الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والخمسون
حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
قوله "من يقل علي" أصله يقول ثم جزم بالشرط، وقوله "ما لم أقل" أي: شيئًا لم أقله، فحذف العائد، وهو جائز، وذكر القول لأنه الأكثر، وحكم الفعل كذلك لاشتراكهما في علة الامتناع، وقد دخل الفعل في عموم حديث الزبير وأنس السابقين، لتعبيرهما بلفظ الكذب عليه وكذلك حديث أبي هريرة الآتى بعد هذا فلا فرق في ذلك بين أن يقول: قال رسول الله كذا أو فعل كذا، إذا لم يكن قاله أو فعله. وقد تمسك بظاهر هذا اللفظ من منع الرواية بالمعنى، وأجاب المجيزون عنه بأن المراد النهي عن الإِتيان بلفظ يوجب تغيير الحكم مع أن الإِتيان باللفظ لا شك في أولويته.
وقوله "فليتبوأ مقعده من النار" يعني لما فيه من الجرأة على الشريعة، وعلى صاحبها عليه الصلاة والسلام، فإن قيل: الكذب معصية إلَاّ ما استثنى في الاصلاح وغيره، والمعاصي قد توعد عليها بالنار، فما الذي امتاز به الكذب عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره؟ فالجواب عنه من وجهين أحدهما هو أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيرة، فافترقا. ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه، أو كذب على غيره، أن يكون مقرهما واحدًا، أو طول إقامتهما سواء. فقد دل قوله عليه الصلاة والسلام "فليتبوأ" على طول الإقامة فيها بل ظاهرة أنه لا يخرج منها،
لأنه لم يجعل له منزلًا غيره، إلا أن الأدلة "القطعية" قامت على أن خلود التأييد مختص بالكافرين وقد فرق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بين الكذب عليه والكذب على غيره، كما أخرجه البخاري في الجنائز عن المغيرة بن شعبة بلفظ "إنّ كذبًا علي ليس ككذب على أحد".
قلت: ما مر من كون الكذب على غيره صغيرة مخالف لما مر في باب من "أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم" من أن "قول الزور" من أكبر الكبائر كما في الحديث الصحيح، فتأمل. الجواب الثاني هو أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجُويْنيّ، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن تبعه، وقال: إنه هفوة من والده، وانتصر له ابن المنير بأن خصوصية الوعيد توجب ذلك، إذ لو كان بمطلق النار لكان كل كاذب كذلك عليه أو على غيره، وإنما الوعيد بالخلود. قال: ولهذا قال: "فليتبوأ" فليتخذها مباءة ومسكنًا. وذلك هو الخلود وبأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلًا لا ينفك عن استحلال الحرام، أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر.
وأجيب عن الأول بأن دلالة التبوأ على الخلود غير مسلّمة، ولو سلم فلا نُسلم أن الوعيد بالخلود مقتضٍ للكفر بدليل "متعمد القتل" المقول فيه ما قيل من الخلود. وأجيب عن الثاني بأنا لا نسلم أن الكذب عليه ملازم لاستحلاله ولا لاستحلال متعلقة، فقد يكذب عليه في تحريم حرام مثلًا مع قطعه بأن الكذب عليه حرام، وأن ذلك الحرام ليس بمستحل، كما تقدم عصاة المسلمين على ارتكاب الكبائر، مع اعتقادهم حرمتها.
قلت: يستدل لما قاله الجُوْينيّ، وانتصر له ابن المُنير بما قاله في "الفتح" فإنه دال على كفر من تعمد الكذب عليه، صلى الله تعالى عليه وسلم. ولفظه عند حديث واثِلَة بن الأَسْقَع في باب "مناقب قريش". والحكمة في التشديد في الكذب على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم