المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٣

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العلم

- ‌باب فضل العلم

- ‌باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من رفع صوته بالعلم

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول المحدث حدثنا واخبرنا وانبأنا

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب طرح الإِمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب ما جاء في العلم وقول الله تعالى وقل رب زدني علمًا

- ‌باب القراءة والعرض على المحدث

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة

- ‌لطائف إسناده

- ‌باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحَلقة، فجلس فيها

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجال سنده خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبْلغٍ أوعى من سامع

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب "العلم قبل القول والعمل

- ‌باب "ما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلهُم بالموعظة والعلم كي لا يَنفروا

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من يُرد الله به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الفهم في العلم

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاغتباط في العلم والحكمة

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر عليهما السلام

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله تسعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهمّ علِّمهُ الكِتابَ

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب متى يصح سماع الصغير

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الخروج في طلب العلم

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل من عَلِمَ وعَلَّمَ

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب رفع العلم وظهور الجهل

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل العلم

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجالُهُ ستةٌ

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وقد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وارءهم

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب الرِّحلة في المسألة النازلة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجال السند خمسة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التناوب في العلم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله تسعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من برك على ركبتيه عند الإِمام أو المحدث

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌ رجاله رجال الأول

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تعليم الرجل أَمَتَه وأَهْلَه

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عظة الإمام النساء وتعليمهن

- ‌الحديث الاربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الحرص على الحديث

- ‌الحديث الحادي والاربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كيف يقبض العلم

- ‌الحديث الثاني والاربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب هل يجعل للنساء يومًا على حدة في العلم

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرفه

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله أربعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب

- ‌الحديث السادس والاربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والاربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله ثلاثة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كتابة العلم

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ

‌الحديث الخامس

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ هُوَ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِى الْمَسْجِدِ، وَصَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِى الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِىءٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. فَقُلْنَا هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِىءُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"قَدْ أَجَبْتُكَ". فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنِّى سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِى الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدْ عَلَىَّ فِى نَفْسِكَ. فَقَالَ: "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ". فَقَالَ أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَالَ:"اللَّهُمَّ نَعَمْ". قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّىَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ:"اللَّهُمَّ نَعَمْ". قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ قَالَ:"اللَّهُمَّ نَعَمْ". قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ نَعَمْ". فَقَالَ الرَّجُلُ آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِى مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.

قوله: بينما، بالميم، وفي نسخة "بينا" بغير ميم، وقد مر استيفاء الكلام عليهما في الحديث الرابع من بدء الوحي. وقوله:"في المسجد" يعني النبوي، وقوله:"دخل رجل" جواب بينما. وللأصيلي: "اذ دخل" لكنَّ الأصمعيّ لا يستفصح إذ وإذا في جواب بينا وبينما ومر ما في ذلك كله. وقوله: "فأناخه في المسجد ثم عقله" بتخفيف القاف، أي: شد على ساق الجمل حبلا بعد أن ثنى ركبته، واستنبط ابن بطَّال وغيره من

ص: 63

قوله: في المسجد، طهارة أبوال الإبل وأرواثها، إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد. ولم ينكره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وتعقّبه في "الفتح"، قائلًا: إن دلالته غير واضحة، وإنما فيه مجرد احتمال، ويدفعه رواية أبي نعيم "أقبل على بعير له فأناخه ثم عقله فدخل المسجد"، فهذا السياق يدل على أنه ما دخل به المسجد. وأصرح منه رواية ابن عباس عند أحمد والحاكم، ولفظها "فاناخَ بعيره على باب المسجد، فعقله، ثم دخل" فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف، والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحوه. ويأتي إن شاء الله تعالى تمام البحث عند محله في الطهارة.

وقوله: "ثم قال لهم: أيكم؟ " استفهامٌ مرفوع على الابتداء، خبره محمدٌ. وقوله: متكىء، بالهمز، أي مستو على وطاء، والجملة اسمية، وقعتْ حالًا. وقوله:"بين ظَهرانَيهم" بفتح الظاء المعجمة، والنون، أي: بينهم. وزيدَ لفظ الظّهر ليدل على أن ظهرًا منهم قُدّامه، وظهرًا وراءه، فهو محفوف بهم من جانبيه والألف والنون فيه للتأكيد.

وقال في "المصابيح": زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا، من غير أن يكون محفوفًا بهم، فهو مما أريد بلفظ التثنية فيه معنى الجمع.

وما استشكل به البدر الدَّماميْنىّ من ثبوت النون فيه مع الإِضافة، يجاب عنه بأنها غير ثابتة، فإن النون الثابتة هي التي يجاء بها للتوكيد في النسبة، كما يقال في النسبة إلى النفس نفساني، ونون التثنية محذوفة، لأنها هي التي تكون بعد ياء التثنية، فتأمل.

وفيه جواز اتكاء الإِمام بين اتباعه، وفيه ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، عليه من ترك التكبر، لقوله بين ظَهْرانيْهم، وقوله:"الأبيض" أي المُشْرَب بحمرة، كما في رواية الحارث بن عُمير الأمْغَر، أي بالغين المعجمة، قال حمزة بن الحارث: هو الأبيض المُشْرب بحمرة، ويؤيده ما

ص: 64

يأتي في صفته صلى الله تعالى عليه وسلم، أنه لم يكن أبيض ولا آدم، أي لم يكن أبيض صرفًا كلون الجِص.

وقوله: فقال له الرجل ابن عبد المطلب، بفتح النون على النداء، وفي رواية الكَشْميهنىّ:"يا ابن" بإثبات حرف النداء، وقوله: قد أجبتك، أي: سمعتك، أو المراد إنشاء الإجابة، أو نزل تقريره للصحابة في الأعلام عنه منزلة النطق. وهذا لائق بمراد المصنف. وقد قيل: إنما لم يقل "نعم" صريحًا، لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم، لاسيما مع قوله تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]. والعذر عنه إن قلنا إنه قدّم مسلمًا أنه لم يبلغه النهي، وكانت فيه بقية من جفاء العرب، وقد ظهرت بعد ذلك في قوله:"فمشدِّد عليك في المسألة" وفي قوله في رواية ثابت: "وزعم رسولك أنك تزعم"، وقوله:"فقال الرجل للنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم"، وقد سقط عند ابن عساكر الرجل إلى آخر التصلية، وسقط لفظ الرجل فقط لأبي الوقت قوله:"فمشدِّدٌ عليك" بكسر الدال الأولى المثقلة، والفاء عاطفة على سائلك.

وقوله: "فلا تجد عليَّ في نفسك "أي: لا تغضب. ومادة "وجد" متحدة الماضي والمضارع، مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني فيقال في الغضب: مَوْجدة، وفي المطلوب وُجودًا، وفي الضالة وجدانًا، وفي الحب وجْدًا، بالفتح، وفي الغنى جدة، بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة، وقالوا في المكتوب "وجادة" وهي مولدة.

واعتراض العيني على ابن حجر بأن بعض أفعالها قد توجد فيه لغة بضم الجيم في المضارع، ساقطٌ لا فائدة فيه؛ لأن ابن حجر إنما عني باتحادها في اللغة المشهورة، ولهذا قال: على الأشهر في جميع ذلك، فتأمل. وقد وقع في رواية ثابت عن أنس الآتية الإِشارة إلى ما مر من الاعتذار عنه. "كنا نُهينا في القرآن أن نسأل رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية

ص: 65

العاقل، فيسأله، ونحن نسمع. زاد أبو عُوانة في "صحيحه": وكانوا أجرأ على ذلك منا، يعني أن الصحابة واقفون عند النهي الوارد في آية المائدة، وأولئك يغدرون بالجهل، وتمنوه عاقلًا ليكون عارفًا بما يسأل عنه، وقد ظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته، لظنه أنه لا يحصل إلى مقصوده إلا بتلك المخاطبة.

وقوله: آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ بهمزة الاستفهام الممدودة في المواضع كلها، والرفع على الابتداء، والخبر أرسلك أو نحوها. وقوله:"اللَّهم نعم" الجواب حصل بنعم، وإنما ذكر "اللهم" تبركًا بها، وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيدًا لصدقه. وميم "اللهم" عِوَض عن حرف النداء، فلا يجتمعان إلا شذوذًا، ليتميز نداؤه عن نداء غيره. وإنما كانت ميما لقربها من حروف العلة، وشددت لأنها عِوَض من حرفين، ووقع في رواية موسى الآتية، فقال:"صدقت" قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض والجبال؟ قال: الله. قال: فمن جعل فيها المنافع؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب الجبال، وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم". وكذا هو في رواية مسلم.

وقوله: "أن تصلي الصلوات الخمس" هو بتاء المخاطب فيه، وفيما بعده، وعند الأصيلي بالنون فيها، قال القاضي عياض: هو أوجه، ويؤيده رواية ثابت بلفظ "إن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا" وساق البقية كذلك. وتوجيه الأول أن كل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص. وفي رواية الكَشْمَيهِنيّ والسَّرخْسيّ "الصلاة الخمس" بالإِفراد على إرادة الجنس. وقوله:"أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا" من تغليب الاسم لكل الأصناف بمقابلة الأغنياء، أو خرج مخرج الأغلب، لأنهم معظم الأصناف الثمانية.

وقوله: "فقال الرجل: آمنت بما جئت به"، يحتمل أن يكون إخبارًا، وهو اختيار البخاريّ، ورجَّحه القاضي عياض، وأنه حضر بعد إسلامه

ص: 66

مستثبتا من الرسول، صلى الله تعالى عليه وسلم، ما أخبره به رسوله إليهم، لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره، فإن رسولك زعم. وقال في حديث ابن عباس عند الطبراني "أتتنا كتبك وأتتنا رسلك" ويحتمل أن يكون قوله آمنت إنشاءً. ورجحه القرطبيُّ لقوله "زعم" قال: والزعم القول الذي لا يوثق به. قال ابن السِّكِّيت: قال في "الفتح": وفيه نظر، لأنَّ الزَّعم يطلق على القول المحقق أيضا، كما نقله أبو عمرو الزاهدي، وأكثر سيبويه من قوله: زعم الخليل في مقام الاحتجاج. وأما تبويب أبي داود عليه باب "المشرك يدخل المسجد" فليس مصيرًا منه إلى أن ضمامًا قدم مشركًا، بل وجهه أنهم تركوا شخصًا قادمًا يدخل المسجد من غير استفصال. ومما يؤيد أن قوله "آمنت" إخبارًا، أنه لم يسأل عن دليل التوحيد، بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإِسلام، ولو كان إنشاءًا لكان طلب معجزة توجب له التصديق، قاله الكرماني، وعكسه القُرْطبيّ، فاستدل به على صحة إيمان المقلِّد للرسول، ولو لم تظهر له معجزة، وكذلك أشار إليه ابن الصَّلاح.

وقوله: "وأنا رسول من ورائي" مبتدأ وخبر مضاف إلى من الموصولة، ويجوز تنوينه وكسر من، لكن لم تأتِ به الرواية. وفي رواية ابن عباس عند الطبراني:"جاء رجل من بني سعد بن بكر إلى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان مسترضعًا فيهم، فقال: أنا وافد قومي ورسولُهم". وعند أحمد والحاكم: بعثتْ بنو سعد ببكر بن هوزان ضمام بن ثعلبة وافدًا إلى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، فقدم علينا، فذكر الحديث. فقول ابن عباس هذا:"فقدم علينا" يدل على تأخير وفادته، لأن ابن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح، وزاد مسلم في آخر الحديث، قال:"والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص" فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "لئن صدق ليدخُلنَّ الجنة". ووقعت هذه الزيادة في حديث ابن عباس، وهي الحاملة لمن سمى المبهم في حديث طلْحة السابق في الإِيمان ضمام بن ثعلبة كابن عبد البرّ وغيره. ومال القُرْطِبيُّ إلى أنه غيره.

ص: 67

وتأتي في تعريف ضمام قريبًا زيادة في رواية حديثه، ولم يذكر البخاري الحج في رواية شَرِيك هذه، وقد ذكره مسلم وغيره، فقال موسى في روايته "وإن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا" قال: صدق. وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وغفل البَدْرُ الزّركشِيّ فقال: إنما لم يذكر الحج لأنه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم عليه السلام، وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلًا عن غيره. وأغرب ابن التين فقال: إنما لم يذكره لأنه لم يكن فُرض، وكان الحامل له على ذلك ما جزم به الواقديُّ ومحمد بن حبيب أن قُدوم ضمام كان سنة خمس، فيكون قبل فرض الحج، لكنه غلط من أوجه:-

أحدها: أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدًا.

ثانيها: أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإِسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحُديبية، ومعظمه بعد فتح مكة. ثالثها: إن في القصة أن قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة. رابعها: أن في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه، ودخلوا في الإِسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد في الإِسلام إلا بعد حُنين، وكانت في شوال سنة ثمان. فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع، وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما.

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم، العملُ بخبرِ الواحد، ولا يقدح فيه مجيء ضمام مستثبتا، لأنه قصد اللقاء والمشافهة، وقد رجع ضمام إلى قومه وحده، فصدقوه وآمنوا، كما وقع في حديث ابن عباس الآتي، ولأجل هذا استنبط الحاكم من قصته أصل عُلُوّ الإِسناد، لأنه سمع ذلك من الرسول، وآمن وصدق، ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مشافهة.

وفيه نسبة الشخص إلى جده إذا كان أشهر من أبيه، ومنه قوله، صلى

ص: 68