الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والثلاثون
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهْيَ مِنْ عَوَالِى الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْي وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا. فَقَالَ أَثَمَّ هُوَ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لَا أَدْرِي. ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ قَالَ:"لَا". فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
قوله: "قال كنت أنا وجارٌ لي بالرفع عطفًا على الضمير المنفصل المرفوع، وهو أنا، وإنما أظهره لصحة العطف. وهو جائز عند الكوفيين من غير إعادة الضمير. ويجوز النصب على معنى المعية، واسم الجار عَتْبان بن مالك، وذكر البرْمَاويّ أنه أوس بن خوْلِيّ، وعلل بأنه، عليه الصلاة والسلام، آخى بينه وبين عمر. لكن لا يلزم من المؤاخاة الجوار والاول يأتي تعريفه في التاسع والعشرين من استقبال القبلة، والثاني يأتي تعريفه في الحادي والأربعين والأربع مئة من التفسير.
وقوله: "في بني أمية بن زيد" أي في موضع أو قبيلة، وقوله:"وهي" أي القبيلة، وفي رواية: وهو، أي الموضع. وقوله:"من عوالي المدنية" أي: قرب شرقي المدينة، بين أقربها وبينها ثلاثة أميال أو أربعة، وأبعدها
ثمانية والعوالي جمع عالية، وكانت منازل الأوس وقوله:"وكنا نتناوب النزول" بالنصب على المفعولية. وقوله: "ينزل يومًا وأنزل يومًا" أي: من العوالي إلى المدينة. وقوله: "فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته" أي: يومًا من أيام نوبته، فسمع أن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، اعتزل نساءه، فرجع إلى العوالي.
وقوله "فقال أثَمَّ" هو بفتح المثلثة وتشديد الميم، اسم يشار به إلى المكان البعيد وقوله: ففزِعت، بكسر الزاي، أي: خفت لأجل الضرب الشديد، فإنه كان على خلاف العادة، فالفاء تعليلية وللمؤلف في التفسير قال عمر، رضي الله تعالى عنه. كنا نتخوف مَلِكا من ملوك غسان، ذُكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، وقد امتلأت صدورنا منه، فتوهمتُ لعله جاء إلى المدينة فخفته لذلك. وقوله: قد حدث أمر عظيم، أي طَلَّق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أزواجه، فقلت: قد كنت أظن أن هذا كائن حتى إذا صليت الصبح، شددت على ثيابي، ثم نزلت وقوله:"فدخلت على حفصة" أي أم المؤمنين الداخل عليها أبوها عمر لا الأنصاري، وقضية حذف طلّق إلى قوله "فدخلت" يوهم أنه من قول الأنصاري، فالفاء في فدخلت فصيحة تفصح عن المقدر، أي نزلت من العوالي، فجئت إلى المدينة، فدخلت، وفي رواية الحَمَويّ والمُسْتَملي "دخلت" بدون فاء. وللأصيلى قال:"فدخلت على حفصة". وقوله: فقلت طلكقن؟ " وفي رواية أبي ذرٍ عن الكَشْمَهْيَنِيُّ "أطلقكُنَّ" بالاستفهام، وقوله، "أطلقت نساءَك" بالاستفهام وذكر العينيُّ حذفه. وقوله "فقلت: الله أكبر" أي تعجبًا من كون الأنصاري ظنّ أن اعتزاله، صلى الله تعالى عليه وسلم، لنسائه طلاقٌ، أو ناشىء عنه ويحتمل أن يكون كبَّر الله تعالى حامدًا له على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق.
والمقصود من إيراده لهذا الحديث هنا التناوب في العلم اهتمامًا بشأنه لكنّ قوله "كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول" ليس في رواية ابن
وهب، إنما هو في رواية شُعيب كما نص عليه الذُّهْلِيّ والدارقطنيّ والحاكم في آخرين والمؤلف أخرج الحديث من طريقين: الأولى عن شعيب موصولةً، والثانية عن عبد الله بن وهب معلقة. وقد وصلها ابن حِبان في صحيحه عن ابن قتيبة عن حَرْملَة عن عبد الله بن وَهْب.
واختلف في سبب اعتزاله، عليه الصلاة والسلام، لنسائه فقد أخرج ابن سعد من طريق عَمْرة عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هديةً، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها، فزادها مرة اخرى، فلم ترض، فقالت عائشة لقد أقمأت وجهك، ترد عليك الهدية؟ فقال:"لأنتن أهون على الله من أنْ تُقْمئنني، لا أدخل عليكنَّ شهرًا" الحديث.
وأخرج ايضا من طريق عروة عنها وفيه "ذبح ذبحًا فقسمه بين أزواجه، فأرسل إلى زينب بنصيبها فردته، فقال زيدوها ثلاثًا، كل ذلك ترده"، فذكر نحوه وقيل: سببه ما أخرجه مسلم من حديث جابر، قال: جاء أبو بكر والناس جلوس بباب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر فاستأذن فأذن له فوجدا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، جالسًا، وحوله نساؤه، فذكر الحديث وفيه "هن حولي كما ترى، يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة، وقام عمر إلى حفصة، ثم اعتزلهن شهرًا، فذكر نزول آية التخيير.
وقيل: سبب الاعتزال ما أخرجه البخاريُّ عن عائشة: أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، يشرب عسلًا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها فواطأت أنا وحفصةُ عن أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا، ولكنى كنت أشرب عسلًا عند زينب بنت جحش، فلن أعود إليه وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا.
وقيل: سببه تحريم ماريَّة، فقد أخرج ابن سعد عن ابن عباس "خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة، فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بجاريته القبطية بيت حفصة فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية، فقالت له: أما إني قد رأيت ما صنعت، قال فاكتمي عليّ وهي حرام. فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأخبرتها، فقالت له عائشة: أما يومي فتُعرِس فيه بالقبطية، ويسلم لنسائك سائر أيامهن؟ فنزلت الآية، وأخرج ابن مَرْدَوَيه عن ابن عباس قال: دخلت حفصةُ على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، بيتها فوجدت معه مارية، فقال لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة أن أباك يلي هذا الأمر بعد أبي بكر إذا أنامت، فذهبت إلى عائشة فأخبرتها، فقالت له عائشة ذلك. والتمست منه أن يحرّم مارية، فحرَّمها، ثم جاء إلى حفصة فقال: أمرتك أن لا تخبري عائشة، فأخبرتها، فعاتبها ولم يعاتبها على أمر الخلافة، فلهذا قال الله تعالى {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم: 3].
وأخرج الطَّبرانيُّ في الأوسط، وابن مَرْدَوَيه عن أبي هُرَيرة قال:"دخل رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، بمارية بيت حفصة، فجاءت فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معى دون نساءتك؟ وأخرج الضياء في "المختارة" عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لحفصة: "لا تخبري أحدًا، إن أُم إبراهيِم عليَّ حرام" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2].
وفي رواية عن عائشة عند ابن مَرْدَويه، ما يجمع القولين، ففيه أن حفصة أُهديت لها عُكَّة فيها عَسَل، وكان رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه، أو تسقيه منها، فقالت عائشة لجارية عندها حبشية، يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع، فأخبرتها الجارية بشأن العمل، فارسلت إلى صواحبها فقالت: إذا