الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطعُ بهَا مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيَها فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ونَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2229)، كتاب: المساقاة، باب: الخصومة في البئر والقضاء فيها، و (2285)، كتاب: الخصومات، باب: كلام الخصوم بعضهم في بعض، و (2380)، كتاب: الرهن، باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه، و (2523)، كتاب: الشهادات، باب: سؤال الحاكم المدعي: هل لك بينة قبل اليمين، و (2525)، باب: اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود، و (2528)، باب: يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين، و (2531)، باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]، و (4275)، كتاب: التفسير، باب:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]، و (6283)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: عهد الله عز وجل، و (6299)، باب: قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]، و (6761)، كتاب: الأحكام، باب: الحكم في البئر ونحوها، و (7007)، كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22].
ورواه مسلم (138/ 220)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: وعيد من اقتطع =
(عن) أبي عبدِ الرحمن (عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ حلف) من المكلفين (على يمينِ صَبْرٍ)(1) -بفتح الصاد المهملة وسكون الموحدة،- وفي رواية:"يمين مصبورة"(2)، وهي التي يلزم بها، ويُحبس عليها، وكانت لازمةً لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لها مصبورة، وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور؛ لأنه إنما صبر من أجلها؛ أي: حُبس، فوصفت بالصبر، وأضيفت إليه مجازًا (3).
(يقتطع): يفتعل من القطع، كأنه قطعه عن صاحبه (4).
(بها)؛ أي: اليمين المذكورة (مال امرىءٍ مسلم): فيأخذه من صاحبه،
= حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، وأبو داود (3243)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: فيمن حلف يمينًا ليقتطع بها مالًا لأحد، والترمذي (1269)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في اليمين الفاجرة يقتطع بها مال المسلم، و (2996)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة آل عمران، وابن ماجه (2323)، كتاب: الأحكام، باب: من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالًا.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 435)، و"المفهم" للقرطبي (1/ 351)، و"شرح مسلم" للنووي (2/ 158)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 147)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1520)، و"فتح الباري" لابن حجر (11/ 559)، و"عمدة القاري" للعيني (12/ 257)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (9/ 383).
(1)
قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(9/ 278): يجوز تنوين "يمينٍ" على أن يكون "صبرٍ" صفة لها، ويكون من باب: رجلٌ عدلٌ، وتركُ تنوينه على الإضافة -أي: يمينِ صبرٍ، وهو المعروف المشهور في الرواية.
(2)
رواه أبو داود (3242)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: التغليظ في الأيمان الفاجرة، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 8).
(4)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 559).
أو يأخذ قطعة من ماله باليمين التي (هو)؛ أي: الحالف (فيها)؛ أي: اليمين (فاجر)؛ أي: كاذب، ومنه حديثُ الصديقِ الأعظم:"إياكم والكذب؛ فإنه مع الفجور، وهما في النار"(1)، يريد: الميل عن الصدق وأعمال الخير، وحديثُ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استحمله أعرابي وقال: إن ناقتي قد نقبت، فقال له: كذبتَ، ولم يحمله، فقال:
[من الرجز]
أَقْسَمَ باللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ
…
مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ
فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ (2)
أي: كذب، ومال عن الصدق (3).
(لقي الله) عز وجل، (وهو) سبحانه وتعالى (عليه)؛ أي: الحالفِ الفاجرِ (غَضبانُ): جملة حالية.
وفي حديث وائل بن حجر عند مسلم، وأبي داود، والترمذي:"وهو عنه معرض"(4).
وفي رواية الأشعث بن قيس عند أبي داود، وابن ماجه:"إلا لقي الله وهو أجذم"(5).
(1) رواه ابن ماجه (3849)، كتاب: الدعاء، باب: الدعاء بالعفو والعافية، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 3)، وغيرهما.
(2)
رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(971).
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 413 - 414).
(4)
رواه مسلم (139)، كتاب: الأيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، وأبو داود (3245)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: فيمن حلف يمينًا ليقتطع بها مالًا لأحد، والترمذي (1340)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه.
(5)
رواه أبو داود (3244)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: فيمن حلف يمينًا ليقتطع =
قلت: أصل حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على مال امرىءٍ مسلم بغير حَقٍّ، لقيَ الله وهو عليه غضبان".
قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقَه من كتاب الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية، زاد في رواية بمعناه: قال: فدخل الأشعثُ بنُ قيسٍ الكنديُّ، فقال: ما يُحدِّثكم أبو عبد الرحمن؟ فقلنا: كذا وكذا، قال: صدق أبو عبد الرحمن، كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فذكر الحديث الآتي.
قال: (ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77])؛ أي: يستبدلون بما عاهدوا عليه الله سبحانه وتعالى من الإيمان بالرسول، والوفاء بالأمانات ({وأيمانهم}) [آل عمران: 77] الكاذبة ({وثمنًا قليلًا})[آل عمران: 77] من حطام الدنيا ومتاعها (الآية) ويجوز نصب الآية على أنها مفعول لفعل محذوف؛ أي: قرأ الآية، أو تمم الآية، أو كمل الآية، ونحو ذلك، ويجوز رفعُها على أنها مبتدأ وخبر لمبتدأ محذوف.
وبقية الآية: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]، قيل: إنها نزلت في أحبار يهود حيث حرفوا التوراة، وبدلوا نُعوتَ محمد صلى الله عليه وسلم، وحكمَ الأمانة، وغيرها، وأخذوا على ذلك الرشوة، وقيل: نزلت في رجل أقام سلعة في السوق، فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به (1).
= بها مالًا لأحد. ولم يروه ابن ماجه في "سننه" بهذا اللفظ، والله أعلم.
(1)
رواه البخاري (4276)، كتاب: التفسير، باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ =
وظاهر سياق حديث ابن مسعود هذا: أنها كانت نازلة قبل ذلك كما لا يخفى، نعم في كتاب الشهادات من "صحيح البخاري" بعد قوله:"وهو عليه غضبان": ثم أنزل الله تعالى تصديق ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ} [آل عمران: 77] الآية، ثم ذكر قصة الأشعث (1)، والله أعلم.
= وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] ، من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه.
(1)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2525).