الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث والعنعنة، ورواته ما بين بصري وواسطيّ ومكيّ، وفي رواية كريمة عن المستملي: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفَضْل، واقتصر غيره على أبي النعمان. أخرجه هاهنا وفي العلم أيضًا عن مسدد وفي الطهارة عن موسى بن إسماعيل، ومسلم في الطهارة عن شيبان بن فَرُّوخ وغيره، والنَّسائِيّ عن أبي داود الحرَّاني.
ثم قال المصنف:
باب قول المحدث حدثنا واخبرنا وانبأنا
يعني هل بينهما فرق؟ أو الكل واحد؟ وثَبَّتَ الجميع في رواية أبي ذرّ وفي رواية كريمة إسقاط "أنبأنا" وفي رواية الأصيليّ إسقاط "أخبرنا". والمراد بالمحدّث اللُّغوي، وهو الذي يحدث غيره، لا الاصطلاحي الذي هو أحد مراتب أهل الحديث الستة:
الأول: الطالب، ويقال له الرَّاغب والمبتدىء، وهو المشتغل في طلب الحديث، ولم يصل إلى رتبة الشيخ.
الثاني: المحدِّث، ويرادفه الشيخ والإمام، وهو من كَمُل في الحديث بحيث يصح أن يقتدى به، ولم يصل إلى درجة الحافظ.
الثالث: الحافظ، وهو من حفظ مئة ألف حديث، عالمًا بجميع أحوال رواتها، من تعديل وتجريح ووفاة.
الرابع: الحجة، وهو من حفظ ثلاث مئة ألف حديث مع شرط ما ذكر.
الخامس: الحاكم، وهو من أحاط علمه بكل ما روي عن النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، من صحيح وحسن وضعيف وموضوع، وليس وراءه وراء، ولا بعده مرمى.
السادس: الناقل، وهو من ينقل الحديث بالإسناد، وهو فوق الطالب، ودون المُحَدِّث، وإلى المراتب أشار سيدي عبد الله في "غُرَّة الصباح" بقوله:
وراغبٌ مبتدىءٌ ذو الطَّلب
…
والشيخُ كالإمام في المُهَذَّب
كذا المحدِّث الذي قد كمُلا
…
من كل أُستاذ لدى مَنْ عقلَا
ومن حوى مئة ألفٍ مطلقا
…
عليه لفظُ حافِظٍ قد أُطلقا
والحجُةَّ الذي بما قد سلفا
…
وزيْدَ مِثْلَيْه يُرى مُتَّصفا
الجَرْحُ والتاريخ والتَّعديل
…
فيمن روى يلتزمٌ النَّبيلُ
ومنْ أحاطَ علمهُ بكلِّ ما
…
روى يُسَمّى حاكمًا فلتَعْلمَا
وناقلُ الحديثِ بالإِسنادِ
…
يدعونه الرَّاوي بلا انتقادِ
ثم قال المصنف:
وقال الحميديّ: كان عند ابن عُيينة "حدثنا وأخبرنا وأنبأنا. وسمعت واحدًا". وللأصيلي وكريمة، وقال لنا الحميديّ، وكذا ذكره أبو نُعيم في "المُسْتَخْرَج" فهو متصلٌ. وأفاد جعفر بن حمدان النَّيْسابُوريّ أن كل ما في البخاريّ من "قال لي" فهو عَرَضٌ أو مناولة. والحمُيديّ وسُفيان بن عُيينة قد مرا في الحديث الأول من الكتاب. وتقرير البخاري ما نقله عن الحُميديّ مع ما يأتي من التعاليق الثلاثة الآتية في كلامه يدل على اختياره له.
قال الخطيب: الأرفع "سمعتُ" ثم "حدثني" ثم "أخبرني" ثم "أنبأني". وقد بينتُ هذا وبسطتهُ عند حديث "إنما الأعمال بالنيات". ولكنْ لابد أن أذكر هنا جملة مختصرة، وهي أنه لا خلاف عند أهل العلم في اتحاد الجميعِ بالنسبة إلى اللغة. ومن أصرح الادلة فيه قوله تعالى {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] وقوله تعالى {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14].
وأما بالنسبة إلى الاصطلاح، ففيه الخلاف، فمنهم من استمر على أصل اللغة، وهذا رأي الزُّهريّ ومالك وابن عُيينة ويحيى القَطَّان وأكثر الحجازيين والكوفيين. وعليه استمر عمل المغاربة، ورجَّحه ابن الحاجب في مُخْتَصره. ونُقِل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة، ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده، حيثُ يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن رَاهَويْه والنَّسائِيّ وابن حِبان وابن مَنْده وغيرهم.
ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التَّحَمُّل، فيخصون التحديث بما يَلْفُظ به الشيخ، والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جُريج والأوزاعيّ والشافعيّ، وابن وَهْب وجمهور أهل المشرق. ثم أحدث اتباعهم تفصيلًا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال: أخبرني. ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه.
وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل، وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب، فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته. نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوّز عنها احتاج إلى الإِتيان بقرينة تدل على مراده، وإلا فلا يؤمَنُ اختلاط المسموع بالمجاز، بعد تقرير الاصطلاح، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين. ويأتي -إن شاء الله تعالى- في باب القراءة والعرض على المحدث، إتمام الكلام على هذا البحث بطول.
ثم ذكر المصنف ثلاثة تعاليق مؤيدًا بها مذهبه من التسوية بين الصيغ الأربع فقال:
وقال ابن مسعودٍ حَدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وقال شقيق عن عبد الله سمعت للنبي صلى الله عليه وسلم كلمة
وقال حذيفة حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين.
وقوله: "الصادق المصدوق" يحتمل أن تكون الجملة حالية، وأن تكون اعتراضية، وهو أولى، لتعُمّ الأحوال كلها، وإن ذلك من دأبه وعادته. والصادق معناه المُخْبر بالقول الحق. ويطلق على الفعل، يقال: صِدْق القتال، وهو صادق فيه.
والمصدوق معناه: الذي يُصَدَّق له في القول، يقال: صَدَقْتُه الحديث، إذا أخبرته به إخبارًا جازما، وهذا بالنسبة لإخبار جبريل له، أو معناه: الذي صدَقَهُ الله وعَدَهُ، أو الذي صدَّقه الناس فيما أخبرهم به.
وقال الكرمانيّ: لما كان مضمون الخبر الذي هو تكوين الجنين، وتطويره إلى أطوار أمرًا مخالفًا لما عليه الأطباء، أشار بذلك إلى بُطلان ما ادَّعَوه. ويحتمل أنه قال ذلك تَلَذُّذًا به وتبركًا وافتخارًا، ويؤيده وقوع هذا اللفظ بعينه في حديث أنس، وليس فيه إشارة إلى بُطلان شيء يخالف ما ذكر، وهو ما أخرجه أبو داود من حديث المُغيرة بن شُعْبَة: سَمعتُ الصادق المصدوق يقول: "لا تُنْزَعُ الرحمة إلا من شقيٍّ" ويأتى في علامات النبوة من حديث أبي هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: "هلاك أُمَّتي على يدي أُغَيْلِمةٍ من قريش"
وابن مسعود المراد به عبد الله، وقد مر في الأثر الثالث من كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه، وهذا التعليق طرف من الحديث المشهور في خلق الجنين، وقد أوصله البخاريّ في كتاب القَدَر.
وأما شقيق فقد مرّ أيضًا في الحادي والأربعين من كتاب الإيمان، وتعليقه أوصله البخاريّ في الجنائز.
وتعليق حُذَيْفَة أوصله البُخاريّ في كتاب الرِّقاق، وساق التعاليق الثلاثة تنبيها على أن الصحابي تارةً يقول:"حدثنا"، وتارة يقول:"سمعت" فدل على عدم الفرق بينهما.
أما حديفة:
فهو ابن اليمان حِسْل، بكسر الحاء وسكون السين المهملة، ويقال: حُسيل بالتصغير، ابن جابر بن عَمْرو بن ربيعة بن جِروة، بكسر الجيم، ابن الحارث بن مازِن بن قُطيْعةَ بن عَبس بن بَغيض، بفتح الموحدة، بن رَيْث، بفتح الراء، ابن غطفان بن سعد بن قَيْس عَيْلان بن مُضر بن نِزار ابن مَعدّ بن عدَنان، أبو عبد الله العبسي القُطيْعى، حليف بني عبد الأشهل من الأنصار.
وأمه الرّباب بنت كعْب بن عَدِيّ بن عبد الأشهل من الأوس، وإنما قيل له اليمان، لأن أباه أصاب دمًا في قومه، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهْل، فسماه قومه اليمان، لأنه حالف اليمانيَّة.
أسلم هو وأبوه وشهدا أحدَّا، ومعهما عمه صَفوان، وقُتل أبوه يومئذ، قتله المسلمون يحسبونه من المشركين، فوهب لهم خذَيْفَةُ دمه. وأسلمت أم حُذيفة وهاجرت، وكانا قد أرادا شُهود بَدْرِ، فاستحلفهما المشركون أن لايشهدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحلفا لهم، ثم سألا النبي، صلى الله عليه وسلم فقال، صلى الله عليه وسلم، "نَفي لهم بعَهْدِهِم، ونَسْتعِينُ بالله عليهم".
وكان صاحب سرّ النبي، صلى الله عليه وسلم، في المنافقين يعلَمُهُم وَحْدَه. وسأله عمر رضي الله عنه، هل في عماله أحد منهم؟ قال: نعم واحد. قال: من هو؟ قال: لا أذكره، فَعَزَ له عمر رضي الله عنه، كأنّما دل عليه.
وكان عمر، رضي الله عنه، إذا مات الميت، فإن حضر الصلاة عليه حذُيفة، صلى عليه عمر، وإلا فلا. وكان حذيفة يقول: خَيَّرنِي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين الهجرة والنُّصْرة، فاخترت النّصرة. وأرسله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة الأحزاب، ليأتيه بخبر الكفار، فجاءه بخبر رحيلهم بعد أن قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "من يأتنا بخبرهم
يكن رفيقنا غدًا ويأمن منهم" فلم يقم إليه غيره، لشدة البرد والجوع والخوف، إلى آخر الخبر.
وفي مُسلم عن حُذيفة أنه قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان وما يكون حتى تقومَ الساعةُ" وفي الصحيحين: أن أبا الدَّرداء قال لعلقمة: أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ يعني حُذيفة. وسئل حُذيفة: أي الفتن أشد؟ فقال: أن يُعْرَض عليك الخَير والشر فلا تدري أيهما تركب.
وروى زيد بن أسْلَم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه، قال لأصحابه:"تمنَّوا، فَتَمَنَّوْا ملء البيت الذي كانوا فيه مالاً وجواهر، ينفقونها في سبيل الله، فقال عمر: لكنّي أتمنى رجالًا مثل أبي عبيدة ومُعاذ بن جبل وحُذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله عز وجل". ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة، وقال للرسول:"انظر ماذا يصنع"، فقسمه. ثم بعث بمالٍ إلى حُذيفة، وقال "انظر ماذا يصنع"، فقسمه. فقال عمر:"قد قلت لكم".
وكان حذيفة، رضي الله عنه، كثير السؤال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الفتن والشر ليجتنبهما. وكان عمر، رضي الله عنه، إذا استعمل عاملا، كتب عهده "وقد بعثتُ فلانًا وأمرته بكذا"، فلما استعمل حذيفة على المدائن، كتب في عهده "أنْ اسمعوا له وأطيعوا وأعطُوه ما سألكم"، فلما قدِم المدائن، استقبله الدَّهاقين، فلما قرأ عهده، قالوا: سلنا ما شئت، قال: أسألكم طعاماً آكله، وعلف حماري ما دمتُ فيكم. ثم أقام فيهم، ثم كتب إليه عمر ليَقْدُمَ عليه، فلما بلعْ عُمَرَ قدومُه، كَمُنَ له في الطريق، فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه فألتزمه، وقال: أنت أخي، وأنا أخوك.
شهد حذيفة حرب نَهاوَنْد، فلما قُتِل النعمانُ بنُ مُقْرن أميرُ ذلك الجيش، أخذ الراية، وكان فتح هُمذَانَ والزَّيِّ والدِّيْنَوَر على يده، وشهد
فتحٍ الجزيرة، ونزل نَصِيبين، وتزوج فيها. وقُتِل ابناه صَفوانُ وسعيدُ بصفين، وكانا قد بايعا عليًا بوصية أبيهما بذلك إياهما.
ولما نزل به الموت جزع جزعًا شديدًا، وبكى بكاء كثيرًا، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: لا أبكي أَسفا على الدنيا، بل الموت أحبّ إلى، ولكني لا أدري على ما أقْدم: على رضا أو سَخَط. وقيل: لما حضره الموت، قال: هذه آخر ساعة من الدنيا، اللهُمَّ إنك تعلم أني أحبك، فبارك لي في لقائك، ثم مات.
ومن كراماته الباهرة الحاصلة بعد موته، ما ثبت عندنا بالتواتر، من أن أهل بغداد، لما خافوا من وصول ماء دجْلة لقبره، أخرجوه منه، ووجدوه كأنه يوم قبضت روحه الشريفة، لم يتغير كفنه بتغير ما، فضلًا عن جسده الشريف. وكان هذا في أوائل ذي الحجة سنة خمسين وثلاث مئة وألف.
له مئة حديث، وأحاديث، اتفقا على اثني عشر وانفرد البخاريُّ بثمانية ومسلم بسبعة عشر. قاله في الخُلاصة: -وهو يعيد من قول الكرمانّي في شرحه- "له عشرون حديثًا" فلعله أسقط عددًا، إما منه أو من الناسخ. روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم وعمر، وروى عنه جابر بن عبد الله وجُنْدُب ابن عبد الله البَجْليّ، وعبد الله بن يَزيد الخطْميّ، وأبو الطُّفَيل وغيرهم من الصحابة، وحُصَين بن جُنْدُب أبو ظَبْيَان ورَبَعِيّ بن خِراش، وَزرْ بن حُبيش وزيْد بن وَهْب، وأبو وائل وُصْلَة بن زُفير، وأبو ادريس الخَوْلاّني وغيرهم.
مات، رضي الله عنه، بالمدائن سنة ست وثلاثين، بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، ولم يدرك الجَمَل، وليس في الصحابة حذيفة بن اليمان سواه إلا ابن اليمان الأَزْدِيّ. وفيهم حُذيفة ثلاثة: حذيفة بن أَسَيْد، بفتح الهمزة، وابن أَوْس وابن مُحْصن الغَلْفَانيّ، وفي الستة حذيفة سواه ثلاثة.
ثم ذكر المصنف ثلاثة تعاليق أُخر فقال:
وقال أبو العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما
يروي عن ربه وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم عز وجل.
أراد المصنف بذكر هذه التعاليق التنبيه على العنعنة، وأن حكمها الوصلُ عند ثبوت اللَّقْي. وقد استوفينا الكلام عليها وعلى "إن" في الحديث الأول "إنما الأعمال بالنيات"، وقال ابن رَشِيد: أشار بذكرها إلى أن رواية النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، إنما هي عن ربه، سواءًا صرح الصحابيّ بذلك أم لا، ويدل عليه حديث عبد الله بن عباس المذكور، فإنه لم يقل فيه، في بعض المواضع عن ربه، ولكنه اختصار، فيحتاج إلى التقدير.
قال في "الفتح": ويستفاد من الحكم بصحة ما كان ذلك سبيله صحة الاحتجاج بمراسيل الصحابة، لأن الواسطة بين النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وبين ربه فيما لم يكلِّمه به، مثلا ليلة الإسراء، جبريل، وهو مقبول قطعًا، والواسطة بين النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وبين الصحايىّ صحابيٌ آخر، وهو مقبول اتفاقًا. وهذا في أحاديث الأحكام دون غيرها. فإن بعض الصحابة ربما حملها عن بعض التابعين مثل كعب الأحْبار.
التعليق الأول وصله البخاريّ في التوحيد.
وأما أبو العالية، فاختلف في المراد به، فقال العينيّ: المراد به البرّاء، بالراء المشددة، البصريّ، مولى قريش. اسمه، زياد بن فَيْروُز، وقيل: زياد بن أُذَيْنَة، وقيل: اسمه أذينة. وقيل: أذينة لقب له، واسمه كُلْثوم. قال أبو زُرعة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العَجْليّ: بصريّ تابعيّ ثقة. وقال ابن سَعْد: كان قليل الحديث. وقال ابن عبد البرّ: زياد بن فَيْروز أكثر ما قيل فيه وهو ثقة عندهم.
روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزُّبير وانس وطَلقْ بن حَبيب وعبد الله بن الصَّامت، وغيرهم. وروى عنه أيُّوب وبُديلَ بن ميسرة ومطرُ الورّاق والحسن بن أبي الحسناء وعُبيدُ بن يونس وغيرهم.
مات في شوال سنة تسعين.
وليس في الستة أبو العالية سواه هو وأبو العالية رفيع الآتي قريبا، إن شاء الله.
وإنما قيل له البرّاء لأنّه كان يَبْريِ النَّبْل أو العود. ومثله أبو مَعْشر البرّاء، واسمه يوسُف. ومن عداهما البَراء، بالمد والتخفيف. قال العراقي في ألفيته:
ذو كُنْيَةٍ بمَعْشَرٍ والعالية
…
بَرّاءُ اشْدُد .... الخ.
وقال سيّدي عبد الله في "غرة الصباح" ناظمًا للمخفف عكس ما فعل العراقي:
وما سوى ابن عازِبٍ البَّراء
…
مشددٌ بالوِفْق فيه الرّاء
كذاك بالتخفيف، نجلُ مَعْرُور
…
الخزرجيُ العُقبيُ المشهور
قلت: لا أدري ما معنى ذكره للاثنين.
وفي الستة أربعة سواهما، كلهم بتخفيف الراء. وهم:
ابن زيد البصري ابن بنت أنس بن مالك، وابن عبد الله بن يزيد الغَنَوي البصري القاضي. وابن ناجية الكاهليّ الكوفيّ، ويقال: المحارِبيّ والسَّليطيّ، بفتح السين، وقال الكرمانيّ: وقواه ابن حجر أن المراد بأبي العالية هنا رفيع بن مهران، بكسر الميم الرَّيَّاحِيّ، مولاهم، البصريّ. أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر. قال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. وقال اللَالِكائِيّ: مجْمَعٌ على ثقته. وقال العجلي: تابعي ثقة من كبار التابعين. وقال قتادة عنه: قرأ القرآن بعد وفاة نبيكم بعشر سنين. وقال أبو داود: ذهب عِلْم أبي العالية لم يكن له رواة، وقال ابن أبي
داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبي العالية، وبعده سعيد ابن جُبَير، وبعده السَّدِّي، وبعده الثَّوْريّ. وقال ابن عديّ: له أحاديث صالحة، وأكثر ما نقم عليه حديث الضحك في الصلاة، وكل من رواه غيره فإنما مدارُهم ورجوعهم إلى أبي العالية، والحديث له وبه يعرف، ومن أجله تكلموا فيه. وسائر أحاديثه مستقيمة صالحة، وأما قول الشافعيّ: حديث الرَّيَّاحِيّ رياحٌ، فإنما يعني حديثه هذا في القهقهة.
روى عن علي وابن مسعود وأبي موسى وأبي أيوب وأبي بن كعب وابن عباس، وثوبان وابن عُمر وعائشة وأنس ورافع بن خَدِيج وأبي هُرَيرة وأبي سعيد وأبي ذرٍ. وقيل: لم يسمع من علي ولا أبي أيّوب. وروى عنه خالد الحذّاء، وداود بن أبي هند، ومحمد بن سيرين، واخته حفصة، والربيع ابن أنس، وثابت البَنَّانيّ، وحُميدَ بن هلال، وقتادة ومنصور بن زاذان، وجماعة. مات سنة تسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين. وقيل: سنة ست ومئة. وقيل: سنة إحدى عشرة ومئة.
والرَّيَّاحيّ في نسبه نسبة إلى ريَّاح بن يَرْيُوع بن حَنْظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، أبو قبيلة من تميم، منهم مَعْقِل بن قيس الرَّيَّاحي، أحد أبطال الكوفة وشجعانها. ونسب إليها أبو العالية لأنه أعتقته امرأة من بني رَيَّاح. وليس في الستة رفيع سواه، إلا رفيع والد عبد العزيز. جرى ذكره في أثر علَّقه البخاري في أواخر كتاب الطلاق عن ابن عباس.
والتعليق الثاني: أخرجه البخاريّ أيضًا في التوحيد، وأنس، مرّ في السادس من كتاب الإيمان.
والتعليق الثالث: أخرجه البخاريّ أيضًا في التوحيد، وأبو هريرة مرّ أيضًا في الثاني من كتاب الإيمان.