الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وفي تشبيه السامعين بالأرض معنى بليغ جدًا، وهو أن بني آدم أصلهم من الأرض، وأجناسهم بحسب أجناس الأرض؛ لأن طينة أبيهم آدم، عليه السلام، أُخذت من جميع أجناس الأرض، كما قيل فصار في بني آدم، جميع أوصاف الأرض، من سبخة وأرض طيبة، ووعَرْ وحَزْن، وغير ذلك. ولم أر من تنبه لهذا المعنى.
وقال الطِّيْبيّ: بقي من أقسام الناس قسمان: أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه، ولم يعلمه لغيره. والثاني من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره. وما قاله من بقاء القسمين غير ظاهر، بل الظاهر، كما قال في "الفتح"، أن الأول داخل في الأول؛ لأن النفع حصل في الجملة، وان تفاوتت مراتبه، وكذلك ما تنبته الأرض، فمنه ما ينتفع الناس به، ومنه ما يصير هشيمًا. وأما الثاني، فإن كان عمل الفرائض، وأهمل النوافل، فقد دخل في الثاني كما مر، وإن ترك الفرائض أيضًا، فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم من لم يرفع بذلك رأسًا.
قلت: ما قاله في الأخير غير ظاهر عندي، بل الظاهر أن الفاسق إذا علم غيره يكون داخلًا في قوله "فنفع الله به الناس" لما ورد في الأحاديث الصحاح من أن بعض أهل الجنة يقولون لبعض أهل النار "إنما دخلنا الجنة بتعليمكم ومواعظكم" ففسقه غير مانع من انتفاع غيره به، فينتفع بتعليمه، ويعذب بفسقه والله تعالى أعلم.
رجاله خمسة:
الأول: محمد بن العلاء بن كرِيب أبو كَرِيب الكُوفّي الهَمْدانّي، الحافظ. قال أحمد بن حنبل: لوحدثت عن أحد ممن أجاب في المحنة لحدثت عن أبي مَعْمَر وأبي كُرَيب. وقال ابن نُمْير: ما بالعراق، أكثر حديثًا من أبي كريب، ولا أعرف بحديث بلدنا منه. وكان أبو العباس بن عُقبة يقدمه في الحفظ والمعرفة على جميع مشائخهم، ويقول: ظهر لأبي
كريب بالكوفة ثلاث مئة ألف حديث. وقال موسى بن إسحاق الأنصاري: سمعت من أبي كريب مائة ألف حديث.
وقال أبو عمرو الحفّاف: ما رأيت من المشائخ بعد إسحاق بن إبراهيم أحفظ منه. وقال إبراهيم بن أبي طالب: لم أر بعد أحمد بن حنبل بالعراق أحفظ منه. وقال النسائي: لا بأس به، وقال مُرّة: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال صالح جَزْرة: غلبتْ السوسة على رأسه، فغَلّف الطببب رأسه بالفالوذج، فأخذه من رأسه، ووضعه في فيه، وقال: بطني أحوج إلى هذا. وفي الزهرة: روى عنه البخارى خمسة وسبعين حديثًا، وروى عنه مسلم خمس مئة وستة وخمسين حديثًا.
روى عن هشيم ومُعْتَمر، وابن المبارك، ووكِيْع، وسفيان بن عُيينة، ومعاوية بن هشام، وزيد بن الحباب وغيرهم. وروى عنه الجماعة، وأبو حاتم، وأبو زُرعة، وعثمان بن خُرَّزاذ، والذُّهْلِيّ، وابن أبي الدنيا، وأبو عَرُوبة وخلق. مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين ومائتين، وهو ابن سبع وثمانين، وأوصى أن تدفن كتبه معه فدفنت.
الثاني: حماد بن أُسامة بن زيد القَرشيّ، مولاهم، أبو أسامة الكوُفي، قال أحمد: أبو أُسامة ثقة، كان أعلم الناس بأمور الناس، وأخبار أهل الكوفة، وما كان أرواه عن هشام بن عُروة. وقال أيضًا: أبو أسامة أثبت من مائة مثل أبي عاصم، كان صحيح الكتاب ضابطًا كبيرًا صدوقًا ثبتًا، ما كان أثبته، لا يكاد يخطىء. وقال عبد الله بن عمر بن أبَان، سمعت أبا أسامة يقول: كتبت بأصبعيَّ هاتين مائة ألف حديث. وقال ابن عمّار: كان أبو أسامة في زمن الثوَّري يعد من النُّسَّاك، وقال العجْليّ: ما بالكوفة شاب أعقل من أبي أسامة وقال ابن سعد: كافي ثقة مأمونًا، كثير الحديث يدلّس، ويبين تدليسه، وكان صاحب سُنّة وجماعة، وقال العجلي أيضًا: كان ثقة، وكان يعد من حكماء أصحاب الحديث.
وقال ابن قانع: كوفي صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال عثمان الدَّارمي: قلت لابن مُعين: أبو أسامة أحب إليك أم عَبْدَة؟ قال: ما منهما إلا ثقة. وهو أحد الأئمة الأَثبات، اتفقوا على توثيقه، وشذ الأَزْدِيّ، فذكره في الضعفاء. وحُكِي عن سفيان بن وكيع قال: كان أبو أسامة يتتبع كتب الرواة، فيأخذها وينسخها، فقال لي ابن نُمَير: إن المحسن لأبي أسامة يقول: إنه دفن كتبه، ثم تتبع الأحاديث بعد من الناس، فنسخها. قال. سفيان بن وكيع: إنى لأعجب كيف جاز حديثه، كان أمره بَيّنًا، وكان من أسرق الناس لحديث جيد.
قال ابن حجر: سفيان بن وكيع هذا ضعيفٌ لا يعتد به. كما لايعتد بالناقل عنه، وهو أبو الفتح الأزْدِيّ، مع أنه ذكر هذا عن أبي وكيع بالإسناد، وسقط من النسخة التي وقف عليها الذهبي من كتاب الأزْدِيّ ابن وكيع، فظن أنه حكاه عن سفيان الثَّوْريّ فمصار يتعجب من ذلك. ثم قال: إنه قولٌ باطل وأبو أسامة قد قال فيه أحمد وأبو أسامة وغيره ما مر من التوثيق.
وروى الجماعة عنه، روى عن هشام بن عُروة، ويُرَيد بن عبد الله بن أبي بُرْدَة، والأُعمش، وابن جُرَيح والثَّوْرِيّ وشُعبة وحمّاد بن زيد وخَلْق. وروى عنه الشافعيُّ وأحمد بن حنبل ويحيى وإسحاق بن راهَوية، وقتيبة وابن نُمْير، وابنا أبي شيبة وغيرهم.
مات في شوال سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين سنة وليس في الصحيحين من هو بهذه الكنية سواه، وفي النَّسائي أبو أسامة الرقِّي النِّخَعِيّ، زيد بن عليّ بن دينار، صدوق، وليس في الكتب الستة من اشتهر بهذه الكنية سواهما.
الثالث: بُريد، وجده أبو بُردة عامر. وأبو عامر هذا، هو أبو موسى الأشعريّ، وقد مروا في الرابع من كتاب الإيمان.