الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين، وحرصهن على امتثال أمر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، ورضي عنهن.
رجاله خمسة:
الأول سليمان بن حَرْب، وقد مر في الرابع عشر من كتاب الإِيمان، ومر شعبة بن الحجّاج في الثالث منه أيضًا، ومر أيوب السَّختياني في التاسع منه أيضًا، ومر عبد الله بن عباس في الرابع من بدء الوحي.
الرابع من السند: عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسْلم القُرَشيّ، مولاهم، أبو محمد المكيّ، قال ابن المَدِيْنِيّ: هو مولى حبيبة بنت ميْسَرة ابن أبي خُثَيْم. وقال ابن سعد: كان من مولَّدي الجُند، ونشأ بمكة، وهو مولى لبني فهر أو لجُمَح، وانتهت إليه وإلى مجاهد فتوى مكة في زمانهما، وأكثر ذلك إلى عطاء. سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسود أعور أفطس أشَلّ أعرج، ثم عمي بعد، وكان ثقة فقيهًا عالمًا كثير الحديث، وقطعت يده مع ابن الزُّبير، واسم أمه بَركَة.
وقال ابن عباس: يا أهل مكة تجتمعون عليّ وعندكم عطاء؟ وكذا روي عن ابن عمر. وقال سليمان بن رَفِيع: دخلت المسجد الحرام، والناس مجتمعون على رجل، فاطلعت فإذا عطاء بن أبي ربَاح جالس، كأنه غُراب أسود، ولكن العلم والعمل رفعاه، قال الناظم:
أسودُ أعورُ أشَلَّ أفْطَسُ
…
أعْرَج من أنوارِه يُقْتَبَسُ
قيل: إنه حج أكثر من سبعين حجة، وقال إبراهيم بن عمر بن كيْسان: اذكر في بني أمية صائحًا يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء. وقال ربيعة: فاق عطاء أهل مكة في الفتوى، وإياه عني الشاعر بقوله:
سل المفتي المكيَّ هل في تزاورٍ
…
وضمةِ مشتاقِ الفؤادِ جناحُ
فقال: معاذَ الله أن يُذْهب التقى
…
تلاصُق أكبادِ بهن جِراحُ
فلما بلغه البيتان قال: والله ما قلت شيئًا من هذا.
وقال أبو عاصم الثقفيّ: سمعت أبا جعفر يقول للناس، وقد اجتمعوا عليه: عليكم بعطاء، هو والله خير مني. وقال قتادة: قال لي سليمان بن هشام: هل بمكة أحد؟ قلت: نعم. أقدم رجل في جزيرة العرب علمًا. قال: من؟ قلت: عطاء بن أبي ربَاح. وقال: إذا اجتمع لي أربعة لم أبال من خالفهم: الحسن وسعيد وإبراهيم وعطاء، قال: هؤلاء أئمة الامصار. وقال إسماعيل بن أمية: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلم تخيل أنه يؤيد، وقال الدّيباج: ما رأيت مفتيًا خيرًا من عطاء. وقال الأوزاعيّ: مات عطاء يوم مات، وهو أرضى أهل الأرض عند الناس. وقال سلمة بن كُهَيل: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله تعالى إلا ثلاثة: عطاء ومجاهد وطاووس. وقال ابن جُرَيح: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة. وقال عبد العزير بن رفيع: سئل عطاء عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ فقال: إني استحي من الله أن يدان فيها برأيي.
وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من سادات التابعين، فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا. وقال أبو جعفر: ما بقي أحدٌ أعلم بمناسك الحج منه، وقال أبو حاتم، أيضًا: ما أدركت أحدًا أعلم بالمناسك منه. وقال ابن أبي ليلى: كان عالمًا بالحج، وكان يوم مات ابن مئة سنة، ورأيته يفطر في رمضان، ويقول: قال ابن عباس: .... {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة: 184] أي أطعم أكثر من مسكين.
وقال أبو حنيفة: ما لقيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجُعْفي، وعن وكيع قال: قال لي أبو حنيفة: أخطأتُ في خمسة أبواب في المناسك فعلمنيها، وذلك أني أردت أن أحلق رأسي عند أعرابي، فقلت له: بكم تحلق رأسي؟ فقال: النُّسك لا يشارط فيه، اجلس، فجلست، منحرفًا عن القبلة، فأومأ إلي باستقبالها.
وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر، فقال: أدر شقك الأيمن من رأسك، فأدرته. وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت، فقال لي: كبَّر، فجعلت أكبر حتى قمت، لأذهب، فقال: اين تريد؟ قلت: رحلي، قال: صل ركعتين، ثم امضِ. فقلت: ما ينبغي أن يكون هذا من مثل هذا الحَجَّام إلا ومعه علم فقلتَ: من أين لك ما رأيتك أمرتني به؟ قال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا.
وروى خليفة بن سلام عن يونُس قال: سمعت الحسن البصريّ ذات يوم في مجلسه يقول: اعتبروا من المنافق بثلاث: إن حدَّث كذب، وإن ائتمن خان، وإن وعد أخلف. فبلغ ذلك عطاء فقال: قد كانت هذه الخلال الثلاث في ولد يعقوب، حدثوه فكذبوه، وائتمنهم فخانوه، ووعدوه فاخلفوه، فأعقبهم الله النبوءة فبلغ ذلك الحسن، فقال: وفوق كل ذي علم عليم. ومن غرائب علمه أنه يقول: إذا أراد الإنسان سفرًا، له القَصْر قبل خروجه، ووافقه طائفة من أصحاب ابن مسعود وخالفه الجمهور ومنها أيضًا أنه إذا وافق يومُ عيدٍ يومَ جمعةٍ يصلى العيد فقط ولا جمعة ولا ظهر في ذلك اليوم. قال الناظم.
من علمه الغريب ان الجُمعَه
…
وظُهْرها وركعتا العيد معه
في اليوم يوجبُ صلاة العيد
…
ويكتفي عن ظُهرها المجيد
ومنها أيضًا أنه كان يرى إباحة وطء الجواري بإذن أربابهن، وأنه كان يبعث بجواريه إلى ضيفانه إكرامًا لهم. قال ابن خِلّكان: والذي أعتقده أنا أن هذا بعيد، فإنه لو رأى الحل كانت المروءة والغيرة تأبى ذلك، فكيف يظن هذا بمثل هذا الإِمام الجليل؟.
قلت: الذي يدل عليه كلام كتب المذاهب صحة عَزْو هذا المذهب له، فإنهم كثيرًا ما يدرؤون الحد مراعاة لمذهبه كقول خليل المالكي في مختصره مشبهًا على ما لا حد فيه، وكأمة مُحلَّلَة وقومت وإن أبيا. قال
شراحه هنا: فلا حد على من حُلِّلتْ له مراعاة لقول عطاء بجواز التحليل. فإنكار ابن خِلِّكان عزو هذا المذهب له فيه قصور واضح.
روى عن ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير، ومعاوية وأُسامة بن زيد، وجابر بن عبد الله، وخلق من الصحابة. فقد روى عنه خالد بن أبي مَوْف أنه قال: أدركت مئتين من الصحابة. وروى عنه ابنه يعقوب ومُجاهِد والزُّهريُّ والأعْمَش، والأوزاعيّ، وابن جُرَيجْ، ويونس بن عُبيد، وجرير بن حازم، وخلق كثير. مات سنة خمس عشرة ومئة، وقيل أربع عشرة، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل ابن مئة سنة. وليس في الستة عطاءُ بن أبي رباح ولا أَسْلَمُ سِواه، وأما عطاء فكثير.
وذكر في متن الحديث بلال، وهو بلال بن رباح، بفتح الراء وتخفيف الباء، الحبشي، القُرَشْيّ أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو عبد الله، أو أبو عبد الكريم مؤذّن النبي صلى الله عليه وسلم، وشهرته بأمه حمامة، مولى أبي بكر الصديق، اشتراه من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، قيل: اشتراه بعبد له، أسودَ جَلْد. وقيل: اشتراه بخمس أواقٍ. وقيل بسبع. وقيل بتسع. فأعتقه، فلزم النبي صلى الله عليه وسلم. فكان له مؤذنًا، ولأبي بكر خازنًا وشهد بدرًا. وما بعدها من المشاهد، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم، بينه وبين عُبَيْدة بن الحارث بن المطلب. وقيل: آخى بينه وبين رُوَيحْة الخَثْعَميّ. رُوي عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: أول من أظهر الإِسلام سبعة: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمّار وأْمه سُمِّية وصُهَيب وبلال والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم، فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الجديد، وأصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلالًا فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأَعطوه الولدانَ، فكانوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أَحد أَحد.
وروي عن مُجاهد: إلا أنه لم يذكر المقداد، وذكر موضعه خَبَّابًا، وذكر في خبر بلال أنهم كانوا يطوفون به، والحبل في عنقه بين أحْبُش مكة. وكان أمية بن خَلَف يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا يزال كذلك حتى يموت أو يكفر. بمحمد، فيقول، وهو في ذلك: أَحدٌ أَحدٌ. فمر به أبو بكر فاشتراه.
وروي عن سعيد بن المسيّب أنه ذكر عنده بلال فقال: ذاك رجل شحيح على دينه، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم قال: الله الله، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال: لو كان لنا مال اشترينا بلالًا، فلقي أبو بكر العباس بن عبد المطلب، فقال له: اشتر لي بلالًا، فانطلق العباس، فقال لسيدته: هل لك أن تبيعيني عبدك هذا قبل أن يفوتك خيره، وتحرمي ثمنه؟ قالت: وما تصنع به، إنه خبيث. وإنه قال: ثم لقيها فقال مثل مقالته، فاشتراه منها، وبعثه إلى أبي بكر، فكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى مات عليه الصلاة والسلام، فأراد أن يخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: بل تكون عندي، فقال له: إن كنت أعتقتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت أعتقتني لله عز وجل، فَذَرْني أذهب إلى الله عز وجل، فقال: إذهبْ، فذهب إلى الشام، فكان بها حتى مات.
وقيل: إنه أذن للنبي صلى الله عليه وسلم حياته، ثم أذَّن لأبي بكر حياته، ولم يؤذّن في زمن عمر. فقال له عمر: ما منعك أن تؤذن؟ قال: إني أذَّنت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قُبض، وأَذَّنْتُ لأبي بكر حتى قبض لأنه كان ولي نعمتي. وقد سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:"يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله"، فخرج مجاهدًا. قيل: إنه أَذن لعمر حين دخل الشام مرة، فبكى عمر وغيره من المسلمين وروي عن مالك أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "يا بلال إني دخلت الجنة، فسمعت فيها خشفًا أمامي، فقلتُ: