الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووقع في حديث أنس: "فاستغنى فاستغنى الله عنه". وهذا يرشِّح كونه خبرًا. وهذا أيضًا من قبيل المُشاكلة، لأن الإِعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى، وذلك لا يليق به تعالى، فيكون مجازًا عن السخط والغضب. وفائدة إطلاق الإعراض، وما معه على الله تعالى، على سبيل المشاكلة، هو بيان الشيء بطريق واضح.
وفيه جواز الإِخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم، للزجر عنها. وإن ذلك لا يعد من الغِيبة. وفيه فضلُ ملازمةِ حَلَق العلم والذكر، وجلوس العالم والمُذَكِّر في المسجد. وفيه الثناء على المُستحيي، والجلوس حيث ينتهي به المجلس. والثلاثة المذكورون أهل القصة لم يُسَمَّ واحدٌ منهم.
رجال سنده خمسة:
وفيه ذكر عَقيل بن أبي طالب، الأول إسماعيل ابن أبي أُويس، وقد مر في الخامس عشر من كتاب الإِيمان. والثاني الإِمام مالك، وقد مر في الثاني من بدء الوحي.
والثالث: إسحاق بن عبد الله بن أبي طَلْحة، واسم أبي طلحة زَيْد بن سَهْل بن الأسْود بن حَرَام الأنْصاريّ البخاريّ المدنيّ، أبو يحيى، وقيل: أبو نُجَيح، ابن أخي أنس لأمه، لأن أباه عبد الله وأنسًا أمهما أم سُلَيم.
وعبد الله هو صاحب الليلة المباركة، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأبيه أبي طلحة:"اللهمَّ بارك لهما في ليلتهما" فولد منها عبد الله هذا. وولد لعبد الله عشرة ذكور، كلهم يقرأون القرآن. وروى أكثرهم العلم. وأشهرهم إسحاق هذا، لأنه شيخ الإِمام مالك.
قال ابن مَعين: ثقة حجة، وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنَّسائيّ: ثقة، وزاد أبو زرعة: وهو أشهر إخوته، وأكثرهم حديثًا. وقال الواقِديّ: كان مالكُ لا يقدِّم عليه في الحديث أحدًا، وكان ثقة كثير الحديث. وقال ابن حبان في "الثقات": كان ينزل في دار أبي طلحة، وكان مقدما في رواية الحديث والإِتقان فيه. وقال أبو داود: كان على الصَّوافِي باليمامة. وقال
البخاريُّ: بقي باليمامة إلى زمن بني هاشم.
روى عن أبيه وأنس وعبد الرحمن بن أبي عَمْرة والطُّفَيْل بن أُبيّ بن كعب وأبي مُرَّة مولى عقيل، وغيرهم. وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاريّ والأوزاعي، وابن جُرَيْج، ومالك وهمّام وعبد العزيز بن المَاجِشُون، وعدة. مات سنة أربع أو اثنتين وثلاثين ومئة. وإسحاق بن عبد الله في الستة سواه ثلاثة.
الرابع: أبو مرَّة، واسمه يزيد الهاشميّ، مولى عقيل بن أبي طالب، وقيل. مولى أم هانىء، وكان يلزم عقيلًا، فنسب إليه، وكان شيخًا قديمًا، قال ابن سعد في الطبقة الأولى: كان ثقة قليل الحديث. وقال العَجْليّ: مدنيّ تابعيّ ثقة. وذكره ابن حِبان في الثقات. روى عن عقيل وأم هانىء ابني أبي طالب، وأبي الدرداء، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن سعيد، وأبي واقد الليثيّ. ورأى الزبير بن العوام، وروى عنه سالم أبو النضر، وسعيد المَقْبريّ، وسعيد بن أبي هِند، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، وإسحاق بن أبي طلحة، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وأبو حازم بن دينار، ويزيد بن الهاد. وأبو مُرة في الستة سواه واحد، وهو الطائفيّ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه مَكْحُول الشاميّ.
الخامس: أبو واقِد، مشهور بكنيته، واختلف في اسمه، قيل: اسمه الحارث بن مالك، وقيل: ابن عوف، وقيل: عوف بن الحارث بن أسد بن جابر بن عُوَيْرة بن عبد مناة بن أشجع بن عامر بن لَيْث بن بَكر بن عبد مناة ابن علي بن كنانة، الليْثي. قيل إنه شهد بدرًا، وقيل إنه ولد في عام ولد العباس. ولم يذكره ابن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين وقال ابن سعد: أسلم قديماً، وكان معه لواء بني ليث وضَمْرة وسعد بن بكر يوم الفتح وحنين، وفي غزوة تبوك يستنفر بني ليث. وقيل: إنه أسلم يوم الفتح، وأخبر عن نفسه أنه شهد حنينا، قال: وكنت حديث عهد بكفر، وهذا يدل على أنه تأخر إسلامه، وشهد بعد النبي صلى الله عليه وسلم اليرموك. وروي عنه أنه قال: رأيت
العدو يوم اليرموك يسقط فيموت، حتى قُلت: لو أنْ أضرب أحدهم بطرف ردائي مات. ورُوي عنه أنه قال: إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنَّ غيري قد قتله. روى ابن إسحاق وقوع هذه القصة في بدر، والصحيح أنها يوم اليرموك.
له أربعة وعشرون حديثًا اتفقا على حديث، وهو هذا، وزاد مسلم حديثًا آخر، وهو ما كانت يقرِّبه النبي صلى الله عليه وسلم، في الأضحى. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، وأسماء بنت أبي بكر. وروى عنه ابناه عبد الملك وواقد، وأبو سعيد الخُدْري وعطاء بن يَسَار، وعُروة وآخرون. وفي الصحابة أبو واقد سواه اثنان: أبو واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أبو واقد النُّمَيْريّ. والليثي في نسبه نسبة إلى جده المار وهو لَيْث بن بكر.
السادس: المذكور في الحديث عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أخو عليّ بن أبي طالب، وأبناء أبي طالب أربعة: أسنهم طالب، وهو الفقيد، وبه كنّي أبوه، ويليه عَقيل، وهو أكبر منه بعشر سنين، وعقيل أكبر من جعفر بعشر، وجعفر أكبر من علي بها أيضًا. ويكنى عَقيل بأبي يزيد ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"يا أبا يزيد، إني أحبك حُبّين: حبًا لقرابتك مني، وحبًا لما كنت أعلم من حب عمي إياك". وروي من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: كنا نؤمر أن نقول: "بارك الله لكم وبارك عليكم، ولا نقول: بالرِّفاء والبنين" رواه عنه الحسن بن أبي الحسن.
ورُوي له عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"يجزىءُ مُد للوضوء وصاع للغسل". وكان عقيل قد خرج إلى بدرٍ مكرها وأُسر فيه، ففداه عمه العباس. ثم أتى مسلمًا قبل الحديبية، وشهد غزوة مُؤْتَة، ولم يسمع له بذكر في الفتح، ولعله كان مريضًا، أشار إلى ذلك ابنُ سعد. لكنْ روى الزبير بن بكّار بسنده إلى الحسن بن عليّ أن عقيلا كان ممن ثبت يوم حنين. وقيل: إن إسلامه تأخر إلى عام الفتح.
وكان أنسَب قريشٍ وأعلمهم بأيام العرب ومآثرها ومثالبها. وكانت توضع له الطَّنافس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث الناس بذلك، وفي ذلك يقول الناظم:
ولعقيل توضَع الطنافس
…
بمسجد النبي وهو جالس
يحدثُ الناس بأيام العرب
…
وما لها من نسب ومن حَسَبِ
وكان أسرع الناس جوابًا، وأحضرهم في القول، وأبلغهم في ذلك. وروي عن ابن عباس أنه قال: في قريش أربعة يتحاكم الناس إليهم، ويقفون عند قولهم في المنافرات: عَقيل بن أبي طالب، ومَخْرَمَة بن نَوْفَل الزُّهريّ وأبو جَهْم بن حُذَيفة العَدَويّ وحُوَيْطب بن عَبْد العُزّى العامريّ.
وكان عقيل يعد المساوىء فمن كانت مساوئه أكثر يقر صاحبه عليه، ومن كانت محاسنه أكثر يقره على صاحبه. وكان أكثرهم ذكرًا لمثالب قريش، فعَادَوْه على ذلك، وقالوا فيه بالباطل، ونسبوه إلى الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزورة، وكان مما أعانهم على ذلك مباغضته لأخيه عليّ، وخروجه إلى معاوية، وإقامته عنده. ويقال: إنه وفد عليه لأجل دَيْن عليه. ويزعمون أن معاوية قال يومًا: هذا أبو يزيد حاضر، لولا علمه بأني خير له من أخيه لما قام عندنا، وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي وأسأل الله تعالى خاتمة الخير.
ووقع له ذكر في الصحيح في مواضع، وأخرج النَّسائي، وابن مَاجَه له حديثًا. رُوي أن النّبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من خيبر كل سنة مئة وأربعين وسقًا. له أحاديث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه ابنه محمد، وحفيده عبد الله بن محمد، وعطاء وأبو صالح السّمان وموسى بن طلحة، والحسن البصريّ ومالك بن أبي عامر الأصبحيّ. وفي تاريخ البخاريّ الأصغر، بسند صحيح، أنه مات في أول خلافة يزيد بن معاوية، قبل وقعة الحَرَّة. ومرّ