الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان
1 -
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشّعْبَانِيِّ قالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ قالَ: قُلْتُ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ في هذِهِ الآيَةِ: [عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ]؟ قالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً (1)، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ائْتَمِرُوا (2) بِالمعْرُوفِ، وانْتَهُوا (3) عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً (4) وَهَوىً مُتَّبَعَاً (5) وَدُنْيَا مُؤثَرَةً (6) وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ (7)، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ (8)،
فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ (9) الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ (10) لِلعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ
(1) استفهمت من رجل بصير ثقة ثبت.
(2)
أي فليظهر كل منكم النصيحة لأخيه ويتشاور وليأمر بالمعروف، وفي الغريب والائتمار قبول الأمر، ويقال للتشاور اتئمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به، قال تعالى:[إن الملأ يأتمرون بك] أهـ، وقوله تعالى:[وائتمروا بينكم بمعروف] أي وليأمر بعضكم بعضاً بجميل الأفعال وحميد الخصال.
(3)
ابتعدوا عن الموبقات واحجزوا أنفسكم عن القبائح.
(4)
تقصيراً في الواجبات وبخلاً متبعاً وتقتيراً.
(5)
نفوساً مائلة إلى الشهوات.
(6)
مختارة محبوبة مقدمة على الآخرة بالميل فيها إلى الترف والدنايا والفجور.
(7)
أي أصلح نفسك وكملها بآداب الدين واعمل صالحاً إذا فشا بخل الناس وكثرت المعاصي ومال الناس إلى حب الدنيا ولم يعملوا للآخرة.
(8)
واترك الناس ..
(9)
إزاء هذا الصبر وحبس النفس على طاعة الله تعالى الأعلى: أي الرفيع سلطانه المنيع في شأنه القوي القاهر المعبود بحق الصمد كما قال الله تعالى لحبيبه [وللآخرة خير لك من الأولى (4)] من سورة الضحى.
أي ما أعد الله لك في الآخرة من المقام المحمود والحوض المورود والخير الموعود، خير مما أعجبك في الدنيا. هذا درس لنا يرغبنا الله في الأعمال الصالحة اتقاء القارعة [يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هيه (10) نار حامية (11)] من سورة القارعة.
الفراش الحشرات. قال النسفي: شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار أهـ. العهن: الصوف المصبغ بالألوان (المنفوش) المتفرق أجزاؤه.
(10)
أي كبح جماح النفس عن المعاصي صعب مر ومحرق مثل القبض على النار، ولكن في ذلك ثواباً لمن اتقى الله واجتنب صحبة الفساق والأشرار فالعابد يعطيه الله أجر خمسين من عمل مثله ففيه الترغيب في اجتناب المعاصي مهما زاد روادها وكثر الداعون لها كما قال تعالى:[ألهاكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر (2) كلا سوف تعلمون (3)] من سورة التكاثر.
أي شغلكم التباري في الكثرة والتباهي في الأموال والأولاد عن طاعة الله حتى أدرككم الموت (كلا) =
خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ. رواه ابن ماجة والترمذيّ، وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود، وزاد:
قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ.
2 -
وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قالَ: عِبَادَةٌ في الهَرْجِ (1)
كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ. رواه مسلم والترمذي وابن ماجة.
= ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه [سوف تعلمون] عند النزع سوء عاقبة ما كنتم عليه ثم في القبور ثم لتسألن عن الأمن والصحة فيم أفنيتموها.
(1)
أي طاعة الله واتباع أوامره والعمل بكتابه وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم أثناء انتشار المعاصي مثل مفارقة وطنه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والسكن بجواره والقرب منه والعمل بشرعه واقتفاء أثره.
أ - قال الله تعالى: [وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (33)] من سورة الأنعام.
ب - وقال تعالى: [إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (34)] من سورة يونس.
أي حال الدنيا العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها (زخرفها) حسنها وبهجتها (حصيدا) شبيها بما جنى وقطع كأن لم يفن زرعها: أي لم يلبث، وشاهدنا إسراع المؤمن في اكتساب العبادة خشية ذهاب زهرة الدنيا بموته.
آية [عليكم أنفسكم] درس تربية وتكميل
ما أجمل معنى هذه الآية [عليكم أنفسكم] تطلب من الإنسان أن يكمل نفسه ويؤدبها ويقبل على تعاليم ربه فيعمل بها ويعكف على التفقه في السنة والتفهم في الدين لتثمر دوحة عرفانه وتشرق شمس فعله وضاءة وضاحة الجبين
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
…
أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
…
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
ماذا ينتظر الإنسان في حياته؟ ينتظر أن يعمل صالحاً فيرضي ربه فيهدأ باله ويرتاح ضميره وبعد الآية تقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد إرشاداً إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل واتباع النصائح، واجتناب القبائح والتوصية بالحق والصبر وترك ميدان الجهلة تسرح وتمرح كالسائمة وعدم مجاراة العصاة الطغاة والإقبال على الطاعات فالله تعالى يقول [ولا تزر وازرة وزر أخرى] فإذا أطاع العبد ربه سلم من العقاب ونال الثواب، وربما صار قدوة حسنة وهداية ونبراساً لأهل زمانه، وقد وعد صلى الله عليه وسلم العابد العامل أن له أجراً مضاعفاً من الله جل جلاله، مثل أجر أصحابه وأتباعه [أجر خمسين منكم] أي أيها الصحابة الأجلاء. لماذا؟ لأنه في وقت فشت فيه المعصية. وضل عامة الناس. وساء العمل. وازداد الفسوق. وعم الترف وكثرت الشهوات فلا حلو ولا قوة إلا بالله: إن هذه الآية تطلب من كل فرد أن يصلح نفسه لتسعد الأمة، وتتقدم إلى ذروة العلا وتنبه الوعاظ والعلماء أن يكونوا أسوة حسنة وعنواناً للأعمال الصالحة:
لو أنصف الناس استراح القاضي
…
وبات كل عن أخيه راضي =
[الهرج]: هو الاختلاف والفتن، وقد فسر في بعض الأحاديث بالقتل لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسبب مقام السبب.
= قال أبو الأسود الدؤلي يصف أحوال الناس ويطلب من القادة العمل وتهذيب النفس وتأديبها:
حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه
…
فالقوم أعداء له وخصوم
وترى اللبيب محمداً لم يجترم
…
شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذاك من عظمت عليه نعمة
…
حساده سيف عليه صروم
فاترك مجاراة السفيه فإنها
…
ندم وغب بعد ذاك وخيم
فإذا جريت مع السفيه كما جرى
…
فكلاكما في جريه مذموم
وإذا عتبت على السفيه ولمته
…
في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
يا أيها الرجل المعلم غيره
…
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
…
كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تصلح بالرشاد عقولنا
…
أبداً وأنت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى
…
بالعلم منك وينفع التعليم
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما
…
فإذا فعلت فعرضك المكلوم
وحريمه أيضاً حريمك فاحمه
…
كيلا يباع لديك منه حريم
وإذا اقتصصتك من ابن عمك كلمة
…
فكلومه لك إن عقلت كلوم
وإذا طلبت إلى كريم حاجة
…
فلقاؤه يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلماً ذكر الذي
…
كلمته فكأنه ملزوم
ورأى عواقب حمد ذاك وذمه
…
للمرء تبقى والعظام رميم
فارج الكريم وإن رأيت جفاءه
…
فالعتب منه والكريم كريم
إن كنت مضطراً وإلا فاتخذ
…
نفقاً كأنك خائف مهزوم
واتركه واحذر أن تمر ببابه
…
دهرا وعرضك إن فعلت سليم
فالناس قد صاروا بهائم كلهم
…
ومن البهائم قاتل وزعيم
عمي وبكم ليس يرجى نفعهم
…
وزعيمهم في النائبات مليم
وإذا طلبت إلى لئيم حاجة
…
فألح في رفق وأنت مديم
والزم قبالة بيته وفنائه
…
بأشد ما لزم الغريم غريم
وعجبت للدنيا ورغبة أهلها
…
والرزق فيما بينهم مقسوم
والأحمق المرزوق أعجب من أرى
…
من أهلها والعاقل المحروم
ثم انقضى عجبي لعلمي أنه
…
رزق مواف وقته معلوم
إن أبا الأسود الدؤلي كان في صدر الإسلام، وفي إبان عزه وعظمته وشروق شمسه الساطعة بالأعمال الصالحة وعاصر الإمام علياً كرم الله وجهه. ولكن أثبت لنا أن في العالم حسداً وخصومة وغيبة ونميمة وسفاهة، ووجه اللائمة على الوعاظ وطلب أن تعملوا بإرشادهم رجاء أن تنفع الموعظة، وهكذا من خلال الخير، ونحن الآن في سنة 1355 هـ فانتشرت المعاصي أضعافاً مضاعفة وساءت الحال وزاد الطغيان فالعاقل المؤمن من يكمل نفسه ويؤدبها بآداب الدين ويعمل بالآية، قال تعالى:[يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون (105)] من سورة المائدة. =