الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ، وَاللهِ لَا يَجِدُهَا عَاقٌّ (1) وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ (2). رواه الطبراني من رواية جابر الجعفي، وتقدم غيرُ ما حديث فيه ذكر رائحة الجنة في أماكن متفرقة من هذا الكتاب لم نعدّها.
فصل
في صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك
3 -
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هذِهِ الآَيَةِ: [يَوْمَ نَحْشُرُ (3) الْمُتَّقِينَ إِلى الرَّحْمنِ وَفْداً] إِلى آخرها قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْوَفْدُ إِلَاّ رَكْبٌ؟ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ اسْتُقْبِلُوا بِنُوقٍ بِيضٍ (4) لَهَا أَجْنِحَةٌ عَلَيْهَا رِحَالُ (5) الذَّهَبِ، شُرُكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلأْلأُ كُلَّ خَطْوَةٍ مِنْهَا مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، وَيَنْتَهُونَ إِلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى صفائِحِ الذَّهَبِ، وَإِذَا شَجَرَةٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَنْبَعُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ فَإِذَا شَرِبُوا مِنْ أَحَدِهِمَا جَرَتْ في وُجُوهِهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ، وَإِذَا تَوَضَّؤُوا مِنَ الأُخْرَى لَمْ تَشْعَثْ (6) أَشْعَارُهُمْ أَبَداً فَيَضْرِبُونَ الْحَلْقَةَ بِالصَّفِيحَةِ فَلَوْ سَمِعْتَ طَنِينَ (7) الْحَلْقَةِ يَا عَلِيُّ فَيَبْلُغُ كُلَّ حُوْرَاءَ (8) أَنّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ فَتَسْتَخِفُّهَا الْعَجَلَةُ فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا (9)
فَيَفْتَحُ لَهُ الْبَابَ، فَلَوْلا أَنَّ اللهَ عز وجل عَرَّفَهُ نَفْسَهُ لَخَرَّ لَهُ سَاجِداً مِمَّا يَرَى مِنَ النُّورِ وَالْبَهَاءِ فَيَقُولُ أَنَا قَيِّمُكَ الَّذِي وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ فَيَتْبَعُهُ فَيَقْفُوا أَثَرَهُ فَيَأْتِي زَوْجَتَهُ فَتَسْتَخِفُّهَا الْعَجَلَةُ
(1) عاص والديه لم يبرهما.
(2)
معلق الشقاق على أقاربه والنزاع والمبعد خيره عنهم.
(3)
نجمعهم إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم قال تعالى: [يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً ونسوق المجرمين إلى جهم ورداً لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (87)] من سورة مريم.
(4)
بيضاء.
(5)
خيوط.
(6)
لم تتلبد ولم يتغير نظامها الحسن.
(7)
صوت.
(8)
حسناء.
(9)
خادمها والقائم بأمرها ..
صفة نعيم أهل الجنة
فَتَخْرُجُ مِنَ الْخَيْمَةِ فَتُعَانِقُهُ وَتَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي (1) وَأَنَا حِبُّكَ (2)، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ فَلَا أَسْخَطُ أَبَداً، وَأَنَا النَّاعِمَةُ فَلَا أَبْأَسُ أَبَداً، وَأَنَا الْخَالِدَةُ فَلا أَظْعَنُ أَبَداً (3) فَيَدْخُلُ بَيْتَاً مِنْ أَسَاسِهِ إِلى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ مُبْنِيٌّ عَلى جَنْدَلِ الُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، طَرائِقُ حُمْرٌ (4) وَطَرَائِقُ خُضْرٌ وَطَرائِقُ صُفْرٌ، مَا مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا فَيَأْتِي الأَرِيكَةَ (5) فَإِذَا عَلَيْهَا سَرِيرٌ عَلَى السَّرِيرِ سَبْعُونَ فِرَاشاً، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا (6) مِنْ بَاطِنِ الْحُلَلِ، يَقْضِي جِمَاعَهُنَّ في مِقْدَارِ لَيْلَةٍ تَجْرِي مِنْ تِحْتِهِمْ أَنْهَارٌ (7) مُطَّرِدَةٌ، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ (8) صَافٍ لَيْسَ فِيهِ كَدَرٌ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى (9)
لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ (10) لِلشَّارِبِينَ لَمْ تَعْصُرْهُ الرِّجَالُ بِأَقْدَامِهَا، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ الْمَاشِيَةِ، فَإِذَا اشْتَهَوا الطَّعَامَ جَاءَتْهُمْ طَيْرٌ بِيضٌ فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا فَيَأْكُلُونَ مِنْ جُنُوبِهَا مِنْ أَيِّ الأَلْوَانِ شَاؤُوا، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ، وَفِيهَا ثِمَارٌ مُتَدَلِّيَةٌ (11) إِذَا اشْتَهَوْهَا انْبَعَثَ (12)
الْغُصْنُ إِلَيْهِمْ فَيَأْكُلُونَ مِنْ أَيِّ الثِّمَارِ شَاؤُوا إِنْ شَاءَ قائِماً وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئاً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:[وَجَنا الْجَنَّتَيْنِ دَان (13)]
وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ خَدَمٌ كَاللُّؤْلُؤِ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب صفة
(1) حبيبي.
(2)
حبيبتك.
(3)
لا أفارقك.
(4)
طرقها مختلفة الألوان حمراء وخضراء وصفراء.
(5)
ما يتكأ عليه من فراش وثير.
(6)
لصفاء جسمها ولنضارته وزيادة رونقه.
(7)
أنهار، كذا ط وع ص 481 - 2، وفي ن د: الأنهار.
(8)
لم يتغير طعمه وريحه.
(9)
لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها ..
(10)
لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر، لم يصر قارصاً، ولا حاذراً قال تعالى:[مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم] من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
(11)
متفرعة قريبة للجني.
(12)
وصل، يقال بعثت رسولا أوصلته وابتعثته وانبعث ..
(13)
أي قريب يناله القاعد والمضطجع، وجنى اسم بمعنى مجني قال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنا الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن =
الجنة عن الحارث، وهو الأعور عن علي مرفوعاً هكذا، ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً والبيهقي وغيرهما عن عاصم بن ضمرة عن علي موقوفاً عليه بنحوه وهو أصح وأشهر.
ولفظ ابن أبي الدنيا قال: يُسَاقُ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ إِلى الْجَنَّةِ زُمَراً (1) حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيانِ (2) فَعَمَدُوا إِلى إِحْدَاهُمَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا فَشَرِبُوا مِنْهَا فَأَذْهَبَتْ مَا في بُطُونِهِمْ مِنْ أَذَىً أوْ قَذىً أَوْ بَأْسٍ ثُمَّ عَمَدُوا إِلى الأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ فَلنْ تَتَغَيَّرَ أَبْشَارُهُمْ (3) تَغَيُّراً بَعْدَهَا أَبَداً، وَلَنْ تَشْعَثَ (4) أَشْعَارُهُمْ كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلى خَزَنَةِ الْجَنَّةِ فَقَالُوا: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ (5)
فادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. قالَ: ثُمَّ
= الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام (78)] من سورة الرحمن.
جنتان:
1 -
لعقيدته.
2 -
لعمله، أو:
أ - لفعل الطاعات.
ب - لترك المعاصي.
(أفنان) أنواع من الثمار والأشجار والمفرد فنن كغصن (عينان).
1 -
التسنيم.
2 -
السلسبيل.
(زوجان) صنفان (إستبرق) ديباج ثخين (قاصرات) نساء قصرن أبصارهم على أزواجهن (لم يطمثهن) لم يمسهن لإزالة البكارة (مدهامتان) خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة (نضاختان) فوارتان بالماء (مقصورات) قصرن في خدورهن رفرف وسائد أو نمارق جمع رفرفة، وقيل الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة: وقد يقال لكل ثوب عريض (عبقري) كل شيء عجيب بديع (تبارك) تعالى اسمه. نقلت لك هذه الآيات لتعلم وصف الله تعالى لها ولتشتاق إلى نعيمها، وتدفع مهرها بالجد في صالح الأعمال في حياتك أيها المسلم، فيكون القرآن رائدك إلى الخير ونبراسك إلى فعل البر، ولتكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مطمح آمالك، ومصباح هدايتك.
(1)
جماعات.
(2)
تمران في الجهات العالية والسافلة أو كما قال البيضاوي في الأعالي والأسافل حيث شاؤوا.
(3)
جلودهم ووجه الأجسام.
(4)
ولن تتغير ولن تتلبد لتجدد نظافتها ولبهجة روائها ولجمال منظرها كأن مسكها تضوع وريحها فاح.
(5)
طهرتم من الدنس وأدران المعاصي في دنياكم كما قال تعالى: [وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين (75)] من سورة الزمر.
سيق مراكبهم إسراعاً إلى دار الكرامة (زمرا) على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو الطبقة (صدقنا) بالبعث والثواب (حافين) محدقين ملتبسين بحمده (وقضى بينهم) بين الخلق بإدخال بعضهم الجنة أو النار والقائلون المؤمنون أهـ.
تَلْقَاهُمْ أَوْ يَلْقَاهُمْ الْوِلْدَانُ يُطِيفُونَ بِهِمْ كَما يُطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ، يَقْدُمُ مِنْ غَيْبَتِهِ فَيَقُولُونَ: أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ قالَ: ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ إِلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: قَدْ جَاءَ فُلانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ في الدُّنْيَا، فَتَقُولُ: أَنْتَ رَأَيْتُهُ وَهُوَ ذَا بِإِثْرِي، فَيَسْتخِفُّ إِحْدَاهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ عَلَى أَسْكُفَّةِ بَابِهَا، فَإِذَا انْتَهَى إِلى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلى أَيِّ شَيْءٍ أَسَاسُ بُنْيَانِهِ، فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ فَوْقَهُ صَرْحٌ أَخْضَرُ وأصْفَرُ وَأَحْمَرُ وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلى سَقْفِهِ، فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ لَوْلا أَنَّ اللهَ قَدَّرَ لَهُ لأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلى أَزْوَاجِهِ، وَأَكْوَابٌ (1) مَوْضُوعَةٌ (2)، وَنَمَارِقُ (3) مَصْفُوفَةٌ (4)، وَزَرَابِيُّ (5) مَبْثُوثَةٌ (6)
فَنَظَرُوا إِلى تِلْكَ الْنِّعْمَةِ، ثُمَّ اتَّكَئُوا وَقَالُوا:[الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذَا (7) وَمَا كنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا (8) اللهُ] الآيَةَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ تَحْيَوْنَ (9) فَلَا تَمُوتُونَ أَبَداً، وَتُقِيمُونَ فَلا تَظْعَنُونَ أَبَداً وَتَصِحُّونَ، أَرَاهُ قالَ: فَلَا تَمْرَضُونَ أَبداً.
(1) جمع كوب، آنية لا عروة لها.
(2)
معدة بين أيديهم.
(3)
وسائد.
(4)
بعضها إلى بعض.
(5)
بسط فاخرة.
(6)
مبسوطة، قال تعالى:[هل أتاك حديث الغاشية، وجوه يومئذ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية، تسقى من عين آنية، ليس لهم طعام إلا من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع، وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنة عالية، لا تسمع فيها لاغية، فيها عين جارية، فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة (16)] من سورة الغاشية.
(الغاشية) الداهية التي تغشى الناس. خاشعة ذليلة. عاملة ناصبة تعمل ما تتعب فيه كجر السلاسل وخوضها في النار خوض الإبل في الوصل والصعود والهبوط في تلالها ووهادها آنية شديدة الحرارة (ضريع) شوك. ناعمة ذات بهجة أو متنعمة. لاغية: قولاً لغواً لا فائدة فيه.
(7)
لما جزاؤه هذا النعيم.
(8)
لولا هداية الله وتوفيقه، قال تعالى:[والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار، وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)] من سورة الأعراف.
نخرج من قلوبهم أسباب الغل، أو نطهرها منه حتى لا يكون بينهم إلا التوادد، عن علي كرم الله وجهه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم.
اللهم تفضل علينا بدخول الجنة يا عظيم يا وهاب.
(9)
حياة دائمة فلا موت، وإقامة لا سفر ولا انتقال، وصحة وعافية لا سقم فيها.
[الجندل]: الحجر.
[الآسن] بمد الهمزة وكسر السين المهملة: هو المتغير.
[الحميم]: القريب.
[الأكواب]: جمع كوب، وهو كوز لا عروة له، وقيل: لا خرطوم له، فإذا كان له خرطوم فهو إبريق.
[النمارق]: الوسائد، واحدها نمرقة.
[الزرابيّ]: البسط الفاخرة، واحدها زريبة.
ما بين مصراعين في الجنة كمسيرة أربعين سنة
4 -
وَعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رضي الله عنه فَحَمِدَ اللهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ (1) بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءً وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَاّ صُبَابَةٌ (2) كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَصْطَبُّهَا (3) صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلى دَارٍ لا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا يَحْضُرَنَّكُمْ (4)، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مِصْرَاعَيْنِ (5) مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ (6) مِنَ الزِّحَامِ. رواه مسلم هكذا موقوفاً، وتقدم بتمامه في الزهد.
ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مختصراً، قال: مَا بَيْنَ مِصْرَاعِيْنِ في الْجَنَّةِ كَمَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَة (7) وفي إسناده اضطراب.
5 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ (8)
(1) أعلنت بانقطاع ونبهت على انتهائها وأخبرت بفنائها وذهبت سريعة ماضية.
(2)
بقية قليلة وحثالة.
(3)
يصبها ليشرب.
(4)
بأفضل ما يوجد عندكم من الأعمال الصالحة. بخير ما يحضرنكم كذا ط، وفي ن د بخير ما بحضرتكم بتنوين الراء.
(5)
شطري الباب وإن المسافة بينهما نحو سير أربعين عاماً، كناية عن اتساع الباب وزيادة فخامته وبهاء رونقه،
صنائع فاق صانعها ففاقت
…
وغرس طاب غارسه فطابا
(6)
ممتلئ فيه خلائق جمة.
(7)
لو تخيلت راكب سيارة أو قطار سريع سافر مدة أربعين سنة لقطع هذه المسافة بين مصراعي باب من غرف الجنة، ويفسر هذا قوله صلى الله عليه وسلم "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
(8)
يوضح صلى الله عليه وسلم للناس المسافة بين المصراعين بما بين البلدين من البعد.
وَهَجَرَ وَمَكَّةَ. رواه البخاري ومسلم في حديث، وابن ماجة مختصراً إلا أنه قال: لَكَما بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كما بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى.
ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً
6 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفاً أَوْ سَبْعِمائَةِ أَلْفٍ مُتَماسِكُونَ (1) آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْض لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُ آخِرُهُمْ (2) وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. رواه البخاري ومسلم.
7 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ (3) لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السماءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ (4)، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتْفِلُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ أَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ (5) عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعَاً في السَّمَاءِ.
8 -
وفي رواية قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ (6) صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ (7)، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ (8) يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ
(1) منضمون متحدون مصطفون متساندون واقفون ليندفعوا جملة.
(2)
بأن يدخلوا صفاً واحداً دفعة واحدة.
(3)
تتلألأ وجوههم أنواراً مثل ضوء القمر ليلة أربع عشرة من الشهر العربي، لماذا؟ لأن الله تعالى كافأهم بنضارة الجسم وإشراق الوجه وتلألئه.
(4)
لا يحصل منهم بول أو غائط أو بصاق أو مخاط كما كان يحصل في الدنيا من قذارة الأنف وتفل الفم وإخراج إفراز الحواس أو بقايا الطعام من المعدة "حاشا لله" إن الجنة نظيفة من هذه الأقذار بعيدة عن الدنايا وإنما ما يأكلونه في الجنة يخرج على الجسم كهيئة عرق كالمسك في طيب ريحه، ومباخرهم نباتات عطرية فائحة الشذى.
(5)
أي فيه تحابب وتوافق وتوادد.
(6)
تدخلها.
(7)
الأواني المستعملة في الطعام والشراب من الذهب لزيادة التمتع والنعيم.
(8)
قال القسطلاني من نساء الدنيا أو من الحور العين يرى ما في داخل العظم أهـ كناية عن شدة الجمال والبهاء وحسن المنظر وبداعة المخبر.
لَا اخْتِلافَ (1) بَيْنَهُمْ، وَلَا تَبَاعُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبُ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللهُ بُكْرَةً وَعَشِيّاً. رواه البخاري ومسلم واللفظ لهما، والترمذي وابن ماجة.
9 -
وفي رواية لمسلم: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (2) عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ في السَّمَاءِ إِضَاءَةً، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ، فذكر الحديث وقال: قال ابن أبي شيبة. عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ يعني بضم الخاء، وقال أبو كريب: على خَلْقِ، يعني بفتحها.
[الألوة] بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وتشديد الواو وفتحها: من أسماء العود الذي يتبخر به. قال الأصمعي: أراها كلمة فارسية عُرِّبت.
10 -
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة وقال: غريب، ولفظه:
قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ (3) مُرْدٌ (4) كُحْلٌ (5) لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ (6) وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ (7).
11 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً بِيضاً جِعَاداً (8) مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ
(1) لا شقاق ولا تنافر ولا خصام.
(2)
يساوونهم في المنزلة ويتبعونهم في الدرجة الثانية وهكذا كما قال تعالى: [ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض].
(3)
ليس على بدنهم شعر: وضد الأجرد الأشعر، أي الذي على بدنه شعر.
(4)
ليس لهم لحية يقال مرد الغلام مرداً إذا أبطأ نبات وجهه، وقيل إذا لم تنبت لحيته فهو أمرد.
(5)
عيونهم سوداء جميلة مزينة أحسن من المكحولة صناعة كما قال المتنبي: ليس التكحل في العينين كالكحل. يقال كحلت الرجل كحلا جعلت الكحل في عينه فالفاعل كاحل وكحل، والمفعول مكحول ويقال عين كحيل واكتحلت وتكحلت.
(6)
لا تزول قوتهم، بل تستمر نضارتهم، ويزداد نعيمهم.
(7)
ولا تنقطع ملابسهم، بل تبقى جديدة بهيجة. والمعنى أنهم في غاية الصحة، وتمام العافية ووجوههم بيضاء مشرقة وضاءة خالية من الشعر وعيونهم نجلاء كحلاء وقوتهم في ازدياد وحللهم فاخرة جميلة.
(8)
جعادا كذا د وع ص 483 - 2 أي متواضعين ذوي أخلاق حسنة، وفي النهاية إن جاءت به جعدا، الجعد في صفات الرجال يكون مدحاً وذماً، فالمدح أن يكون معناه شديد الأسر والخلق أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط، وفي المصباح جعد الشعر جعودة إذا كان فيه التواء وتقبض فهو جعد خلاف المسترسل، وامرأة جعدة وقوم جعاد؛ وفي ن ط حفادا.