الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ:"إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ"(1).
* * *
(عن) أبي عبد الرحمن (عبدِ الله بنِ) أمير المؤمنين (عمرَ) بن الخطاب رضي الله عنهما، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم: أنه) صلى الله عليه وسلم (نهى عَنِ النذر).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (6234)، كتاب: القدر، باب: إلقاء العبد النذر إلى القدر، و (6314 - 6315)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: الوفاء بالنذر، ومسلم (1639/ 4)، واللفظ له، و (1639/ 2 - 3)، كتاب: النذر، باب: النهي عن النذر، وأنه لا يرد شيئا، وأبو داود (3287)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النهي عن النذر، والنسائي (3801 - 3802)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النهي عن النذر، وابن ماجه (2122)، كتاب: الكفارات، باب: النهي عن النذر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 53)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 387)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 607)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 97)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 156)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1537)، و"فتح الباري" لابن حجر (11/ 576)، و"عمدة القاري" للعيني (23/ 153)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (9/ 404)، و"سبل السلام" للصنعاني (4/ 110)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (9/ 138).
قال في "النهاية": وقد تكرر في أحاديثه ذكر النهي عنه، وهو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يُفعل، لكان في ذلك إبطالُ حكمه، وإسقاطُ لزوم الوفاء به؛ إذ كان بالنهي يصير معصية، فلا يلزم، وإنما وجه ذلك: أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجرُّ لهم في العاجل نفعًا، ولا يصرف عنهم ضرًا، ولا يردُّ قضاء (1)، (و) لذلك (قال: إنه)؛ أي: النذر (لا يأتي بخير)، ولا يرد من القدر شيئًا، (وإنما يُستخرج به)؛ أي: النذرِ (من البخيل)؛ فإن من عادة الناس تعليقَ المنذور على حصول المنافع ودفع المضار، فنهى صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنه من فعل البخلاء، وأما الأسخياء إذا أرادوا أن يتقربوا إلى الله تعالى بشيء، استعجلوا به، وأتوا به في الحال، والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة شيء (2).
وفي بعض ألفاظ البخاري: "إن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخره، وإنما يُستخرج بالنذر من البخيل"(3).
قال في "النهاية": كأنه قال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدِّرْهُ الله لكم، أو تصرفون به عنكم ما جرى به القضاءُ عليكم، فإذا نذرتم ولم تعتقدوا هذا، فاخرجوا عنه بالوفاء؛ فإن الذي نذرتموه لازم لكم (4).
قال الإمام العلامة ابن مُفلح في "فروعه": النذر مكروه وفاقًا لأبي
(1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 38).
(2)
انظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 580).
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (6314).
(4)
انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 38).
حنيفة، لا يأتـ[ـي] بخير، قال ابن حامد: لا يردُّ قضاء، ولا يملك به شيئًا محدثًا.
قال: وتوقف شيخنا في تحريمه، ونقل عبد الله -يعني: ابن الإمام أحمد-: نَهَى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن حامد: المذهب: أنه مباح، وحرَّمه طائفةٌ من أهل الحديث (1)، انتهى.
ومعتمد المذهب: أنه مكروه؛ كما جزم في "المغني"(2)، و"الشرح"(3)، ومشى عليه في "الإقناع"(4)، و"المنتهى"(5).
قال الناظم: ليس هو سنة، ولا محرم.
قال في "الفروع": وظاهر ما سبق: يصلي النفل كما هو، لا ينذره ثم يصليه؛ خلافًا للأرجح للحنفية (6).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إيجابُ المؤمن على نفسه إيجابًا لم يحتج إليه بنذرٍ، وعهدٍ وطلبٍ وسؤالٍ جهلٌ منه، وظلمٌ (7).
وينعقد في واجب؛ كَـ: لِلَّهِ عليَّ صومُ أمسِ ونحوهِ من المُحال (8).
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 353).
(2)
انظر: "المغني" لابن قدامة (10/ 67).
(3)
انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (11/ 331).
(4)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 379).
(5)
انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (5/ 251).
(6)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 353).
(7)
المرجع السابق، (6/ 355).
(8)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 379).
قال علماؤنا: وأنواع منعقِدِ النذرِ ستة:
أحدها: المطلق؛ كـ: للَّهِ عليَّ نذرٌ، أو: إن فعلتُ كذا، فعليَّ نذرٌ. ولا نيةَ تخصيصٍ بمحل، ولا زمن، وفعلَه، فكفارة يمين؛ وفاقًا لأبي حنيفة، ومالك (1)؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارةُ النذر إذا لم يسمَّ كفارة يمين" رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب (2)، وهذا نص في المسألة، فلا يعدل عنه.
الثاني: نذرُ لِجاجٍ وغضبٍ، وهو تعليقُه بشرط بقصد المنع من شيء، أو الحملِ عليه؛ كـ: إن كلمتُك، أو: إن لم أخبرك، فعليَّ الحجُّ، أو العتقُ، أو صومُ سنة، أو مالي صدقةٌ، فيخير بين فعل ما التزمه، أو كفارة يمين (3).
وقال أبو حنيفة في إحدى روايتيه: يلزمه الوفاء بما قاله، ولا يلزمه كفارة، وفي الأخرى: يجزئه عن ذلك كفارة يمين.
قال محمد بن الحسن: رجع أبو حنيفة عن القول الأول إلى القول بالكفارة.
وقال مالك: يلزمه في الصّدقة أن يتصدق بثلث ماله، ولا يجزئه الكفارة عنه، وفي الحج والصوم يلزمه الوفاء لا غير.
وعن الشافعي قولان:
أحدهما: يلزمه الوفاء.
(1) انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 353).
(2)
رواه الترمذي (1528)، كتاب: النذور والأيمان، باب: ما جاء في كفارة النذر إذا لم يسم، واللفظ له، وابن ماجه (2127)، كتاب: الكفارات، باب: من نذر نذرًا ولم يسمه.
(3)
انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (5/ 252).
والآخر: هو مخير بين الوفاء بما قال، وبين كفارة اليمين (1)؛ كمعتمد مذهبنا.
قال القاضي زكريا في "شرح المنهج": فيه -أي: نذر اللجاج والغضب- عندَ وجود الصفة ما التزمَه؛ عملًا بالتزامه، أو كفارةُ يمين؛ لخبر مسلم:"كفارة النذر كفارة يمين"(2)، وهي لا تكفي في نذر التبرر بالاتفاق، فتعين حملُه على نذر اللجاج (3).
وعن ابن حصين رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد في "سننه"(4).
الثالث: نذرٌ مباح؛ كـ: للَّه عليَّ أن ألبس ثوبي، وأركب دابتي، فيخير -أيضًا- على معتمد المذهب (5).
وقال الثلاثة: لا ينعقد (6).
الرابع: نذرٌ مكروه؛ كطلاق ونحوه، فيسن أن يكفِّرَ ولا يفعلَه.
الخامس: نذرُ معصية؛ كشرب خمر، وصومُ يومِ عيدٍ وحيضٍ وأيامِ تشريق، فيحرم الوفاءُ به، ولا كفارة. ويكفِّر من لم يفعله، ويقضي صومَ
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 340).
(2)
رواه مسلم (1645)، كتاب: النذور، باب: في كفارة النذر، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(3)
انظر: "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/ 356).
(4)
ورواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 433)، والنسائي (3842)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: كفارة النذر، وغيرهما من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(5)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 380).
(6)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 341).
ما نذر غير يوم حيض مع الكفارة (1)؛ لحديث: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث عائشة (2)، والنسائي، من حديث عمران بن حصين (3).
وفي "المسند"، و"صحيح البخاري"، و"السنن الأربعة" من حديث عائشة رضي الله عنها:"من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله، فلا يَعْصِه"(4).
قال ابن هبيرة: اتفقوا على أن النذر منعقدٌ للناذر إذا كان في طاعة، فأما إذا نذر أن يعصي الله، فاتفقوا أنه لا يجوز أن يعصيه، ثم اختلفوا في وجوب الكفارة هل تنعقد؟
فقال الثلاثة: لا تنعقد.
(1) انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (5/ 253).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 247)، وأبو داود (3290)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: من رأى عليه كفارة إذا كان فيه معصية، و (3835)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: كفارة النذر، والترمذي (1525)، كتاب: النذور والأيمان، باب: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نذر في معصية، وابن ماجه (2125)، كتاب: الكفارات، باب: النذر في المعصية.
(3)
تقدم تخريجه قريبًا.
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 36)، والبخاري (6318)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النذر في الطاعة، وأبو داود (3289)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: ما جاء في النذر في المعصية، والنسائي (3806)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النذر في الطاعة، والترمذي (1526)، كتاب: النذور والأيمان، باب: من نذر أن يطيع الله فليطعه، وابن ماجه (2126)، كتاب: الكفارات، باب: النذور في المعصية.
وقال الإمام أحمد: ينعقد النذر، ولا يحل له فعله، وموجبه كفارة، وعنه: لا ينعقد، ولا يلزمه كفارة (1).
والمعتمد: عليه الكفارة، ومنه نذر ذبح ولده على المعتمد.
وعنه: يلزمه أن يذبح شاة؛ وفاقًا لأبي حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: لا يلزمه شيء (2).
السادس: نذرُ تَبَرُّرَ؛ كصلاة وصوم واعتكاف وصدقة وحج وعمرة بقصد التقرُّب بلا شرط، أو علق بشرط نعمة، أو دفع نقمة؛ كـ: إن شفى الله مريضي، أو سلم مالي، أو حلف بقصد التقرب؛ كـ: والله، أو: لئن سلم مالي، لأتصدقن بكذا، فوجد شرطه، لزمه، ويجوز إخراجه قبله (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في إن قدم فلان، أصوم كذا: هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة، لا أعلم فيه نزاعًا. ومن قال: ليس بنذر، فقد أخطأ.
وقال: قول القائل: لئن ابتلاني، لأصبرنَّ، ولئن لقيتُ عدوًا، لأجاهدنَّ، ولو علمت أي العمل أحبّ إلى الله، لعملته: نذرٌ معلق بشرط (4).
ومن نذر فعل طاعة ومعصية، لزمه فعلُ الطاعة، وكَفَّر للمعصية (5).
وفروع النذر وتقاسيمه كثيرة مذكورة في كتب الفقه، والله أعلم.
(1) انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 339).
(2)
انظر: "الفروع" لابن مفلح (6/ 358 - 359).
(3)
انظر: "منتهى الإرادات" للفتوحي (5/ 253).
(4)
انظر: "الفتاوى المصرية الكبرى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 622).
(5)
انظر: "الإقناع" للحجاوي (4/ 381).