنة ذكرًا، وسنة أنثى لا يظهر له أصل.
وفي رواية مسلم: استنفجنا، وهو استفعال منه، يقال له: نفج الأرنب: إذا ثار وعدا، وانتفج كذلك، وأنفجته: إذا أثرته في موضعه، ويقال: إن الانتفاج: الاقشعرار، فكأَن المعنى: جعلناها بطلبنا لها تنتفج، والانتفاج أيضًا: ارتفاع الشعر وانتفاشُه (4)(بمَرِّ الظهران) مَرّ -بفتح الميم وتشديد الراء-، والظهران -بفتح الظاء المعجمة- بلفظ تثنيه الظهر -: اسم موضع على مرحلة من مكة.
وقد يسمى بأحد الكلمتين تخفيفًا، وهو المكان الذي تسميه عوام
(1) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (1/ 29).
(2)
انظر: "الحيوان" للجاحظ (2/ 287).
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 661).
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
المصريين: بطن مرو، والصواب: مرّ -بتشديد الراء- كما في "الفتح"(1).
(فسعى القوم)؛ أي: اشتدوا في الطلب متسابقين عليها؛ أي: الأرنب (فَلَغَبُوا) -بفتح الغين وكسرها-؛ أي: تعبوا كما وقع في رواية (2)، والتعب: الإعياء، (فأدركتُها) أنا، (فأخذتُها)، وفي لفظ: فأخذتها، بإسقاط أدركتها (3).
وفي "مسلم": فسعيتُ حتى أدركتُها (4)، ولأبي داود: قال أنس: وكنت غلامًا حَزَوَّرًا (5)، وهو -بفتح المهملة والزاي والواو المشددة بعدها راء، ويجوز سكون الزاي وتخفيف الواو-: هو المراهق (6)، (فأتيت بها)؛ أي: الأرنب، (أبا طلحةَ)، واسمه زيدُ بنُ سهلِ بنِ الأسود الأنصاريُّ النَّجَّاريُّ زوجُ أم أنس رضي الله عنهم، (فذبحها) في رواية الطيالسي: بمَرْوةٍ (7).
قال في "النهاية": المَرْوَةُ: حجر أبيضُ بَرّاق، وقيل: هي التي يقدح منها النار (8)، وزاد في رواية: فشويتها (9)، (وبعث) أبو طلحة رضي الله عنه (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَرِكها) -بفتح الواو وكسر الراء، وبكسر الواو وإسكان الراء-، وهو ما فوق الفخذ، (أو) قال: بعث إليه بـ (فخذيها).
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه. وانظر:"معجم البلدان" لياقوت (4/ 63).
(2)
كما في رواية الكشميهني، كما نقل الحافظ في "الفتح"(9/ 662).
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5215).
(4)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1953).
(5)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (3791).
(6)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 662).
(7)
رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(2066).
(8)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 323).
(9)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (3791).
وفي رواية: بوركها وفخذيها (1)، تثنية فَخْذِ، وهو -بكسر الخاء المعجمة وسكونها (2) -.
قال في "المطلع": الفخذ مؤنثة، وهي -بفتح الفاء وكسر الخاء-، ويجوز فيها -كسر الفاء-، ويجوز -إسكان الخاء بفتح الفاء وكسرها-.
قال ابن سيده وغيره من أهل اللغة: وهذه اللغات الأربع جارية في كل اسم أو فعل ثلاثي عينُه حرفُ حلق مكسور، انتهى (3).
ووقع في رواية: بعجزها (4)، وقال شعبة: فخذيها، لا شك فيه (5). قال العيني: يشير بهذا أنه لا شك في فخذيها، وإنما الشك بين الوركين والفخذين، انتهى (6).
(فقبله)، وفي رواية عند البخاري: وأكل منه (7)، وعند الترمذي من طريق أبي داود الطيالسي فيه: فأكله، قلت: أكله؟ قال: قبله (8).
وأخرج الدارقطني من حديث عائشة رضي الله عنها: أُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة، فخبأ لي منها العجز، فلما قمت، أطعمني (9). وهذا لو صح، لأشعر بأنه أكل منها، لكن سنده ضعيف (10).
(1) تقدم تخريجه عند البخاري برقم (5171)، وعند مسلم برقم (1953).
(2)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 131).
(3)
انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: 78 - 79).
(4)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (3791)، وعند ابن ماجه برقم (3243).
(5)
انظر: حديث رقم (2433) عند البخاري.
(6)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 131).
(7)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2433).
(8)
تقدم تخريجه عند الترمذي برقم (1789)، وعند الطيالسي برقم (2066).
(9)
رواه الدارقطني في "سننه"(4/ 291).
(10)
انظر "فتح الباري" لابن حجر (9/ 662).
قال المصنف -رحمه الله تعالى ورضي عنه-: (لغبوا: أعيوا)، وتقدم شرحه.
وفي الحديث: دليل على جواز أكل الأرنب، وهو قول كافة العلماء، إلا ما جاء عن عبد الله بن عمرو من الصحابة، وعن عكرمة من التابعين، وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء، واحتج بحديث خزيمة بن جزء: قلت: يا رسول الله! ما تقول في الأرنب؟ قال: "لا آكله، ولا أحَرِّمه"، قلت: فإني آكل ما لا تحرمه، ولم يا رسول الله؟ قال:"نبئت أنَّها تدمي" رواه ابن ماجه (1)، وسنده ضعيف، ولو صح، لم يكن فيه دليل على الكراهة، وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بلفظ: جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأكلها، ولم ينه عنها، زعم أنَّها تحيض، أخرجه أبو داود (2)، وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في "مسنده".
وحكى الرافعي عن أبي حنيفة: أنه حرَّمها، وغلَّطه النوويُّ في النقل عن أبي حنيفة كما في "الفتح"(3).
قلت: ذكر البدر العيني في "شرح البخاري" رواية عن أصحابهم بكراهة أكلها، ثم قال: والأصح قول العامة (4)، انتهى.
قلت: وممن ذكر الاتفاقَ على إباحة أكل الأرنب: عونُ الدين بن هبيرة في "اختلاف الأئمة"(5).
(1) رواه ابن ماجه (3245)، كتاب: الصيد، باب: الأرنب.
(2)
رواه أبو داود (3792)، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الأرنب.
(3)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 662).
(4)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 132).
(5)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 314).
وفيه دليل أيضًا: على جواز استثارة الصيد والعَدْو في طلبه.
وأما ما أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث ابن عباس مرفوعًا:"من اتبع الصيد، غَفَل"(1)، فمحمول على من واظب على ذلك حتى يشغلَه عن غيره من المصالح الدينية وغيرها.
وفيه: أنه إذا طلب جماعة الصيد، فأدركه بعضُهم، وأخذَ، ملكه، ولا يشاركه فيه من أثاره.
وفيه: هدية الصيد وقَبولُها من الصائد، وإهداء الشيء اليسير إلى الكبير القدر إذا علم من حاله الرضا بذلك (2).
وفيه -على ما في رواية الترمذي: فذبحها بمروة-: صحةُ الذبح بالمَرْوَة ونحوها إذا كان لها حدّ يذكَّى به الصيد ونحوه، فإن قتله بثقله، لم يحل (3)، وغير ذلك، والله أعلم.
(1) رواه أبو داود (2859)، كتاب: الصيد، باب: في اتباع الصيد، والنسائي (4309)، كتاب: الصيد والذبائح، باب: اتباع الصيد، والترمذي (2256)، كتاب: الفتن، باب:(69).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 662).
(3)
انظر: "عمدة القاري" للعيني (13/ 131).