الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ وَحَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ حَدَّثَنِى هِلَالُ بْنُ عَلِىٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِى مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ:"أَيْنَ -أُرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ". قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".
قوله بينما النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في مجلس: بينما بزيادة ما أو زيادة الألف، ظرفا زمان ملازمان الِإضافة إلى الجملة الإسمية، غالبًا، أو الفعلية قليلًا، وقد تضاف بينا إلى المصدر قليلًا. قال:
بينا تَعانُقهِ الكماةَ وَرَوْغِهِ
ومعناهما: بينا أوقات كذا وقع كذا، وقد مرّ الكلام عليهما في الرابع من بَدْء الوحي بأوسع من هذا. وقوله "يحدث" هو خبر المبتدأ الذي هو النبي، وحذف مفعوله الثاني لدلالة السياق عليه، أي الحديث الذي كان فيه. والقومُ: الرجال، وقد يُدْخَل فيه النساء تبعًا. وقوله:"جاءه أعرابيّ" الأعراب سكان البادية، لا واحد له من لفظه، ولم يعرف اسمه نعم سماه أبو العالية، فيما نقله عنه البرمايّ رفيعا. وقوله:"فقال متى الساعة" أي: القيامة، وقد مرّ الكلام عليها في حديث سؤال جبريل. وقوله:"فمضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحدث" أي استمرّ يحدِّث الحديث
الذي هو فيه. وفي رواية الحَمَويّ والمُسْتَملي "يحدثه" بزيادة هاء. والمعنى: يحدث القوم الحديث الذي كان فيه. وليس الضمير المنصوب عائدًا على الأعرابيّ. وقوله: "فكره ما قال" أي: الذي قاله، فحذف العائد. وقال بعضهم: بل لم يسمع أي قوله، وبل حرف إِضراب وَلِيَهُ هنا جملة، وهي: لم يسمع. فيكون بمعنى الإبطال لا العطف، والجملة اعتراض بين "فمضى" وبين قوله "حتى إِذا قضى حديثه" فحتى إِذا يتعلق بقوله "فمضى يحدّث" لا بقوله "لم يسمع" وإنما حصل لهم التردد في ذلك لما ظهر من عدم التفات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إِلى سؤاله وإصغائه نحوه، ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها. وقد تبيّن عدمُ انحصار تَرْك الجواب في الأمرين المذكورين، بل احتمل أن يكون أخَّره ليُكمل الحديث الذي هو فيه، أو أخّر جوابه ليوحى إِليه به.
وقوله: "قال أين أراه السائل عن الساعة"؟ أي: عن زمانها. والشك من محمد بن فُليح. وفي رواية اين السائلْ بالجزم، وهو في الروايتين بالرفع على الابتداء. وخبره "اين" المتقدم. وهو سؤال عن المكان بُني لتضمُّنه معنى حرف الاستفهام. وأُراه بضم الهمزة، ومعناه: أظن. وقد مرّ الكلام عليه مستوفىً في باب "إِذا لم يكن الإِسلام على الحقيقة" عند قول سعد إِني لأُراه مؤمنًا.
وقوله: "قال ها أنا يا رسول الله"؛ أي: السائل فالسائل المقدّر خبر المبتدأ الذي هو"أنا"، وها حرف تنبيه، وقد قال في "تاج العروس" عند قول صاحب القاموس في خطبته:"وها أنا أقول ما نصه المعروفُ بين أهل العربية أن "ها" الموضوعة للتنبيه لا تدخل على ضمير الرفع المنفصل الواقع مبتدأً إِلا إِذا أُخبر عنه باسم الإشارة، نحو: "ها أنتم أولاءِ"، "ها أنتم هؤلاء" فأما إِذا كان الخبر غير إِشارة، فلا". وقد ارتكبه المصنف هنا غافلاً عن شرطه. والعجب أنه اشترط ذلك في آخر كتابه لما تكلّم على "ها"،
وارتكبه هاهنا، وكأنه قلّد في ذلك شيخه العلامة جمال الدين بن هشام، فإنه في "مغني اللبيب" ذكرها ومعانيها واستعمالها على ما حققه النحويون، وعدل عن ذلك فاستعملها في الخطبة مثل المصنّف، فقال: وها أنا بائح بما أسررته.
قلت: ما ذكره النحويون واللغويون من اشتراط للإخبار عن الضمير في هذه الحالة باسم الإشارة، مردود بما أقر عليه النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، هذا الأعرابيّ السائل -وهو أفصح من نطق بالضاد، والأعراب الذين هم سكان البادية، هم أفصح العرب- من النطق بها دون الإخبار باسم الإشارة، فلا يُلْتفت بعد هذا إلى كلام النحاة.
وقوله: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله": وسّد أي: أسند، كما هو صريح الرواية الآتية في الرقاق. وأصله من الوسادة. وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس، أن تثنى تحته وسادة. فقوله: وسِّد، أي: جُعل له غير أهله وسادًا، فتكون إلى بمعنى اللام، وأتى بها ليدل على تضمين معنى أُسند. والمراد من الأمر جنس الأمور التي تتعلق بالدين كالخلافة والامارة والقضاء والإفتاء وغير ذلك.
وقوله: "فانتظر الساعة": الفاء للتفريع، أو جواب شرط محذوف، أي: إذا كان الأمر كذلك، فانتظر الساعة. قال ابن بَطَّال: معنى إسناد الأمر إلى غير أهله، أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصح لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلدوا غير أهل الدين، فقد ضيّعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها.
ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم، أن إسناد الأمر إلى غيره، إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط، ومقتضاه أن العلم ما دام قائمًا ففي الأمر فسحة.
وكان المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر تلميحًا لما
رُوِي عن أبي أُمية الجُمَحِيّ: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: من "أشراط الساعة أن يُلْتمس العلم عند الأصاغر". وحاصل ما في هذا الحديث التنبيهُ على أدب العالِم والمتعلّم. أما العالم فَلِما تضمنه من ترك زجر السائل، بِل أدَّبه بالِإعراض عنه أولًا، حتى استوفى ما كان فيه، ثمّ رجع إلى جوابه، فرفق به لأنه من الأعراب، وهم جُفاة. وفيه العناية بجواب سؤال السائل، ولو لم يكن السؤال متعينا، ولا الجواب. وأما المتعلم، فلِما تضمنه من أدب السائل، أنْ لا يسأل العالم وهو مشتغل بغيره، لأن حق الأول مقدم. ويؤخذ منه أخذ الدروس على السَّبْق، وكذلك الفتاوى والحكومات ونحوها. وفيه مراجعة العالم إذا لم يفهم ما يجيب به، حتى يتضح لقوله:"كيف إضاعتها" وبوّب عليه ابن حِبان.
وفيه إشارة إلى أن العلم سؤال وجواب. ومِنْ ثَمّ قيل: حُسن السؤال نصف العلم. وقد أَخَذ بظاهر هذه القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة، فقالوا: لا نقطع الخطبة لسؤال سائل، بل إذا فرغ يجيبه. وفصل الجمهور بين أن يقع ذلك في أثناء واجباتها، فيؤخر الجواب، أو في غير الواجبات، فيجيب. والأولى حينئذ التفصيل، فإن كان مما يهتم به في أمر الدين، ولاسيما إن اختص بالسائل، فتُستحب إجابته، ثم يتم الخطبة وكذا بين الخطبة والصلاة. وإن كان بخلاف ذلك. فيؤخَّر وكذا قد يقع في أثناء الواجب ما يقتضي تقديم الجواب، لكنْ إذا أجاب استأنف على الأصح، فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور مهمة، فيؤخر كما في هذا الحديث، ولاسيما ان كان ترك السؤال عن ذلك أوْلى. وقد وقع نظيره في الذي سأل عن الساعة وأقيمتْ الصلاة، فلما فرغ من الصلاة، قال:"أين السائل"، فأجابه. أخرجاه.
وإن كان السائل به ضرورة ناجزة، فتُقَدّمُ إجابته، كما في حديث أبي رفاعة عند مُسْلم أنه قال للنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم رجلٌ غريبٌ لا يدري دينه، جاء يسأل عن دينه، فترك خطبته، وأتى بكرسيٍّ فقعد عليه،