الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُشْرِفُ فَيُقَالُ لَهُ: مُلْكُكَ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ يَنْفُذُهُ بَصَرُكَ قالَ: فَقَالَ: لَهُ عُمَرُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَا كَعْبُ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً فَكَيْفَ أَعْلاهُمْ؟ قالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، فذكر الْحَديث. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح واللفظ له والحاكم وقال: صحيح الإِسناد.
فصل
في ذكر الحساب وغيره
36 -
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:
= واشفع تشفع. صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله. هأنذا أخلص لله النية والعمل ما استطعت فكن لي شفيعاً فالآن يرجف فؤادي وأدخر محبتك رجاء لهذا الوقت. وفي الغريب: الشفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه، قال تعالى:
أ -[لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً (87)] من سورة مريم.
ب -[لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن] من سورة طه.
جـ -[لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا (38) ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا (39)] من سورة عم.
هـ - وكما قال تعالى: [الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم (56) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين (57) والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين (58) ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم حليم (59)] من سورة الحج.
أرأيت أبدع من هذا؟ قتلوا في الجهاد في سبيل الله تعالى أو عملوا صالحاً ومات الإنسان المخلص حتف أنفه، قال البيضاوي: سوى في الوعد لاستوائهما في القصد وأصل العمل. روي "أن بعض الصحابة رضي الله عنهم قالوا يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا؟ فنزلت" أهـ.
و- وقال تعالى: [يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (48) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد (49) سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار (50) ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب (51)] من سورة إبراهيم.
(وبرزوا) أي أحياهم الله من أجدائهم (لله) لمحاسبته ومجازاته (مقرنين) قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال (سرابيلهم) قمصانهم من مادة ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، ويحتمل أن يكون تمثيلاً لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعاً من الغموم والآلام (وتغشى وجوههم النار) وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا =
لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ (1) فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
37 -
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ (2) فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذا عَمِلَ فِيهِ. رواه البزار والطبراني بإِسناد صحيح واللفظ له.
38 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ: [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (3) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ (4) مَسْرُوراً](5)
فَقَالَ: إِنَّما ذَلِك الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَاّ هَلَكَ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
= في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوؤة بالجهالات، ونظيره قوله تعالى [أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة] وقوله تعالى [يوم يسحبون في النار على وجوههم].
(1)
يسأله الله تعالى عن هذا الزمن في أي شيء صرفه؟ وأي شيء استفاد بعلمه فعمل؟ من أي مكان جمع ماله؟ وفي أي شيء أنفقه؟ وفي أي الأعمال أفنى جسمه؟ أربعة أشياء يحاسب عليها العبد:
أ - العمر، ب - العلم.
جـ - المال.
د - الجسم.
لا بد أن تسخر هؤلاء في وجوه البر.
(2)
قوة جمسه ونضارته وفتوته. في أي شيء أذهبه؟.
(3)
سهلاً لا يناقش فيه.
(4)
إلى عشيرته المؤمنين: أو فريق المؤمنين، أو أهله في الجنة من الحور [وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعو ثبورا (11) ويصلى سعيرا (12) إنه كان في أهله مسرورا (13) إنه ظن أن لن يحور (14) بلى إن ربه كان به بصيرا (15)] من سورة الإنشقاق.
يتمنى الثبور ويقول يا ثبوراه وهو الهلاك: تغل يمناه ويؤتى كتابه بشماله في أهله في الدنيا بطراً بالمال والجاه فارغاً من الآخرة (لن يحور) لن يرجع إلى الله تعالى.
(5)
قبل هذه الآية [يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه] والكدح: السعي إلى لقاء جزائه، وفي سورة الحاقة [فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية (24) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) يا ليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (32) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (33) ولا يحض على طعام المسكين (34) فليس له اليوم =
39 -
وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ (1). رواه البزار والطبراني في الكبير بإِسناد صحيح.
40 -
وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ (2) مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلى يَوْمِ يَمُوتُ هَرِماً، في مَرْضَاتِ اللهِ عز وجل لَحَقَّرَهُ (3) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الطبراني ورواته ثقات إلا بقية.
41 -
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ رضي الله عنه، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَماً في طَاعَةِ اللهِ عز وجل لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَلَوْ دَانَهُ (4) رُدَّ إِلى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ. رواه أحمد ورواته، رواة الصحيح.
42 -
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: يُخْرَجُ لابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةُ دَوَاوِينَ: دِيوَانٌ فِيهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ ذُنُوبُهُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ النِّعَمُ مِنَ اللهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: لأَصْغَرِ نِعْمَةٍ، أَحْسِبُهُ قالَ: في دِيوَانِ النِّعَمِ خُذِي ثَمَنَكِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، فَتَسْتَوعِبُ (5) عَمَلَهُ الصَّالِحَ، ثُمَّ تَنَحَّى (6)
= ههنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36) لا يأكله إلا الخاطئون (37)] من سورة الحاقة.
(بما أسلفتم) بما قدمتم من الأعمال الصالحة (بشماله فيقول) لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة (القاضية) القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها (سلطانيه) ملكي وتسلطي على الناس، أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا (فاسلكوه) فأدخلوه فيها. لماذا؟
أ - لعدم إيمانه.
ب - لا يحث على بذل طعام الفقير أو على إطعامه.
(حميم) قريب يحميه (غسلين) غسالة أهل النار، وصديدهم (الخاطئون) أصحاب الخطايا.
(1)
أي الذي يناقشه الله على جميع أعماله وقع في الهاوية وزل، والناجي من عفا الله عنه: اللهم اعف عنا. يخبرك صلى الله عليه وسلم عن سعة فضل الله ورحمته كما في الحديث "حتى إذا قرره بذنوبه، وظن أنه هلك".
(2)
أي يسجد ويخشع ويخضع لربه مدة حياته من المهد إلى اللحد، من سن الطفولة إلى سن الشيخوخة والكبر قاضياً هذا العمر كله في طاعة الله عز وجل.
(3)
لأذله وأهانه إذا ناقشه الله على جليل نعمه، وحاسبه على فضله الذي غمره في حياته.
(4)
لتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليزداد من الصالحات.
(5)
فأخذ ثواب أعماله كلها ولا يبقى له أجر إزاءها.
(6)
ثم تنحى، أي تنصرف وميزانها أثقل من حسناته.
وَتَقُولُ: وَعِزَّتُكَ مَا اسْتَوْفَيْتُ، وَتَبْقَى الذُّنُوبُ والنِّعَمُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَ عَبْداً (1) قالَ: يَا عَبْدِي قَدْ ضَاعَفْتُ لَكَ حَسَنَاتِكَ، وَتَجَاوَزْتُ عَنْ سَيِّئَاتِكَ، أَحْسِبُهُ قالَ: وَوَهَبْتُ لَكَ نِعَمِي. رواه البزار.
43 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْحَبَشَةِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالأَلْوَانِ وَالنُّبُوَّةِ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ آمَنْتُ بِمِثْلِ مَا آمَنْتَ بِهِ، وَعَمِلْتُ بِمِثْلِ مَا عَمِلْتَ بِهِ إِنِّي لَكَائِنٌ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ (2)،
ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قالَ لا إِلهَ إِلَاّ اللهُ كانَ لَهُ بِهَا عَهْدٌ (3) عِنْدَ اللهِ، وَمَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللهِ (4) كُتِبَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَهْلِكُ بَعْدَ هذَا؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلٍ لَوْ وُضِعَ عَلَى جَبَلٍ لأَثْقَلَهُ (5)، فَتَقُومُ النِّعْمَةُ مِنْ نِعَمِ اللهِ، فَتَكَادُ تَسْتَنْفِدُ (6) ذلِكَ كُلَّهُ لَوْلَا مَا يَتَفَضَّلُ (7)
اللهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، ثُمَّ نَزَلَتْ:[هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (8)؟].
إلى قوله: [وَإِذَا
(1) يرأف به ولا يعذبه تكرماً، يزيد في ثقل حسناته، ويعفو عن خطاياه تكرماً ويسامحه تفضلاً ويغض عن نعمه التي تمتع بها ويجعلها له هبة ومنحة.
(2)
يدخل الجنة باثنين:
أ - الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، والإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره.
ب - العمل بالأوامر واجتناب المناهي.
(3)
ميثاق توحيده.
(4)
تنزيهاً لله عن كل صغيرة وكبيرة، ففيه الترغيب بكثرة ذكر الله.
(5)
في الثواب يزن مثقال جبل، بل يزيد عنه في الثقل.
(6)
نرجح كفة النعمة.
(7)
وينقذ الإنسان من هذا الحساب تجاوز الله وتفضله بالعفو ..
(8)
[إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا (2) إنا هديناه السبيل، إما شاكراً وإما كفورا (3) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا (4) إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9) إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا (13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا (14) ويطاف عليهم بآنية من فضة، وأكواب كانت قواريرا (15) قواريراً من فضة قدروها تقديرا (16) ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجيبيلا (17) عيناً فيها تسمى سلسبيلا (18) ويطوف عليهم =
رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً]. فَقَالَ الْحَبَشِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ تَرَى عَيْنِي في الْجَنَّةِ مِثْلَ مَا تَرَى عَيْنُكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، فَبَكَى الْحَبَشِيُّ حَتَّى فاضَتْ نَفْسُهُ (1) قالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُدْلِيهِ (2) في حُفْرَتِهِ. رواه الطبراني من رواية أيوب بن عتبة.
44 -
وَرُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: يَبْعَثُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْداً لَا ذَنْبَ لَهُ، فَيَقُولُ اللهُ: أَيُّ الأَمْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَجْزِيَكَ بِعَمَلِكَ، أَوْ بِنِعْمَتِي عِنْدَكَ؟ قالَ: يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَعْصِكَ، قالَ خُذُوا عَبْدِي بِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِي، فَمَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ إِلَاّ اسْتَغْرَقَتْهَا (3) تِلْكَ النِّعْمَةُ، فَيَقُولُ: رَبِّ بِنِعْمَتِكَ وَرَحْمَتِكَ فَيَقُولُ: بِنِعْمَتِي وَرَحْمَتِي. رواه الطبراني.
45 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفاً (4) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَالَّذِي بَعَثَكَ (5) بِالْحَقِّ، إِنَّ للهِ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ عَبَدَ اللهَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ في الْبَحْرِ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلاثُونَ
= ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا (19) وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيرا (20) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً (21) إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا (22)] من سورة الدهر.
(الإنسان) آدم عليه السلام (حين) أربعون سنة مصورا قبل نفخ الروح فيه (أمشاج) امتزج فيها ماء الرجل مع ماء المرأة (نبتليه) مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له (السبيل) بينا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع (شاكرا) مؤمناً (سعيرا) ناراً موقدة (الأبرار) الصادقين في الإيمان، أو الذين لا يؤذون الذر ولا يضمرون الشر (كأس) خمر ماؤه في بياض الكافور ورائحته وبرده (عينا) وهو اسم عين في الجنة (تفجيرا) سهلاً لا يمتنع عليهم (شره مستطيرا) شدائده منتشرة (على حبه) حب الطعام مع الاشتهاء والحاجة إليه أو على حب الله (لوجه الله) لطلب ثوابه (جزاء) هدية على ذلك ولا ثناء (قمطريرا) شديد العبوس (نضرة) حسناً في الوجوه، وفرحاً في القلوب (الأرائك) الأسرة (زمهريرا) برداً شديداً أي ظلها دائم وهواؤها معتدل (قطوفها) ثمارها (مشكورا) محموداً مقبولاً مرضياً أهـ نسفي.
إن شاهدنا (نبتليه) أي مريدين اختباره (فجعلناه سميعاً بصيرا) ليرى دلائل وجود الخالق سبحانه وتعالى، فيعبده بإخلاص ويتمكن من مشاهدة دلائل قدرته فيكثر من طاعته وحمده وشكره، على أنه لو أفنى طول حياته في عبادة ربه، ثم جسم ثواب العبادة ووضع في كفة ميزان ثم حاسبه الخالق جل وعلا على إحدى النعم لرجحت كفة النعمة وثقلت.
(1)
خرجت روحه.
(2)
يدخله في قبره.
(3)
أي وازنتها فأنفذتها.
(4)
أي الآن.
(5)
أرسلك.
فضل الله تعالى لا نهاية له
ذِرَاعاً في ثَلاثِينَ ذِرَاعاً، والْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةُ آلافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ عَيْناً عَذْبَة بِعَرْضِ الأَصْبُعِ تَفِيضُ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَيَسْتَنْقِعُ (1) في أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَشَجَرَةُ رُمَّانٍ تُخْرِجُ لَهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً يَتَعَبَّدُ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا؛ ثُمَّ قامَ لِصَلاتِهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ عِنْدَ وَقْتِ الأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِداً، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ للأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلاً حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ وَهُوَ سَاجِدٌ قالَ: فَفَعَلَ فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا (2)، فَنَجِدُ لَهُ في الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي (3)
فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي فَيَقُولُ اللهُ: قايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ، فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ، وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلاً عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ، فَيُجَرُّ إِلى النَّارِ فَيُنَادشي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رُدُّوهُ (4) فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ يَا عَبْدِي مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ مَنْ أَنْزَلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ، وَأَخْرَجَ لَكَ الْماءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ. وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّما تَخْرُجُ مَرَّةً في السَّنَةِ، وَسَأَلْتَهُ أَنْ يَقْبِضَكَ سَاجِداً فَفَعَلَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، قالَ: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي، وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ
(1) فيجتمع.
(2)
صعدنا.
(3)
فهم هذا العبد أنه أفنى حياته كلها في طاعة الله سبحانه وتعالى وقد حشره الله ساجداً لها خاضعاً متضرعاً ذليلاً، ولكن عند حساب ربه على أقل نعمة من نعمه طاش ثواب ما عمل أمام هذه النعمة نعمة الإبصار، وأين نعمة جميع أجزاء الجسم؟ وهكذا قال تعالى:[وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار (34)] من سورة إبراهيم.
أي لا تحضروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلاً عن أفرادها. فإنها غير متناهية (ظلوم) يظلم النعمة بإغفال شكرها، أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان (كفار) شديد الكفران، وقيل: ظلوم في الشدة يشكو ويجزع (كفار) في النعمة يجمع ويمنع أهـ بيضاوي كفار يستر النعم.
(4)
ردوه إلى الجنة. لماذا؟ لأنه تضرع إلى ربه جل وعلا وطلب إدراك رحمته ورأفته، وهو سبحانه الغفور الرحيم الحليم الرؤوف، وقد اعترف أمامه خالقه جل وعلا أنه خلقه وأعطاه التوفيق والهداية والقوة على الطاعة وأغدق عليه بنعمه الوافرة وأنبع له الماء العذب وأتحفه بالفاكهة الرمانة كل ليلة كرامة له وتفضلاً في وجودها مع مخالفة العادة وأجاب داعاءه بأخذ روحه وهو ساجد.
أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي فَأَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ. قالَ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا الأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللهِ يَا مُحَمَّدُ. رواه الحاكم عن سليمان بن هرم عن محمد بن المنكدر عن جابر وقال: صحيح الإسناد.
لن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله
46 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَدِّدُوا (1) وَقَارِبُوا (2) وَأَبْشِروا (3)، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ. قالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وَلَا أَنَا إِلَاّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي (4) اللهُ بِرَحْمَتِهِ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
47 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلَاّ بِرَحْمَةِ اللهِ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وَلَا أَنَا إِلَاّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ فَوْقَ رَأْسِهِ. رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه البزار والطبراني من حديث أبي موسى، والطبراني أيضاً من حديث أسامة بن شريك، والبزار أيضاً من حديث شريك بن طارق بإسناد جيد.
48 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَتُؤَدَّنَّ الْحُقوقُ إِلى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ (5). رواه مسلم والترمذي.
وَرواه أحمد ولفظه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضُهُمْ
(1) اقصدوا السداد والصواب وتحروا الحق واتبعوا منهج الكتاب والسنة.
(2)
قال القسطلاني: أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا أهـ.
يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنن الصالحين ومجالستهم ومصاحبة الأخيار، رجاء التقرب إلى الحكمة وجني ثمار الهداية إلى سبل الخير والاستضاءة بنبراس التسديد والتوفيق.
(3)
لكم التهنئة بزيادة الأجر والتفضل برحمة الله.
(4)
أي يلبسنيها ويسترني، مأخوذ من غمد السيف، وهو غلافه، يقال غمدت السيف وأغمدته أهـ نهاية: معناه أن العمل الصالح لا يدخل الجنة إلا إذا صحبه رجاء رحمة الله.
(5)
ذات القرن.
مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لِلْجَمَّاءِ (1) مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ. ورواته رواة الصحيح.
[الجلحاء]: التي لا قرن لها.
ليختصمن كل شيء يوم القيامة
49 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انتَطَحَتَا (2). رواه أحمد بإسناد حسن ورواه أحمد أيضاً وأبو يعلى من حديث أبي سعيد.
50 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ بَيْنَ يَدِيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي وَأَضْرِبُهُمْ وَأَشْتِمُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ (3) كَانَ فَضْلاً لَكَ (4)، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافاً (5) لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِم (6) اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ الَّذِي بَقِيَ قَبلَكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَبْكِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَالَكَ (7) مَا تَقْرَأُ (8) كِتَابَ اللهِ؟ [وَنَضعُ الْمَوَازِينَ (9) الْقِسَطَ (10) لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ (11) مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (12)].
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَجِدُ شَيْئاً خَيْراً مِنْ
(1) التي لا قرن لها، والمعنى يظهر عدل الله ونهاية الاطمئنان فكل ينال قسطه من الحق.
(2)
على أي شيء اعتدت إحداهما على الأخرى، ومنه الحديث "لا ينتطح فيها عنزان" أي لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان، لأن النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز أهـ نهاية
(3)
أقل من إجرامهم.
(4)
زيادة لك في الثواب.
(5)
على قدر عملهم فلا ثواب ولا عقاب.
(6)
زيادة عما اقترفوه أخذ منك الحساب وتحملت ذنوباً لهذه الزيادة.
(7)
أي شيء أصابك؟
(8)
ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى أو لم تقرأ؟.
(9)
جمع ميزان، ما يوزن به الشيء فتعرف كميته. وعن الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها.
(10)
العدل فلا يحصل ظلم البتة.
(11)
وإن كان الشيء مثقال حبة أحضرناها.
(12)
عالمين حافظين. عن ابن عباس رضي الله عنهما، لأن من حفظ شيئاً حسبه وعلمه أهـ نسفي.
فِرَاقِ هؤُلاءِ، يَعْنِي عَبِيدَهُ، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ (1). رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه غلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث عن عبد الرحمن بن غزوان انتهى.
[قال الحافظ]: وإِسناد أحمد والترمذي متصلان ورواتهما ثقات، عبد الرحمن هذا يكنى أبا نوح ثقة احتج به البخاري، وبقية رجال أحمد ثقات احتج بهم البخاري ومسلم.
51 -
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَيْتِي، وَكَانَ بِيَدِهِ سِوَاكٌ، فَدَعَا وَصِيفَةً (2) لَهُ أَوْ لَهَا حَتَّى اسْتَبَانَ (3) الْغَضبُ في وَجْهِهِ فَخَرَجَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِلى الْحُجُرَاتِ فَوَجَدَتِ الْوَصِيفَةَ وَهِيَ تَلْعَبُ بِبَهْمَةٍ (4) فَقَالَتْ: أَلَا أَرَاكِ تَلْعَبِينَ بِهَذِهِ الْبَهْمَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوكِ؟ فَقَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا سَمِعْتُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا خَشْيَةُ الْقَوَدِ (5) لأَوْجَعْتُكِ بِهذَا السِّوَاكِ.
وفي رواية: لَوْلَا الْقِصَاصُ لَضَرَبْتُكِ بِهذَا السِّوَاكِ. رواه أبو يعلى بأسانيدَ أحدها جيّد.
من ضرب مملوكه سوطاً ظلماً اقتصّ منه يوم القيامة
52 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ ضَرَبَ مَمْلُوكَهُ (6)
(1) عتقهم الله تعالى وأعطاهم الحرية ابتداء ثواب الله جل وعلا وخشية عقاب الله سبحانه.
هذا الرجل يملك عبيداً فيخوفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقاب الله ليراعي حسن المعاملة والرأفة بهم والرحمة ويرغب في العتق ويحببه في عمل البر، وفعل الخير، نسأل الله التوفيق.
(2)
جارية ملكاً له صلى الله عليه وسلم أو ملكاً للسيدة أم سلمة رضي الله عنها.
(3)
ظهر.
(4)
ولد الضأن الذكر والأنثى وجمع البهم بهام، وأولاد المعز سخال. وفي حديث الصلاة "إن بهمة مرت بين يديه وهو يصلي" أهـ نهاية.
(5)
القصاص، يقال استقدت الحاكم: سألته أن يقيدني واقتدت منه. مكارم أخلاق تحليت بها يا رسول الله، هذه جاريتك وملك يمينك، وهي تحت طوعك ورهينة إشارتك تلعب ببهمة فتحلم عليها وتتأنى وترفق بها وتكظم غيظك من تأخيرها عن إجابة طلبك وتخشى قصاص الله جل وعلا إذا ضربتها بالسواك: العود الصغير الذي لم يتجاوز طوله عن أقل من شبر، هكذا يكون الحلم والرحمة والرأفة وحسن المعاملة وكظم الغيظ والعفو والصبر وخوف الله تعالى:
أ -[فهل من مدكر].
ب -[لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة].
(6)
عبده الذي يملكه.
سَوْطاً (1) ظُلْمَاً اقْتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البزار والطبراني بإسناد حسن.
يحشر العباد يوم القيامة عراة غرلا بُهما
53 -
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يحشُرُ اللهُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَوْ قالَ: النَّاسَ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً. قالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمَاً؟ قالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الدَّيَّانُ، أَنَا الملِكُ، لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةَ. قالَ: قُلْنَا: كَيْفَ (2) وَإِنَّنَا نَأْتِي عُرَاةً غُرْلاً بِهُمَاً؟ قالَ: الْحَسَنَاتُ والسَّيِّئَاتُ. رواه أحمد بإسناد حسن.
54 -
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُجيءُ الظَّالِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى جسْر جَهَنَّمَ بَيْنَ الظُّلْمَةِ (3) وَالْوَعِرَةِ لَقِيَهُ الْمَظْلُومُ فَعَرَفَهُ وَعَرَفَ مَا ظَلَمَهُ بِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الَّذِينَ ظُلِمُوا يُقَصُّونَ (4) منَ الَّذِينَ ظَلَمُوا حَتَّى يَنْزِعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ رُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ حَتَّى يُورَدُوا الدَّرْكَ الأَسْفَلَ مِنَ النَّارِ (5). رواه الطبراني في الأوسط، ورواتُه مختلف في توثيقهم.
(1) آلة عذاب وانتقام، واحتراس جميل تقييد الضرب بالظلم. أما الضرب لأجل التأديب فهو حلال ولا بد من حسن تربيته كما قال صلى الله عليه وسلم "فأحسن إليهن" قال العلماء: أي أدبهن ورباهن على سنن العدل والشرع. قال الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما
…
فليقس أحيانا على من يرحم
(2)
على أي حال.
(3)
شدة الظلمة السوداء صعبة المسلك.
(4)
يقصون ع 438 - 2. وفي ن ط: حتى يقصون.
(5)
أي في الطبق الذي في قعر جهنم. والنار سبع دركات؛ سميت بذلك، لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض، وإنما كان المنافق أشد عذاباً من الكافر لأنه أمن السيف في الدنيا فاستحق الدرك الأسفل في العقبى تعديلاً، ولأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله أهـ نسفي.
قال تعالى: [إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً (146)] من سورة النساء.
(تابوا) من النفاق (وأصلحوا) ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق (واعتصموا بالله) واتقوا بالله ولا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه. يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة الحساب يوم القيامة وإقامة ميزان العدل ليأخذ كل ذي حق حقه بأخذ حسنات الظالم للمظلوم حتى يخلو من الحسنات فيهوي في جهنم.
المفلس يوم القيامة
وتقدم في الغِيبة حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ: الْمُفْلِسُ (1) مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هذَا، وَقَذَفَ هذَا، وأَكَلَ مَالَ هذَا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فَيُعْطَى هذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ. رواه مسلم وغيره.
55 -
وَرُوِيَ عَنْ زَاذَانَ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ سَبَقَ إِلَى مَجْلِسِهِ أَصْحَابُ الْخَزِّ وَالدِّيبَاجِ، فَقُلْتُ: أَدْنَيْتَ النَّاسَ وَأَقْصَيْتَنِي؟ فَقَالَ لِي: ادْنُ فَأَدْنَانِي حَتَّى أَقْعَدَنِي عَلَى بِسَاطِهِ، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّهُ يَكُونُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا دَيْنٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا وَلَدُكُمَا، فَيَوَدَّانِ (2) أَوْ يَتَمَّنَيانِ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. رواه الطبراني.
56 -
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ (3)، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ (4) يَا رَسُولَ اللهِ؟ بِأبِي أَنْتَ وَأُمِّي (5) قالَ: رَجُلانِ مِنْ أَمَّتِي جَثَيَا (6) بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلَمَتِي (7) مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قالَ يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي (8)، وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(1) الذي لم يبق له شيء، من أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس. وفي المصباح: حقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر، أي مسكين فقير من أكثر من العبادة وله حسنات جمة، ولكن حصل اعتداء منه للناس وسب وشتم وسلب ونهب وقتل فيقتص الله منه بأخذ حسنات العبادة حتى يخلو منها فيهوي في النار. لماذا؟ لأنه يؤدي الفروض أداء أعمى فلم تنفعه صلاته أو صيامه أو زكاته، ولم تثمر عبادته تقوى أو تنتج خوف الله كما قال تعالى:
أ -[إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر] من سورة العنكبوت.
ب -[إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه] من سورة فاطر.
فاتقوا الله عباد الله واتركوا القبائح وطهروا الذمم ونقوا الصحائف من السباب والفسوق فالله تعالى رقيب وحسيب لا تخفى عليه خافية كما قال تعالى: [للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد (18)] من سورة الرعد.
(2)
يرجو الوالدان لو كان ابنهما قصر أكثر من هذا لاستفدنا وأخذنا حسنات.
(3)
نواجذه
(4)
ما الذي سبب لك الفرح والضحك والسرور يا رسول الله؟.
(5)
أفديك بهما.
(6)
جلسا على ركبتيهما.
(7)
ظلامتي.
(8)
ذنوبي.
بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ يَحْتضاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ فذكر الحديث. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد وتقدم بتمامه في العفو.
العباد الذين يقرّرهم ربهم يوم القيامة على نعمه مع تقصيرهم في العمل
57 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ في الظَّهِيرَةِ (1) لَيْسَتْ في سَحَابَةٍ؟ قالُوا: لَا. قالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ في سَحَابَةٍ؟ قالُوا: لَا. قال: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ (2) في رُؤيَةِ رَبِّكُمْ إِلَاّ كَمَا تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، فَيَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ (3) أَلَمْ أُكْرِمْكَ (4) وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرَ لَكَ الْخَيْلَ والإِبِلَ وأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ.
فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَهُنَا إذاً، ثُمَّ يَقُولُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَاً عَلَيْكَ، فَيَتَفَكَّرُ في نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يِشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي، فَيَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْه. رواه مسلم.
[ترأس] بمثناة فوق ثم راء ساكنة ثم همزة مفتوحة: أي تصير رئيساً.
(1) وقت الظهر.
(2)
يحصل لكم ضرر وضيم.
(3)
يا فلان.
(4)
أقدم لك الإكرام والنعم وأجعلك سيداً رئيساً مطاعاً محترماً، وأجعل لك زوجة.
[وتربع] بموحدة بعد الراء مفتوحة: معناه يأخذ ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه، وهو ربع المغانم، ويقال له: المرباع.
من كان يعبد شيئاً فليتبعه
58 -
وَعَنْهُ أَيْضاً رضي الله عنه أَنَّ النَّاسَ قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قالَ: هَلْ تُمَارُونَ في الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ قالَ: هَلْ تُمَارُونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دَونَهَا سَحابٌ؟ قالُوا: لَا. قالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فَلْيَتْبَعْهُ (1)، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الطَّوَاغِيتَ (2)، وَتَبْقَى هذِهِ الأُمَّةُ، فِيهَا مُنَافِقُوهَا (3)، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ (4) جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ (5) مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَاّ الرُّسُلُ، وَسَلامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ (6)، وَفي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ (7) مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَاّ اللهُ، تَخْطفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ (8) بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ (9)،
ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللهُ الملائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ (10)، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدْ امْتَحَشُوا (11) فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ (12) مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا
(1) فليتبعه، كذا د وع ص 437 - 2. وفي ن ط: فليتبع.
(2)
الأصنام والشياطين.
(3)
المذبذبون العاصون الفاسقون.
(4)
وسط.
(5)
يمر.
(6)
نسأل الله النجاة والسلامة.
(7)
المفرد كلوب. وفي النهاية: الكلوب حديدة معوجة الرأس، وفي حديث الرؤيا "وإذا آخر قائم بكلوب من حديد" أهـ.
(8)
يهلك.
(9)
يوزن بميزان العدل ..
(10)
بعلامات السجود الباقية على الجبهة.
(11)
أي احترقوا، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم، ويروى "امتحشوا" لما لم يشم فاعله وقد محشته النار تمحشه محشاً أهـ نهاية.
(12)
فيصب عليهم، كذا د وع ص 440 - 2. وفي ن ط: فيصب عليه.
كرم الله الذي لا نهاية له
تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ (1)، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ (2) قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ (3) وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدْ قَشَبَني (4) رِيحُها، وَأَحْرَقَنِي ذكَاهَا (5)، فَيَقُولُ: هَلْ عَسِيتَ إِنْ أَفْعَلْ (6) أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي اللهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ (7)، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا (8)
سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ اللهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: فَمَا عَسِيتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَ هذاَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا رَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ والسُّرُورِ فَسَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ: وَيْحَكَ (9) يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ (10) أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَنِي الْعُهُودَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللهُ (11) مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ في دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ (12) فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ (13) قالَ اللهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا يُذَكِّره رَبُّهُ (14) حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قالَ اللهُ: لكَ ذلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ.
(1) هو ما يجيء به السيل من طين أو غشاء فعيل بمعنى مفعول، فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها أهـ نهاية، والجمع حمائل.
(2)
متجه جهتها.
(3)
أبعد.
(4)
أي سمني، وكل مسموم قشيب ومقشب، يقال قشبتني الريح وقشبتني، والقشب الاسم.
(5)
لهبها.
(6)
هل رجوت لو أفعل وأجبت طلبك أن تطلب شيئاً غير هذا.
(7)
اتفاق معين.
(8)
نضرتها ..
(9)
كلمة رحمة.
(10)
ما أكثر غدرك وخلف وعدك.
(11)
يعجب سبحانه بكثرة تضرعه ويغمره برحمته.
(12)
اطلب ما تريد.
(13)
رجاؤه وانقطعت آماله.
(14)
يفتح له ابواب النعم ليطلب من فضله فيغمره بإحسانه ويضاعف له العطاء ويكثر من الهبة والتفضل والتكرم.
قالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ اللهُ: لَكَ ذلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَاّ قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. رواه البخاري.
[أي فل]: أي يا فلان حذفت منه الألرف والنون لغير ترخيم، إذ لو كان ترخيماً لما حذفت الألف. قال الأزهريّ: ليست ترخيم فلان، ولكنها كلمة على حدها توقعها بنو أسد على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، وأما غيرهم فيثنّي ويجمع ويؤنث.
[أُسوِّدك] بتشديد الواو وكسرها: أي أجعلك سيداً في قومك.
[السعدان]: نبت ذو شوك معقَّف.
[المخردل]: المرميّ المصروع، وقيل: المقطع، يقال: لحم خراديل إذا كان قطعاً؛ والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار.
[امتحش] بضم التاء وكسر الحاء المهملة بعدها شين معجمة: أي احترق، وقال الهيثم: هو أن تذهب النار الجلد وتبدي العظم.
[الحبة] بكسر الحاء: هي بزور البقول والرياحين، وقيل: بزر العشب، وقيل نبت في الحشيش صغير، وقيل: جمع بزور النبات، وقيل: بزر ما نبت من غير بذر، وما بذر تفتح حاؤه.
[حميل السيل] بفتح الحاء المهملة وكسر الميم: هو الزَّبد وما يلقيه على شاطئه.
[قشبني ريحها]: أي آذاني.
[ذكاها] بذال معجمة مفتوحة مقصور: هو إشعالها ولهبها.
رؤية الله عز وجل يوم القيامة
59 -
وَعَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، فَهَلْ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً (1) لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ، وَهَلْ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر
(1) صافية من الغيوم.
صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَمَا تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَاّ كَمَا تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلَاّ يَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَاّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفاجِرٍ وَغُبَّرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْراً ابْنَ اللهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ، ثُمَّ تُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا ولَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُون: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ (1)
يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَاّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمُ اللهُ في أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، قالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قالُوا: يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النّاسَ (2) في الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ (3)، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ (4) فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَاّ أَذِنَ الله لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً (5) إِلَاّ جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ
(1) اللامع في المفازة كالماء، وذلك لانسرابه في مرأى العين، قال تعالى:[كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء] ..
(2)
قال القسطلاني: أي فارقنا الذين زاغوا من الطاعة في الدنيا وتركنا مجالسهم لله أهـ.
(3)
أي نحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا ممن كانوا يحتاج إليهم في المعاش لزوماً لطاعتك، ومقاطعة لأعدائك أعداء الدين، وغرضهم التضرع إلى الله في كشف الشدة خوفاً عن المصاحبة في النار أهـ.
اللهم خفف عنا شدة يوم القيامة آمين أهـ.
(4)
علامة. قال القسطلاني: يحتمل أن الله تعالى عرفهم على ألسنة الرسل والأنبياء أو الملائكة أن الله جعل لهم علامة تجليه الساق، وهو الشدة من الأمر كما قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى:[يوم يكشف عن ساق] أهـ ص 349 جواهر البخاري.
(5)
حذراً ونفاقاً.
طَبَقَةً وَاحِدَةً (1) كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ في صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ (2) عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قالَ: دَحْضٌ (3) مَزَلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكَةٌ (4) يَكُونُ بِنَجْدٍ، فِيهَا تَشْوِيكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ. فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعِيْنِ (5)، وَكالْبَرْقِ، وَكالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ (6) وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ (7) مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوشٌ (8) فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا خَلَصَ (9) الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدِّ (10) مُنَاشَدَةً للهِ في اسْتِيفاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ للهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ في النَّارِ.
وفي رواية: فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً في الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ (11) إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا في إِخْوَانِهِمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا كانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ؟ فَيُقَالَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتَحْرُمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلى نِصْفِ سَاقِهِ وَإِلى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيُقَالُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ (12) دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ (13) فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ
(1) قال القسطلاني كالصحيفة فلا يقدر على السجود.
(2)
يقام الصراط.
(3)
الدحض: الزلق، والمزلة: موضع ذلل الأقدام.
(4)
نبات ذو شوك.
(5)
أي يمر كلمح البصر.
(6)
الحصن المسرعة.
(7)
مخموش ممزق.
(8)
مصروع. وفي النهاية في حديث الصراط: ومنهم مكدوس في النار أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، ويروى من الكدش، وهو السوق الشديد، والكدش الطرد والجرح أيضاً أهـ.
(9)
نقى وطهر.
(10)
بأكثر شدة في إتمام الحق واتباع العدل.
(11)
معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي، يقال جبر الخلق وأجبرهم وأجبر أكثر، وقيل: هو العالي فوق خلقه، وفعال من أبنية المبالغة، ومنه قولهم نخلة جبارة، وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول، ومنه حديث: يا أمة الجبار أهـ.
(12)
وزن.
(13)
لم نترك.
فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَداً، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيْهَا خَيْراً، وَكان أَبو سعيد يقول: إِن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقْرَؤُوا إِنْ شئْتُم: [إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (1) وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدنْه أَجْراً عَظِيماً] فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ (2)
وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ (3) قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً مِنَ النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَماً فَيُلْقِيهِمْ في نَهْرٍ في أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحِيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، أَلا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلى الْحَجَرِ (4) أَوْ إِلى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلى الشَّمْسِ أُصَيْفِرَ وَأُخَيْضِرَ، وَمَا يَكُون مِنْهَا إِلى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ (5) قالَ: فَيَخْرُجُونَ كَالُّلؤْلُؤِ (6) في رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ
(1) لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصفر شيء كالذرة، وهي النملة الصغيرة ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء. والمثقال مفعال من الثقل. وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظيم جزاؤه، وإن يكون مثقال الذرة حسنة يضاعف ثوابها ويعط صاحبها من عنده على سبيل الفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل عطاء جزيلاً أهـ بيضاوي.
وقال النسفي: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعه، ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة أهـ.
(2)
طلبت الملائكة رحمة جملة من عبادي، وكذلك النبيون، وفي كتابي (النهج السعيد) الشفاعة العظمى مختصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: أي بعد طول الموقف على الناس يلهمون أن الأنبياء هم الواسطة بين الله وبين خلقه فيذهبون إليهم يستشفعون بهم واحداً واحداً فيعتذر كل منهم بما وقع له من صورة الخطيئة ويقول: لست هنا كم نفسي نفسي كما في الحديث الصحيح. فإذا انتهى الأمر للرئيس الأكمل والسيد الأعظم الأفخم المحترم قال: أنا لها أنا لها أمتي أمتي، ثم يخر ساجداً تحت العرش فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه وأشفع تشفع، فيرفع راسه ويشفع صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء أهـ ص 159.
قال تعالى: [ولا تنفع الشفاعة عنده إلا من أذن له].
(3)
يخرج سبحانه وتعالى جملة تفضلاً منه ورحمة.
(4)
تميل إلى لون الحجر في الصفرة واللمعان؛ أو إلى الشجر في الخضرة.
(5)
أي أجدت الوصف وأحكمت التعبير وأحسنت وأصبت الإصابة كلها كأنك موجود في البادية، وهي أمامك تصف نباتها.
(6)
الجوهر المضيء في أعناقهم علامات إحسان الله إليهم وتكرمه عز وجل عليهم.
تُعْطِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ! فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هذَا؟ فَيَقُولُ: رَضَايَ (1) فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
[الغُبَّر] بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مشددة مفتوحة: جمع غابر وهو الباقي، وقوله دحض مزلة، الدحض بإسكان الحاء: هو الزلق، والمزلة: هو المكان الذي لا يثبت عليه القدم إلا زلّت.
[المكدوش] بشين معجمة: هو المدفوع في نار جهنم دفعاً عنيفاً.
[الحمم] بضم الحاء المهملة وفتح الميم: جمع حممة، وهي الفحمة، وبقية غريبه تقدم.
نطق الجوارح وشهادتها على العبد
60 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ (2) فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ (3) مِمَّ أَضْحَكُ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي (4) مِنَ الظُّلْمِ؟ يَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: إِنِّي لا أُجِيزُ (5) الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي شَاهِداً إِلَاّ مِنِّي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً، وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ (6)
شُهُوداً. قالَ: فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ، وَيَقُولُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقي فَتَنْطِقُ بأَعْمَالِهِ ثُمَّ يُخَلِّي (7) بَيْنَهُ وبَيْنَ الْكَلامِ فَيَقُولُ: بُعْداً لَكُنَّ وَسُحْقاً، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ. رواه مسلم.
(1) يتجلى عليهم برضوانه فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم.
(2)
أظهر السرور والفرح.
(3)
هل تعلمون ما سبب الضحك؟
(4)
تحفظني.
(5)
لا أسمح كما قال تعالى: [وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً (13)، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً (14)] من سورة الإسراء.
(طائره) عمله (في عنقه) يعني أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه (منشورا) غير مطوي ليمكنه قراءته، اقرأ كتاب أعمالك، وكل يبعث قارئاً كفى نفسك رجلاً، حسيباً بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير أهـ نسفي.
(6)
الملائكة المكرمين عند الله تعالى لتعظيم جزائهم كما قال تعالى: [وإن عليكم لحافظين (10) كراماً كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون (12)] من سورة الانفطار.
قال النسفي أي لحافظين أعمالكم وأقوالكم من الملائكة. يعني أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها. لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم. وفيه إنذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين، وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال ما أشدها من آية على الغافلين.
(7)
يحول بينه وبين النطق بلسانه فتنطق جوارحه، وبعد ذلك يدعو عليها بالبعد والألم.
[أناضل] بالضاد المعجمة: أي أجادل وأخاصم وأدافع.
61 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذه الآية: [يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (1)]
قالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا (2) تَقُولُ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا. رواه ابن حبان في صحيحه.
62 -
وَعَنْهُ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله: [يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ (3)].
(1) أي تحدث الخلق، قيل ينطقها الله وتخبر بما عمل عليها من خير وشر. وفي الحديث: تشهد على كل واحد بما عمل على ظهرها، قال تعالى:[إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأَخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان مالها (3) يومئذ تحدث أخبارها (4) بأن ربك أوحى لها (5) يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم (6) فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (8)] سورة الزلزلة.
أي حركت زلزالها الشديد (أثقالها) كنوزها وموتاها (مالها)؟ ما هذا الزلزال، وقد لفظت الأرض ما في بطنها عند النفخة الثانية لما يبهر الناس من الأمر الفظيع، قيل هذا قول الكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول:[هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون] الجواب بسبب إيحاء ربك إليها وأمره إياها بالتحديث. فيصدر الناس من القبور:
أ - بيض الوجوه آمنين.
ب - سود الوجوه فزعين (مثقال ذرة) نملة صغيرة.
فأنت ترى الرجل الصالح يأمن الفزع الأكبر، ويبشر بالتحية والنعيم كما قال تعالى:[الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)] من سورة النحل.
(طيبين) أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر وبعيدين من ذنوب المعاصي، قال النسفي: قيل إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ويبشره بالجنة، أو طيبين فرحين ببشارة الملائكة، أو طيبين بقبض أرواحهم.
(2)
أي عمله العبد مدة حياته في الدنيا من خير أو شر.
(3)
بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين، وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا، أي تنقطع علاقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال. وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم، وقيل بأمهاتهم جمع أم كخف وخفاف، والحكمة في ذلك إجلال عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا أهـ بيضاوي.
قال تعالى: [يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)] من سورة الإسراء.
أي كتاب عمله ابتهاجاً أو تبجحاً بما يرون فيه ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء. أعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة فاليقظ المبصر لدرك الصالحات يحيا على يقظته وانتباهه مضاء بالقرآن والسنة في حياته، وبعد مماته، نسأل الله الهداية. =
قالَ: يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ في جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعَاً وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ
= الآيات القرآنية الدالة على إثبات الحساب
أ - قال تعالى: [فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93)] من سورة الحجر.
ب - وقال تعالى: [والله سريع الحساب (39)] من سورة النور.
جـ - وقال تعالى: [إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26)] من سورة الغاشية.
د - وقال تعالى: [لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير (284)] من سورة البقرة.
هـ - وقال تعالى [فأما من أوتي كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حساباً يسيرا (8)] من سورة الانشقاق.
والحساب من الأشياء السمعية كما قال علماء التوحيد ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع المسلمين، وإنكاره كفر. وينكر الكافر فتشهد جوارحه عليه، وكيفية الحساب مختلفة، فمنه اليسير والعسير والسر والجهر والفضل والعدل، وأول من يحاسب الأمة المحمدية لشرف نبيها سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره عند الله تبارك وتعالى، ويجب اعتقاد أن الأمم يؤتون صحائفهم، وهي الكتب التي كتبت الملائكة فيها أعمالهم في الدنيا يأخذها المؤمنون بأيمانهم، والكفار بشمائلهم كما قال تعالى: [فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه (19) من سورة الحاقة.
أي لأهل المحشر، والكافر أو الفاسق يرى سوء عاقبته [وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) يا ليتها كانت القاضية (27)] من سورة الحاقة.
أهـ النهج السعيد في علم التوحيد ص 162.
صفة نفخ الصور وأرض المحشر والعرق
وقد شرح الغزالي نفخة الصور بصيحة واحدة تنفرج بها القبور عن رؤوس الموتى فيثورون دفعة واحدة كما قال تعالى: [ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68)] من سورة الزمر.
وقال تعالى: [فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير (10)] من سورة المدثر وقال تعالى: [ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (49)] من سورة يس.
وأرض المحشر: أرض بيضاء قاع صفصف لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، ولا ترى عليها ربوة يختفي الإنسان وراءها ولا وهدة يتخفض عن الأعين فيها، بل هي صعيداً واحداً بسيط لا تفاوت فيه يساقون إليه، فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة، والراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية.
وصفة العرق: يزدحم على الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع، من ملك وجن وإنس وشيطان ووحش وسبع وطير، وقد أشرقت عليهم الشمس وتضاعف حرها، وتبدلت عما كانت عليه من خفة أمرها. ثم أدنيت من رؤوس العالمين كقاب قوسين فلم يبق على الأرض ظل إلا ظل عرش رب العالمين، ولم يمكن من الاستظلال به إلا المقربون، فمن بين مستظل بالعرش، وبين مضح لحر الشمس قد صهرته بحرها. واشتد كربه وغمه من وهجها. ثم تدافعت الخلائق ودفع بعضهم بعضاً لشدة الزحام، واختلاف الأقدام وانضاف إليه شدة الخجلة والحياء من الافتضاح والاختزاء عند العرض على جبار السماء ففاض العرق من أصل كل شعرة حتى سال على صعيد القيامة ثم ارتفع على أبدانهم على قدر منازلهم.
وصفة طول يوم القيامة، قال كعب وقتادة:[يوم يقوم الناس لرب العالمين] يقومون مقدار ثلثمائة عام قال الحسن مقدار خمسين ألف سنة لا يأكلون فيها أكلة، ولا يشربون فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشاً =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= واحترقت أجوافهم جوعاً انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها واشتد لفحها فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاعة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم. وقال دعوني دعوني شغلني أمري عن غيري حتى يشفع نبينا صلى الله عليه وسلم لمن يؤذن له فيه [لا يملكون الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا] أهـ ص 440 جـ 4.
صفة يوم القيامة
قال الغزالي: فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت، والكواكب من حوله قد انتثرت، والنجوم الزواهر قد انكدرت، والشمس قد كورت، والجبال قد سيرت، والعشار قد عطلت، والوحوش قد حشرت، والبحار قد سجرت، والنفوس إلى الأبدان قد زوجت، والجحيم قد سعرت، والجنة قد أزلفت، والجبال قد نسفت، والأرض قد مدت يوم ترى الأرض قد زلزلت فيه زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية، والملك على أرجائها، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية، يوم تسير الجبال سيرا، وترى الأرض بارزة يوم ترج الأرض فيه رجا وتبس الجبال فيه بسا فكانت هباء منبثا. يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش. يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت. وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار يوم تنسف فيه الجبال نسفاً فتترك قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، يوم ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب. يوم تنشق فيه السماء فتكون وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان يوم يمنع فيه العاصي عن الكلام، ولا يسأل فيه عن الإجرام، بل يؤخذ بالنواصي والأقدام. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً يوم تعلم كل نفس ما أحضرت، وتشهد ما قدمت وأخرت يوم تخرس فيه الألسن، وتنطق الجوارح، يوم شيب ذكره سيد المرسلين إذ قال له الصديق رضي الله عنه أراك قد شبت يا رسول الله؟ قال شيبتني هود وأخواتها، وهي الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت، فيا أيها القارئ العاجز ما حظك من قراءتك أن تمجمج القرآن وتحرك به اللسان، ولو كنت متفكراً فيما تقرؤه لكنت جديراً بأن تنشق مرارتك مما شاب منه شعر سيد المرسلين، وإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن، فالقيامة أحد ما ذكر فيه؛ وقد وصف الله بعض دواهيها، واكثر من أساميها لتقف بكثرة أساميها على كثرة معانيها أهـ ص 420 جـ 4.
وفي صفة المساءلة. قال الغزالي: ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاهاً من غير ترجمان فتسأل عن القليل والكثير والنقير والقطمير فبينما أنت في كرب القيامة وعرقها وشدة عظائمها إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماء بأجسام عظام وأشخاص ضخام غلاظ شداد أمروا أن يأخذوا بنواصي المجرمين إلى موقف العرض على الجبار الخ.
وفي صفة الميزان: ثم لا تغفل عن الفكر في الميزان وتطاير الكتب إلى الأيمان والشمائل، فإن الناس بعد السؤال ثلاث فرق: فرقة ليس لهم حسنة فيخرج من النار عنق أسود فيلقهم لقط الطير الحب وينطوي عليهم ويلقيهم في النار فتبتلعهم النار وينادى عليهم: شقاوة لا سعادة بعدها. وقسم آخر لا سيئة لهم فينادي مناد ليقم الحمادون لله على كل حال فيقومون ويسرحون إلى الجنة. ثم يفعل ذلك بأهل قيام الليل، ثم لمن لم تشغله تجارة الدنيا، ولا بيعها عن ذكر الله تعالى، وينادي عليهم سعادة لا شقاوة بعدها: ويبقى قسم ثالث وهم الأكثرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وقد يخفى عليهم، ولا يخفى على الله تعالى أن الغالب حسناتهم أو سيئاتهم، ولكن يأبى الله إلا أن يعرفهم ذلك ليبين فضله عند العفو وعدله عند العقاب فتطاير الكتب والصحف منطوية =