الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الخوف وفضله
1 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ فَذَكَرَهُمْ إِلى أَنْ قالَ: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ (1) وَجَمَالٍ (2) فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ. رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه.
2 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ الْكِفْلُ (3) مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَورَّعُ (4) مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَاراً علَى أَنْ يَطَأَهَا (5) فَلَمَّا أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا ارْتَعَدَتْ (6) وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قالَتْ: لأَنَّ هَذَا عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَاّ الْحَاجَةُ، فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هذا مِنْ مَخَافَةِ اللهِ، فَأَنَا أَحْرَى (7)
اذْهَبِي فَلَكِ مَا أَعْطَيتُكِ، وَوَاللهِ مَا أَعْصِيهِ بَعْدَهَا أَبَداً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِهِ: إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ للْكِفْلِ فَعَجِبَ (8) النَّاسُ مِنْ ذلِكَ. رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(1) درجة سامية في قومها وبنت رجل كبير خطير.
(2)
حسن قوام ونضارة وصحة فامتنع عن الفاحشة خوفاً من الله. ما جزاؤه؟ يظله ربه في كنفه ويحيطه برحمته جزاء عمله هذا في حياته كما قال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان] وكما وصف الصالحين سبحانه [يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (50)] من سورة النحل.
(3)
اسم رجل.
(4)
لا يستحي.
(5)
ينكحها.
(6)
رجف فؤادها وارتعش جسمها.
(7)
أحق به، هنيئاً لك أيها الرجل الذي لاحظتك سعادة الله بمرور زمن عليك خفت عقابه وخشيت بأسه وتبت منه إليه ورجعت ذليلاً من كل عمل عملته فاغفر لي، ولمن قرأ هذا وعاهدنا على طاعتك إنك غفور رحيم. إن هذا الكفل من بني إسرائيل أخبر الله تعالى نبيه عن فعله وقبول توبته لنتعظ كما قال تعالى:[وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه] الكتاب القرآن [بالحق] بسبب الحق وإثباته وتبيين الصواب من الخطأ (مصدقاً لما بين يديه) لما تقدمه نزولاً وموافقتها في التوحيد والعبادة وتجديد التوبة وتبيين الصواب من الخطأ (مصدقاً لما بين يديه) لما تقدمه نزولاً وموافقتها في التوحيد والعبادة وتجديد التوبة والله تواب رحيم (ومهيمناً) أي وشاهداً لأنه يشهد بالصحة والثبات قال تعالى: [ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير (40)] من سورة المائدة ..
(8)
زادت دهشتهم من مسامحة الله للكفل، ولكن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53)] من سورة الزمر.
فضل الزهد ودرجاته
3 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَرْتَادُونَ (1) لأَهْلِهِمْ فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَؤُوا (2) إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ لِبَعْضٍ: عَفَا الأَثَرُ (3)، وَوَقَعَ الْحَجَرُ، وَلَا يَعْلَمُ بِمَكَانِكُمْ إِلَاّ اللهُ، فَادْعُوا اللهَ بِأَوْثَقِ أَعْمَالِكُمْ (4)، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كانَتِ امْرَأَةٌ تُعْجِبُنِي فَطَلَبْتُهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ فَجَعَلْتُ لَهَا جُعْلاً (5)، فَلَمَّا قَرَّبَتْ نَفْسَهَا تَرَكْتُهَا (6)، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ وَخَشْيَةَ عَذَابِكَ فافْرُجْ عَنَّا (7) فَزَالَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي وَالِدَانِ فَكُنْتُ أَحْلُبُ (8)
لَهُمَا في إِنَائِهِمَا، فَإِذَا أَتَيْتُهُمَا وَهُمَا نَائِمَانِ قمْتُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَا شَرِبَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ وَخَشْيَةَ عَذَابِكَ فافْرُجْ عَنَّا فَزَالَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَقَالَ الثّالِثُ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً (9) يَوْماً فَعَمِلَ لِي نِصْفَ النّهَارِ، فَأَعْطَيْتُهُ أَجْراً فَسَخِطَهُ (10) وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَوَفّرْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالُ (11)، ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ: خُذْ هذَا كُلّهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَمْ
(1) ينتجعون ويطلبون الخير، وأصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث.
(2)
أووا إلى غار أي بيت منقور في جبل.
(3)
درس وامحى آثار المشي بالأقدام فلا يعرفنا أحد وانحطت الصخرة علينا فأخفت معالمنا.
(4)
بأرجى عمل عملتموه تثقون بقبوله.
(5)
أجراً لأتمكن منها وألمس عفافها.
(6)
تذكرت عقابك وزدت رهبة وامتنعت خوفاً منك.
(7)
أزل عنا ووسع علينا ما نحن فيه من الضيق.
(8)
أخرج اللبن من ضرع الشاة ..
(9)
عاملاً يأجر نحو اثني عشر قرشاً الآن.
(10)
غضب عليه.
(11)
نمى هذا الأجر واستثمره في تربية الماشية حتى أوجد منه وادياً مملوءاً بقراً مع راعيها، وسلمه ما استثمر ونمى. بخ بخ أي نفس مؤمنة تحفظ أجر ذلك العامل قليل الأجر، وتستخدمه في التجارة وتنمية الماشية حتى يكثر ويتضاعف مقداره ملايين، ويسلمه لصاحبه مضاعفاً. وقال النووي: في قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال يستحب للإنسان أن يدعوه جل وعلا في حال كربه بصالح عمله. وفيه فضل بر الوالدين وخدمتهما وإيثارهما على الأولاد والزوجة، وفضل العفاف والانكفاف عن المحرمات لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها ويترك لله تعالى خالصاً وجواز الإجازة وأداء الأمانة وحسن العهد والسماحة في المعاملة وإثبات كرامات الأولياء أهـ ص 502 جـ 2 مختار الإمام مسلم.
أُعْطِيهِ إِلَاّ أَجْرَهُ الأَوَّلَ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ وَخَشْيَةَ عَذَابِكَ فافْرُجْ عَنَّا، فَزَالَ الْحَجَرُ وَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمر بنحوه وتقدم.
فضل الخوف من الله تعالى
4 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: كَانَ رَجُلٌ (1) يُسْرِفُ (2) عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي (3) في الرِّيحِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَّرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَاباً مَا عَذَّبَهُ أَحَداً، فَلَمَا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، أَوْ قالَ: مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ (4).
5 -
وَفي رواية: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لأَهْلِهِ: إِذَا مِتُّ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ ذَرُّوا نِصْفَهُ في الْبَرِّ وَنِصْفَهُ في الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَّرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا يُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا بِهِ مَا أَمَرَهُمْ فأَمَرَ اللهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قالَ: لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ اللهُ تَعَالى لَهُ. رواه البخاري ومسلم، ورواه مالك والنسائي ونحوه.
6 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إِنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حَضَرَ: أَيَّ أَبٍ (5) كُنْتُ لَكُمْ؟ قالوا خَيْرَ أَبٍ. فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ فَإِذَا مِتُّ فَاحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي
(1) من بني إسرائيل.
(2)
يحملها فوق طاقتها من شدة خوفه من الله جل وعلا.
(3)
دقوا أجزاء جسمي وفرقوها متناثرة، من التذرية، وهو التفريق.
(4)
سامحه من جراء كثرة خشيته، ففيه الترغيب بأن يملأ الإنسان قلبه خوفاً منه جل وعلا ويتذكر سطوته ويرجو رحمته ويخشى عذابه.
(5)
على أي حال كان والدكم.
في رِيحٍ عَاصِفٍ (1) فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ؛ رواه البخاري ومسلم.
[رغسه] بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما سين مهملة. قال أبو عبيدة: معناه أكثر له منه وبارك له فيه.
7 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ عز وجل: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمَاً أَوْ خَافَنِي في مَقَامٍ (2). رواه الترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
8 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: يَقُولُ اللهُ عز وجل: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي (3) فاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً.
الحديث رواه البخاري ومسلم وتقدم بتمامه في الإخلاص، وفي لفظ مسلم:
إِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَايَ (4) أَيْ مِنْ أَجْلِي.
وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين
9 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِيما يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلا أَنَّهُ قالَ: وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ: إِذَا خَافَنِي (5) في الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي في الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ في الآخِرَةِ. رواه ابن حبان في صحيحه.
ألا إن سلعة الله الجنة
10 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَيَضاً رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه
(1) شديد الريح قوياً جداً.
(2)
موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة فترك المعاصي، أو فأدى الفرائض كما قال تعالى:[ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)] من سورة الرحمن.
جنة الإنس الخائف وجنة الجن الخائف [ذواتا أفنان] أغصان تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلام ومنها تجتنى الثمار:
ومن كل أفنان اللذاذة والصبا
…
لهوت به والعيش أخضر ناضر
(3)
ابتغاء ثوابي وخوفاً من عقابي وحباً في رضاي.
(4)
أي من أجل خوفي.
(5)
اتقاني. وأثرت التقوى، وأثمرت صالح الأعمال وأينعت مكارم الأخلاق.
وسلم يَقُولُ: منْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمنْزِلَ، أَلَا إِن سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
[أدلج] بسكون الدال: إذا سار من أول الليل؛ ومعنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفاً من القواطع والعوائق.
11 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةُ اللهِ فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ في الْبَيْتِ فَذُكِرَ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ في الْبَيْتِ، فَلَمَا دَخَل عَلَيْهِ اعْتَنَقَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَّ مَيِّتاً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: جَهِّزُوا صَاحِبَكُمْ فَإِنَّ الْفَرَقَ فَلَذَ كَبِدَهُ. رواه الحاكم والبيهقي من طريقه وغيره، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين، والأصبهاني من حديث حذيفة، وتقدم حديث ابن عباس في البكاء قريباً من معناه، وحديث النبي أيضاً.
[الفرق] بفتح الفاء والراء: هو الخوف.
[وفلذ كبده] بفتح الفاء واللام وبالذال المعجمة: أي قطع كبده.
12 -
وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قالَ: أَمَّنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى رضي الله عنه في مَسْجِدِ بَنِي قُشَيْرٍ (1) فَقَرَأَ الْمُدَّثِّرَ، فَلَمَّا بَلَغَ نُقِرَ في النَّاقُورِ (2) خَرَّ مَيِّتاً (3). رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
13 -
وَعَنْ أَبي هَرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ (4) مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ
(1) قشير كذا ع ص 273 - 2 وفي ن ط بشير.
(2)
نفخ في الصور، وهي النفخة الأولى [يا أيها المدثر (1) قم فأنذر (2) وربك فكبر (3) وثيابك فطهر (4) والرجز فاهجر (5) ولا تمنن تستكثر (6) ولربك فاصبر (7) فإذا نقر في الناقور (8) فذلك يومئذ يوم عسير (9) على الكافرين غير يسير (10)] من سورة المدثر.
(3)
سقط مفارق الحياة.
(4)
العذاب الشديد.
اللهِ مِنْ الرَّحْمَةِ (1) مَا قَنَطَ (2) مِنْ رَحْمَتِهِ. رواه مسلم.
من برّ والديه حياً وميتاً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة
14 -
وَعَنْ أَبي كاهِلٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا كاهِلٍ أَلَا أُخْبِرُكَ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: أَحْيَا اللهُ قَلْبَكَ، وَلَا يُمِتْهُ يَوْمَ يَمُوتُ بَدَنُكَ. اعْلَمْ يَا أَبَا كاهِلٍ أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ رَبُّ الْعِزَّةِ عَلَى مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مَخَافَةٌ (3)، وَلَا تَأْكُلُ النَّارُ مِنْهُ هُدْبَةً (4) اعْلَمْ يَا أَبَا كاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ حَيَاءً مِنَ اللهِ (5) سِرّاً وَعَلانِيَةً كانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ (6) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اعْلَمْ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنّهُ مَنْ دَخَلَ حَلَاوَةَ الصَّلَاةِ (7) قَلْبَهُ حَتَّى يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا كانَ حَقّاً على اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اعْلَمْ (8)
يَا أَبَا كاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمَاً وَأَرْبَعِيَنَ لَيْلَةً في جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كانَ حَقّاً علَى اللهِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ (9). اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَعَ شَهْرِ رَمَضَانَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُرْوِيَهُ (10) يَوْمَ الْعَطَشِ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ كَفَّ (11) أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ حَيّاً وَمَيِّتاً كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قُلْتُ: كَيْفَ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ إِذَا كَانَا مَيِّتَيْنِ؟ قالَ: بِرُّهُمَا أَنْ يَسْتَغْفِرَ (12)
(1) فضله ورأفته.
(2)
ما يئس. وفي ن ط: ما قنط من رحمته أحد.
(3)
خوف وخشية.
(4)
قطعة من جسمه. وفيه "ما من مؤمن يمرض إلا حط الله هدبة من خطاياه" أي قطعة منها، وطائفة: أي لا تمس منه جزءاً مثل هدب العين: أي الذي نبت من الشعر على أشفارها، والجمع أهداب، مثل قفل وأقفال ورجل أهدب: طويل الأهداب، وهدبة الثوب طرته.
(5)
في د: حياء من الله عز وجل: أي في حالة الإخفار والإجهار: أي يراقبه ويخشاه في كل حالة له خفية وجهرة.
(6)
لا يفضحه على رؤوس الأشهاد، ويقرره بذنوبه بينه تعالى وبينه، فلا يطلع أحداً من أهل المحشر. ثم يكرمه بالعفو.
(7)
استلذ بصلاته وسرت في جسمه وذاق طعمها وشعر بالخشوع والرهبة والرغبة والخشية.
(8)
اعلم كذا د وع ص 374 - 2. وفي ن ط: اعلمن ..
(9)
إجازة وعتقاً.
(10)
يزيل ظمأه ويسقيه يوم شدة العطش من الأهوال والعذاب.
(11)
منع.
(12)
يكثر من طلب المغفرة لهما والدعاء لهما بالرحمة، ولا يشتم أحداً خشية أن يشتم أبويه كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن من أكبر الكبائر أن يعلن الرجل والديه" وفسرها صلى الله عليه وسلم " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه أو يسب أمه".
لِوَالِدَيْهِ، وَلَا يَسُبَّهُمَا، وَلَا يَسُبَّ وَالِدَيْ أَحَدٍ فَيَسُبَّ وَالِدَيْهِ. اعْلَمنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنّهُ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ عِنْدَ حُلُولِهَا كانَ حَقّاً عَلى اللهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ رُفَقَاءِ الأَنْبِيَاءِ (1). اعْلَمنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ قلّتْ عِنْدَهُ حَسَنَاتُهُ، وَعَظُمَتْ عِنْدَهُ سَيِّئَاتُهُ كانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُثْقِلَ مِيزانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ يَسْعَى عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَالِدِهِ، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ (2) يُقِيمُ فِيهِمْ أَمْرَ اللهِ يُطِعِمُهُمْ مِنْ حَلالٍ (3) كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مَعَ الشُّهَدَاءِ (4) في دَرَجَاتِهِمْ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ (5) ثَلَاثَ مَرّاتٍ حُبّاً لِي، وَشَوقَاً إِلَيَّ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ ذُنُوبَ حَوْلٍ. رواه الطبراني، وهو بجملته منكر، وتقدم في مواضع من هذا الكتاب ما يشهد لبعضه، والله أعلم بحاله.
والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً
15 -
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَلَضَحِكْتُمُ قَلِيلاً، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَيَّ الصُّعُدَاتِ (6) تَجْأَرُونَ إِلى اللهِ لَا تَدْرُونَ تَنْجُونَ أَوْ لَا تَنْجُونَ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
[تجأرون] بفتح المثناة فوق وإسكان الجيم بعدهما همزة مفتوحة: أي تضجون وتستغيثون.
والله لوددت أني شجرة تعضد
16 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ] حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ. أَطَّتِ السَّماءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَ مَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَاّ مَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدَاً للهِ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا
(1) من الصديقين المصاحبين للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الدرجات العالية في الجنة.
(2)
خدمه وحشمه وأقرباؤه الذين تجب نفقتهم عليه.
(3)
مكسبه من حلال طيب.
(4)
مع الذين ماتوا مجاهدين في سبيل الله في الدرجة.
(5)
من أكثر الصلاة عليه محبة واشتياقاً محا الله عنه ذنوب سنة، وأقلها ثلاث مرات: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(6)
الطرق جمع صعد، وقيل جمع صعدة كظلمة، وهي فناء باب الدار وممن الناس بين يديه. أطلع الني صلى الله عليه وسلم على نعيم الجنة لو رأى الناس ذلك لهاموا وهربوا وبكوا.
تَلَذَّذْتُمْ (1)
بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَيَّ الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلى اللهِ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَد (2). رواه البخاري باختصار والترمذي إلا أنه قال: مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد.
[أطت] بفتح الهمزة وتشديد الطاء المهملة من الأطيط: وهو صوت القتب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله، ومعناه أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين أثقلها حتى أطت.
[والصعدات] بضم الصاد والعين المهملتين: هي الطرقات.
17 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهْم خَنِينٌ (3). رواه البخاري ومسلم.
18 -
وفي رواية: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ
(1) من شدة هول ما ترون لم تحصل لكم لذة النساء، والتمتع بجمالهن كما قال تعالى:[وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا] من سورة النور.
قال النسفي وكونوا حذرين خاشعين، لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة أهـ وقال أهل المعرفة المطلوب ثلاثة أشياء: البكاء على الجفاء، والدعاء على العطاء، والرضا بالقضاء؛ فمن ادعى المعرفة ولم يكن فيه هذه الثلاثة فليس بصادق في دعواه.
(2)
تقطع، يقال عضدت الشجرة أعضدها عضداً. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يميزه الله بميزات ويعطيه كرامات ويؤيده بمعجزات ووعده سبحانه بزيادة الدرجات، ومع شدة الرهبة يود "أني شجرة تقطع" لماذا؟ نهاية المعرفة بقدر ربه وكثرة خشيته، ولقد صدق "إني لأخشاكم لله" وسورة الدهر التي قرأها، أولها [هل أتى على الناس حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا (1) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا (2) إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا (3) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا (4) إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5)] من سورة الدهر.
(حين) طائفة من الزمن الممتد كان الإنسان منسياً غير مذكور. (أمشاج) أخلاط من مني الرجل والمرأة: أي من نطفة قد امتزج فيها الماءان: مشجه مزجه: أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له (سميعاً) ذا سمع وبصر. ثم بينا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع (شاكراً) مؤمناً. (كفوراً) كافراً (كافورا) أي ماء كافور، وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته ويرده، وللكافرين سلاسل بها يقادون وأغلال بها يقيدون وناراً بها يحرقون.
(3)
ضرب من الكباء دون الانتحاب. وأصل الخنين: خروج الصوت من الأنف: كالخنين من الفم، وفيه أنه كان يسمع خنينه في الصلاة أهـ نهاية.
فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ والنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ في الْخَيْرِ والشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
[الخنين] بفتح الخاء المعجمة بعدها نون: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف.
إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه
19 -
وَرُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اقْشَعَرَّ (1) جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَحَاتَّتْ (2) عَنْهُ ذُنُوبُهُ كما يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا. رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي.
20 -
وفي رواية للبيهقي قال: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَهَاجَتِ (3) الرِّيحُ، فَوَقَعَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَرَقٍ نَخِرٍ (4)، وَبَقِيَ مَا كَانَ مِن وَرَقٍ أَخْضَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صل اللهُ عليه وسلم: مَا مَثَلُ هذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: مَثَلُ الْمؤْمِنِ إِذَا اقْشَعَرَّ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عز وجل وَقَعَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ وَبَقِيَتْ لَهُ حَسَنَاتُهُ.
21 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: لما أنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا (5) أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا (6)
(1) مر على العبد ذكر الله فخشي وارتجف فؤاده وأصابته رعدة من تقصيره في حقوق الله.
(2)
تساقطت.
(3)
اضطربت واشتدت.
(4)
يابس، يقال نخر العظم من باب تعب بلي وتفتت فهو نخر وناخر.
(5)
اجعلوا لها وقاية حافظة تبعدكم عن الوقوع في النار بترك المعاصي، وفعل الطاعات (وأهليكم) أقاربكم وأصحابكم وخدمكم بالنصح والتأديب.
(6)
ناراً تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب "عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"(6) من سورة التحريم.
أي الزبانية التسعة عشر، وأعوانهم غلاظ الأقوال شداد الأفعال يتقبلون أوامره ويلتزمونها [ويفعلون ما يؤمرون] إنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه، ولا يتوانون فيه أهـ نسفي. وقال البيضاوي لا يعصون فيما مضى ويفعلون فيما يستقبل، أولا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به أهـ، هذه الآية تطلب من كل مسلم أن يتقي الله ويخشى عذابه وينصح أهله بالاستقامة ويرشدهم إلى صالح الأعمال، ويدعوهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والدأب في تحصيل وجوه البر، وقد حكى الله تعالى عن طائفة سمعت كلام الله تعالى فخرت خاضعة له فوقاهم ربهم عذاب الجحيم بحسب خوفهم قال تعالى: [لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا =