الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهشام بن عُروة، ويحيى بن سعيد، وجعفر الصادق وخلق.
وروى عنه أبو عامر العقديّ وابن المبارك وأبو سلمة الخُزَاعي، وعبد الله بن وهَبْ ويحيى بن يحيى النَّيْسابورِيّ، وإسماعيل بن أبي أويس، وأخوه أبو بكر بن أويس، ومحمد بن سليمان لوين.
مات سنة سبع وسبعين ومئة، وليس في الستة سليمان بن بلال سواه، وأما سليمان فكثير، والتيميّ في نسبه مرّ الكلام عليه في الثاني من كتاب الإيمان.
ثم قال المصنف:
باب ما جاء في العلم وقول الله تعالى وقل رب زدني علمًا
هذا الباب ساقط في رواية أبي ذر والوقت وابن عساكر والاصيلي ولم يذكر فيه حديثا لما قدمناه أول كتاب العلم عند قوله باب فضل العلم ومرّ هناك الكلام على الآية اهـ ثم قال:
باب القراءة والعرض على المحدث
هذا الباب ساقط أيضًا عند الأصيليّ وأبي ذَرٍّ وابن عساكر. وقد غاير بين القراءة والعَرْض بالعطف، لما بينهما من العموم والخصوص، على قول. ولنذكر هنا حكم العرض مبسوطا، لأنه من مصطلح الحديث، فأقول: العَرْض والقراءة على الشيخ اختُلف فيهما، فقيل: مترادفان. وهو الصحيح، وقيل: القراءة أعم من العَرَض، فالعرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه، معه أو مع غيره، بحضرته. والقراءة على الشيخ تعم ما إذا كان الشيخ مُمْسِكًا للأصل. ولما إذا كان الطالب قارئًا من حفظه من غير كتاب. وقيل: إن العرض أعم باعتبار أن فيه عرض قراءة وعرض مناولة، كما يأتي إن شاء الله تعالى في بابه قريبا.
والتحمل بالقراءة على الشيخ جائز، سواء قرأت الأحاديث على الشيخ من حفظك، أو من كتاب لك، أو له، أو لغيركما، أو سمعت قراءة غيرك عليه مطلقا أيضًا، وسواء الشيخ في حال القراءة عليه حافظًا لما عرضت
عليه، أو غير حافظ له، ولكنه ممسك لأصله بنفسه أو مُمْسِكٌ له ثقة غيره، وكأصله ما قوبل عليه، وكذلك يجوز إذا كان معك حال الاستماع ثقة حافظ للمقروء مستمع له غير غافل عنه.
وقد أجمع العلماء على صحة الأخذ بالعرض، وردّوا الخلاف الوارد فيه، وما اعتدُّوا به. وكان مالك ينكر على المخالف، ويقول: كيف لا يجزؤه هذا في الحديث ويجزؤه في القرآن وهو أعظم؟. واختلف العلماء هل هي مساوية للسماع من لفظ الشيخ، أو دونه، أو فوقه؟ فَنُقل عن مالك وأصحابه وجُلّ أهل الكوفة والحجاز والبخاريّ: أنهما سِيّان. ونُقِل عن ابن أبي ذيب وأبي حنيفة ترجيح العَرْض على السماع، قائلين: إن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه، إما لجهله أو لهيبة الشيخ أو لغير ذلك بخلاف الطالب والأصح ترجيح السماع من الشيخ على العرض، وهو الذي عليه جلّ أهل المشرق وخُراسان. وقد يعرض ما يصير العرض أولى، كأن يكون الطالب أعلم أو أضبط، أو الشيخ في حال القراءة عليه أوعى منه في حال قراءته، وإذا أراد الطالب أداء ما رواه عرضا، فالأجود فيه أن يقول: قرأت على فلان، إذا كان العرض بقراءة نفسه، أو: قرىء على فلان وأنا أسمع، إذا كان بقراءة غيره، ثم يلي ذلك عبارات السماع مُقَيَّدة بالقراءة، فيقول: حدثنا فلان بقراءتي عليه، أو قراءةً عليه، وأنا أسمع، أو: أخبرنا فلان بقراءتي، أو قراءة عليه وأنا اسمع، أو أنبأنا، أو قال لنا بقراءتي عليه، أوقراءة عليه وأنا أسمع، إلَاّ لفظ السماع، فإنهم لم يجوّزوه في العرض لصراحته في السماع من لفظ الشيخ. وأجازه السُّفيانان ومالك.
وأما الأداء بلفظ التحديث أو الأخبار، من غير تقييد القراءة المار، فقد منعه إحمد بن حنبل، ويحيى بن يحيى التَّمِيْميّ، وابن المبارك. وأجازه مالك والزُّهْرِيّ ويحيى بن سعيد القطّان، وسفيان بن عُيَيْنة، والبخاريّ، وجُلُّ أهل الكوفة والحجاز. وذهب ابن جُرَيج والأوزاعي، وعبد الله بن وهب، والإمام الشافعي، ومسلم، وجل أهل الشرق والنسائي، إلى جواز
"أخبرنا" دون "حدثنا" قائلين: إن التحديث مشعر بالنطق والمشافهة دون الإخبار.
وبعض القائلين بالفرق، وهو أبو حاتم محمد بن يعقوب الهَرَويّ، أعاد قراءة صحيح البخاري بعد قراءته له على بعض رواة الفربريّ، حتى رجع إلى كل متن قال فيه "حدثك الفربري" فقال فيه: أخبرك الفربريّ، مكان "حدثك" الأولى. وقال للراوي: تسمعني أقول: حدثكم الفربريّ، ولا تنكر عليّ مع علمك بأنك إنما سمعته منه قراءة عليه؟.
قال العراقي: وهذا رأي المشترطين إعادة الإسناد في كل متن، ولو مع اتحاد السند، كما مر في الكلام على النسخة، وهو جور، والصحيح خلافه، وأشار العراقي إلى هذا الفصل بقوله:
ثُمّ القراءةُ التي نَعْتُها
…
معظمهم عَرْضا سَوّا قَرأتُها
من حِفْظٍ أو كِتابٍ أو سَمِعْتُ
…
والشيخ حافظٌ لما عَرَضتُ
أوْ لا، ولكنْ أصله يُمْسكُه
…
بنفسه، أو ثِقَةٌ مُمْسكه
قلتُ كذا إن ثقةٌ ممن سمع
…
يحفظه مع استماعٍ فاقْتنَع
وأجْمَعوا أخذًا بها وردُّوا
…
نَقْلَ الخلافَ، وبه ما اعتدُّوا
والخُلْفُ فيها: هل تساوي الأولَ
…
أو دونه أو فوقه، ونَقلا
عن مالك، وصحبه ومُعظمِ
…
كوُفةٍ والحجازِ أهل الحرمِ
مع البخاريِّ هما سِيّان
…
وابن أبي ذيب مع النُّعمانِ
قد رجّحا العَرْض وعكْسُه أصحّ
…
وجلُّ أهل الشرق نحوه جَنَحْ
وجوّزوا فيه قرأتُ أو قَرَا
…
مع "وأنا أسمع" ثم عَبّرَ
بما مضى في أول مُقيّدًا
…
قراءة عليه حتى منشدًا
أنشدنا، قراءة عليه، لا
…
سمعتُ، لكنْ بعضهُم قد حَلَّلا
ومُطْلَق التحديث والإخبار
…
منعه أحمد ذو المقدار
والنسائي والتَّميْمي يحيى
…
وابن المبارك الحُميد سعيًا
وذهب الزهريُّ والقَطَّان
…
ومالك، وبعده سُفيان
ومعظمُ الكوفة والحجاز
…
مع البخاريّ إلى الجوازِ
وابن جُرَيج، وكذا الأوزاعي
…
مع ابن وهب والإمام الشافعي
ومسلمٌ، وجُلّ أهل الشَّرْقِ
…
قد جوّزوا "أخبرنا" للفَرْقِ
وقد عزاه صاحب الإِنصاف
…
للنَّسائي من غير ما خلاف
والأكثرين، وهو الذي اشْتُهرَ
…
مصطلحًا لأهله أي الأثر
وبعض من قال بذا أعادا
…
قراءة الصحيح، حتى عادا
في كل متن قائلا "أخبرك"
…
إذ كان قال أولًا "حدَّثَك"
قلت: وذا رأيُ الذين اشترطوا
…
إعادة الإسناد وهو شطَطُ
ولنذكر هنا تفريعات سبعة تذكر في كتب الأصول بعد هذا الفصل تتميمًا للفائدة:
أولها: فيما إذا لم يحفظ الشيخ ما عُرِض عليه، وأمسك الأصل عَدْلُ رِضًا، فقد أجاز جل المحدثين أو كلهم الاعتماد على ذلك، والرواية به. ومنعه إمام الحرمين من أهل الأصول. وأما إذا لم يكن الممسك عدلا فلا اعتداد بذلك اتفاقًا.
ثانيها: فيما إذا سكت الشيخ بعد قول الطالب له "أخبرك فلان" ونحوه، ولم يقُرَّة بلفظ "كنعم" أو إشارة مع فهمه لما قاله الطالب، ولم ينكر عليه، وغلب على ظن الطالب أن سكوته إجابة له فالذي عليه المعظم من العلماء، وهو الصحيح، أن ذلك كافٍ في صحة السماع، إذ سكوته على الوجه المذكور كإقراره لفظًا ولأنه لا يليق بذي دين إقرارٌ على خطأ في مثل ذلك، وحينئذ فتؤدّي بألفاظ العرض كلها. ووافق على هذا من الشافعية أبو الفتح سليم الرازيّ، وأبو إسحاق الشيرازيّ، وأبو نصر بن الصّباغ، ولكنّ هذا الأخير قال: لا تجوز تأديته إلا بألفاظ العرض المتفق عليها، وهي "قرأت عليه"، أو "قرىء عليه وأنا اسمع" لا جميعها، فلا تقل: حدثني، ولا أخبرني، ولا سمعت. ومنع بعض أهلِ الظاهر
والحديث الاكتفاءَ بسكوته، فاشترطوا اقراره بذلك لفظًا، بل قال صاحب المحصول: إن الشيخ لو أشار برأسه أو أصبعه للإقرار به، ولم يتلفظ، لم يُقبل ذلك. وفيما قاله نظر، والمعتَمد ما مر من الجواز، إن لم يشر. والغاية أنه فات المستحبّ، وهو الإقرار به لفظًا.
ثالثها: في افتراق الحال بين صيغة المنفرد وصيغة من في الجماعة، فاختار الحاكم، وعليه أكثر الشيوخ، أن يقول في حال الأداء: حدثني، إذا كان منفردًا حال السماع عن غيره، وأن يقول: حدثنا، إذا كان وقت السماع معه غيره، وأن يقول فيما تحمله عن شيخه عَرْضًا: أخبرنا بالجمع، إذا سمع منه بقراءة غيره عليه، وأن يقول: أخبرني، إذا كان هو القارىء بنفسه على الشيخ.
واستحسنه ابن وهب والتِّرمِذِيّ، وليس بواجب، ومحل هذا إذا علم صورة حال الأخذ عن الشيخ، أما إذا شك في الأخذ عنه، أكان وحده أو مع غيره، فالأوْلى الوحدة، لأن الأصل عدم غيره، وكذا لوْ شَكّ في أخذه عنه عرضًا، أكان من قبيل "أخبرنا" لكونه مع غيره، أو "أخبرني" لكونه وحده. والأصل عدم غيره، لكن حكى الخطيب عن البرقانيّ أنه كان يقول في هذا:"قرأنا"، لأن سماع نفسه متحقق، وقراءته شاكٌّ فيها، والأصل عدمها. ولأن إفراد الضمير يقتضي قراءته بنفسه، وجمعه يمكن حمله على قراءة بعض السماع، بل لو تحقق أن الذي قرأ غيره، فلا بأس أن يقول:"قرأنا".
وقال يحيى بن سعيد القطَان في مسألة تشبه هذه: إنه يقول فيها "حدثنا" بصيغة الجمع، وهي ما إذا شك الإنسان في لفظ شيخه، أقال:"حدثنا" أو"حدثني". قال ابن الصلاح ومقتضاه الجمع في الأُولى أيضًا. قال: وهو عندي يتوجه بأنّ "حدثني" أكمل مرتبة، فيقتصر في حالة الشيخ على الناقص لأن الأصل عدم الزائد، وهذا تدقيق لطيف. واختار البَيْهَقيّ الإفراد في صورة القَطّان، معللًا بأنه لا يشك في واحد، وإنما الشك في
الزائد، فيطرح الشك، ويبقي على اليقين.
رابعها: -في التقييد بلفظ الشيخ، فقد قال الإِمام أحمد: لا تجوز تعدية لفظ ولا إبداله بغيره، فإذا قال الشيخ، مثلا: حدّثنا فلان عن فلان، قال أولهما: حدثنا، وقال الثاني: أخبرنا، فلا تبدل شيئًا من ألفاظه بغيره، وكذا يمنع إبدال "حدثنا""بخبرنا" وعكسه فيما صنف من الكتب، لاحتمال أن قائل ذلك لا يرى التسوية بين الصيغتين، وإذا عُرف أن الراوي مسوٍ بينهما، جرى في ذلك من الخلاف ما جرى في النقل بالمعنى وخص ابن الصلاح هذا الخلاف بما رواه الطالب مما تحمَّله باللفظ من شيخه. وأما ما وضعه المصنفون في الكتب المصنفة، فإن ذلك يمتنع تغييره قطعًا، سواء رويناه في التصنيفات أم نقلناه منها لفظًا إلى أجزائنا، أو تخاريجنا وضعّف هذا ابن دَقيقْ العيد.
خامسها: في النسخ والكلام من الشيخ أو الطالب وقت التحمل، وفي سن الإجازة مع السماع. فقال بامتناع ذلك الإسْفَرائِيْنِيّ، وإبراهيم الحربيّ وابن عَديّ، لأن الاشتغال بالنسخ من الشيخ أو الطالب مُخلٌّ. وقال الضبعي: إذا كنت راويًا حال النسخ منك، أو من شيخك فلا تقل "حدثنا"، ولا "أخبرنا"، وقيل:"حضرت"، كما يقوله من أدى ما تحمله وهو صغير قبل فهمه الخطاب، ولكنْ أبو حاتم الرازي، كان يكتب في حال تحمله عند محمد بن الفضل عارم، وكان ابن المبارك يكتب في حال تحديثه، وهذا منهما مقتضٍ جوازه، وعدم ذكر الحضور، وجوزه موسى بن هارون الحمَّال، وذهب ابن الصلاح إلى التفصيل، فقال: إنْ صحب النسخ فهمٌ للمقروء كما جرى للدارقطني صح السماع، وإلا يصحبه فهم لم يصح، ومسألة الدارقطني هي أنه حضر في حداثته إملاء أبي عليّ إسماعيل الصفّار، فرآه بعض الحاضرين ينسخ، فقال: لا يصح سماعك وأنت تنسخ. فقال له الدارقطنيّ: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثم قال للمنكر: أتحفظ كم أملى حديثا إلى الآن؟ قال: لا، قال له: أملى ثمانية عشر حديثًا، وسردها على الولاء، إسنادا ومتنًا فعجب الناس من ذلك.
وما جرى في النسخ يجري في الكلام من السامع والمسمع وقت السماع، وفي إفراط القارىء في الاسراع، وفيما إذا خفي صوته حتى خفي في جميع ذلك بعض الكلم، وكذا إذا بعُد السامع عن القارىء، أو عرض له نعاس ونحو ذلك. وقد كان الدارقطنيّ يصلي في حال قراءة القارىء عليه، وربما يشير بردّ ما يخطىء فيه القارىء. ثم مع اعتماد التفصيل يفتقر الكلمتان أو أقل، والضابط دوران الأمر على ما لا يكون الذهول عنه مُخلًا بفهم الباقي، ويُسَنُّ للشيخ أن يجيز السامعين رواية ما رووه عنه، مع إسماعه لهم جبرًا، لما يقع من أجل ما ذكر أو نحوه كخلل في الإعراب أو الرجال، وذلك بأن يقول: أجزت لكم روايته سماعا.
وقال ابن عتّاب: لا غنى لطالب العلم عن الإجازة من الشيخ، مقترنة بالسماع لجواز سهوٍ أو غفلة أو غلط، وظاهره الوجوب، ثم ينبغي لكاتب بلغ مقابلة الطبقة أن يكتب الإجازة عقب كتابته السماع، ويقال: أول من كتبها في الطِّباق الحافظُ أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنماطيُّ، فجزاه الله خيرًا في سَنِّه ذلك لأهل الحديث، فلقد حصل به نفع كثير. ولقد انقطعت بسبب إهمال ذلك ببعض البلاد روايةُ بعض الكتب، لكون راويها كان له فوت، ولم يوجد في الطبقة إجازة المسمع للسامعين فما أمكن قراءة ذلك الفوت عليه بالإجازة، لعدم تحققها، كما اتفق لأبي الحسن علي بن الصَّواف الشاطِبيّ في سُنَن النَّسائي، فلم يأخذوا عنه سوى مسموعه منها على أبي بكر بن بلْقا.
وسأل صالحٍ بن أحمد بن حنبل أباه فقال له: إن أدغم الشيخ أو القارىء لفظًا يسيرًا، فلم يسمعه السامع معرفته أنه كذا وكذا، أيرويه عنه؟ فقال له: أرجو أن يعفى عنه ولا يضيق. ومنع أبو نُعيم الفضل بن دُكين ذلك في حال سماعه من سفيان والأعمش، إذا شرد عليه اللفظ اليسير واستفهمه من بعض رفقائه، فقال: لا يسعه إلا أن يروي تلك الكلمة الشاردة عن فهمه إياها، لا عن شيخه، ومَثَلُه في ذلك زائدةُ بن قُدامة، فقد قال خَلف
ابن تميم: سمعت من الثوري عشرة آلاف حديث، فكنت استفهم جليسي، فقلت لزائدة، فقال لي: لا تحدّث منها إلا بما تحفظ بقلبك، وتسمع بأذنك. قال: فألقيتها.
وكان خلف بن سالم يقتصر على "نا" حين فاته "حدث" من "حدثنا" من قول شيخه سفيان بن عُيينة حين تحديثه عن عمرو بن دينار، فكان يقال له: قل: "حدثنا"، فيمتنع، ويقول إن لكثرة الزحام عند سفيان لم أسمع شيئًا من حروف "حدث". وكان شيخه سفيان يكتفي بسماع لفظ المُسْتمْلي الذي اتبع لفظ المُمْلي، وذلك أن أبا مسلم المستملي قال لسفيان: الناس كثير لا يسمعون، فقال: أتسمع أنت؟ قال: نعم. قال: فأسمعهم. ولعل سماع خلف لم يكن في الإملاء، وهذا هو العمل من الأكابر الذين يَعْظُم الجمع في مجالسهم. إنّ من سمع المستملي دون المملي جاز له أن يرويه عن المملي، وكذلك أفتى حمّاد بن زيد من استفهمه في حال إملائه عن بعض الألفاظ، وقال له: استفهم الذي يليك.
وروي عن الأعمش، كنا نقعد للنّخعيّ، فربما قد يبعد عنه البعض، ولا يسمعه فيسأل البعيد البعض القريب عما فاته، وينقل كل منهما ذلك عنه بلا واسطة. ويشترط أن يسمع المملي لفظ المستملي كالعرض، لأن المستملي في حكم القارىء على المملي، وحينئذ فلا يقال في الأداء كذلك: سمعت فلانا، كما مر في العرض، بل الأحوط بيان الواقع، كما فعله جماعة من الأئمة. وقال محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي: ما كتبت قطُّ من في المستملي ولا التفتُّ إليه، ولا أدري ما يقول. إنما كنت أكتب من في المحدّث وصوَّبه النوويّ وقال: إنه الذي عليه المحققون، وقال أبو زرعة بعد أن روى ما مر عن الأعمش: رأيتُ أبا نُعيم لا يعجبه ذلك، ولا يرضى به لنفسه، وكل التحديث بما لم يسمعه إلا عن رفيقه تساهل.
وقول عبد الرحمن بن مهديّ وأبي عبد الله بن منْده: يكفي من سماع
الحديث شمه، مقصودهما أن المحدث إذا سُئل عن طرف حديث واكتفى السائل بطرقه عن ذكر باقيه، كان ذلك كافيا. وقد كان السلف يكتبون أطراف الأحاديث ليذاكروا الشيوخ فيحدثوهم بها، وما عنيا تساهلًا في الحديث ولا في الأداء.
سادسها: -في التحديث من وراء ستر، فيصح السماع به بخلاف الشهادة، لأن باب الرواية أوسع، وكما لا تشترط رؤيته له لا يشترط تمييزه له من الحاضرين. وشرطُ صحة السماع أن يكون السامع عارفًا لمن وراء الستر، بصوته أو بإخبار من يثق بعدالته وضبطه، أن هذا صوته، إن كان يحدث بلفظه، أو أنه حاضر إن كان عَرْضا.
وقال شعبة: لا ترو عن من يحدثك، ولم تواجهه، فلعله شيطان. ودليل الصحة حديث "أن بلالا يؤذن بليل فكلُوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أُمِّ مكتوم"، فأمر الشارع بالاعتماد على صوته مع غيبة شخصه عمنّ يسمعه، وتحديث أمّنا عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين من وراء حجاب، مع نقل ذلك عنهن ممن سمعه والاحتجاج به في الصحيح.
سابعها: -فيما إذا منع الشيخُ الطالبَ الرواية عنه، فله أن يرويه عنه، ولا يضره منع الشيخ له، كأن يقول له: لا لعلة تمنع الرواية لا تروه عني، أو: ما أذنت لك في روايته فتسوغ له روايته عنه، لأنه قد حدثه وهو شيء لا يرجع فيه، ولا يؤثِّر منعه، وكذلك لا يضر التخصيص من الشيخ لجماعة مثلًا، بالسماع، وقد سمع غيرهم، سواءًا علم الشيخ سماعه، أو لم يعلم. وكذا لو قال: أخبركم، ولا أخبر فلانا، لا يضره. وكذا، لا يضر الرجوع بكتابة ونحوها، أو بلفظ نحو "رجعت عما حدثتكم به" ما لم يقل مع ذلك: اخطأت فيما حدثتُ به، أو شَكَكْتُ في سماعه، أو نحو ذلك. فإن قال معه ذلك، لم يروِهِ عنه.
وإلى هذه التفريعات أشار العراقيّ بقوله:
واختلفوا إن أمْسَكَ الأصلَ رضا
…
والشيخُ لا يحفظُ ما قد عُرضا
فبعض نُظَّار الأصول يُبْطِلِهُ
…
وأكثر المُحَدِّثين يَقْبَله
واختلفوا إن سَكَت الشيخ ولمْ
…
يُقِرَّ لفظا فرآه المُعْظَمْ
وهو الصحيح كافيًا، وقد مَنع
…
بعض أولي الظاهر منه، وقطعْ
به أبو الفتح سليم الرّازيّ
…
ثم أبو إسحاق الشِّيرازيّ
كذا أبو النصر، وقال: نعملُ
…
به، وألفاظ الأداء الأولُ
والحاكم اختار الذي قد عهدا
…
عليه أكثر الشيوخ في الأدا
حدثني في اللفظ حيثُ انفردا
…
واجمع ضميره إذا تعَدَّدا
والعرض إن تسمع فقل: "أخبرنا"
…
أو قارئا "أخبرني" واستحسنا
ونحوه عن ابن وَهْبٍ رويا
…
وليس بالواجب، لكن رُضِيا
والشكّ في الأخذ أكان وحده
…
أو مع سواه، فاعتبار الوَحْدَه
محتملٌ، لكن روى القطَّانْ
…
الجمعَ فيما أوْهَم الإنسانْ
في شيخه ما قال، والوحدة قد
…
اختار في ذا البيهقيُّ واعتمد
وقال أحمد: اتبع لفظًا ورد
…
للشيخ في أدائه، ولا تعَدّ
ومنع الإبدال فيما صنَّفا
…
الشيخُ، لكن حيثُ راوٍ عُرِفا
بأنه سوا ففيه ما جرى
…
في النقل بالمعنى، ومع ذا فيرى
بأن ذا فيما روى ذو الطَّلبْ
…
باللفظ، لا ما وضعوا في الكتب
واختلفوا في صحة السماع
…
من ناسخ، فقال بامتناع
الإسفرائينيُّ مع الحربيّ
…
وابن عَدِيّ وعن الضَّبْعِيّ
لاتروِ تحديثًا أو إخبارًا قُل
…
حضرتُ والرازي وهو الحنظلي
وابن المُبارك كلاهما كتبْ
…
وجوّز الجمال والشيخُ ذَهب
بأن خيرًا منه أن يُفَصَّلا
…
فحيث فهمّ صح أولا، بَطُلا
كما روى للدارقطنيّ حيث عد
…
إملاء إسماعيل عد أو سرد
وذاك يجري في الكلام أو إذا
…
هينم حتى خفي البعض كذا
إن بَعُد السامع ثم يحتمل
…
في الظاهر الكلمتان أو أقل
وينبغي للشيخ أن يجيزَ مع
…
إسماعه جبرًا لنقص إن وقع
قال ابن عتاّب ولا غناء عن
…
إجازة مع السماع تقترنْ
وسئل ابن حَنْبل إن حرفا
…
أدغمه؟ فقال أرجو يعفى
لكن أبو نعيم الفضل منع
…
في الحرف يستفهمه، فلا يسع
إلا بأن يروى تلك الشاردة
…
عن مُفْهم ونحوه لزائدة
وخَلَف بن سالرقد قال "نا"
…
إذ فاته "حدَّثَ" من "حدثنا"
من قول سفيان وسفيانُ اكتفى
…
بلفظ مستملٍ عن المُملي اقتفى
كذاك حمادُ بن زيد أفتى
…
استفهم الذي يليك حتى
رووا عن الأعمش: كنا نقعد
…
للنّخَعيّ فربما قد يبعد
البعضُ لا يسمعه فيسألُ
…
البعضَ عنه، ثم كلٌّ ينقلُ
وكل ذا تساهل، وقولُهْم
…
يكفي من الحديث شمه فَهُمْ
عَنَوا إذا أول شيء سئلا
…
عرفه، وما عنوا تساهلا
وإن يحدث من وراء سِتر
…
عرفته بصوت أو ذي خبر
صح، وعن شُعْبَةَ لا ترو لنا
…
إن بلالا، وحديث أُمنا
ولا يضرُّ سامعًا أن يمنعه
…
الشيخُ أن يروي ما قد سمعه
كذلك التخصيص، أو رجعتُ
…
ما لم يقل: أخطأت أو شككتُ
ثم ذكر البخاري أدلة لمذهبه من استواء السماع والعرض فقال: ورأي الحسن والثَّوري ومالك القراءة جائزة. قال أبو عبد الله: سمعت أبا عاصم يذكر عن سفيان الثوري ومالك أنهما كانا يريان القراءة والسماع جائزًا. حدثنا عُبَيد الله بن موسى عن سفيان قال: إذا قرأ على المحدث فلا بأس أن يقول: "حدثني" و"سمعت"، واحتج بعضهم في القراءة على العالم بحديث ضِمامَ بن ثَعْلَبة، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: آلله أمرك أن تصلي الصلوات؟ قال: نعم. قال: فهذه قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم، أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه، واحتج مالك بالصَّكّ يقرأ على
القوم فيقولون: أشهدنا فلان، ويقرأ ذلك قراءة عليهم، ويقرأ على المقرىء، فيقول القارىء: أقرأني فلان.
حدثنا محمد بن سَلام، حدثنا محمد بن الحسن الواسطي عن عوف عن الحسن قال: لا بأس بالقراءة على العالم. وأخبرنا محمد بن يوسف الفربريّ، وحدثنا محمد بن إسماعيل البخاريّ، قال: حدثنا عُبَيد الله بن موسى عن سُفيان، قال: إذا قرئ على المحدّث فلا بأس أن يقول: حدثني. قال: وسمعت أبا عاصم يقول عن مالك وسفيان: القراءة على العالم وقراءته سواء.
ذكر البخاري أثرين لمالك وسفيان موصولين، وأخر أثر الحسن عنهما، ويأتي قريبا، الأول منهما: قال أبو عبد الله: سمعت أبا عاصم يذكر عن سفيان الثَّوري ومالك أنهما كانا يريان القراءة والسماع جائزًا.
رجاله أربعة:
الأول: أبو عبد الله والمراد به البخاريّ نفسه، والثاني: أبو عاصم الضحَّاك بن مَخْلَد، بفتح الميم بن الضحاك بن مُسْلم بن الضَّحاك بن رافع الشيباني البصري، المعروف بالنبيل. قيل: لقب بهذا اللقب لأجل أنه قدم الفيل البصرة، فذهب الناس ينظرون إليه، فقال له ابن جُريج: مالك لا تنظر؟ فقال: "لا أجد منك عوضًا" فقال: أنت نبيل. ووقع مثل هذه الرواية ليحى بن يحيى مع مالك في فيل دخل المدينة، ولكن عبارته التي أجابه بها "إنما جئت لأنظرك لا لأنظر الفيل" فقال له:"أنت عاقل المغرب" وقيل إنما سمي النبيل؛ لأنه كان يلازم زُفَرِ. وكان حسن الحال الذي كسوته، وكان أبو عاصم آخر، ربُّ الحال ملازمًا له أيضًا، فجاء يوما الأول إلى بابه، فقال الخادم لزُفَر: أبو عاصم بالباب فقال له: أيهما؟ فقال له: ذلك النبيل.
وقيل: لقبه المهديُّ به. وقيل: لأن شعبة حَلَف أن لا يحدث أصحاب الحديث شهرًا، فبلغ أبا عاصم، فقال له: حدث وغلامي حر. وقيل: لأنه
كان كبير الأنف، فقد روى إسماعيل بن أحمد والي خراسان عن أبيه عن أبي عاصم: أنه تزوج امرأة فلما أراد أن يقبلها قالت له: نحِّ ركبتك عن وجهي، فقال لها: ليس هذا رُكبة، هذا أنْف. قال الخليلي: متفق عليه زهدًا وعلمًا وديانة واتقانًا. وقال حمدان بن علي الورّاق: ذهبنا إلى أحمد ابن حنبل، فسألناه أن يحدثنا، فقال: أتسمعون مني وأبو عاصم في الحياة؟ أُخرجوا إليه.
وقال البخاري: سمعت أبا عاصم يقول: مُذْ عَقَلْت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحدًا قطّ. وقال ابن سعد: كان ثقة فقيها. وقال عمرو بن شَبَّة: والله ما رأيت مثله. وقال ابن خِراش: لم ير في يده كتاب قطّ. وقال أبو داود: كان يحفظ قدر ألف حديث من جيد حديثه. وكان فيه مزاح. وقال ابن مُعين: ثقة. وقال العَجْليّ: ثقة كثير الحديث، وكان له فقه. وقال أبو حاتم: صدوق، وهو أحب الي من رُوْح بن عُبادة. وقال محمد بن عيسى الزَّجَّاج: قال لي أبو عاصم: كل شيء حدثتك، حدثوني به، وما دلّسْتُ قطّ. وقال ابن مانع: ثقة مأمون. وروى الدارقطني في "غرائب مالك" قيل لأبي عاصم: إنهم يخالفونك في حديث مالك في الشفعة، فلا يذكرون أبا هريرة، فقال: هاتوا من سمعه من مالك في الوقت الذي سمعته منه، إنما كان قدم علينا أبو جعفر مكة، فاجتمع الناس إليه، وسألوه أن يأمر مالكًا يحدثهم فأمره، فسمعته في ذلك الوقت. وكان ذلك في حياة ابن جُريج.
روى عن يزيد بن أبي عُبيَد وأيْمن بن نابل وشبِيب بن بِشر وابن عوْن وابن جُرَيج، وابن عَجْلان والأوزاعي ومالك والثَّوري وشُعبة وسعيد بن أبي عَرُوبة، وقُرَّة بن خالد، وخلق. وروى عنه جرير بن حازم، وهو من شيوخه، والأصمعي والحزيبي، وهما من أقرانه، وأحمد وإسحاق وعلي بن المدِيْنيّ وبُنْدار وهارون الجمال، وعبد الله بن محمد المسنديّ وغيرهم.
ولد سنة اثنتين وعشرين ومئة، ومات سنة أحد عشر أو اثني عشر أو
ثلاثة عشر أو اربعة عشر ومئتين. وكان ارتحل من مكة إلى البصرة في حياة ابن جُريح، أو حيث مات، ثم لم يعد إلى مكة حتى مات. وهذا يدل على أنه مكي تحوّل إلى البصرة. ومن كلامه: من طلب الحديث، فقد طلب أعلى الأمور، فيجب أن يكون خير الناس.
وليس في الستة الضَّحاك بن مَخْلَد سواه، وأما الضحّاك فاثنا عشر. وأبو عاصم في الستة سواه خمسة، والشيباني في نسبه نسبة إلى شيبان، حيّ من بكر، وهم الشَّيْبانية، وهما شيبانان أحدهما شيبْان بن ثعلبة بن عُكابة بن صَعْب بن عليّ بن بكر بن وائل، والآخر شيبان بن ذُهل بن ثعلبة بن عُكابة. وهما قبيلتان عظيمتان تشتملان على بطون وأفخاذ، وإلى الثانية نُسب إمام المذهب أحمد بن حنبل والإمام محمد بن الحسن صاحب الإِمام أبي حنيفة، رضي الله عنهم. وأبو عاصم هذا، قيل: إنه مولى، وقيل: إنه من أنفسهم، وهو الصحيح.
الثالث: الثَّورِيّ، وقد مر في السابع والعشرين من كتاب الإيمان، ومرّ الإِمام مالك في الثاني من بدء الوحي.
الثاني: حدثنا عُبيد الله بن موسى عن سفيان، قال: إذا قرأ على المحدث، فلا بأس أن يقول:"حدثنى" و"سمعت".
رجاله اثنان: الأول عبيد الله بن موسى، وقد مر في الأول من كتاب الإيمان، والثاني سفيان، وقد مر قريبًا ذكر محله. ثم ذكر البخاريُّ قوله: واحتج بعضهم في القراءة على العالم بحديث ضمام الخ.
وهذا الحديث يأتي قريبًا موصولًا، والبعض المحتج بالحديث، قيل: إنه الحُميدي، شيخ البخاريّ، وقد مر في الأول من بدء الوحي، وقال ابن حجر: الظاهر عندي أن المحتج بذلك أبو سعيد الحداد، كما أخرجه البيهقي في المعرفة، فإنه قال: عندي خبر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في القراءة على العالم، فقيل له، فقال: قصة ضمام بن ثعلبة: آلله
أمرك بهذا؟ قال: نعم، وليس في المتن الذي ساقه البخاري بعد، أن ضِمامًا أخبر قومه بذلك، ولكن وقع ذكر ذلك في حديث ابن عباس الآتي في تعريفه، فمعنى قول البخاري: فأجازوه، أي قبلوه منه، ولم يقصد الإجازه المصطلحة بين أهل الحديث، وأبو سعيد هذا ليس له ذكر في رجال الستة، وأما ضمام فيأتي قريبًا في الحديث الخامس.
ثم ذكر البخاري تعليقًا عن مالك مستدلًا به فقال: واحتج مالك بالصكّ يقرأ على القوم الخ. الصَّكّ بالفتح: الكتاب، فارسي معرب. والجمع صكاك وصكوك. والمراد هنا المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر لأنه إذا قريء عليه، فقال: نعم، ساغت الشهادة عليه به، وإن لم يتلفظ هو بما فيه، فكذلك إذا قرىء على العالم فأقر به صحّ أن يُرْوى عنه.
والامام مالك مرّ في الثاني من بدء الوحي، وهذا التعليق رواه الخطيب في "الكفاية" من طريق ابن وهب، قال: سمعت مالكًا سئل عن الكتب التي تُعْرَض عليه؛ أيقول الرجل "حدثني"؟ قال: نعم. وكذلك القرآن، أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول: أقرأ في فلان؟
ورواه الحاكم في علوم الحديث من طريق مطرف، قال: صحبت مالكًا سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ الموطَّأ على أحد، بل يقرؤون عليه. قال: وسمعته يأبى أشد الإباء على من يقول لا يجُزؤه إلا السماع من لفظ الشيخ، ويقول: كيف لا يجزؤه هذا؟ الخ ما مر قريبًا.
ثم ذكر البخاري ثلاثة آثار موصولة: الأول عن الحسن قال: لا بأس بالقراءة على العالم.
رجاله أربعة: الأول محمد بن سلام البيكنديّ، وقد مر في الثالث عشر من كتاب الإيمان، ومرعوف بن أبي جميلة في الأربعين منه، ومر الحسن البصري في الرابع والعشرين منه أيضا.
الرابع: محمد بن الحسن بن عمران المُزَنّي الواسطيّ، قال أحمد وأبو
حاتم: لا بأس به، وقال ابن مُعين: ثقة. وقال: محمد بن حاتم: حدثنا محمد بن الحسن الواسطىّ، ثقة. وقال أبو داود: ثقة. حدث شعبة عن أبيه، وقال ابن سعد: كان من أهل الشام، ولي القضاء بواسط، وكان ثقةً، وقال الدارقطني: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره أيضًا في ذيل الضعفاء، فقال: يرفع الموقوف ويسند المراسيل. روى عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رفعه "زكاة الجنين" زكاة أمه لكن يذبح حتى ينصب ما فيه من الدم، وإنما هذا قول ابن عمر، موقوف، وقد قال الذهبي: توقيفه أصوب.
روى عن إسماعيل بن أبي خالد وعوف الأعرابي وأصّبغ بن زيد الوراق وسعيد بن أبي عروُبة وأبي سعد البقال والعوام بن حوشب وجماعة. وروى عنه أحمد بن حنبل ومحمد بن سلام البيكندي ومحمد بن سلام الجمحي ومحمد بن عيسى الطبّاع، وعمرو بن عوْف الواسطىّ ومحمد بن إسماعيل بن البُخْتُرِيّ، ومحمد بن إسماعيل بن سمُرَة. ولم يخرج له البخاري إلا هذا الأثر.
مات سنة تسع وثمانين ومائة. ومحمد بن الحسن في الستة ثمانية، والواسطىّ في نسبه مرّ، والكلام عليه في الخامس من بدء الوحي. والمُزَنِىّ في نسبه نسبة إلى مُزَيْنة، كجهينة، قبيلة من مُضر. وهو ابن أُدبن طابخة، منهم كعب بن زُهير بن أبي سُلْمَى الشاعر، وغلط ابن قُتيبة حيث جعله من غطفان.
الثاني: عن سفيان، قال: إذا قرىء على المحدث، لا بأس أن يقول:"حدثّني"، رجاله أربعة: الأول محمد بن يوسف بن مطر بن صالح ابن بشر أو عبد الله، سمع من البخاري صحيحه هذا مرتين، مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومئتين، ومرة ببخارى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. وهو آخر من روى الصحيح عن البخاري. رحل إليه الناس وسمعوه منه، وحدّث عنه به أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي، وأبو محمد عبد الله بن أحمد
ابن حمويه الحموي السرخسي، وأبو الهيثم محمد بن مكيّ الكشمهينيّ، والشيخ المُعَمَّر أبو لُقمان يحيى بن عمّار بن مقبل بن شاهان الخَنلانيّ.
ولد سنة إحدى وثلاثين ومئتين، ومات في ثالث شوال سنة عشرين وثلاث مئة والفربرى في نسبه نسبة إلى فِرْبِر كسجل، قرية من قرى بخارى على طرف جيْحُون مما يلي بخارى. واعلم أن ذكر الفِرْبري هنا، إنما هو من ناسخ المسوَّدة، ولعله راو من رواة الفربري، لأن الفربري من رواة الصحيح كما مر، فلا يمكن أن يكون في سنده. ومحمد بن إسماعيل هو البخاريّ، وعبيد الله بن موسى مر في الثاني من الأثرين الأولين ذكر محله، وسفيان مرّ ذكر محله قريبًا في الأثر الأول من هذين الأثرين.
الثالث: قال البخاري: وسمعت أبا عاصم يقول عن مالك وسفيان: (القراءة على العالم وقراءته سواء). رجاله ثلاثة، الأول أبو عاصم، وقد مرّ قريبًا في الأول من هذه الآثار.
ومر الإِمام مالك في الثاني من بدء الوحي، ومر سفيان الثَّوْري في الرابع والعشرين من كتاب الإِيمان.