الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كَتَبَ أَبي، وَكَتَبْتُ لَهُ إِلَى ابنِهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ قَاضٍ بسِجِسْتَانَ، أَنْ لَا تَحْكُم بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ؛ فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ:"لَا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ"(1).
وَفي رواية: "لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (1717)، كتاب: الأقضية، باب: كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، والنسائي (5406)، كتاب: آداب القضاة، باب: ذكر ما ينبغي للحاكم أن يجتنبه، والترمذي (1334)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء: لا يقضي القاضي وهو غضبان.
(2)
رواه البخاري (6739)، كتاب: الأحكام، باب: هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟ وأبو داود (3589)، كتاب: الأقضية، باب: القاضي يقضي وهو غضبان، والنسائي (5421)، كتاب: آداب القضاة، باب: النهي عن أن يقضي في قضاء بقضاءين، وابن ماجه (2316)، كتاب: الأحكام، باب: لا يحكم الحاكم وهو غضبان.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 164)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 77)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 575)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 170)، و"شرح مسلم" للنووي (12/ 15)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 168)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار =
(عن) أبي بَحْرٍ -بالموحدة والحاء المهملة والراء-، وكناه النووي في "التهذيب" بأبي عمرو (عبدِ الرحمن بنِ أبي بكرةَ)، واسمه نُفَيع بنُ الحارث -كما تقدم في ترجمته-.
ولد عبد الرحمن هذا بالبصرة سنة أربع عشرة حيث نزلها المسلمون، وهو أول مولود بها من المسلمين، وهو من أَجِلَّاء التابعين، كثيرُ الحديث، سمع أباه، وعليًا، وابنَ عمر، وغيرَهم.
وروى عنه: محمدُ بن سيرين، وعبدُ الملك بن عُمير، وعليُّ بن زيد، وغيرُهم.
توفي سنة ست وتسعين، وهي السنة التي توفي فيها إبراهيم النخعي على قول.
أخرج له الجماعة (1).
(قال) عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه: (كتب أبي) أبو بكرة نفيع بن الحارث؛ أي: أمرني أن أكتب له، ولهذا قال:(وكتبت له)؛ أي: أملى علي، فكتبت ما أملاه علي (إلى ابنه عبيد الله بن أبي بكرة، وهو)؛ أي: والحال أنه (قاضٍ) يكنى عبيدُ الله: أبا حاتم، وهو أحد الكرام المذكورين، والسمحاء المشهورين.
= (3/ 1564)، و"فتح الباري" لابن حجر (13/ 137)، و"عمدة القاري" للعيني (24/ 233)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (10/ 228)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 120)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 177).
(1)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (7/ 190)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 260)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 77)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (36/ 10)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 275)، و"تهذيب الكمال" للمزي (17/ 5)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (6/ 134).
روى عن: علي بن أبي طالب، وعن أبيه، وغيرهما.
روى عنه: ابنه زياد بن عبيد الله، ومحمد بن سيرين، وغيرهما.
ولي قضاء البصرة، وكان قليل الحديث، وكان عبد الرحمن المتقدم ذكرُه أكبرَ، ولكن عبيد الله هذا أجود وأشهر.
مات سنة سبع وتسعين (1).
ولما كتب له أبوه أبو بكرة كان قاضيًا (بسجستان)، وهي ناحية كبيرة واسعة عمرها سجستان بن فارس، أرضُها كلُّها سبخةٌ رملة، والرياح فيها لا تسكن أبدًا، حتى بنوا عليها أَرْحِيَتَهم، وكلُّ طحينهم من تلك الرياح، وهي -مع كونها شديدة الريح- بلادٌ حارة، وقلَّ أن يُرى فيها بيت إلا وفيه قُنفذ، وأهلها من خيار الناس، وأصح معاملة، وهم يسارعون إلى إغاثة الملهوف، ومواساةِ الضعيف، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وامتنعوا على بني أمية أن يشتموا سيدنا عليًا -رضوان الله عليه- على منابرهم (2).
والذي كتب به أبو بكرة رضي الله عنه لابنه عبيد الله: (أَنْ لا تحكمْ بين اثنين) من الخصماء (وأنت غضبان)؛ أي: في حال غضبك، ثم علل ذلك بقوله:(فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحكم أحدٌ بين)
(1) وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (7/ 190)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 375)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 64)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (38/ 129)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 138)، و"تعجيل المنفعة" لابن حجر (ص: 214).
(2)
وانظر: "الأنساب" للسمعاني (3/ 225)، و"معجم البلدان" لياقوت (3/ 190).
خصمين (اثنين وهو غضبان)؛ أي: في حال غضبه. (وفي رواية) في "الصحيحين": (لا يقضينَّ) نهي مؤكد بالنون الثقيلة (حكم بين اثنين) من الخصماء (وهو غضبان) غضبًا كثيرًا.
قال علماؤنا: يحرم على الحاكم القضاء وهو غضبان كثيرًا؛ لأن الغضب الكثير يمنع فهم الحكم، وكذا في شدة جوع أو عطش، أو هم أو ملل أو كسل، أو نعاس أو برد مؤلم، أو حر مزعج؛ لأن ذلك كله يشغل الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب، ويمنع حضور القلب (1).
وفي "منهج" القاضي زكريا و"شرحه" له من الشافعية: وكُره قضاءٌ عند تغير خلقه بنحو غضب؛ كجوع وشبع مفرطين، ومرض مؤلم، وخوف مزعج، وفرح شديد.
نعم إن غضب لله، ففي الكراهة [وجهان] (2):
قال البلقيني: المعتمد: عدمها، انتهى (3).
لكن معتمد مذهب الشافعية: الكراهة، ولو كان الغضب لله، وإن خالفَ وحكمَ في حالة لا يحل له الحكمُ فيها؛ كما لو حكم وهو غضبان ونحوه، فأصاب الحقَّ، نفذ حكمه في الأصح عندنا كالشافعية (4)، ومحل الحرمة عندنا، والكراهة عند الشافعية في غير حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ للعصمة المانعة من الغلط ونحوه.
قال الإمام الناصر لدين الله أميرُ المؤمنين أبو العباس أحمدُ أحدُ خلفاء
(1) انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (6/ 490).
(2)
في الأصل: "وجهين"، والصواب ما أثبت.
(3)
انظر: "فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 368).
(4)
انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (6/ 490).
بني العباس في كتابه "تَرك الغضب وكَظْم الغيظ": اعلم أن الله -تعالى- لما خلق الحيوان معرضًا للفساد والموتان بأسباب في داخل بدنه، وأسباب خارجة عنه، أنعمَ عليه بما يحميه الفساد، ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم، سماه في كتابه. . . . إلى أن قال: والأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان كالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يُقصد بها، فافتقر إلى قوة وحمية تثور من باطنه، فتدفع المهلكات عنه، فخلق الغضب من النار، وغرزه في الإنسان، وعجنه بطينته، فمهما قصد في غرض من أغراضه، ومقصود من مقاصده، اشتعلت نار الغضب، وثارت ثورانًا يغلي به دم القلب، وتنتشر في العروق، وترتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار، وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدور، فلذلك ينصب إلى الوجه، فيحمر الوجه والعين والبشرة لصفائها، فيحكي لون ما وراءها من حمرة الدّم، كما تحكي الزجاجة لونَ ما فيها، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على مَنْ دونه، واستشعر القدرةَ عليه، فإن صدر الغضب عَمَّنْ فوقه، وكان مأيوسًا من القدرة على الانتقام، تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، وصار حزنًا، ولذلك يصفر اللون، وإن كان على نظير يشكُّ فيه، تولد منه تردُّدُ الدم بين انقباض وانبساط، فيحمرُّ ويصفر ويضطرب.
وبالجملة: فقوة الغضب محلُّها القلب، ومعناها غليانُ دم القلب لطلب الانتقام، وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها، وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها، والانتقام قوةُ هذه القوة وثمرتُها، وفيه لذتها، ولا تسكن إلا به.
ثم إن الناس في هذه القوة على ثلاث درجات من أول الفطرة؛ من التفريط، والإفراط، والاعتدال.
فأما التفريط، فيفقد هذه القوة من أصلها، وذلك مذموم، وهو الذي يقال فيه: إنه لا حمية له، وقد وصف الله تعالى الصحابة الكرام بالشدة والحمية، فقال:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73].
وأما الإفراط، فهو أن تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين، ولا يبقى للعقل مع الغضب بصيرة ونظر وفكر ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطر، وسببه غلبة أمور غريزية وأمور اعتيادية، فرب إنسان مستعد لسرعة الغضب بالفطرة، حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان، ويعين على ذلك حرارةُ مزاج القلب؛ لأن الغضب من النار؛ كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبرودة المزاج تطفئه، وتكسر سَوْرَته.
وأمّا الأسباب الاعتيادية، فبمخالطة من يتبجَّح بتشفي الغيظ وطاعة الغضب، ويسمون ذلك شجاعةً ورجولية، حتى يقول قائلهم: أنا الذي لا أصبر على الضيم، ولا أحتمله من أحد، ومعناه: لا عقلَ لي ولا حلم، فيذكر ذلك في معرض الفخر بجهله، فربما رسخ في نفس من يسمعه حسّ الغضب، وكلما اشتدت نار الغضب، وقوي اضطرابها، أعمت صاحبه، أو أصمته عن كل موعظة؛ لأن نور عقله قد انطفأ وانمحى بدخان الغضب؛ فإن معدن الفكر الدماغ، ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخانٌ إلى الدماغ مظلمٌ يستولي على معادن الفكر، ويتعدى إلى معادن الحس، فتظلم عينه، وتسود عليه الدُّنيا بأسرها، فدماغه بمثابة كهف أُضرمت فيه نار، فاسود جَوُّه، وحمي مستقره، وامتلأ بالدخان جوانبه، وكان فيه سراج ضعيف، فانطفأ وانمحى نوره، فلا يثبت فيه قدم، ولا يسمع فيه كلمة، ولا يقدر على إطفائه، بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق.
وكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ، وربما تقوى نار الغضب، فتفني الرطوبة التي بها حياةُ القلوب، فيموت صاحبه غيظًا، كما تقوى النار في الكهف، فيتشقق وتنهدّ أعاليه على أسافله.
وبالحقيقة، فالسفينة في ملتطم الأمواج عند اضطراب الرياح في لجة البحر أحسنُ حالًا وأرجى سلامةً من النفس المضطربة غيظًا.
ومن آثار هذا الغضب في الظاهر: تغير اللون، وشدَّةُ الرعدة في الأطراف، وخروجُ الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطرابُ الحركة والكلام، حتى يظهر الزبد على الأشداق، وتحمر الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة.
ولو رأى الغضبان في حال غضبه قبحَ صورته، لسكن غضبه [حياء (1)] من قبح ظاهره؛ فإن الظاهر عنوان الباطن، فهذا أثره في الجسد.
وأما أثره في اللسان، فانطلاقه بالشتم والفحش وقبائح الكلام الذي يستحيي منه عند زوال غضبه، ولكل عضو من أعضاء البدن عند إثارة الغضب وشدته نصيبٌ من عدم الانتظام والتغير عن الفطرة.
وثمرةُ تركِ الغضبِ بالكلية فقدُ الأنفة والحمية، والغيرةِ المحمودة المرضية.
والمحمودُ من الغضب ما كان لله، فهو غضب ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حين تجب الحمية، وينطفىء حيث يحسن الحلم، فيحفظ صاحبه، ويوقفه على حدِّ الاعتدال، وخيرُ الأمور أوساطها، انتهى ملخصًا (2).
(1) ما بين معكوفين، سقط من "ب".
(2)
قلت: وهذا الكلام بحروفه في "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 260) وما بعدها.
وفي "مسند الإمام أحمد"، و"سنن الترمذي" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة: "ألا إن الغضبَ جمرةٌ في قلب ابن آدم، أَفما رأيتم إلى حُمرة عينيه، وانتفاخ أَوْداجِهِ؟ فمن أحسَّ من ذلك شيئًا، فليلزقْ بالأرض"(1).
وفي ذلك أخبار كثيرة وآثار شهيرة، والله الموفق.
تنبيه:
اشترط علماؤنا كون القاضي مجتهدًا.
قال ابن حزم: إجماعًا، ولو في مذهب إمامه؛ للضرورة.
واختار جمع: أو مقلدًا (2).
وفي "الإنصاف": وعليه العمل من مدة طويلة، وإلا لتعطلت أحكام الناس، وعليه فيراعي [القاضي (3)] ألفاظ إمامه، ومتأخرها، ويقلد كبار مذهبه في ذلك، ويحكم به -ولو اعتقد خلافه-؛ لأنه مقلد (4).
وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: يُولى لعدمٍ أنفعُ فاسِقَينِ، وأقلُّهُمَا شرًا، وأعدلُ المقلِّدينِ، وأعرفُهُما بالتقليدِ (5).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 61)، والترمذي (2191)، كتاب: الفتن، باب: ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة.
(2)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 396).
(3)
[القاضي] ساقطة من "ب".
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 396). ولم أقف عليه في "الإنصاف"، للمرداوي، والشارح رحمه الله لا ينقل عنه غالبًا في شرحه هذا، والله أعلم.
(5)
نقله ابن مفلح في "الفروع"(6/ 376)، وعنه نقل الشارح رحمه الله.
وفي "الإفصاح": إن الإجماع انعقد على تقليد كلٍّ من المذاهب الأربعة، وإن الحق لا يخرج عنهم (1).
قال الإمام الموفق: النسبة إلى إمام في الفروع كالأئمة الأربعة ليست بمذمومة؛ فإن اختلافهم رحمة، واتفاقهم حجة قاطعة.
ونظر فيه بعض العلماء بأن الإجماع ليس عبارة عن الأربعة وأصحابهم.
ورد هذا في "الفروع" بأنه ليس في كلام الموفق ما فهمه المعترض (2).
قال علماؤنا: فلو حكم القاضي ولم يجتهد، لم يصح، ولو أصاب الحق (3)، وهذا تفريع على اشتراط كونه مجتهدًا.
وفي "الإفصاح" لابن هبيرة: واتفقوا على أنه لا يجوز أن يولَّى القضاء مَنْ ليس من أهل الاجتهاد، إلا أبا حنيفة، فإنه قال: يجوز ذلك.
قال أبو المظفر الوزير ابنُ هبيرة -قدّس الله روحه-: الصحيح في هذه المسألة أن قول من قال: بأنه لا يجوز تولية قاض حتى يكون من أهل الاجتهاد، فإنه إنما عنى به ما كانت الحال عليه قبل استقرار ما استقر من هذه المذاهب التي اجتمعت هذه الأمّة على أن كلًا منها يجوز العملُ به؛ لأنه مستند إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطال في ذلك.
وقال: إذا قصد؛ أي: الحاكم في مواطن الخلاف تَوَخِّيَ ما عليه الأكثرُ منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد، فإنه قد أخذ بالحزم والأحسن والأولى، مع جواز أن يعمل بقول الواحد (4)، والله الموفق.
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 343).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 374).
(3)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 415).
(4)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 343 - 344).