الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث إثبات عَذاب القبر وأنَّه واقع على الكفار، ومن شاءَ الله من المُوَحدّين، وفيه ذَمُّ التقلْيد في الاعتقاد لمُعاقبة من قال: كنُتُ أسمُع الناسَ يَقولون شيئًا فَقَلُتْهُ، وفَيه أنَّ الميتَ يُحيا في قَبرِهِ للِمسَألةِ خِلافًا لمِنْ رَدَّهُ، واحتَج بقوله تعالى {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] قال: فلو كانَ يُحيا في قَبْرهِ لَلِزمَ أنْ يُحيا ثَلاثَ مَراتٍ ويَموتَ ثلاثَ مرات، وهوَ خلافُ النص. والجَوابُ بأنَّ المُرادَ بالحياةِ في القَبر للمسَاءلَةِ، ليست الحياة المُستَقَرَّةَ المَعْهودَة في الدُّنيا التي تقوُم فيها الرُّوح بالبدَنِ، وتدبيرِه وتَصَرِفه وتَحْتَاجُ إلى ما يحتاجُ إليه الأحياءُ، بلْ هي مجردُ إعادةٍ لفائدةِ الامتحانِ الذي وردت به الأحاديث الصَّحيحة، فهي إعادةٌ عارضةٌ كما حيَّى خلق لكثير من الأنبياء لمساءلَتهم لهم عن أشياءَ ثم عادوا مَوتى.
رجالُهُ ستةٌ
، الأَولُ: موسى بنُ إسماعيلَ وقد مر في الخامس من بَدْء الوَحْي، ومرَّ وهيبُ بن خالد في تعليقٍ بعد الخَامس عشرَ من كتاب الإيمان، ومَرَّ هشامُ بنُ عُرْوةَ وعائِشةَ أمُ المؤُمنيَن في الثَّاني من بَدْءِ الوَحْي.
الخامِسَ: فاطمة بنتُ المُنذرِ بنُ الزُّبير بنُ العَوام، وهي زوجة هشام ابنُ عُرَوة، وبنتُ عَمه، الأَسدية المدَنيّة. ذكُرها ابنُ حبانَ في الثّقات، قالَ العَجْلِي: مَدَنية تابعِيَّة ثقَة، روت عن جَدَّتِها أسماء بنتْ أبي بكر وأم سلَمة زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم، وعَمْرَة بنت عبد الرحمن، وروى عنها زوجها هشام بن عُروة، ومحمد بن سُوقة، ومحمد بن إسماعيل بن يسَار. قال هشام بن عروة: كانت أكبر مني بثلاث عشرة سنة، فيكون مولدها سنة ثمان واربعين.
السادس: أسماء بنت أبي بكر الصديق، زوج الزّبير بن العوام، شقيقة عبد الله بن أبي بكر، أمهما قُتَيْلَة أو قَتْلَة بنت عبد العزّى قُرَشيّة من بني عامر بن لؤي، وعائشة وعبد الرحمن شقيقان أمهما أم رَوْمان، ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، وأسلمت قديمًا بعد سبعة عشر نفسًا، وتزوجها الزبير بن العوّام، وهاجرت وهي حامل منه بولدها عبد الله،
فوضعته بقُباء، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، ثم إلى أن قتل، وماتت بعده بقليل. وكانت تلقب بذات النَّطاقين، سماها النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك؛ لأنها هيأت له لما أراد الهجرة سُفْرة فاحتاجت إلى ما تشدها به، فشقت خمارها نصفين، فشدت بنصفه السفرة واتخذت النصف الآخر نطاقًا. هكذا قال ابن إسحاق.
وروت فاطمة بنت المُنذر عنها إنها قالت: صنعت سفرة للنبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد السفر، فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: ما أجد إلا نطاقي، فقال: شقيه باثنين واربطي بواحد منهما السقاء، وبالآخر السفرة، وقال الزبير بن بكار: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة، فقيل لها: ذات النطاقين.
وروى ابن عبد البَرّ أنها قالت للحجّاج لما عَيَّر ابنها عبد الله بذات النطاقين: كيف تعيره بذلك، وقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، من النمل، ونطاقٌ لابد للنساء منه. ولما بلغ ابن الزبير أنه يعيّره بابن ذات النطاقين، انشد قول (أبي ذؤيب) الهُذَليّ متمثلا به:
وعَيّرها الواشون أني أُحبها
…
وِتلك شَكَاةٌ ظاهر عنك عارهُا
فإنْ اعتذر منها فإني مكَذَّب
…
وإن تعتذرْ يُرْدَدْ عليك اعتذارها
ولما قتل ابنها وصلب، دخلت على الحجاج، وهي عجوز مكفوفة البصر، فقالت له أما آن لهذا الراكب أن ينزل قال لها: المنافق؟ قالت: لا، والله ما كان منافقًا، وقد كان صوَّامًا قوّامًا. قال: اذهبي، فإنك عجوز قد خَرِفت فقالت: لا والله ما خرفت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"يخرج في ثقيف كَذّاب ومُبِير"، فأما الكذّاب فقد رأيناه، وأما المُبير فهو أنت فقال الحجاج: منه المنافقون.
وكانت رضي الله عنها، تُصْدع فتضع يدها على رأسها، وتقول: