المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث التاسع والثلاثون - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٣

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العلم

- ‌باب فضل العلم

- ‌باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من رفع صوته بالعلم

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول المحدث حدثنا واخبرنا وانبأنا

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب طرح الإِمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله أربعة

- ‌باب ما جاء في العلم وقول الله تعالى وقل رب زدني علمًا

- ‌باب القراءة والعرض على المحدث

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة

- ‌لطائف إسناده

- ‌باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحَلقة، فجلس فيها

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجال سنده خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ مُبْلغٍ أوعى من سامع

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب "العلم قبل القول والعمل

- ‌باب "ما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلهُم بالموعظة والعلم كي لا يَنفروا

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من يُرد الله به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الفهم في العلم

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاغتباط في العلم والحكمة

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر عليهما السلام

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله تسعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهمّ علِّمهُ الكِتابَ

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب متى يصح سماع الصغير

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الخروج في طلب العلم

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل من عَلِمَ وعَلَّمَ

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب رفع العلم وظهور الجهل

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل العلم

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجالُهُ ستةٌ

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وقد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وارءهم

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة

- ‌باب الرِّحلة في المسألة النازلة

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجال السند خمسة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التناوب في العلم

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله تسعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من برك على ركبتيه عند الإِمام أو المحدث

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌ رجاله رجال الأول

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب تعليم الرجل أَمَتَه وأَهْلَه

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب عظة الإمام النساء وتعليمهن

- ‌الحديث الاربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الحرص على الحديث

- ‌الحديث الحادي والاربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كيف يقبض العلم

- ‌الحديث الثاني والاربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب هل يجعل للنساء يومًا على حدة في العلم

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرفه

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله أربعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب

- ‌الحديث السادس والاربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والاربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والخمسون

- ‌رجاله ثلاثة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب كتابة العلم

الفصل: ‌الحديث التاسع والثلاثون

‌الحديث التاسع والثلاثون

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ ابْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ: عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ". ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ.

قوله: "ثلاثة لهم أجران" ثلاثة مبتدأ، والتقدير ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة. ولهم أجران خبره. وقوله:"رجل" بدل تفصيل، أو "بدل كل" بالنظر إلى المجموع. وقوله:"من أهل الكتاب" لفظ الكتاب عام، ومعناه خاص، أي المنزل من عند اقه، والمراد به التوراة والإنجيل، كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة، حيث يطلق أهل الكتاب وحكم المرأة الكتابيَّة حكم الرجل، كما هو مطرد في جل الأحكام حيث يدخلن مع الرجال بالتبعية إلا ما خصه الدليل. وقيل: المراد بالكتاب هنا الإنجيل خاصة، لأن عيسى، عليه الصلاة والسلام، قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نسب إليه، ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنًا، فلا يتناوله الخبر؛ لأن شرطه أن يكون مؤمنًا بنبيه.

نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل، أو لم يكن بحضرة عيسى عليه السلام، فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن بنبيه موسى عليه السلام، ولم يكذب نبيًا آخر بعده، فمن أدرك بعثة محمد، صلى الله تعالى عليه وسلم، ممن كان بهذه المثابة، وآمن به لا يشكل أنه يدخل في الخبر المذكور ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها، فمن دخلوا في

ص: 360

اليهودية، ولم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام، لكونه أُرسل إلى بني إسرائيل خاصة نعم، الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث، وهي قوله تعالى:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 54] نزلت في طائفة آمنت منهم، كعبد الله بن سَلَام وغيره، ففي الطبراني عن رفاعة القُرَظِيّ قال: نزلت هذه الآيات فيَّ وفيمن آمن معي وروي الطَّبَري بإسناد صحيح، عن عليّ بن رِفاعة القُرَظيّ "خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبو رفاعة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قآمنوا به، فأُوذوا فنزلت {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ

} [القصص: 52] الآيات.

وأما قول ابن التين: إن الآية المذكورة نزلت في عبد الله بن سَلَام وكعب الأحبار، فذِكره لكعب خطأ، لأن كعبًا ليست له صُحبة، ولم يُسلم إلا في عهد عمر بن الخطاب والذي في تفسير الطبري وغيره أنها نزلت في عبد الله بن سَلام وسلمان الفارسي، وهذا مستقيم لأن عبد الله كان يهوديًا فأسلم، كما سيأتي في الهجرة، وسلمان كان نصرانيًا، كما سيأتي في البيوع.

وهما صحابيان مشهوران، فعبد الله بن سلام ومن ذكر معه في حديث عليّ بن رِفاعة من بني إسرائيل، ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد، صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد ثبت أنهم يؤتون أَجرهم مرتين، فيحتمل أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة: أنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام؛ لأنها لم تنتشر في أثر البلاد، فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام، إلى أن جاء الإِسلام، قآمنوا بمحمد، صلى الله تعالى عليه وسلم، وبهذا يرتفع الإشكال.

ويحتمل إجراء الحديث على عمومه، إذ لا يبعد أن يكون طرَيان الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام سببًا لقبول تلك الأديان، وإن كانت

ص: 361

منسوخة. وقد قال القرطبيّ: إن الكتابيَّ الذي يضاعف أجره مرتين، هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا إلى أن آمن بنبينا، صلى الله تعالى عليه وسلم، فيؤجر على اتباع الحق الأول والثاني.

ويشكل عليه أنه، عليه الصلاة والسلام، كتب إلى هرقل "أسْلِم يؤتكَ الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد مر في حديث أبي سفيان في بدء الوحي استنباط شيخ الإِسلام البَلْقِينيّ منه أنَّ كل من دان بدين أهل الكتاب، كان في حكمهم في المناكحة والذبائح، لأن هرقل وقومه ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قال له ولقومه "يا أهل الكتاب" فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب الخ.

وقال الداوديّ، ومن تبعه: يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام:"أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير" وهو متعقب بان الحديث مقيد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم إلا بقياس الخير على الإيمان، وأيضًا فالنكتة في قوله "آمن بنبيه" الِإشعار بعلية الأجر، أي أن سبب الأجرين الإيمانُ بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك. ويمكن أن يقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدًا عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]. فمن آمن به واتبعه منهم، كان له فضل على غيره، وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره.

وقد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن، فإن قيل: لِمَ لم يذكرنَ في هذا الحديث، فيكون العدد أربعة. أجاب البلْقِينيّ بأن قضيتهنَّ خاصة بهنّ، مقصورة عليهنّ، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة، وهذا مصير منه إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة، وهذا هو الصحيح، وما ادعاه الكَرمَاني من اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة

ص: 362

غير صحيح. قلت: يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، حديثُ الطَّبرانيّ في عد نسائه، عليه الصلاة والسلام، مع الثلاثة المذكورة.

وقوله: "آمن بنبيه" أي موسى أو عيسى، عليهما الصلاة والسلام. وقوله:"وآمن بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم" أي بأنه هو الموصوف في الكتابين المنعوت فيهما المأخوذ له الميثاق على سائر النبين وأممهم. وقوله "والعبد المملوك" أي: والثاني جنس العبد المملوك. وقوله: "إذا أدى حق الله تعالى، وحق مواليه" حق الله كالصلاة والصيام، وحق مواليه خدمتهم. ومواليه بسكون الياء، جمع مولى، لتحصل مقابلة الجمع في جنس العبيد بجمع المولى أو ليدخل ما لو كان العبد المملوك مشتركًا بين موال. ووصف العبد بالمملوك لأن كل الناس عبيد الله فميزه بكونه مملوكًا للناس.

قال ابن عبد البرَّ: ومعنى ذلك أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان: طاعة ربّه في العبادات، وطاعة سيده في المعروف، فقام بهما جميعًا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته لأنه قد ساواه في طاعة الله، وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته، قال: ومن هنا أقول إن من اجتمع عليه فرضان فأداهما أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه، كمن وجب عليه صلاة وزكاة، فقام بهما فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط. ومقتضاه أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئًا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها.

قال في "الفتح": والذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بالصفة، لما يدخل عليه من مشقة الرق، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل، لم يختصر العبد بذلك، وقال ابن التين: المراد أن كل عمل يعمله يضاعف له. قال: وقيل سبب ذلك التضعيف أنه زاد لسيده نصحًا، وفي عبادة ربه إحسانًا، فكان له أجر الواجبين، وأجر الزيادة عليهما. قال: والظاهر خلاف هذا. وأنه بيّن ذلك، لئلا يظن ظان أنه غير

ص: 363

مأجور على العبادة وما ادُّعي أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبل ذلك، فإن قيل يلزم أن يكون أجر المماليك ضعف أجر السادات، أجاب الكرماني بأنه لا محذور في ذلك، أو يكون أجره مضاعفًا من هذه الجهة، وقد يكون للسيد جهات أُخر يستحق بها أضعاف أجر العبد. أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما.

قلت: هذا الأخير لا يصح أن يكون مرادًا، ولا ينبغي أن ينسب إلى الشارع التنبيه عليه لبداهته ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصًا بالعمل الذي تتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد، فيعمل عملًا واحدًا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة، فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار.

وإنما عني العبد، ونكر رجلًا في الموضعين الأخيرين، لأن المعرف بلام الجنس مؤداه مؤدى النكرة، وكذلك الإِتيان في العبد "بإذا" دون القسم الأول. لأن إذا ظرف، وآمن حال وهي في حكم الظرف، لأن معنى جاء زيد راكبًا في وقت الركوب وحاله، وما قاله الكرماني من أن وجه المخالفة الإشعار بفائدة عظيمة، وهي أن الإِيمان بنبيه لا يفيد في الاستقبال الأجرين، بل لابد من الإِيمان في عهده حتى يستحق أجرين بخلاف العبد، فإنه في زمان الاستقبال يستحق الأجرين أيضًا، فأتى بإذا التي للاستقبال.

تعقبه في "الفتح" فقال: إنه غير مستقيم، لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ، وليس متفقًا عليه بين الرواة، بل هو عند المصنف وغيره مختلف، فقد عبر في ترجمة عيسى "بإذا" في الثلاثة، وعبر في النكاح بقوله "أيما رجل" في المواضع الثلاثة، وهي صريحة في التعميم.

وقوله: "ورجل كانت عنده أمة" أي: والثالث رجل كانت عنده أمة وفي رواية زيادة "يطأها". وقوله: "فأدبها" أي: لتتخلق بالأخلاق الحميدة،

ص: 364

وقوله: "فأحسن تأديبها" أي: بلطف ورفق، من غير عنف. وقوله:"وعلمها": أي ما يجب تعليمه من الدّين وقوله: "فتزوجها" يعني بعد أن أصدقها، وقوله:"فله أجران" الضمير يرجع إلى الرجل الأخير، وإنما لم يقتصر على قوله "لهم أجران" مع كونه داخلًا في الثلاثة بحكم العطف، لأن الجهة فيه كانت متعددة، وهي التأديب والتعليم والعتق والتزوج، وكانت مظنة أن يستحق من الأجر أكثر من ذلك، فأعاد قوله "فله أجران" إشارةً إلى أن المعتبر من الجهات أمران العتق والتزوج. وإنما اعتبر الاثنان فقط لأن التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي والأولاد وجميع الناس، فلم يكن مختصًا بالإِماء، فلم يبق الاعتبار إلا في الأمرين المذكورين. وإنما ذكر الأخيرين لأن التأديب والتعليم أكمل للأجر، إذ تزوج المرأة المؤدبة المعلمة أكثرُ بركةً، وأقرب إلى أن تعين زوجها على دينه.

قلت: وبهذا تعلم أن تعليم بنات المدارس الإِفرنجي اليوم كفرٌ وشقاء وهلاك للزوج في دينه، لأنها أفسدت دينها، وخرجت بذلك التعليم عن دين الإِسلام، فإذا أخذها زوج أفسدت دينه، وحملته على موافقتها في ارتكاب المعاصي، فلينظر المسلم أي الأمرين أهون عليه العُزْبة أو التَّزوج مع ارتكاب المعاصي، وإنما عطف بثم في العتق، وفي السابق بالفاء، لأن التأديب والتعليم ينفعان في الوطء، بل لابد منهما فيه، والعتق نقل من صنف إلى صنف، ولا يخفى ما بين الصنفين من البعد، بل من الضديّة في الأحكام والمنافاة في الأحوال، فناسب لفظًا دالًا على التراخي، بخلاف التأديب وغيره مما ذكر، فإن قلت: إذا لم يطأ الأمة لكنْ أدبها، هل له أجران. الجواب إن المراد تمكنه من وطئها شرعًا، وإن لم يطأها فقد دل الحديث على مزيد فضل من أعتق أمته ثم تزوجها، سواءً أعتقها ابتداءًا لله أو لسبب، وقد بالغ قوم فكرهوه، فكأنهم لم يبلغهم الخبر.

فمن ذلك ما وقع في رواية هُشَيم عن صالح بن صالح الراوي المذكور

ص: 365

وفيه "فقال: رأيت رجلًا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا اعتق أمته ثم تزوجها، فهو كالراكب بدَنته، فقال الشعبي: فذكر هذا الحديث"، أخرجه الإِسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه، وأخرج الطَّبرانيّ بإسناد رجاله، ثقات، عن ابن مسعود أنه كان يقول ذلك. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله، وعند ابن أبي شَيْبة بإسناد صحيح، عن أنس أنه سُئل عنه، فقال: إذا أعتق أمته لله، فلا يعود فيها. ومن طريق سعيد بن المُسيّب وإبراهيم النّخعِيّ أنهما كرها ذلك. وأخرج، أيضًا، من طريق عطاء والحسن أنهما كانا لا يريان بذلك بأسًا، وقد وقع في بعض الأحاديث زيادة "فيمن يحصل لهم الأجر مرتين" على الثلاثة المذكورة هنا، فقد أخرج الطبرانيّ من حديث أبي أمامة "أربعة يؤتون أجرهم مرتين"، فذكر الثلاثة كالذي هنا وزاد أزواج النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم.

وأخرج المؤلف في التفسير "ومَثَل الذي يقرأ القرآن، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد، فله أجران" وأخرج أيضًا في الزكاة عن زينب امرأة ابن مسعود في "التي تتصدق على قريبها لها أجران: أجر الصدقة وأجر الصلة". وأخرج أيضًا في الأحكام عن عمرو بن العاص في "الحاكم إذا أصاب له أجران". وأخرجا في الصحيحين حديث جرير "من سَنّ سُنَّة حسنةً فله أجرها، وأجر من عمل بها". وحديث أبي هريرة "من دعا إلى هُدىً" وحديث أبي مسعود "من دل على خير" والثلاثة بمعنى.

ومن ذلك ما أخرجه أبو داود عن أبي سعيد في "الذي يتيممَّ ثمَّ وجد الماء، فأعاد الصلاة، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: لك الأجر مرتين قال في "الفتح": وقد يحصل بمزيد التتبع أكثر من ذلك، وكل هذا دالٌ على أنْ لا مفهوم للعدد المذكور في حديث المتن.

وقوله: "ثم قال عامر أعطيناكها" ظاهره أنه خاطب بذلك صالحًا الراوي عنه، ولهذا جزم الكرَمانيّ بقوله: الخطاب لصالح. وليس كذلك،

ص: 366

بل إنما خاطب بذلك رجلًا من أهل خراسان، سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها، كما مر. وقد أخرج ذلك المصنف في ترجمة عيسي بن مريم، وقوله "بغير شيء"، أي: من الأمور الدنيوية، وإلا فالأجر الأُخروي من ثواب التعليم، أو التبليغ، حاصل له. وقوله:"قد كان يُركب" وللأصيلي "وقد" بالواو، ولغيره "فقد" بالفاء، ويركب مبنيٌ للمجهول. وقوله:"فيما دونها" أي: يرحل لأجل ما هو أهون منها، كما عنده في الجهاد، والضمير عائد على المسألة. وقوله:"إلى المدينة" أي النبوية، قال في "الفتح": وكان ذلك في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، ثم تفرق الصحابة في البلاد بعد فتوح الأمصار، وسكنوها، فاكتفى أهل كل بلد بعلمائه إلا من طَلَب التوسع في العلم، فرحل، وقد مر حديث جابر في ذلك، ولهذا عبر الشعبيُّ وهو من كبار التابعين، بقوله "كان".

واستدلال ابن بطّال وغيره من المالكية بهذا الحديث، على تخصيص العلم بالمدينة، فيه نظرٌ، لما قررناه. وإنما قال الشعبيّ ذلك تحريضًا للسامع، ليكون ذلك أدعى لحفظه، وأجلب لحرصه. وقد روى الدارميُّ بسند صحيح، عن بُسْر بن عُبيد الله، قال: إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد. وعن أبي العالية قال: كنا نسمع الحديث عن الصحابة، فلا نرضى حتى نركب إليهم فنسمعه منهم.

قلت: ما اعترض به على ابن بطّال من تخصيص العلم بالمدينة لا حجة فيه، إنما قصَد ابن بطّال بالتخصيص كثرته فيها عن غيرها من الأمصار، وما استدل به من تفرق الصحابة في البلاد حق، ولكن لا ينهض حجة، لأنَّ وجودهم في البلاد لا يبلغ ما في البلد منهم غير المدينة معشار عشر ما بالمدينة منهم، فقد روي عن مالك أن البقيع دفنت فيه عشرة آلاف منهم. وأين هذا من غير المدينة، ولا شك أن موضع الوحي وكثرة الصحابة والتابعين في ذلك الزمان أكثر علمًا من غيره، وأخص بالعلم، ولأجل هذا جعل مالك عملها في ذلك الزمان مقدمًا على خبر الأحاديث.

ص: 367