الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الاربعون
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ عَطَاءٌ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ، وَبِلَالٌ يَأْخُذُ فِى طَرَفِ ثَوْبِهِ.
قوله: "أو قال عطاء اشهد على ابنِ عباس" معناه أن الراوي تردد هل لفْظ "أشهد" من قول ابن عباس، شاهدًا على النبي عليه الصلاة والسلام، أو من قول عطاء شاهدًا على ابن عباس؟ وقد رواه بالشك أيضًا، حماد بن زيد عن أيوب، أخرجه أبو نعيم في المستخرج، وأخرجه أحمد بن حنبل عن غُنْدُر عن شُعبة جازمًا بلفظ "أشهد" على كل منهما. وإنما عبر بلفظ الشهادة تأكيدًا لتحققه ووثوقًا بوقوعه.
وقوله: "ومعه بلال" في رواية غير الكَشْمَيْهيني "معه بلال" بلا واو، على أنه حال استغنى عن الواو بالضمير، كقوله تعالى {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36] وقوله: "إنه لم يُسْمِع النساء" أي، حين أسمع الرجال، فأنَّ مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي ظن. وفي رواية "لم يسمع" بدون ذكر النساء. وقوله:"فوعظهن" أي النبي عليه الصلاة والسلام، بقوله: إني رأيتكنّ أكثر أهل النار لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العَشير" وهذا أصل في حضور النساء مجالس الوعظ، وقوله: "وأمرهن بالصدقة" أي النَّفليَّة، لما رآهن أكثر أهل النار، لأنها مَمْحَاةٌ لكثير من الذنوب المدخلة النار، أو لأنه كان وقت حاجة إلى المواساة، والصدقة حينئذ كانت أفضل وجوه البر. وقوله "فجعلت المرأة تُلقي القُرْط" بضم القاف وسكون الراء آخره مهملة، وهو الذي يعلق بشحمة الأُذن. وقوله: "والخاتَمَ"
بالنصب عطف المفعول. وقوله: "وبلال يأخذ في طرف ثوبه" أي: ما يلقينه ليصرفه، عليه الصلاة والسلام، في مصارفه، لأنه تحرم عليه الصدقة. وحذف المفعول للعلم به. وبلال مرفوع بالابتداء، وتاليه خبره، والجملة حالية.
وفي الحديث استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإِسلام، وتذكيرهن بما يجب عليهنَّ، ويستحب حثّهن على الصدقة، وتخصيصهنَّ بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك كله إذا أمن الفتنة والمفسدة، وفيه جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها، أو على مقدار معين من مالها، كالثلث، خلافًا لبعض المالكية. ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله. قال القُرْطبيّ: ولا يقال في هذا أن أزواجهن كانوا حُضُورًا، لأن ذلك لم ينقل، ولو نقل فليس فيه تسليم أزواجهن لهن ذلك، لأن من ثبت له الحق، فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه، ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك. وأما كونه من الثلث فما دونه، فإن ثبت أنَّهنَّ لا يجوز لهنّ التصرف فيما زاد على الثلث، لم يكن في هذه القصة ما يدل على جواز الزيادة.
وفيه أن الصدقة من دوافع العذاب، لأنه أمرهن بالصدقة، ثم علل بأنهن أكثر أهل النار، لما يقع منهن من كفران النعم واللعن، وفيه ذم اللعن، وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله، وهو محمول على ما إذا كان في مُعَيَّن. واستدل النَّووَيّ على أنهما من الكبائر بالتوعد عليهما بالنار.
وفيه جواز الصدقة من الأغنياء للمحتاجين، ولو كان الطالب غير محتاج. وأخذ منه الصوفية جواز ما اصطلحوا عليه من الطلب. ولا يخفى ما يشترط فيه من أن المطلوب له يكون غير قادر على التكسب مطلقًا، أو لما لابد له منه. وفي مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعزّ عليهن من حُليَّهنّ، مع ضيق الحال في ذلك الوقت، دلالة على رفع مقامهن في