الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والأربعون
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ الأَصْبَهَانِىِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ "مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَاّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاثْنَيْنِ فَقَالَ "وَاثْنَيْنِ".
قوله: "قال: قال النساء": وفي رواية بإسقاط قال الأولى، ولغير أبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر "قالت النساء" بتاء التأنيث، وكلاهما جائز في فعل اسم الجمع. وقوله:"غلبنا عليك الرجالُ" بفتح الموحدة من غلبنا، أي بملازمتهم لك كل الأيام، يتعلمون الدين، ونحن نساء ضعفة، لا نقدر على مزاحمتهم. وقوله:"فاجعل لنا يومًا من نفسك" أي: عيَّن لنا يومًا من الأيام، تعلمنا فيه، يكون منشؤه من نفسك، أي من اختيارك، لا من اختيارنا. ومن ابتدائية، وعبر عن التعيين بالجعل، لأنه لازمه.
وقوله: "فوعدهن يومًا لقيهن فيه" أي في اليوم الموعود به، ويومًا نصب مفعولٍ ثان "لوعد" ولا يقال إن في الكلام عطف جملة خبرية، وهي "فوعدهن"، على جملة إنشائية، وهي "فاجعل لنا". وقد منعه ابن مالك وابن عصفور، لأنا نقول: إن العطف ليس على قوله فاجعل لنا يومًا بل، العطف على جميع الجملة من قوله: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك.
وقوله: "فوعظهنَّ" التقدير: فوفَّى بوعده، فلقيهنّ فوعظهنَّ. وفي رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُريَرْة بنحو هذه القصة، فقال:
موعدكن بيت فلانة، فأتاهن فحدثهن. وقوله:"فأمرهن" أي: بالصدقة أو حذف المأمور به لإرادة التعميم. وقوله: "ما منكن امرأة"، وللأصيلي "ما من امرأة". ومن زائدة لفظًا، وقوله:"تقدم" صفة لامرأة، وقوله:"إلا كان لها حجابًا" أي: كان بالتقديم لها حجابًا. وللأصيلي "حجاب" بالرفع، وتعرب كان تامة، أي حصل لها حجاب، وللمصنف في الجنائز "إلا لها" أي الأنفس التي تقدم، وله في الاعتصام "إلَاّ كانوا" أي الأولاد. وحكم الرجل في ذلك كالمرأة.
وقوله: "فقالت امرأة" قيل: هي أم سُليم، كما عند الطبراني وأحمد، أو أم هانىء كما عند الطبراني في الأوسط، أو أم أيمن كما عنده في الأوسط أيضًا، أو أم مُبَشر الانصارية، كما عند الطبراني. والظاهر أنها بنت البراء ابن مَعْرور أو عائشة، كما في حديث ابن عباس عند التِّرمذي. وأم سُليم، جاء تعريفها في السبعين من كتاب العلم هذا، وجاء تعريف أم هانىء في الثلاثين من كتاب الغسل، وجاء تعريف أم أيمن في الثاني والستين من الهبة، ومرت عائشة في الثالث من الوحي، فيحتمل أن يكون كل منهن سأل عن ذلك في ذلك المجلس وأما تعدد القصة ففيه بعد، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم، لما سُئل عن الاثنين بعد ذكر الثلاثة، وأجاب بأن الاثنين كذلك، يكون الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك مستبعدًا جدًا، لأن مفهومه يخرج الاثنين اللذين ثبت لهما ذلك الحكم، بناءً على القول باعتبار مفهوم العدد، وهو معتبر هنا كما يأتي البحث فيه قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله عند أحمد أنه ممن سأل عن ذلك. وروى الحاكم والبَزَّار من حديث بُريدة أن عمر سأل عن ذلك، ولفظه "ما من امرىء، ولا امرأة يموت له ثلاثة أولاد إلا أدخله الله الجنة فقال: عمر: يا رسول الله، واثنان؟ قال: وأثنان". قال الحاكم: صحيح
الإسناد، وهذا لا بعد في تعدده، لأن خطاب النساء بذلك لا يستلزم علم الرجال.
وقوله: "واثنين فقال واثنين" ولكريمة "واثنتين" بزيادة تاء التأنيث، وهو منصوب بالعطف على ثلاثة، ويسمى العطف التلقيني وروايته في الجنائز: قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان. أي: وإذا مات اثنان ما الحكم؟ فقال: واثنان، أي: وإذا مات اثنان، فالحكم كذلك، وكأنها فهمت الحصر، وطمعت في الفضل، فسألت عن حكم الاثنين: هل يلتحق بالثلاثة أم لا.
وقال ابن بّطال تبعًا لعياض: هذا يدل على أن مفهوم العدد ليس بحجة لأن الصحابية من أهل اللسان، ولم تعتبره، إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة، لكنها جوزت ذلك، فسألته كذا، قال: والظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد، إذ لو لم تعتبره لم تسأل، والتحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينية، وإنما هي محتملة، ومن ثَمَّ وقع السؤال عن ذلك.
قال القرطبي: إنما خُصَّت الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة، فبعظم المصيبة يعظم الأجر، فأما إذا زاد عليها، فقد يخف أمر المصيبة، لأنها تصير كالعادة، كما قيل:
رُوّعتُ بالبين حتى لا أُراع له
وهذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة ثم في الإثنين، بخلاف الأربعة والخمسة، وهو جمود منه شديد، فإنّ من مات له أربعة فقد مات له ثلاثة ضرورة، لأنهم إن ماتوا دفعة واحدةً، فقد مات له ثلاثة وزيادة، ولا خفاء بأن المصيبة بذلك أشد، وإن ماتوا واحدًا بعد واحدٍ، فأن الأجر يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وعد الصادق، فيلزم على قول القرطبي أنّه إن مات له الرابع، أن يرتفع عنه ذلك الأجر، مع تجدد المصيبة، وكفى بهذا فسادًا، والحق أن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من باب أولى وأحرى.
ويؤيد ذلك أنهم لم يسألوا عن الأربعة، ولا ما فوقها، لأنها كالمعلوم عندهم، لأن المصيبة إذا كثرت كان الأجر أعظم. وقال القرطبي أيضًا: يحتمل أن يفترق في ذلك بافتراق حال المصاب، من زيادة رقة القلب، وشدة الحب، ونحو ذلك. قال في الفتح جوابًا عما قال: لم يقع التقييد في طرق الحديث بشدة الحب ولا عدمه، وكان القياس يقتضي ذلك لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده، وتبرمه منه، ولاسيما من كان ضيق الحال، لكن لما كان الولد مظَنَّة المحبة والشفقة نِيْط به الحكم، وإن اختلفت في بعض الأفراد.
وقد قال ابن بطَّال: إنَّ إخباره، عليه الصلاة والسلام، بالاثنين محمول على أنه أُوحي إليه بذلك في الحال، ولا بَعُد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين. ويحتمل أن يكون كان العلم عنده بذلك حاصلًا، لكن أشفق عليهم أن يتكلموا، لأن موت الاثنين غالبا أكثر من موت الثلاثة، كما وقع في حديث معاذ وغيره في الشهادة بالتوحيد، ثم لما سُئل عن ذلك، لم يكن بد من الجواب.
وقد وردت أحاديث في إلحاق الواحد بالاثنين، منها ما أخرجه الطَّبراني في الأوسط عن جابر بن سُمْرة مرفوعًا "من دفن ثلاثة، فصبر عليهم، واحتسب، وجبت له الجنة" فقالت أم أيمن: أو اثنين؟ فقال: "أو اثنين"، فقالت: وواحد؟ فسكت، ثم قال:"وواحد".
وأخرج التِّرمذي عن ابن مسعود مرفوعًا، وقال: غريب، "من قَدَّم ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، كانوا له حصنًا حصينًا من النار" قال أبو ذَرٍّ: قدمت اثنين، قال:"واثنين" قال: أُبَيّ بن كعب: قدمت واحدًا قال: و"واحدًا".
وأخرج التِّرمْذِي أيضًا عن ابن عباس رفعه، "من كان له فَرْطان من أمتي أدخله الله الجنة" فقالت عائشة: فمن كان له فرْط؟ قال: "ومن كان له فرط" الحديث، وليس في شيء من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج،