الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في الشفاعة وغيرها
[قال الحافظ]: كان الأولى أن يقدم ذكر الشفاعة على ذكر الصراط لأن وضع الصراط متأخر عن الإذن في الشفاعة العامة من حيث هي، ولكن هكذا اتفق الإملاء والله المستعان.
89 -
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ نَبِيٍّ سَأَلَ (1) سُؤَالاً. أَوْ قالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَاهَا لأُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ (2) دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي. رواه البخاري ومسلم.
= ز - وقال تعالى: [يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى (41)] من سورة النازعات.
ح - وقال تعالى: [يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا (40)] من سورة النبأ.
ط - وقال تعالى: [ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا (29)] من سورة الفرقان.
ي - وقال تعالى: [يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين (91)] من سورة الشعراء.
ك - وقال تعالى: [يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا] من سورة آل عمران.
ل - وقال تعالى: [إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما (56)] من سورة النساء.
م - وقال تعالى: [فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية (11)] من سورة القارعة.
ن - وقال تعالى: [ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة (9)] من سورة الهمزة.
س - وقال تعالى: [ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (16)] من سورة الحديد.
(1)
طلب طلباً.
(2)
ادخرتها وجعلتها عنده خبيئة. اختبأت ط وع ص 450 - 2، وفي ن د: أخبأت، وأورد القسطلاني على هذا قول الله تبارك وتعالى:[ادعوني أستجب لكم] أمر بالدعاء سبحانه وتعالى والتضرع. وتكفل بالإجابة فضلاً وكرماً، لأن الدعاء من أشرف أنواع الطاعات، لقد أخر صلى الله عليه وسلم طلبه من مولاه حتى يوم القيامة فيشفع لمن عصى مولاه ويمنع عنه العذاب.
90 -
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: أُرِيتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَسَفْكَ (1) بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ فَأَحْزَنَنِي، وَسَبَقَ ذَلِكَ مِنَ اللهِ عز وجل كَمَا سَبَقَ فِي الأُمَمِ قَبْلَهُمْ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُولِيَنِي (2) فِيهِمْ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفَعَلَ. رواه البيهقي في البعث وصحح إسناده.
لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي
91 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فاجْتَمَعَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْساً مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ (3) وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ (4)
أَكْلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا، وَكَانُوا يَحْرِقُونَهَا (5)، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسَاجِدَ (6) وَطَهُوراً (7) أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي (8) الصَّلاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ في كِنَائِسِهِمْ (9) وَبِيَعِهِمْ (10)، والْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ؟ قِيلَ لِي: سَلْ فَإِنَّ
(1) إراقة.
(2)
يعطيني.
(3)
يلقي الله في قلوب أعدائه الخوف منه، ومن جيشه العرمرم الشجعان لامتلأ فزعاً ورعباً وخوفاً ولو بعدت الشقة وطالت المسافة.
(4)
الأشياء التي تؤخذ من العدو، والغنم: إصابته والظفر به. ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدو وغيرهم، قال تعالى:
أ -[واعلموا أنما ما غنمتم حلالاً طيباً] من سورة البقرة.
ب -[فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً] من سورة البقرة.
والمغنم ما يغنم، وجمعه مغانم.
جـ -[ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً (19)] من سورة الفتح.
د -[فعند الله مغانم كثيرة].
(5)
يشعلون النار بها ويزيلون الانتفاع بها وأكلها محرم.
(6)
أماكن للصلاة والسجود.
(7)
الشيء الذي يتطهر به بفتح الطاء كالماء الذي يتطهر به كالوضوء بفتح الواو، وضم الطاء التطهر، والماء الطهور بفتح الطاء في الفقه هو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس فكأنه تناهى في الطهارة، والماء الطاهر غير الطهور هو الذي لا يرفع الحدث، ولا يزيل النجس كالمستعمل في الوضوء والغسل.
(8)
في أي مكان وجدت تيمم أو توضأ وصل.
(9)
أماكن عبادة اليهود، سميت بها. لأنه يصلى فيها.
(10)
أماكن عبادة النصارى كما قال تعالى: [ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40)] من سورة الحج. =
كُلّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ. رواه أحمد بإسناد صحيح.
92 -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ رضي الله عنه قالَ: انْطَلَقْتُ في وَفْدٍ (1) إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْنَاهُ فَأَنَخْنَا بِالْبَابِ وَمَا في النَّاسِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ نَلِجُ (2) عَلَيْهِ، فَمَا خَرَجْنَا حَتَّى مَا كَانَ في النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ قائِلٌ مِنَّا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا سأَلْتَ رَبَّكَ مُلْكاً كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ؟ قالَ فَضَحِكَ ثُمَّ قالَ: فَلَعَلَّ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَاّ أَعْطَاهُ دَعْوةً، مِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَهَا دُنْيَا فَأُعْطِيَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ عَصَوْهُ فَأُهْلِكُوا بِهَا، فَإِنَّ اللهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ رَبِّي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الطبراني والبزار بإِسناد جيد.
93 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيتُ خَمْسَاً لَمْ يُعْطَهُنّض أَحَدٌ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ عَلَى عَدُوِّي، وَبُعِثْتُ إِلى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ (3)، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ،
= صوامع الرهبانية.
اختص سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بخمسة أشياء ميزة وهبة.
أ - رسالته للإنس والجن كما قال تعالى: [وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا] من سورة سبأ.
ب - نصر الله ومدده ووضع الخوف في قلوب أعدائه والهيبة والرهبة.
جـ - الفوز بالغنائم والانتفاع بها.
د - الأرض كلها صالحة لعبادة الله وطاعته والسجود له.
هـ - الشفاعة العظمى.
(1)
جماعة.
(2)
ندخل عليه. نلج كذا د وع ص 451 - 2 وفي ن ط يلج، فالله تعالى أوجد محبته صلى الله عليه وسلم حتى لا يوجد أفضل ولا أعظم منه لأنه محاط بعناية الله مكسو بالوقار والسكينة والجلال. وليس رجل أبغض.
(3)
إلى سكان القارات الخمسة، الجنس الأحمر سكان أوروبا، والأسود سكان أفريقية:
أولاً: صلاحية الأرض للعبادة، وهي طاهرة.
ثانياً: إباحة الانتفاع بالغنائم.
ثالثاً: خوف أعدائه منه صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: أرسله إلى العالم أجمع.
خامساً: الشفاعة.
وَهِيَ نَائِلَةٌ (1) مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً. رواه البزار وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعاً والأحاديث من هذا النوع كثيرة جداً في الصحاح وغيرها.
94 -
وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَفَراً حَتَّى إِذَا كَانَ في اللَّيْلِ أَرِقَتْ (2) عَيْنَايَ فَلَمْ يَأْتِنِي النَّوْمُ فَقُمْتُ فَإِذَا لَيْسَ في الْعَسْكَرِ (3) دَابَّةٌ (4) إِلَاّ وَاضِعٌ خَدَّهُ إِلى الأَرْضِ وَأُرَى وَقْعَ كُلِّ شَيءٍ في نَفْسِي، فَقُلْتُ لآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلأَكْلأَنَّهُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أُصْبِحَ. فَخَرَجْتُ أَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ (5) حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَإِذَا بِسَوَادٍ فَتَيَمَّمْتُ ذلِكَ السَّوَادَ فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ فَقَالَا لِي: مَا الَّذِي أَخْرَجَكَ؟ فَقُلْتُ: الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَإِذَا نَحْنُ بِغَيْضَةٍ (6)
مِنَّا غَيْرَ بَعِيدَةٍ فَمَشَيْنَا إِلى الْغَيْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ نَسْمَعُ فِيهَا كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَكَخَفِيقِ الرِّيَاحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ههُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قالَ: وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قالَ: وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا نَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا يَسْأَلُنَا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى رَجَعَ إِلى رَحْلِهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا خَيَّرَنِي رَبِّي آنِفاً (7)؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ ثُلُثَيْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الَّذِي اخْتَرْتَ؟ قالَ:
(1) صائبة من أسلم بالله ولم يجعل له وحده شريكاً.
(2)
سهرت.
(3)
الجيش.
(4)
حيوان تدب فيه الحياة.
(5)
أمر من بينهم.
(6)
بغيضة كذا ط ومعناها الشجر الملتف، لأنهم إذا نزلوا تفرقوا فيها فتمكن منهم العدو، وفي حديث عمر "لا تنزلوا المسلمين الغياض فتضيعوهم" أهـ نهاية.
وفي ن ع ص 451 - 2 ورد بغيظة منا غير بعيد فمشينا إلى الغيظة بالظاء. والغيظة صفة تغير في المخلوق عند احتداده يتحرك لها.
(7)
الآن. هنيئاً لك أيتها الأمة المحمدية، لقد حباك الله برسول عظيم يكون سبباً لنعيمك وإدخال السرور عليك وحمايتك من عذاب ربه سبحانه فيفوز ثلثاك ويكرم معظم ويشفع فيك السيد المحبوب المقرب عند الله تعالى كما قال تعالى:
أ -[ولسوف يعطيك ربك فترضى (5)] من سورة الضحى.
ب -[ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى].
اخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، قُلْنَا جَمِيعاً: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ، قالَ: إِنَّ شَفَاعَتِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه الطبراني بأسانيد أحدها جيد وابن حبان في صحيحه بنحوه إلا أن عنده الرجلين: معاذَ بن جبل وأبا موسى، وهو كذلك في بعض روايات الطبراني، وهو المعروف. وقال ابن حبان في حديثه:
فَقَالَ مُعَاذٌ رضي الله عنه: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَتِي فاجْعَلْنِي مِنْهُمْ قالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ. قالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مُوسَى: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا تَرَكْنَا أَمْوَالَنَا وَأَهْلِينَا وذَرَارِينَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فاجْعَلْنَا مِنْهُمْ قالَ: أَنْتُمَا مِنْهُمْ. قالَ: فانْتَهَيْنَا إِلى الْقَوْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَخَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أَمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْصِتُوا فَأَنْصَتُوا (1) حَتَّى كَأَنَّ أَحَداً لَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هِيَ لِمَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً (2).
95 -
وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قالَ: تُعْطَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَرَّ عَشْرِ سِنينَ ثُمَّ تُدْنَى مِنْ جَمَاجِمِ النَّاسِ (3). قالَ: فذكر الحديث، قال: فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَنْتَ الَّذِي فَتَحَ اللهُ لَكَ، وَغَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَقَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ فاشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكُمْ، فَيَخْرُجُ يَجُوسُ (4) بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَنْتَهِي إِلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَأْخُذ بِحَلْقَةٍ في الْبَابِ مِنْ ذَهَبٍ فَيَقْرَعُ الْبَابَ فَيَقُولُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لَهُ حَتَّى يَقُومَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عز وجل فَيَسْجُدُ فَيُنَادِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمُحْمُودُ (5)
رواه الطبراني بإسناد صحيح.
(1) فاستمعوا.
(2)
ومن عبده بإخلاص ووحده في ذاته وصفاته وأفعاله وعمل صالحاً.
(3)
تقرب من رؤوس الناس.
(4)
يمر وسطهم، ومنه قوله تعالى:[فجاسوا خلال الديار] أي توسطوها وترددوا بينها.
(5)
مقاماً يحمده القائم فيه، وكل من عرفه وهو مطلق في كل مقام يتضمن كرامة، والمشهور أنه مقام الشفاعة أهـ بيضاوي.
قال تعالى: [أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (78) ومن =
96 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ (1) إِذْ جَاءَ عِيسَى عليه السلام قالَ: فَقَالَ هذِهِ الأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ يَسْأَلُونَ، أَوْ قالَ: يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يَدْعُونَ اللهَ أَنْ يَفْرُقَ بَيْنَ جَمْعِ الأُمَمِ إِلى حَيْثُ يَشَاءُ لِعِظَمِ مَا هُمْ فِيهِ، فالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ في الْعَرَقِ، فَأَمَّا الْمُؤمِنُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزُّكْمَةِ (2)، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَتَغَشَّاهُ (3) الْمَوْتُ، قالَ يَا عِيسَى: انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ: قالَ: وَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفَىً (4)، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَأَوْحَى اللهُ إِلى جِبْرِيلَ عليه السلام أَنِ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: ارْفَعْ رَأسَكَ سَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. قالَ: فَشَفَعْتُ في أُمَّتِي أَنْ أُخْرِجَ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إِنْسَانَاً وَاحِداً. قالَ: فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى رَبِّي فَلا أَقُومُ فِيهِ مَقَاماً إِلَاّ شَفَعْتُ حَتَّى أَعْطَانِي اللهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قالَ: أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ خَلْقِ اللهِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللهُ (5) يَوْماً وَاحِداً مُخْلِصاً وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح.
97 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ هذِهِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَاّ اللهُ بِمَا
= الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا (79) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا (80)] من سورة الإسراء.
(لدلوك الشمس): أي لزوالها: (إلى غسق الليل) ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الأخيرة (وقرآن الفجر) صلاة الصبح تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أدخلني في القبر إدخالاً مرضياً وأخرجني منه عند البعث إخراجاً ملقى بالكرامة (سلطاناً) حجة تنصرني بها على من خالفني أو ملكاً ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب له بقوله:
أ -[فإن حزب الله هم الغالبون].
ب -[ليظهره على الدين كله].
جـ -[ليستخلفنهم في الأرض].
د - الشفاعة العظمى له صلى الله عليه وسلم.
(1)
تمر مرور السحاب على الصراط وتجوزه.
(2)
الزكام: أي رطوبة بسيطة في الأنف.
(3)
فيغطيه.
(4)
مختار مرضي.
(5)
من اعتقد وحدتي وعمل لي بإخلاص.
عَصَوُا اللهَ، واجْتَرَؤوا (1) عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ، فَيُؤْذَنُ لِي في الشَّفَاعَةِ فأُثْنِي عَلَى اللهِ سَاجِداً (2) كما أُثْنِي عَلَيْهِ قائِماً (3) فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. رواه الطبراني في الكبير والصغير بإسناد حسن.
98 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَاذَا رَدَّ إِلَيْكَ رَبُّكَ في الشَّفَاعَةِ؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بَيَدِهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِي لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْعِلْمِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا يَهُمُّنِي مِنِ انْقَصافِهِمْ (4) عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَهَمُّ عِنْدِي مِنْ تَمَامِ شَفَاعَتِي لَهُمْ. وَشَفَاعَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ مُخْلِصاً وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ يُصَدِّقُ (5) لِسَانَهُ قَلْبُهُ وَقَلْبَهُ لِسَانُهُ. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.
تنحي المرسلين عن الشفاعة إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم
99 -
وَعَنْ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَصَلَّى الْغَدَاةَ (6) ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إذَا كَانَ مِنَ الضُّحَى ضَحِكَ (7) رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسَ مَكَانَهُ حَتَّى صَلَّى الأُولَى وَالْعَصْرَ والْمَغْرِبَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى صلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ ثُمَّ قَامَ إِلى أَهْلِهِ فَقَالَ النَّاسُ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: سَلْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَأْنُهُ؟ صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئاً لَمْ يَصْنَعْهُ قَطُّ فَقَالَ: نَعَمْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَجُمِعَ الأَوَّلُونَ والآخِرُونَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ حَتَّى انْطَلَقُوا إِلى آدَمَ عليه السلام، وَالْعَرَقُ يَكَادُ يَلْجِمُهُمْ (8) فَقَالُوا: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ اصْطَفَاكَ اللهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ فَقَالَ: قَدْ لَقِيتُ مِثْلَ الَّذِي لَقِيتُمْ، انْطَلِقُوا إِلى
(1) أسرعوا بالهجوم على ارتكاب الذنوب من غير توقف وأقدموا على فعل ما يغضبه تبارك وتعالى.
(2)
أحمده ساجداً خاضعاً متضرعاً.
(3)
راكعاً مصلياً.
(4)
يعني استسعادهم بدخول الجنة وأن يتم لهم ذنب أهم عندي من أن أبلغ أنا منزلة الشافعين المشفعين لأن قبول شفاعته كرامة له، فوصولهم إلى مبتغاهم آثر عنده من نيل هذه الكرامة لفرط شفقته على أمته. 259 - 2 نهاية.
(5)
يوافق قوله عمله ويشبه عمله قوله نية وفعلاً.
(6)
صلاة الصبح.
(7)
أظهر فرحه وزاد سروره وبدت نواجذه.
(8)
يقرب أن يصمهم ويعمي أبصارهم.
أَبِيْكُمْ بَعْدَ أَبِيكُمْ إِلى نُوحٍ [إِنَّ اللهَ اصْطَفَى (1) آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ] فَيَنْطَلِقُونَ إِلى نُوحٍ عليه السلام فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ فَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللهُ، واسْتَجَابَ لَكَ في دُعَائِكَ [فَلَمْ يَدَعْ (2) عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارا] فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، فانْطَلِقُوا إِلى إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً (3)
فَيَنْطَلِقُونَ إِلى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، فانْطَلِقُوا إِلى مُوسَى فَإِنَّ اللهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيماً (4)، فَيَنْطَلِقُونَ إِلى مُوسَى عليه السلام، فَيقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُبْرِئُ (5) الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى، فَيَقُولُ عِيسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ (6) فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إِلى مُحَمَّدٍ فَلْيَشْفَعَ لَكُمْ إِلى رَبِّكُمْ قالَ: فَيَنْطَلِقُونَ إِلَيَّ، وَآتِي جَبْرِيلَ، فَيَأْتِي جَبْرِيلُ رَبَّهُ فَيَقُولُ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالْجَنَّةِ قالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ جَبْرِيلُ فيَخِرُّ سَاجِداً قَدْرَ جُمُعَةٍ (7)، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ (8) وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلى رَبِّهِ خَرَّ
(1) اختار بالرسائل والخصائص الروحانية والجسمانية، ولذلك قووا على ما لم يقو عليه غيرهم لما أوجب طاعة الرسول، وبين أنها الجالبة لمحبة الله تعالى عقب ذلك ببيان مناقبهم تحريضاً عليها وبه استدل على فضلهم على الملائكة. وآل إبراهيم إسماعيل وإسحق وأولادهما، وقد دخل فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وآل عمران موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، أو عيسى وأمه مريم بنت عمران [ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)] من سورة آل عمران.
(2)
فلم يترك أحداً كما حكى الله تعالى في قوله عز شأنه [وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا (26) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا (27) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا (28)] من سورة نوح عليه السلام.
(ديارا: أحدا) قال ذلك لما جربهم واستقرى أحوالهم ألف سنة إلا خمسين فعرف شيمهم وطباعهم. (بيتي) منزلي أو مسجدي وسفينتي. (تبارا) هلاكاً.
(3)
إبراهيم مفتقر إلى ربه سبحانه في كل حال الافتقار المعني بقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام [رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير (24)] من سورة القصص.
وعلى هذا الوجه قيل اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك. وقيل من الخلة واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه والثناء.
(4)
تجلى عليه وأسمعه كلامه كما قال تعالى: [وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً] من سورة الشورى.
(5)
ينير بصر الأعمى ويشفي من عنده بياض في الجلد كهيئة نقط وبقع، ويعطي الحياة لمن فارقته روحه.
(6)
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(7)
مقدار أسبوع.
(8)
يسمع كذا ع ص 454 - 2، وفي ن ط: تسمع أي يسمع الله نداءك.
سَاجِداً قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ اللهُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَيَذْهَبُ لِيَقَعَ سَاجِداً فيَأْخُذُ جِبْرِيلُ بِضَبْعَيْهِ (1)، وَيَفْتَحُ (2) اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ مَا لَمْ يَفْتَحُ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ (3) فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ جَعَلْتَنِي سَيِّدَ (4) وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ (5) عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ أَكْثَرُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وأَيْلَةَ (6)، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الأَنْبِيَاءَ فيَجِيءُ النَّبِيُّ مَعَهُ الْعِصَابَةُ (7)
وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، والنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فَيَشْفَعُونَ فِيمَنْ أَرَادُوا، فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذلِكَ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلا: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئاً فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: انْظُرُوا في النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيَجِدُونَ في النَّارِ رَجُلاً فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ (8) النَّاسَ في الْبَيْعِ فَيَقُولُ اللهُ: اسْمَحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلى عَبِيدِي، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ آخَرُ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ اذْهَبُوا بِي إِلى الْبَحْرِ فَذُرُّونِي في الرِّيحِ، فَقَالَ اللهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قالَ مِنْ مَخَافَتِكَ، فَيَقُولُ: انْظُرْ إِلى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهِ، فَيَقُولُ: لِمَ تَسْخَرُ بِي (9) وَأَنْتَ الْمَلِكُ. فَذَلِكَ الذِي ضَحِكْتُ بِهِ مِنَ الضُّحَى (10).
رواه أحمد، والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، وقال:
(1) بعضديه. الضبع: وسط عضده، وقيل: هو ما تحت الإبط.
(2)
يلهمه.
(3)
إنسان قط.
(4)
أفضلهم وأكثرهم درجات، وفي النهاية قاله إخباراً عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسودد، وتحدثا بنعمة الله تعالى عنده وإعلامه لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه، ولهذا تبعه بقوله ولا فخر: أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي. فليس لي أن أفتخر بها وفيه قيل يا رسول الله من السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، قالوا: فما في أمتك من سيد؟ قال: بلى، من آتاه الله مالاً ورزق سماحة فأدى شكره وقلت شكايته في الناس أهـ ص 190.
(5)
تفتح.
(6)
يأتي جماعة تملأ فضاء ما بين البلدين صنعاء وأيلة.
(7)
الجماعة من الناس والجمع عصائب. والعصبة: القرابة الذكور ..
(8)
أسامح: أي أعطي عن كرم وسخاء.
(9)
تستهزئ. وأنت الملك.
(10)
ضحكت به من الضحى كذا د وع ص 454 - 2 أي الذي أفرحني فضحكت وقت =
قال إسحق يعني ابن إبراهيم: هذا من أشرف الحديث، وقد روى هذا الحديثَ عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، منهم حذيفة وأبو مسعود وأبو هريرة وغيرهم انتهى.
[العصابة] بكسر العين: الجماعة لا واحد له قاله الأخفش، وقيل: هي ما بين العشرة أو العشرين إلى الأربعين.
100 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ وَإِنِّي لَعَلَى أَطْوَلِهَا وَأَنْوَرِهَا فَيَجِيءُ مُنَادٍ يُنَادِي أَيْنَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ؟ قالَ: فَتَقُولُ الأَنْبِيَاءُ كُلُّنَا نَبِيٌّ أُمِّيٌّ، فَإِلَى أَيْنُ أُرْسِلَ، فَيَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ: أَيْنَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ؟ قالَ: فَيَنْزِلُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَأْتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَيَقْرَعُهُ فَيَقُولُ: مَنْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدُ، فَيُقَالُ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُ فَيَتَجَلَّى لَهُ الرَّبُّ تبارك وتعالى، وَلَا يَتَجَلَّى لِشَيْءٍ قَبْلَهُ، فَيَخِرُّ للهِ سَاجِداً، وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ تَكَلَّمْ تُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فذكر الحديث رواه ابن حبان في صحيحه.
101 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما قالَا: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَجْمَعُ اللهُ تبارك وتعالى النَّاسَ قالَ: فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ (1) لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ (2) لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَاّ خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ (3) لَسْتُ بَصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ
= الضحى وقد سألتم عن سببه. وفي ن ط: ضحكت منه من الضجر .. الله أكبر، رجل من بني إسرائيل أخذه الخوف كل مأخذ وامتلأ قلبه خشية ورهبة فأوصى أبناءه، في اعتقاده أن يحرق فيذرى فيكون ذرات دقيقة تنتشر رجاء الابتعاد من حساب الله تعالى؛ ولكن الله جل جلاله أحسن إليه وعطف عليه فأنعم عليه بنعم جمة وفضل كبير ملك أعظم ملك، ويضاعف.
(1)
تقرب كما قال تعالى: [وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين (91)] من سورة الشعراء.
(2)
اطلب فتحها.
(3)
أكله من الشجرة التي نهاه الله عن أكلها كما قال تعالى: [فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا =
قالَ: فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ (1) اعْمَدُوا إِلى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيماً، قالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ، اذْهَبُوا إِلى عِيسَى كَلِمَة (2) اللهِ وَرُوحِهِ (3) فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ (4)، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ والرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنْبَتِي الصِّرَاطِ يَمِينَاً وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ. قالَ قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَالْبَرْقِ؟ قالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّحَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ (5) حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَاّ زَحْفاً. قالَ: وفي حَافتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ (6) مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ (7) وَمَكْدُوشٌ (8)
= يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى (121) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (122)] من سورة طه.
أكل من الشجرة فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو. ثم اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها وقبل توبته وثبت عليها.
(1)
من وراء وراء كذا ط وع ص 455 - 2، وفي ن د: من وراء من وراء: أي أنا في حاجة إلى رحمته ورأفته بي افتقاراً وتضرعاً: عمن قصد من باب ضرب.
(2)
لكونه موجداً بتأثير أمره سبحانه وتعالى (كن) المذكور في قوله تعالى: [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59)] من سورة آل عمران.
وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى، وقيل: سمى به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده: [إني عبد الله قد آتاني الكتاب وجعلني نبياً. وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً] الآية، وقيل: سمي كلمة الله تعالى من حيث إنه صار نبياً كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم [ذكراً رسولاً] أهـ غريب ص 455.
(3)
معطى الحياة بلا أب. وفي الغريب وسمي عيسى عليه السلام روحاً في قوله تعالى: [وروح منه] وذلك لما كان له من إحياء الأموات أهـ قال تعالى: [وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله] من سورة آل عمران.
(4)
يأخذ إذناً بالشفاعة كما قال تعالى: [يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن] من سورة طه ويمر الناس على الصراط بحسب أعمالهم الصالحة:
أ - تمر كالبرق،
ب - تمر كمرور الطير.
جـ - تمر مقدار إقامة عمل.
د - تمر طائفة تزحف زحفاً.
(5)
النجاة النجاة.
(6)
خطاطيف من حديد خاطفة بشدة.
(7)
أصابه تأثير الاحتكاك والشد، يقال خدشته جرحته في ظاهر الجلد وسواء رمى الجلد أو لا.
(8)
مساق بعنف ومأخوذ بقوة شديدة ومطرود من رحمة الله.
في النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ (1) جَهَنَّمَ لَسَبْعِينَ خَرِيفاً. رواه مسلم.
102 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ (2) وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ بَنِي آَدَمَ يَوْمَئِذٍ (3) فَمَنْ سِوَاهُ إِلَاّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلَا فَخْرَ (4). قالَ: فَيَفْزَعُ (5) النَّاسُ ثَلاث فَزَعَاتٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فذكر الحديث إِلى أَنْ قالَ: فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ، قالَ ابنُ جُدْعَانَ: قالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ: فآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُها (6)، فَيُقَالُ، مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي وَيُرَحِّبُونَ فَيَقُولُونَ: مَرْحَباً فَأَخِرُّ سَاجِداً (7) فَيُلْهِمُنِي اللهُ مِنَ الثَّنَاءِ والْحَمْدِ فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قالَ اللهُ:[عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً]. رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وروى ابن ماجة صدرَه قال:
أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آَدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ (8) وَأَوَّلُ مُشَفَّعْ (9) وَلَا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ. وفي إسنادهما علي بن يزيد بن جدعان.
103 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً (10) وَقالَ: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو (11) مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ
(1) نهاية قعرها مسافة سير سبعين سنة.
(2)
راية وشارة الثناء على الله.
(3)
في هذا الوقت.
(4)
هذا إكرام من الله وأنا متواضع لا افتخار عندي.
(5)
فيخاف. والفزع: الذعر.
(6)
فأقعقعها: أي أحركها لتصوت، والقعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت.
(7)
أسقط وأضع جبهتي على الأرض متضرعاً.
(8)
يعني شفيعاً.
(9)
رجاه الناس وأملوا فيه الشفاعة.
(10)
أخذ اللحم بأطراف أسنانه: أي تناول قليلاً قناعة.
(11)
تقرب.
وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ إِلى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَإِلَى مَا بَلَغَكُمْ، أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آَدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ (1) وَأَمَرَ الْملائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْري اذْهَبُوا إِلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدَاً شَكُوراً (2)
أَلَا تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلَا تَرَى إِلى مَا بَلَغَنَا، أَلَا تَشْفَعُ إِلى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِ] نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لِهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ (3)
فَذَكَرَهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى مُوسَى، فَيَأْتُونَ
(1) وهب لك الحياة.
(2)
خاضعاً كثير الشكر والثناء ..
(3)
الكذبة الأولى: رأى إبراهيم النجوم في السماء متفكراً في نفسه كيف يحتال لاعتقاد قومه علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم كما قال تعالى: [فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين (90)] من سورة الصافات.
أي مشارف للسقم، وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام، وليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل. قال النسفي: والكذب حرام إلا إذا عرض، والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام: أي سأسقم، أو من الموت في عنقه سقيم، ومنه المثل كفى بالسلامة داء أهـ. قال لبيد:
فدعوت ربي بالسلامة جاهداً
…
ليصحني فإذا السلامة داء
الكذبة الثانية: نزل إبراهيم عليه السلام مع زوجه السيدة سارة رضي الله عنها مدينة ملكها زير النساء فسأله عن هذه السيدة فقال: أختي علماً منه أن الرجل يغار على زوجته أكبر من أخته وخاف إبراهيم أن يقتله إذا علم الملك أنها زوجته، وذهبت إليه وذهب إبراهيم يصلي وقال لها: قلت إنك أختي فسلمها الله وحفظها من هذا الطاغية الجبار وأعطاها خادمة لها السيدة هاجر رضي الله عنها أعلمت أن الله كبت الكافر وأخذ مني وليدة.
الكذبة الثالثة: ما حكى الله تعالى في كتابه المحكم [قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم (62) قال بل فعله كبيرهم =
مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسولُ اللهِ فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ (1) وَبِكلامِهِ (2) عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَمَا تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسَاً لَمْ اُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ (3)، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في الْمَهْدِ (4)
اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتُونِي (5) فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ (6) وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي
= هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63) فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64)] من سورة الأنبياء.
قال البيضاوي أسند الفعل إليه تجوزاً، لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه، أو تقريراً لنفسه مع الاستهزاء والتبكيت على أسلوب تعريضي تسمية للمعاريض كذباً لما شابهت صورتها صورته أهـ ص 461.
(1)
أي اجتباك واختارك على أهل زمانك.
(2)
بتكليمه إياك كما قال الله تعالى: [قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين (144)] من سورة الأعراف.
أي أعطيتك من شرف النبوة والحكمة. قيل خر موسى صعقاً يوم عرفة وأعطى التوراة يوم النحر.
(3)
أراد ما يحيا به.
(4)
المهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي في مضجعه، قال تعالى:[ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين (46)] من سورة آل عمران:
أي يكلمهم حال كونه طفلاً وكهلاً كلام الأنبياء من غير تفاوت، قيل رفع شاباً، والمراد وكهلاً بعد نزوله أهـ.
(5)
فيأتوني، كذا ط وع 2457 - 2 أي يقبلون علي، وفي ن د: فيأتون.
(6)
جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه كما قال تعالى: [إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما وينصرك الله نصراً عزيزاً (3)] من سورة الفتح.
وعد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، واتفق أن فتح خيبر، وحصل صلح في الحديبية، وقد نزح ماء بئر في الحديبية فمضمض، ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه، ويتم نعمته بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة، ويهديك في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة بنصر فيه عزة ومنعة، أو يعز فيه المنصور.
يَا رَبُّ أُمَّتِي يَا رَبُّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ (1) مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كما بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى. رواه البخاري ومسلم.
104 -
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا رَبَّاهُ! فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلا: يَا لَبَّيْكَاهُ (2) فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ حَرَّقْتَ بَنِيَّ (3)؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ (4) أَوْ شَعِيرَةٌ مِنْ إِيمَانٍ. رواه ابن حبان في صحيحه، ولا أعلم في إسناده مطعنا. وروى الطبراني عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُشَفِّعُ اللهُ تبارك وتعالى آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ذُرِّيّتِهِ في مِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، وَعَشْرَةِ آلَافِ أَلْفٍ.
105 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قالَ: جَلَسْتُ إِلى قَوْمٍ أَنَا رَابِعُهُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قُلْنَا: سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: سِوَايَ. قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا قامَ قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قالُوا: ابْنُ الْجَدْعَاءِ أَوِ ابْنُ أَبِي الْجَدْعَاءِ. رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة إلا أنه قال: عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ.
106 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثلُ الْحَيَّيْنِ (5) رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَمَا رَبِيعَةُ مِنْ مُضَرٍ؟ قالَ: إِنَّمَا أَقُولُ مَا أَقُولُ. رواه أحمد بإسناد جيد.
(1) المصرع من الباب: الشطر، يعني ما بين نصفي الباب مسافة بعيدة تساوي البعد الذي بين مكة وهجر، أو بين مكة وبصرى.
(2)
يا إبراهيم إجابة بعد إجابة.
(3)
أبنائي في النار.
(4)
قدر رأس نملة.
(5)
الحي: القبيلة من العرب، والجمع أحياء أهـ مصباح.
107 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاثَةِ. رواه البزار، ورواته رواة الصحيح.
108 -
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُوضَعُ للأَنْبِيَاءِ مَنَابِرُ (1) مِنْ نُورٍ يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا، وَيَبْقَى مِنْبَرِي لَا أَجْلِسُ عَلَيْهِ أَوْ قالَ: لَا أَقْعُدُ عَلَيْهِ، قائِماً (2) بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي مَخَافَةَ أَنْ يُبْعَثَ بِي (3) إِلى الْجَنَّةِ وَتَبْقَى أُمَّتِي بَعْدِي، فَأَقُولُ: يَا رَبُّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ بِأُمَّتِكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عَجِّلْ حِسَابَهُمْ (4) فَيُدْعَى بِهِمْ فَيُحَاسَبُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِي، فَمَا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أُعْطَى صِكَاكاً بِرِجَالٍ قَدْ بُعِثَ بِهِمْ إِلى النَّارِ حَتَّى إِنَّ مَالِكاً (5) خَازِنَ النَّارِ لَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ مَا تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ في أُمَّتِكَ مِنْ نِقْمَةٍ (6). رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي في البعث، وليس في إسنادهما من ترك.
[الصِّكاك]: جمع صك، وهو الكتاب.
109 -
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: أَشْفَعُ (7) لأُمَّتِي حَتَّى يُنَادِيَنِي (8) رَبِّي تبارك وتعالى فَيَقُولُ: أَقَدْ رَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَأَقُولُ: إِيْ رَبِّ (9) قَدْ رَضِيتُ. رواه البزار والطبراني وإسناده حسن إن شاء الله.
شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي
110 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: شَفَاعَتِي (10) لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي. رواه أبو داود والبزار والطبراني وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه ابن حبان أيضاً والبيهقي من حديث جابر.
(1) أمكنة مرتفعة.
(2)
متضرعاً راجياً.
(3)
خشية أن أذهب.
(4)
أنقذهم من هذا الموقف.
(5)
حتى إن مالكاً، كذا ع ص 458 - 2، وفي ن ط وحتى.
(6)
من نقمة كذا ط وع، وفي ن د من نقمته: أي عذاب.
(7)
أشفع، كذا د وع؛ وفي ن ط: ما أزال أشفع: أي أستمر شافعاً.
(8)
حتى يناديني، كذا ط وع، وفي ن د: ينادي.
(9)
في ن د: قد رضيت.
(10)
رجائي لمن فعل الذنوب التي عقابها شديد.
111 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ (1)، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ (2) الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ (3).
(1) السلف الصالح.
(2)
مرتكبين الآثام الذي يفعلون الأخطاء.
(3)
المصابين بالذنوب.
الشفاعة العظمى لخير الخلق صلى الله عليه وسلم
أ - قال الله تعالى: [ولسوف يعطيك ربك فترضى (5)] من سورة الضحى.
وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواه أهـ بيضاوي، قال الشاعر:
قرأنا في الضحى ولسوف يعطى
…
فسر قلوبنا ذاك العطاء
وحاشا يا رسول الله ترضى
…
وفينا من يعذب أو يساء
قال النسفي: ولسوف يعطيك أي في الآخرة ومقام الشفاعة وغير ذلك. ولما نزلت قال صلى الله عليه وسلم "إذاً لا أرضى قط وواحد من أمتي في النار".
ب - وقال تعالى: [فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (120)] من سورة طه.
صل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه، أو نزهه عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامداً له على ما ميزك بالهدى معترفاً بأنه المنعم المتفضل طمعاً أن تنال عند الله ما ترضى.
جـ -[وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا (80)] من سورة الإسراء.
قال النسفي: عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً وهو مقام الشفاعة عند الجمهور، أو هو مقام يعطى فيه لواء الحمد. وقال الغزالي: واعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف المؤمنين، فإن الله تعالى يقبل بفضله فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصالحين؛ وكل من له عند الله تعالى جاه وحسن معاملة فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصاً على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة، وذلك بأن لا تحقر آدمياً أصلاً فإن الله تعالى خبأ ولايته في عباده فلعل الي تزدريه عينك هو ولي الله. ولا تستصغر معصية أصلاً فإن الله تعالى خبأ غضبه في معاصيه فلعل مقت الله فيه، ولا تستحقر طاعة أصلاً فإن الله تعالى خبأ رضاه في طاعته فلعل رضاه فيه، ولو الكلمة الطيبة أو اللقمة أو النية الحسنة أو ما يجري مجراه وروى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام [رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم] وقول عيسى عليه السلام [إن تعذبهم فإنهم عبادك].
ثم رفع يديه وقال أمتي أمتي ثم بكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره والله أعلم به فقال يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك الخ ص 449 جـ 4.
وفي صفة الحوض أنه مكرمة عظيمة خص الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نرجو أن يرزقنا الله تعالى في الدنيا علمه، وفي الآخرة ذوقه وأورد قوله تعالى:[إنا أعطيناك الكوثر] السورة.
قال صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" ص 452 جـ 2. يا رب تتفضل أن نشْرب من هذا الكوثر تكرماً. =
رواه أحمد والطبراني، واللفظ له، وإسناده جيد، ورواه ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري بنحوه.
= آيات الإخلاص
أ - قال تعالى: [قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين (12)] من سورة الزمر.
ب - وقال تعالى: [وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (5)] من سورة البينة.
جـ - وقال تعالى: [إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً (146)] من سورة النساء.
د - وقال تعالى: [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين (2)] من سورة الزمر.
هـ - وقال تعالى: [كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24)] من سورة يوسف.
و- وقال تعالى: [واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً (51)] من سورة مريم.
ز - وقال تعالى: [يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (88)] من سورة الشعراء.
ح - وقال تعالى: [ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (265)] من سورة البقرة.
ط - وقال تعالى: [ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11)] من سورة الإنسان.
ي - وقال تعالى: [وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون (29)] من سورة الأعراف.
آيات الاعتصام بالكتاب والسنة
أ - قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه (1) إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)] من سورة النساء.
ب - وقال تعالى: [وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله] من سورة النساء.
جـ - وقال تعالى: [إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالآخر وأعتدنا لهم عذاباً أليما (10)] من سورة الإسراء.
د - وقال تعالى: [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله] من سورة النساء.
هـ - وقال تعالى: [وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)] من سورة النحل.
و- وقال تعالى: [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21)] من سورة الأحزاب.
ز - وقال تعالى: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)] من سورة آل عمران. =
_________
(1)
الرد إلى الله تعالى: الرجوع إلى كتابه سبحانه وتعالى، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى سنته فتلك حكومة المؤمنين التي تقطع نزاعهم وتزيل تفرقهم ولذا قال بعد؛ [إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر] من سورة النساء. فمن لم يرض هذه الحكومة فليس من الإيمان في شيء، و (تأويلا) مآلاً وعاقبة.
[قال الحافظ]: وتقدم في الجهاد أحاديث في شفاعة الشهداء وأحاديث الشفاعة كثيرة وفيما ذكرناه غنية عن سائرها، والله الموفق.
= ح - وقال تعالى: [وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28)] من سورة سبأ.
ط - وقال تعالى: [الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم (1) والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)] من سورة الأعراف.
ي - وقال تعالى: [من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80)] من سورة النساء.
ل - وقال تعالى: [ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين نعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (70)] من سورة النساء.
م - وقال تعالى: [وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (155)] من سورة الأنعام
آيات الترغيب في التوبة من الذنوب
أ - قال الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا (2) عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه] من سورة التحريم.
ب - وقال تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (31)] من سورة النور.
جـ - وقال تعالى: [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)] من سورة آل عمران.
د - وقال تعالى: [أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74)] من سورة المائدة.
هـ - وقال تعالى: [إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليما (18)] من سورة النساء.
و- وقال تعالى: [ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب (3) إلى الله متابا (71)] من سورة الفرقان.
ز - وقال تعالى: [فاغفر للذين تابوا واتبعوا (4) سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7)] من سورة غافر.
ح - وقال تعالى: [إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما (70)] من سورة الفرقان.
ط - وقال تعالى [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53)] من سورة الزمر.
_________
(1)
أصره: حبسه. والمراد الأمور التي تثبطهم وتحبسهم عن الخيرات، والأغلال: جمع غل، بالضم الطوق في العنق، والتعزير التعظيم والتوقير.
(2)
من النصح: وهو تحري قول أو فعل فيه صلاح صاحبه.
(3)
يتقبل الله توبته عن عباده.
(4)
هي أصرح من سابقتها في أن الذي يستحق الغفران التائب الذي اتبع سبيل الرسول، وكذلك الآية التي بعدها، فهذه الآيات مقيدة لإطلاق الآيات الأخرى كآية [إن الله يغفر الذنوب جميعاً] أي بالتوبة والعمل.