الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع عشر
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُتِىَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ:"إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ". فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِىَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "هِىَ النَّخْلَةُ".
وهذا الحديث قد استوفينا الكلام عليه في الثالث من هذا الكتاب، غاية الاستيفاء، ومناسبته للترجمة هي أن ابن عمر، لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، المسألة عند إحضار الجُمّار إليه، فهم أن المسؤول عنه النخلة، فالفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام، ما يقترن به من قول أو فعل. وقد أخرج أحمد في حديث أبي سعيد الآتي في الوفاة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أن عبدًا خيرَّه الله" فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا، فتعجب الناس، وكان أبو بكر فهم من المقام أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير، فمن ثمَّ قال أبو سعيد: فكان أبو بكر أعلمنا به.
وفي الحديث ما كان بعض الصحابة عليه، من توفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا عند الحاجة خشية الزيادة والنقصان، وهذه كانت طريقة ابن عمر ووالده عمر وجماعة. وإنما كثرت أحاديث ابن عمر مع ذلك لكثرة من كان يسأله ويستفتيه.
رجاله خمسة:
الأول: علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح، بفتح النون، السعديّ مولاهم، أبو الحسن بن المَدينيّ البَصرْيّ، صاحب التصانيف قال أبو حاتم
الرازيّ: كان عليٌّ علمًا في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد لا يسميه، إنما يكنيه تبجيلًا له، وما سمعت أحمد سماه قط. وقال ابن عُيَيْنة: يلومونَنيِ على حبِّ عليّ، والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. وكان ابن عيينة يسميه حَيَّة الوادي وإذا استثبت سفيان أو سئل عن شيء يقول: لو كان حية الوادي، أو قال: لولا علي ما جلست. وقال ابن زنْجَلة: كنا عند ابن عُيينة، وعنده رؤساء أصحاب الحديث، فقال: الرجل الذي روينا عنه أربعة أحاديث، الذي يحدث عن الصحابة؟ فقال عليّ بن المَدينيّ: زيادُ بن عُلاقة، فقال ابن عُيينة: زياد بن علاقة؟ وقال حفص بن محبوب المحبوبي: كنا عند ابن عيينة، فقام ابن المَدينيّ، فقام سفيان، وقال: إذا قامت الخيل، لم تجلس الرَّجَّالة.
وقال عبد الرحمن بن مَهْديّ: علي ابن المَدينيّ أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة بحديث ابن عُيينة. وقال عباس العَنْبريّ: كان يحيى ابن سعيد يقول: إني قلت لا أحدث إلى كذا، استثنيت علي بن المَدينيّ. وكنا نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا. وقال ابن مَعين: عليّ بن المَدينيّ من أروى الناس عن يحيى بن سعيد أنه أرى عنده أكبر من عشرة آلاف، قيل ليحيى: أكثر من مُسَدِّد؟ قال: نعم، إن يحيى بن سعيد كان يكرمه ويدنيه، وكان صديقه وكان علي يلزمه. وقال أبو قُدامَة السَّرخَسيّ: سمعت علي بن المَدينيّ يقول: رأيت فيما يرى النائم كان الثُّريَّا تدلت حتى تناولتها، قال أبو قدامة: فصدق الله رؤياه.
بلغ في الحديث مبلغًا لم يبلغه أحد، وقال أبو عبد الرحمن النَّسائي: كأن الله عز وجل، خلق علي بن المَدينيّ لهذا الشأن، وقال العباس العَنْبريّ: لقد بلغ علي بن المَدينيّ ما لو قضي أن يتم عليه لعله كان يُقدَّم على الحسن البصري، كان الناس يكتبون قيامه وقعوده، ولباسه وكل شيء يقولُ ويفعل. وقال بكر بن خَلَف: قَدمت مكة وبها شابٌّ حافظ، وكان يذاكرني المسند بطرقه، فقلت له: من أين لك هذا؟ فقال: طلبت إلى عليّ بن المَدينيّ أيام
ابن عُيَيْنة أن يحدثني بالمسند، فقال: قد عرفت أن ما تريد بما تطلب مني الذاكرة، فإن ضمنت لي أنك تذاكِر ولا تسميني، فعلت. قال: فضمنتُ له، واختلفتُ إليه، فجعل يحدثني هذا الذي أُذاكرك به حفظًا.
وعن علي بن المَدينيّ قال: صنفت المسند على الطرق مستقصىً وجعلته في قراطيس في قِمْطر كبير، ثم غبت عن البصرة ثلاث سنين، فرجعت وقد خالطته الأرض، فصار طينا، فلم أنشط بعدُ لجمعه. وقال أبو العباس السرّاج: سمعت صاعقة يقول: كان عليُّ بن المَدينيّ، إذا قدم بغداد تصدر الحَلْقة وجاء يحيى بن مَعين وأحمد بن حَنبل والمُعَيطيّ والناس ينتظرون، فإذا اختلفوا في شيء، تكلم فيه عليّ. وقال الأعين: رأيت عليّ بن المَدينيّ مستلقيًا، وأحمد عن يمينه، وابن مَعين عن يساره، وهو يملي عليهما.
وقال ابن المَدينيّ: تركت من حديثي مئة ألف، فيها ثلاثون ألفًا لعَبّاد ابن صُهَيب. وقال أبو العباس. سمعت البُخاريّ، وقيل له: ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن اقدم العراقَ، وعليُّ بن عبد الله حي، فأُجالسه. وقال البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد، إلا عند عليّ بن المَدينيّ. وربما كنت أُغرب عليه، فلما ذكر هذا الكلام لابن المديني، قال: دع قوله، هو ما رأى مثل نفسه. وقال أبو داود: عليٌّ أعلم باختلاف الحديث من أحمد. وسئل الفرهيانيّ عن يحيى وعلي وأحمد وأبي خيثمة، فقال: أما عليّ فأعلمهم بالحديث والعلل، ويحيى أعلمهم بالرجال، وأحمد أعلمهم بالفقه، وأبو خَيْثَمة من النبلاء. ويروى عن ابن معين أنه سئل عن علي بن المَدينيّ والحميدي، أيهما أعلم. فقال: ينبغي للحميديّ أن يكتب عن آخر عن علي ابن المَدينيّ.
وقيل لصالح بن محمد: هل كان يحيى بن مَعين يحفظ؟ قال: كانت عنده معرفة. قيل له: فعليُّ بن المَدينيّ؟ قال: كان يحفظ، ويعرف. وقال أيضًا: أعْلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المدينيّ، وأفقههم فيه أحمد، وأمهرهم فيه الشاذكونيّ، وقال أبو عبيد القاسم بن سَلام: انتهى العلم إلى
أربعة: أبو بكر بن أبي شَيْبة، أسردُهم له، وأحمد أفقههم فيه، وعلي أعلّمُهم به، ويحيى بن مُعين، أكتبهم له، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: كان عليّ بن المَدينيّ إذا قدم علينا أظهر السُّنَّة، وإذا ذهب إلى البصرة، أظهر التشيع. وقال البخاريّ: كان أعلم أهل عصره، وقال ابن حِبان في الثقات: كان من أعلم أهل زمانه بعلل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رَحَل وجمع، وكتب، وصنف، وذاكر، وحفظ. وقال الخطيب: صنف علي ابن المَدِينيّ في الحديث مئتي مصنف، وفي الزهرة أخرج عنه البخاريّ ثلاث مئة حديث وثلاثة أحاديث.
وقال أبو داود: علي خير من عشرة آلاف مثل الشاذكونيّ. تكلم فيه أحمد، ومن تابعه لأجل إجابته في المحنة، وقد اعتذر عن ذلك وتاب وأناب. قال عباس العَنْبريّ: ذكر علي رجلًا فتكلم فيه، فقلت له: إنهم لا يقبلون منك، إنما يقبلون من أحمد بن حنبل، فقال: قوي أحمد على السوط، وأنا لم أقوَ عليه. وقال محمد بن عمار الموصليّ: قال لي علي بن المَدينيّ: ما يمنعك أن تُكَفِّر الجَهْمِيَّة؟ قال: وكنت أنا أولا امتنع من أن أُكفِّرهُم حتى قال ابن المديني، ما قال. فلما أجاب إلى المحنة كتبت إليه كتابًا أُذكره الله تعالى وأُذَكِّرُه ما قال لي في تكفيرهم، قال: فقيل لي: إنه بكى حين قرأ كتابي، ثم رأيته بعد فقلت له، فقال ما في قلبي شيء مما أجبت إليه، ولكني خفت أن أُقتل، قال: وتعلم ضعفي، إني لو ضربتُ سوطًا واحدًا لمت، أو قال شيئًا نحو هذا. قال ابن عمار: ما أجاب إلى ما أجاب ديانة، ما أجاب إلا خوفًا.
وقال أبو يوسف القلوسيّ: قلت لعلي بن المَدينيّ: مثلك في علمك تجيب كل ما أجبت إليه، فقال لي: يا أبا يوسف، ما أهون عليك السيف. وعن علي بن الحسين بن الوليد قال: لما ودعت علي بن المدينيّ قال لي: بلغ قومك عني أن الجَهْمِيَّةَ كفار، ولم أجد بدًا من متابعتهم لأني حُبست في بيت مظلم، وفي رجليّ قيد حتى خفت على بصري، فإن قالوا: يأخذ منهم، فقد سُبقت إلى ذلك، فقد أخذ من هو خير مني.
وقال الحاكم: سمعت الأخرم يذكر فضل ابن المدينيّ، وتقدمه، وتبحره في العلم، فقال له بعض أصحابنا: قد تكلم فيه عمرو بن علي، فتكلم في عمرو بن علي بكلام سيء. وقال محمد بن عثمان بن أبي شَيْبة: سمعت عليًا على المنبر يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر. ومن زعم أن الله لا يرى، فهو كافر. ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة، فهو كافر. وقال أيضًا: سمعته يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقال إبراهيم بن محمد بن عُرعُرة: سمعت يحيى بن سعيد يقول لعلي بن المَدينيّ: ويحك يا عليّ، اني أراك تتبع الحديث تتبعا، لا أحسبك تموت حتى تبتلى. وقال الأثرم: سمعت الأصمعيّ وهو يقول لعلي بن المديني: والله يا علي لتتركنّ الإِسلام وراء ظهرك.
روى عن أبيه وحمّاد بن زيد، وابن عُيينة، ويحيى بن سعيد القطّان، ويزيد بن زُرَيع، وهُشيم، ومُعاذ بن مُعاذ، وخلق كثير. وروى عنه البخاريّ وأبو داود، وروى أبو داود والتِّرمذيّ والنَّسائي وابن ماجه في التفسير له بواسطة، والذُّهليّ وأبو بكر بن أبي عتّاب الأعين، وعبّاس بن عبد العظيم العَنْبريّ، وروى عنه سفيان بن عُيينة، ومعاذ بن معاذ، وهما من شيوخه، وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وهما من أقرانه، وخلق كثير.
ولد سنة إحدى وستين ومئة، ومات يوم الاثنين ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومئتين. وعلي بن عبد الله سواه في الستة ثلاثة، وأما علي فكثير. والسعدي في نسبه مر الكلام عليه في الثالث من كتاب الإِيمان.
الثاني: عبد الله بن أبي نَجِيح، بفتح النون، يَسَار الثقفي أبو يَسار المكِّي، مولى الأخنس بن شريق. قال وكيع: كان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نَجيح. وقال أحمد: ابن أبي نَجيح ثقة، وكان أبوه من خيار عُبَّاد الله تعالى. وقال ابن مَعين وأبو زرعة والنَّسائي: ثقة، وقال ابن سعد: قال محمد ابن عمر: كان ثقة كثير الحديث ويذكرون أنه كان يقول بالقدر. وذكره ابن