المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأملوالمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت - الترغيب والترهيب للمنذري - ت عمارة - جـ ٤

[عبد العظيم المنذري]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة، والترهيب من إخلافهومن الخيانة والغدر، وقتل المعاهد أو ظلمه

- ‌الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حب الأشرار وأهل البدع، لأن المرء مع من أحب

- ‌الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرّافين والمنجمين بالرملوالحصى أو نحو ذلك وتصديقهم

- ‌الترهيب من تصوير الحيوانات والطيورفي البيوت وغيرها

- ‌الترهيب من اللعب بالنرد

- ‌الترغيب في الجليس الصالح والترهيب من الجليس السيء وما جاء فيمن جلس وسط الحلقة وأدب المجلس وغير ذلك

- ‌الترهيب أن ينام المرء على سطح لا تحجير لهأو يركب البحر عند ارتجاجه

- ‌الترهيب أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر

- ‌الترهيب من الجلوس بين الظل والشمسوالترغيب في الجلوس مستقبل القبلة

- ‌الترغيب في سكنى الشام وما جاء في فضلها

- ‌الترهيب من الطيرة

- ‌الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية

- ‌الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط وما جاء في خبر الأصحاب عدة

- ‌ترهيب المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم

- ‌الترغيب في ذكر الله لمن ركب دابته

- ‌الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره

- ‌الترغيب في الدلجة، وهو السفر بالليل والترهيب من السفر أوّله، ومن التعريس في الطرق، والافتراق في المنزل والترغيب في الصلاة إذا عَرَّس الناسُ

- ‌الترغيب في ذكر الله لمن عثرت دابته

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من نزل منزلاً

- ‌الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر

- ‌الترغيب في الموت في الغربة

- ‌كتاب التوبة والزهد

- ‌الترغيب في التوبة، والمبادرة بها، وإتباع السيئةِ الحسنة

- ‌الترغيب في الفراغ للعبادة، والإقبال على الله تعالىوالترهيب من الاهتمام بالدنيا، والانهماك عليها

- ‌الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان

- ‌الترغيب في المداومة على العمل وإن قل

- ‌الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد

- ‌الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليلوالترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس، وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وسلم في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك

- ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

- ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأملوالمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت

- ‌الترغيب في الخوف وفضله

- ‌الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل سيما عند الموت

- ‌كتاب الجنائز وما يتقدمها

- ‌الترغيب في سؤال العفو والعافية

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من رأى مبتلى

- ‌الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلي في نفسه أو مالهوفضل البلاءِ والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده

- ‌الترهيب من تعليق التمائم والحروز

- ‌الترغيب في الحجامة ومتى يحتجم

- ‌الترغيب في عيادة المرضى وتأكيدهاوالترغيب في دعاء المريض

- ‌الترغيب في كلمات يدعى بهن للمريض وكلمات يقولهن المريض

- ‌الترغيب في الوصية والعدل فيهاوالترهيب من تركها أو المضارة فيها، وما جاء فيمن يعتق ويتصدق عند الموت

- ‌الترهيب من كراهية الإنسان الموت والترغيب في تلقيه بالرضا والسرور إذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت

- ‌الترغيب في حفر القبور وتغسيل الموتى وتكفينهم

- ‌الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه

- ‌الترغيب في كثرة المصلين على الجنازة وفي التعزية

- ‌الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن

- ‌الترغيب في الدعاء للميت وإحسان الثناء عليهوالترهيب من سوى ذلك

- ‌الترهيب من النياحة على الميتوالنعي ولطم الخدّ وخمش الوجه وشق الجيب

- ‌الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث

- ‌الترهيب من أكل مال اليتيم بغير حق

- ‌الترغيب في زيارة الرجال القبوروالترهيب من زيارة النساء واتباعهن الجنائز

- ‌الترهيب من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم مع الغفلة عما أصابهم، وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام

- ‌كتاب البعث وأهوال يوم القيامة

- ‌فصلفي النفخ في الصور وقيام الساعة

- ‌فصلفي الحشر وغيره

- ‌فصلفي ذكر الحساب وغيره

- ‌فصلفي الحوض والميزان والصراط

- ‌فصلفي الشفاعة وغيرها

- ‌كتاب صفة الجنة والنار

- ‌الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار

- ‌الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه

- ‌فصلفي شدة حرها وغير ذلك

- ‌فصلفي ظلمتها وسوادها وشررها

- ‌فصلفي أوديتها وجبالها

- ‌فصلفي بعد قعرها

- ‌فصلفي سلاسلها وغير ذلك

- ‌فصلفي ذكر حياتها وعقاربها

- ‌فصلفي شراب أهل النار

- ‌فصلفي طعام أهل النار

- ‌فصلفي عظم أهل النار وقبحهم فيها

- ‌فصلفي تفاوتهم في العذاب وذكر أهونهم عذاباً

- ‌فصلفي بكائهم وشهيقهم

- ‌الترغيب في الجنة ونعيمها ويشتمل على فصول

- ‌فصلفي صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك

- ‌فصلفيما لأدنى أهل الجنة فيها

- ‌فصلفي درجات الجنة وغرفها

- ‌فصلفي بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك

- ‌فصلفي خيام الجنة وغُرَفها وغير ذلك

- ‌فصلفي أنهار الجنة

- ‌فصلفي شجر الجنة وثمارها

- ‌فصلفي أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك

- ‌فصلفي ثيابهم وحللهم

- ‌فصلفي فرش الجنة

- ‌فصلفي وصف نساء أهل الجنة

- ‌فصلفي غناء الحور العين

- ‌فصلفي سوق الجنة

- ‌فصلفي تزاورهم ومراكبهم

- ‌فصلفي زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى

- ‌فصلفي نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى

- ‌فصلفي أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك

- ‌فصلفي خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وما جاء في ذبح الموت

- ‌باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليهم في هذا الكتاب:

- ‌الألف

- ‌أبان بن إسحق المدني:

- ‌إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري المدني:

- ‌إبراهيم بن رستم:

- ‌إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي:

- ‌إبراهيم بن مسلم الهجري:

- ‌إبراهيم بن هشام الغساني:

- ‌إبراهيم بن يزيد الخوزي:

- ‌أزهر بن سنان:

- ‌إسحق بن أسيد الخراساني:

- ‌إسحق بن محمد بن إسماعيل بن أبي فروة الفوري:

- ‌إسماعيل بن رافع المدني:

- ‌إسماعيل بن عمرو البجلي الكوفي:

- ‌إسماعيل بن عياش الحمصي:

- ‌أصبغ بن يزيد الجهني مولاهم الواسطي:

- ‌أيوب بن عتبة أبو يحيى قاضي اليمامة:

- ‌الباء

- ‌بشار بن الحكم:

- ‌بشر بن رافع أبو الأسباط البحراني:

- ‌بقية بن الوليد:

- ‌بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة:

- ‌بكير بن خنيس الكوفي العابد:

- ‌بكر بن معروف الخراساني:

- ‌التاء

- ‌تمام بن نجيح عن الحسن:

- ‌الثاء

- ‌ثابت بن محمد الكوفي:

- ‌الجيم

- ‌جابر بن يزيد الجعفي الكوفي:

- ‌جميع بن عمير التيمي تيم الله بن ثعلبة الكوفي:

- ‌جنادة بن سلم:

- ‌الحاء

- ‌الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور:

- ‌الحارث بن عمير البصري:

- ‌حجاج بن أرطاة:

- ‌الحسن بن قتيبة الخزاعي:

- ‌الحكم بن مصعب:

- ‌حكيم بن جبير:

- ‌حكيم بن نافع الرقي:

- ‌حمزة بن أبي محمد:

- ‌الخاء

- ‌خالد بن طهمان:

- ‌خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن مالك الدمشقي:

- ‌الخليل بن مرة الضبعي:

- ‌الدال المهملة

- ‌دراج أبو السمح:

- ‌الراء

- ‌راشد بن داود الصنعاني الدمشقي:

- ‌رييح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري:

- ‌ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري:

- ‌رجاء بن صبح السقطي:

- ‌رشدين بن سعد:

- ‌رواد بن الجراح العسقلاني:

- ‌روح بن جناح:

- ‌الزاي

- ‌زبان بن فائد:

- ‌زمعة بن صالح:

- ‌زهير بن محمد التميمي المروزي:

- ‌زياد بن عبد الله النميري:

- ‌زيد بن الحواري العمي:

- ‌السين

- ‌سعد بن سنان ويقال:

- ‌سعيد بن بشير:

- ‌سعيد بن عبد الله بن جرنح البصري:

- ‌سعيد بن المرزبان أبو سعد البقال:

- ‌سعيد بن يحيى اللخمي:

- ‌سعدان الكوفي:

- ‌ سعد بن يحيى أبو سفيان الحميري:

- ‌سلمة بن وردان:

- ‌سلمة بن وهرام:

- ‌سليمان بن موسى الأشدق:

- ‌سليمان بن يزيد أبو المثنى الكعبي:

- ‌سهل بن معاذ بن أنس:

- ‌سويد بن إبراهيم البصري العطار:

- ‌سويد بن عبد العزيز الدمشقي:

- ‌الشين

- ‌شرحبيل بن سعد المدني:

- ‌شريك بن عبد الله الكوفي القاضي:

- ‌شهر بن حوشب:

- ‌الصاد

- ‌صالح بن أبي الأخضر:

- ‌صباح بن محمد البجلي:

- ‌صدقة بن عبد الله السمين:

- ‌صدقه بن موسى الدقيقي:

- ‌الضاد

- ‌الضحاك بن حمزة الأملوكي:

- ‌الطاء

- ‌طلحة بن خراش:

- ‌طليق بن محمد:

- ‌طيب بن سلمان:

- ‌العين

- ‌عاصم بن بهدلة:

- ‌عباد بن كثير الدئلي:

- ‌عباد بن منصور الناجي:

- ‌عبد الله بن أبي جعفر الرازي:

- ‌عبد الله بن صالح:

- ‌عبد الله بن عبد العزيز الليثي:

- ‌عبد الله بن عياش بن عباس القبقاني:

- ‌عبد الله بن كيسان المروزي:

- ‌عبد الله بن لهيعة:

- ‌عبد الله بن عقيل بن أبي طالب:

- ‌عبد الله بن المؤمل المخزومي المكي:

- ‌عبد الله بن ميسيرة أبو ليلى:

- ‌عبد الحميد بن بهرام:

- ‌عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين:

- ‌عبد الحميد ابن الحسن الهلالي:

- ‌عبد الرحمن بن إسحق:

- ‌‌‌عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي:

- ‌عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي:

- ‌عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي:

- ‌عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي:

- ‌عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون:

- ‌عبد الرحمن بن عطاء:

- ‌عبد الرحمن بن مغراء:

- ‌عبد الرحيم بن ميمون أبو مرحوم:

- ‌عبد الصمد بن الفضل:

- ‌عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد:

- ‌عبيد الله بن زحر:

- ‌عبيد الله بن أبي زناد القداح:

- ‌عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي:

- ‌عبيد الله بن علي بن أبي رافع:

- ‌عبيد الله بن إسحق العطار:

- ‌عتبة بن حميد:

- ‌عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني:

- ‌عطاف بن خالد المخزومي:

- ‌عطاء بن السائب بن يزيد الثقفي:

- ‌عطاء بن مسلم الخفاف:

- ‌عطية بن سعد العوفي:

- ‌علي بن زيد بن جدعان:

- ‌علي بن مسعدة الباهلي:

- ‌علي بن زيد الإلهاني:

- ‌عمار بن سيف الضبي:

- ‌عمر بن راشد اليماني:

- ‌عمر بن أبي شيبة:

- ‌عمر بن عبد الله مولى غفرة:

- ‌عمر بن هارون البلخي:

- ‌عمران بن داود القطان:

- ‌عمران بن ظبيان:

- ‌عمران بن عيينة الهلالي:

- ‌عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص:

- ‌عيسى بن سنان:

- ‌الغين

- ‌غسان بن عبيد الموصلي:

- ‌الفاء

- ‌فرقد السَبَخي:

- ‌الفضل بن دلهم القصاب:

- ‌الفضل بن موفق:

- ‌القاف

- ‌قابوس بن أبي ظبيان:

- ‌القاسم بن عبد الرحمن:

- ‌القاسم بن الحكم:

- ‌قرة بن عبد الرحمن بن حيويل:

- ‌قيس بن الربيع الأسدي الكوفي:

- ‌الكاف

- ‌كثير بن زيد الأسلمي المدني:

- ‌اللام

- ‌ليث بن أبي سليم:

- ‌الميم

- ‌محمد بن إسحق بن يسار:

- ‌محمد بن جحادة:

- ‌محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعبثي:

- ‌محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي:

- ‌محمد بن عقبة بن هرم السدوسي:

- ‌محمد بن عمرو الأنصاري الواقفي:

- ‌محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي الكوفي:

- ‌الماضي بن محمد الغافقي المصري:

- ‌مبارك بن حسان:

- ‌مبارك بن فضالة:

- ‌مجاعة بن الزبير:

- ‌ مجالد بن سعيد الهمداني:

- ‌مسروق بن المرزبان:

- ‌مسلم بن خالد الزنجي:

- ‌المسيب بن واضح الحمصي:

- ‌مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير:

- ‌معارك بن عباد:

- ‌معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي:

- ‌معدي بن سليمان:

- ‌مغيرة بن زياد الموصلي:

- ‌المنهال بن خليفة البكري العجلي:

- ‌مهدي بن جعفر الرملي الزاهد:

- ‌موسى بن وردان:

- ‌موسى بن يعقوب الزمعي:

- ‌ميمون بن موسى المرائي:

- ‌النون

- ‌نعيم بن حماد الخزاعي المروزي:

- ‌نعيم بن مورع:

- ‌الواو

- ‌واصل بن عبد الرحمن:

- ‌الوليد بن جميل:

- ‌الوليد بن عبد الملك الحراني:

- ‌الياء

- ‌يحيى بن أيوب الغافقي:

- ‌يحيى بن دينار أبو هاشم الرماني:

- ‌يحيى بن راشد البصري:

- ‌يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم:

- ‌يحيى بن أبي سليمان المدني:

- ‌يحيى بن عبد الله أبو حجبة الكندي الأجلح:

- ‌يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي:

- ‌يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي:

- ‌يحيى بن عمرو بن مالك النكري:

- ‌يحيى بن مسلم البكاء:

- ‌يزيد بن أبان الرقاشي:

- ‌يزيد بن أبي زياد الكوفي:

- ‌يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي:

- ‌يزيد بن عطاء اليشكري:

- ‌يزيد بن أبي مالك الدمشقي:

- ‌يمان بن المغيرة العنزي:

- ‌يوسف بن ميمون:

- ‌الكنى وغيرها

- ‌أبو الأحوص:

- ‌أبو إسرائيل الملاء الكوفي:

- ‌أبو سلمة الجهني:

- ‌أبو سنان القسملي:

- ‌أبو هاشم الرماني:

- ‌أبو هشام الرفاعي:

- ‌أبو يحيى القتات:

- ‌ابن لهيعة:

- ‌باب الأدعية الصالحة

- ‌آيات القرآن

- ‌آيات فضل العلم

- ‌آيات الترغيب في نشر العلم والترهيب من كتمه

- ‌آيات الجهاد في سبيل الله

- ‌آيات الترغيب في الاتحاد وحسن الخلق

- ‌آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌آيات الإيمان وشعبه وأصحابه المتصفين بخلاله

- ‌آيات تنمية الإيمان بالنظر في آيات الله تعالى

- ‌آيات وحدانية الله تعالى ودلائلها

- ‌آيات قدرة الله تعالى ودلائلها

- ‌آيات علم الله تعالى ودلائله

- ‌آيات سنة الله تعالى في أن من رجع إليه هداه ومن أعرض عنه أضله

- ‌ثبت المؤلف لقراء ونشر الأحاديث الشريفة

- ‌الاعتراف بالجميل

الفصل: ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأملوالمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت

فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مَثَلُ هذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ إِذَا اقْشَعَرَّ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عز وجل وَقَعَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَبَقِيَتْ لَهُ حَسَنَاتُهُ.

‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

والمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت

1 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

= ب - وقال تعالى: [قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)] من سورة المؤمنون.

جـ -[أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين (55) نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (56) إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون (57) والذين هم بآيات ربهم يؤمنون (58) والذين هم بربهم لا يشركون (59) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون (60) أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون (61)] من سورة المؤمنون أيضاً.

د - وقال تعالى بعد ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين (90)] من سورة الأنبياء.

هـ - وقال تعالى [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء ما كانوا يعملون (14)] من سورة الأحقاف.

و- وقال تعالى [إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور (28) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (30)] من سورة فاطر.

قال الغزلي: فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم. إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. والخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال. والخوف لا يتحقق إلا بانتظار مكروه كالنار أو يفضي إلى مكروه كالمعاصي أو يتمثل المكروه كسكرات الموت وشدته أو سؤال منكر ونكير أو عذاب القبر أو هول المطلع أو هيبة الموقف بين يدي الله تعالى والحياء من كشف الستر أو السؤال عن النقير والقطمير أو الخوف من الصراط أو الحرمان من النعيم والملك المقيم أو الفراق والحجاب عن الله تعالى ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه، ويحصل الإنس بالمحبة ودوام الذكر وقمع الشهوات، وقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته بين البقاء في الدنيا وبين القدوم على الله تعالى وكان يقول أسألك الرفيق الأعلى. والتقوى عبارة عن كف بمقتضى الخوف، وقد خصص الله تعالى التقوى بالإضافة إلى نفسه فقال تعالى:

أ -[لن ينال الله لحومها، ولا داؤها ولكن يناله التقوى منكم].

ب -[إن أكرمكم عند الله أتقاكم].

جـ -[ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله].

د - وقال عز وجل: [وخافون إن كنتم مؤمنين] أهـ ص 140 جـ 40.

هـ - وقال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان].

ص: 235

أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّات (1) يَعْنِي الْمَوْتَ. رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه وزاد:

فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ في ضِيقٍ إِلَاّ وَسَّعَهُ، ولا ذَكَرَهُ في سَعَةٍ إِلَاّ ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ.

2 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللَّذَّات، يَعْنِي الْمَوْتَ، فَإِنَّهُ مَا كَانَ في كَثِيرٍ إِلَاّ قَلَّلَهُ، وَلَا قَلِيلٍ إِلَاّ جَزَّأَهُ (2) رواه الطبراني بإسناد حسن.

3 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِمَجْلِسٍ وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّات، أَحْسِبُهُ قالَ: فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ في ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ إِلَاّ وَسَّعَهُ، وَلَا في سَعَةٍ إِلَاّ ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ. رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار، وتقدم في باب الترهيب من الظلم حديث أبي ذرّ، وفيه:

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسى عليه السلام (3)؟

قالَ: كانَتْ عِبَراً

(1) هاذم أي قاطع فمعناه مزيل الشيء من أصله. قال السهيلي: الرواية بالمعجمة (الموت) أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة فإكثار ذكره سنة مؤكدة، وللمريض آكد أهـ جامع صغير، وقال الحفني هاذم أي مفرق ومشتت اللذات، وبالمهملة مزيل الشيء من أصله كهدم الجدار، وكل صحيح أهـ ص 266.

يأمر صلى الله عليه وسلم أن يتذكر المسلمون الموت دائماً، فكل نفس ذائقته ليقل الطمع والشره على جمع الدنيا ولتؤدى الحقوق كاملة تامة وليكثر الإنسان من الأعمال الصالحة ادخاراً لثواب الله، وليقصر الأمل في اتساع الثروة وتشييد القصور، وهكذا من الأشياء التي تجلب الغفلة عن الله تعالى.

(2)

شتته وفرقه. أين من بنى وشيد؟ أين أصحاب الضيعات الواسعة والقصور الشاهقة؟

(3)

الكتب المنزلة على سيدنا موسى تتعجب:

أ - من ابن آدم يسر ومآله الفناء.

ب - يبتسم ويلهو ويلعب وأمامه نار حامية.

جـ - الأفعال لله بقضائه وقدره ومشيئته والأرزاق مساقة لأصحابها، ومع ذلك يتعب الإنسان ويكد في حياته. ويجاهد ويجالد ولن يناله إلا ما قسم له.

د - الدنيا غدارة فتانة أحوالها غير ثابتة ويركن الإنسان إليها.

هـ - يجمع الله الخلائق يوم القيامة، وكل شاة برجلها معلقة، وسيحاسب الله على الصغيرة والكبيرة، ومع ذلك يغفل ابن آدم عن الأعمال الصالحة، ولا يستعد لهذه الأهوال، قال تعالى:[هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109) ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً (110) ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً (111) ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً (112)] من سورة النساء.

أي الدنيا ميدان جهاد يظهر فيها المدافع المحامي، ولكن تخرس الألسنة يوم القيامة ولا مدرء يحميهم من =

ص: 236

كُلُّهَا: عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ. عَجبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ. عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا. وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَداً ثُمَّ لَا يَعْمَلُ. رواه ابن حبان في صحيحه وغيرُه.

4 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلَاّهُ فَرَأَى نَاساً كأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ (1) فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذّاتِ أَشْغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى الْمَوْتِ فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ: المَوْتِ (2) فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلَاّ تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ (3)، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ، فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمؤْمِنُ قالَ لَهُ الْقَبْرُ: مَرْحَباً (4) وَأَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ أَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي أَيْ فَإِذْ وَلِيتُكَ (5) الْيَوْمَ فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ قالَ فَيَتّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ (6)، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلى الْجَنَّةِ (7)، وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوِ الْكَافِرُ فَقَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لَا مَرْحَباً وَلَا أَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ فَإِذَا وَلِيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ قالَ: فَيَلْتَئِمُ (8)

عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ قالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصَابِعِهِ، فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا في جَوْفِ بَعْضٍ قالَ [وِيَقيَّضُ (9) لَهُ سَبْعُونَ تِنِّيناً (10) لَوْ أَنَّ وَاحِدَاً مِنْهَا نَفَخَ في الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئاً مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا (11) فَتَنْهَشُهُ وَتَخْدِشُهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلى الْحِسَابِ].

القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار

= عذاب الله إلا صالح الأعمال (سوءاً) قبيحاً يسوء به غيره (يظلم نفسه) يشرك أو يعص الله بتحملها الذنوب (خطيئة) صغيرة أو ما لا عمد فيه (إثماً) كبيرة أو عن عمد (بهتاناً) كذباً.

إذا تذكر الإنسان الموت استعد بزاده للحياة الثانية الجديدة الباقية، وفيها تجنى ثمرات الصالحات.

(1)

يظهرون أسنانهم من شدة الضحك، يقال كاشره: إذا ضاحكه وباسطه.

(2)

عطف بيان أي هو مبعد الشهوات.

(3)

الفرقة.

(4)

أتيت مكاناً واسعاً ووجدت ضيافة حسنة.

(5)

الآن صرت والياً ورئيساً عليك، من الولاية.

(6)

الله يوسع قبره اتساعاً عظيماً يساوي نهاية مد بصره.

(7)

فيرى نعيمها ويتمتع بخيراتها.

(8)

فيضغط عليه ويضمه فتنكسر عظامه ..

(9)

يرسل ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض، وهو القشر الأعلى كما قال تعالى [وقيضنا لهم قرناء] وقوله تعالى [ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً] أي تنح.

(10)

أفعى تنهشه وتعذبه.

(11)

مدة بقائها، وهذه الزيادة ابتداء من جملة (ويقيض له - إلى الحساب) من ن ط فقط وليست في ن ع، ولذا وضعتها بين قوسين.

ص: 237

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. رواه الترمذي واللفظ له والبيهقي كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واهٍ، عن عطية وهو العوفي عن أبي سعيد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

5 -

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في جَنَازَةٍ، فَجَلَسَ إِلىَ قَبْر مِنْهَا فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى هذَا الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلَاّ وَهُوَ يُنادِي بِصَوْتٍ ذَلِقٍ طَلِقٍ: يَا ابْنَ آدَمَ نَسِيتَنِي أَلَمْ تَعْلَمْ (1) أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَبَيْتُ الْغُرْبَةِ وَبَيْتُ الْوَحْشَةِ وَبَيْتُ الدُّودِ وَبَيْتُ الضِّيقِ إِلَاّ مَنْ وَسَّعَنِي اللهُ (2) عَلَيْهِ، ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْقَبْرُ إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّار. رواه الطبراني في الأوسط.

6 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَاشِر (3) عَشْرَةٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَنْ أَكْيَسُ (4) النَّاسِ وأَحْزَمُ النَّاس؟ قالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرَاً لِلْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمُ اسْتِعْدَاداً لِلْمَوْتِ، أُولئِكَ الأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الصغير بإسناد حسن، ورواه ابن ماجة مختصراً بإسناد جيد، والبيهقي في الزهد، ولفظه:

أَنَّ رَجُلاً قالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْمؤمِنينَ أَفْضَلُ؟ قالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً. قالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنيِنَ أَكْيَسُ؟ قالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَاداً، أُولئكَ الأَكْيَاسُ، وذكره رزين في كتابه بلفظ البيهقي من حديث أنس، ولم أره.

(1) ألم تعلم كذا ط وع ص 364 - 2، وفي ن د: أما تعلم.

(2)

استثنى قبر الرجل الصالح يوسعه الله ويملؤه نعيماً وزينة جزاء ما عمل في دنياه.

(3)

أي مع عشرة هو العاشر.

(4)

أعقل، من كان يكيس كيسا.

ص: 238

7 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُثنُونَ (1) عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُونَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاكِتٌ، فَلَمَّا سَكَتُوا قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الْمَوتِ؟ قَالُوا: لَا. قالَ: فَهَلْ كَانَ يَدَعُ (2) كَثِيراً مِمَّا يَشْتَهِي؟ قالُوا: لَا. قالَ: مَا بَلَغَ صَاحِبُكُمْ كَثِيراً مِمَّا تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ.

رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه البزار من حديث أنس قالَ:

ذُكِرَ عنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ بِعِبَادَةٍ وَاجْتِهَادٍ فَقَالَ: كَيْفَ ذِكْرُ (3) صَاحِبُكُمْ لِلْمَوْتِ؟ قالُوا: مَا نَسْمَعُهُ يَذْكُرُهُ قالَ: لَيْسَ صَاحِبُكُمْ هُنَاكَ.

8 -

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَحْيِياً فَلَا يَبِيتَنَّ لَيْلَةً إِلَاّ وَأَجَلُهُ (4) بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى (5)، والرَّأْسَ وَمَا حَوَى (6)، وَلْيَذْكُر الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَلْيَتْرُكْ زِينَةَ الدُّنْيَا. رواه الطبراني في الأوسط.

من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا

9 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قالَ: قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّا لَنَسْتَحِي وَالْحَمْدُ للهِ قالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، وَلكِن الاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ (7) وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ

(1) يمدحونه ويذكرون محاسنه.

(2)

يترك مشتهياته.

(3)

ما حال أفكاره بالنسبة لمعيشته؟ هل كان طويل الأمل؟

(4)

لا يسوف وينتظر انتهاء عمره وليتمثلن أمامه الموت. ظاهراً يراه عياناً فيعمل طيباً يخشى الله.

(5)

يدخل فيه أكل الحلال ويحفظ الفرج من الزنا.

(6)

يحفظ السان من الغيبة، والعين من النظر إلى الحرام ويحفظ الأذن أن تسمع حراماً والفم أن يطعم حراماً.

(7)

الموت: أخذ الروح ومفارقة الحياة، والبلى الفناء والانتهاء من الدنيا، يقال بلى الثوب، بلى وبلاء: خلق فهو بال، وبلى الميت: أفنته الأرض.

ص: 239

فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبانَ بن إسحاق عن الصباح بن محمد.

[قال الحافظ]: أبان والصباح مختلف فيهما، وقد قيل: إن الصباح إنما رفع هذا الحديث وَهْماً منه وضعف برفعه، وصوابه موقوف، والله أعلم.

10 -

وَعنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه قالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَزْهَدُ النَّاسِ؟ فَقالَ: مَنْ لَمْ يَنْسَ الْقَبْرَ وَالْبلَى، وَتَرَكَ فَضْلَ (1) زِينَةِ الدُّنْيَا، وآثَرَ مَا يَبْقَى (2) عَلَى مَا يَفْنَى، وَلَمْ يَعُدَّ غَداً (3) مِنْ أَيَّامِهِ، وَعَدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْمَوْتَى رواه ابن أبي الدنيا، وهو مرسل.

كفى بالموت واعظاً

11 -

وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظاً (4)، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنىً (5). رواه الطبراني.

12 -

وَعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ، فَجَلَسَ عَلى شَفِيرِ (6) الْقَبْرِ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى (7)، ثُمَّ قالَ: يَا إِخْوَانِي لِمِثْلِ هذَا (8) فَأَعِدُّوا. رواه ابن ماجة بإسناد حسن.

13 -

وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ (9): جُمُودُ الْعَيْنِ (10)،

(1) زيادة.

(2)

اختار العمل الصالح للآخرة الباقي ثوابه المدخر نعيمه.

(3)

ولم يحسب اليوم التالي من عمره فيؤدي ما عليه من الواجبات.

(4)

مذكراً ومنبهاً على زوال الدنيا، وفي الجامع الصغير (كفى بالدهر واعظاً): أي كفى تقلبه بأهله، وسببه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن فلاناً جاري يؤذيني فقال: اصبر على أذاه وكف عنه أذاك قال فما لبث إلا يسيراً إذ جاء فقال يا رسول الله إن جاري ذاك مات فذكره أهـ وقال الحفني (مفرقاً) لأن تفريقه لا عود بعده إلا في الآخرة بخلاف فرقة غير الموت أهـ ص 73 جـ 3.

(5)

الثقة بالله والاعتماد عليه في تيسير الأمور وسعة الرزق وفك الضيق وإزالة الهموم، وفي المصباح: اليقين العلم الحاصل عن نظر واستدلال، ويقن الأمر: ثبت ووضح، ويقال يقنته ويقنت به

(6)

حرفه.

(7)

جعل نداوة، يقال بللته فابتل، والثرى: التراب.

(8)

ينادي أصحابه استعدوا لهذه الحفرة واعملوا صالحاً في دنياكم ادخاراً لثواب الله هنا.

(9)

التعاسة وقلة الراحة وعنوان الأذى وجالبة كل مقت وغضب.

(10)

قلة دمعها في التفكير بمصيرها بعد موتها فتنتظر إلى الصالحين العاملين فلا تبك لإهمالها لأنها لا تخاف ربها ولم تخش بأسه، وهو الواحد القهار الذي يهابه كل شيء.

ص: 240

وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ (1)، وَطُولُ الأَمَلِ (2)، والْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا. رواه البزار.

14 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما لا أَعْلَمُهُ إِلاّ رَفَعَهُ قالَ: صَلَاحُ أَوَّلِ هذِهِ الأُمَّةِ (3) بِالزَّهَادَةِ وَالْيَقِينِ، وَهَلَاكُ آخِرِهَا بِالْبُخْلِ والأَمَلِ. رواه الطبراني، وفي إسناده احتمال للتحسين.

يهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل

ورواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كلاهما من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَجَا أَوَّلُ هذِهِ الأُمَّةِ بِالْيَقِينِ والزُّهْدِ، وَيَهْلِكُ آخِرُ هذِهِ الأُمَّةِ بالْبُخْلِ والأَمَلِ.

15 -

وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ الْوَلِيدِ بِنْتِ عُمَرَ قالَتِ: اطَّلَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ عَشِيَّةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا تَسْتَحْيُونَ (4)؟ قالُوا: مِمَّ ذَاكَ (5) يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: تَجْمَعُونَ ما لَا تأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لَا تَعْمُرُونَ (6)، وَتأْمَلُونَ مَا لَا تُدْرِكُونَ (7)، أَلَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ رواه الطبراني.

16 -

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ: اشْتَرى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ

(1) غلظته في الجمود فلا يتأثر بالمواعظ ولم ينزجر بأحكام القرآن ولم يرق لسماع كلام الله تعالى ولم ينتفع بالسنة فيستمر في غفلة، وهو عن ربه لاه قد انتزعت منه الرأفة وزالت منه الرحمة.

(2)

رجاء ما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى، وأناط الحكم بطوله ليخرج أصله فإنه لا بد منه في بقاء هذا العالم أهـ جامع صغير. قوال الحفني وطول الأمل أصله من الرحمة إذ لولاه لما أرضعت والدة ولدها ولا غرس شخص ولا سافر شخص لتجارة وغير ذلك وإنما ذم طول الأمل، لأنه يقتضي الحرص على الدنيا وعدم التنبه لما ينفعه في الآخرة أهـ ص 179.

(3)

الأمة المحمدية الإسلامية صلاحها باثنين التقلل من الدنيا والقناعة وعدم الانهماك في جمع المال وحسن الاعتماد على الله جل وعلا، وفناء آخرها بخصلتين ذميمتين الشح والتقصير في حقوق الله والشره وجمع المال والغفلة عن الله تعالى وكثرة الرجاء بتشييد قصور وإنشاء مصانع ومتاجر وانهماك في الربح بلا مرور ذكر الموت وبلا استعداد للآخرة بصالح الأعمال وغرس الباقيات.

الزهادة واليقين خصلتان اجتمعتا في قلب المسلمين في صدر الإسلام فانتشر ذكره وذاع صيته، والآن سنة 1375 هـ عم البخل وفشا الجهل وزاد الشح وعلقنا الآمال في كيت وكيت فتأخرنا واستعبدنا وذللنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

(4)

ألا يصيبكم الحياء والخجل.

(5)

من أي شيء؟.

(6)

ما لا تعمرون كذا ط وع ص 366 - 2 وفي ن د تسكنون.

(7)

ترجون المستقبل وتتعشمون فيه، ففيه الترغيب في قصر الأمل والإسراع بإنجاز حقوق الله وحسن أدائها والسعي للأعمال الصالحة وغرس دوحات البر والخير حتى تترعرع.

ص: 241

وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلى شَهْرٍ (1) فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلى شَهْرٍ (2) إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الأَمَلِ، والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلاّ ظَنَنْتُ أَنَّ شُفَرَيَّ (3) لَا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللهُ رُوحِي، وَلَا رَفَعْتُ قَدَحاً (4) إِلى فِيَّ، فَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أَقْبَضَ، وَلَا لَقَمْتُ لُقْمَةً إِلَاّ ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أُسِيغُهَا (5) حَتَّى أُغَصَّ بِهَا (6) مِنَ الْمَوتِ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لآتٍ (7)، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (8). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي والأصبهاني.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

17 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: أَخذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبي فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ (9)،

وَكَانَ

(1) مدة شهر.

(2)

إن له رجاء في طول العمر.

(3)

طرفيهما.

(4)

كوب ماء.

(5)

أزدردها بسهولة وأطعمها.

(6)

أصاب بشرق فالسائغ لا يغص شاربه، يقال غصصت بالماء أغص غصصاً فأنا غاص وغصان إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه أهـ نهاية.

(7)

لمدرككم.

(8)

بمتأخرين.

(9)

وضع يده الشريفة على مجمع عضد الكتف ثم نصحه أن تكون حاله في حياته مثل الأجنبي الذي فارق وطنه ليقضي عملاً له ثم يرجع، أو المسافر المار مرور السحاب، وفي الجامع الصغير شبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل، لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل، وهذا الحديث أصل في الحث على الفراغ من الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة. وقال النووي: معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه. وقال غيره عابر السبيل هو المار على الطريق طالباً وطنه، فالإنسان كعبد أرسله سيده في حاجة فحقه أن يبادر لقضائها، ثم يعود إلى وطنه. قال العلقمي: أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح، فإن المرض قد يطرأ فيمنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث "إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" لأنه ورد في حق من يعمل، والتحذير الذي في حديث ابن عمر في حق من لم يعمل شيئاً فإنه إذا مرض ندم على ترك العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم. قال بعض العلماء كلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع، وهو متضمن لنهاية قصر الأمل .. وقال الحفني: غريب لأن شأن الغريب عدم السكون والطمأنينة، بل دائماً قلبه متعلق بالرجوع لوطنه فهو قد ذهب في الغربة ليكتسب لأهله ما يتبسط به في وطنه فينبغي للمؤمن أن يكون مسارعاً في اكتساب ما ينفعه في وطنه الدائم، وهو الآخرة، فإن من اشتغل في غربته باللهو واللعب، ولم يكتسب رجع إلى أهله ووطنه بدون ربح فيعيش معهم في كدر وتعب ونكد، فكذا من اشتغل بالدنيا بهوى نفسه رجع إلى الآخرة صفر اليدين فلم يجد ما ينفعه، بل يضره. عابر طريق فإنه ينزع حينئذ لعدم محل يأويه ولخوف من الحشرات والوحوش فهو إضراب ومبالغة في شدة التعلق بالآخرة والاقتصار من الدنيا على ما لا يتعلق به.

ص: 242

خذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك

ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ (1) فَلَا تَنْتَظِر الصَّباحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ (2) لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ (3) لِمَوْتِكَ. رواه البخاري والترمذي ولفظه:

قالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكض غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ في أَصْحَابِ الْقُبُورِ (4)، وَقَالَ لي: يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ غداً

ورواه البيهقي وغيره نحو الترمذي.

18 -

وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَوْصِنِي قالَ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، واعْدُدْ نَفْسَكَ في الموْتَى، واذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وعِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فاعْمَلْ بِجَنْبِهَا حَسَنَةً، السِّرُّ بِالسِّرِّ والْعَلانِيَةُ بالْعَلانِيَةِ. رواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعاً بين أبي سلمة ومعاذ.

19 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُطَيِّنُ (5) حَائِطاً لِي أَنَا وأُمِّي فَقَالَ: مَا هذَا يا عَبْدَ اللهِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ فَقَالَ: الأَمْرُ (6) أَسْرَعُ مِنْ ذَلك.

(1) دخل المساء وهو بعد الظهر فسلم لله نفسك ولا تأمل أن تصبح حياً.

(2)

اعمل في حالة الصحة وادخر واقتصد.

(3)

خذ من حياتك زاداً يصحبك بعد الموت، وهو العمل الصالح في الدنيا.

(4)

مع الموتى.

(5)

أبني وأمرر عليه طبقة من الطين دهاكة.

(6)

حال الآخرة أصعب وأعسر وأسرع من اللحوق بك قبل أن تبلى، ولقد ثبت أن الذي يستغرق عمره في الدنيا بآماله وأمانيه هو الذي استولى عليه الشيطان. وكان قائده في حياته ودخل في زمرة أعوانه كما قال تعالى في الشيطان "لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً (118) ولأضلهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً (121) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد والله حقاً ومن أصدق من الله قيلا (122)] من سورة النساء.

إن شاهدنا ولأمنينهم: أي أطلق لهم الأفكار في الأماني وطول الأمل وفسحة الأجل وأحبب لهم المال زهرة الدنيا، ولكن الصالح التقي العامل بالسنة يزهد ويقنع.

ص: 243

20 -

وَفي رِوَايَةٍ قالَ: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصّاً لَنَا وَهَى، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقُلْنَا: خُصٌّ (1) لَنَا وَهَى، فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ فَقَالَ: مَا أَرَى الأَمْرَ إِلَاّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجة وابن حبان في صحيحه.

21 -

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: خَطَّ (2) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خَطَّاً مُرَبَّعاً، وَخَطَّ خَطَّاً في الْوَسَطِ خَارِجَاً مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُوطاً صِغَاراً إِلى هذا الَّذِي في الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الْوَسَطِ فَقَالَ: هذَا الإِنْسَانُ وَهذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهذِهِ الْخطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا نَهَشَهُ (3) هذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا نَهَشَهُ هذَا. رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة. وهذا صورة ما خط صلى الله عليه وسلم ص 367 - 2

ع

22 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطّاً، وَقالَ: هذَا الإِنْسَانُ، وَخَطَّ إِلى جَنْبِهِ خَطّاً وقالَ: هذَا أَجَلُهُ، وَخَطَّ آخَرَ بَعِيداً مِنْهُ فَقَالَ: هذَا الأَمَلُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كذلِكَ إذْ جَاءَهُ الأَقْرَبُ (4). رواه البخاري، واللفظ له، والنسائي بنحوه.

(1) مقدار عش أو كوخ حقير.

(2)

يوضح النبي صلى الله عليه وسلم تقارب الإنسان بأجله وأمله ورزقه وما يصيبه في دنياه فهذا مرة يناله وغداً يبعد عنه، وهكذا حتى يأخذ حظه وما قدر له ثم يفنى.

(3)

تناوله من بعيد كنهش الحية، وقيل قبض عليه وعضه ثم نثره، يقال نهشته الحية ونهشه الكلب: أي الإنسان هدف لثلاثة.

أ - عمره.

ب - أمانيه.

جـ - رزقه.

والعاقل الصالح يوجه دفة سفينتها إلى وجوه البر وفعل الخير لتصل إلى بر السلامة فينتهي من الحياة وثمار أعماله أينعت ودوحات خلاله أزهرت فيجنيها فرحاً مسروراً كما قال تعالى [الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)] من سورة النحل.

(4)

أي هو سارح في بحار أمانيه الحلوة في الدنيا يشيد قصراً ويشتري ضيعة ويعلم أولاده، وهكذا من حلاوة دنياه فيهجم عليه الأقرب الموت الخاطف، فالكيس من انتهز فرصة صحته وغناه وعمل لمولاه ادخاراً لآخرته.

ص: 244

23 -

وَعَنْهُ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هذَا ابْنُ آدَمَ وَهذَا أَجَلُهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ ثُمَّ بَسَطَهَا وَقَالَ: وَثُمَّ أَمَلُهُ (1)، وَثُمَّ أَمَلُهُ. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، ورواه النسائي أيضاً وابن ماجة بنحوه.

24 -

وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَدْرُونَ مَا مِثْلُ هذِهِ وَهذِهِ؟ وَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ. قالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: هذَا الأَمَلُ وذَاكَ الأَجَلُ (2). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

اقتربت الساعة

25 -

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ (3)،

(1) يجاور ابن آدم أجله وهما متلاصقان متقاربان متصاحبان ويليهما الأمل الذي يحبب إليه الكد في الدنيا والجد ويجمع المال ليفعل كيت وكيت، وهكذا من صنوف الأفكار.

إن الله تعالى أباح الجد في الدنيا والعمل والسعي لطلب الرزق والربح، ولكن التحذير من طول الأمل الذي فيه الغفلة عن الله وضياع حقوق الله والتقصير في واجب الله فلا صلاة ولا صوم ولا صدقة ولا خير يفعل أبداً ما، وتعلل النفس بكثرة الخير ووفرته ولا يوجد في حلال هذا عمل صالح لله. هذا المنهي عنه فقط، وهذا الأمل الكاذب والسراب الخادع.

(2)

الأمل والأجل صنوان متقاربان بينهما مثل البعد بين حصاتين رميتهما.

(3)

قرب قيام يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم علامة من علامات قرب يوم القيامة وآية قربها كما قال تعالى [اقتربت الساعة وانشق القمر (1) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر (2) وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر (3) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر (4) حكمة بالغة فما تغني النذر (5) فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر (6) خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر (7) مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر (8)] من سورة القمر.

ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم آية صدقه وعلامة رسالته، قال ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت حراء بين فلقتي القمر فأعرض الكفار عن تأملها والإيمان بها (مستمر) قوي محكم مستقر كائن في وقته أو منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة (الأنباء) أخبار القرون الماضية أو أنباء الآخرة من تعذيب أو وعيد (الداع) إسرافيل (نكر) فظيع وهو هول يوم القيامة لم تعهد النفوس مثله يخرجون من القبور خاشعة ذليلة أبصارهم من الهول (مهطعين) مسرعين مادي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه (عسر) صعب شديد. تتجلى عليهم أنوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقبلون على تعاليمه ولا يعكفون على طاعة الله وأمامنا القرآن الآن والسنة فنعرض عن العمل بهما فنزداد تباعداً فلا حول ولا قوة إلا بالله. يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر المسلمين بدنو القيامة فالبدار البدار لصالح الأعمال والتحلي بالكمال وغرس الباقيات بكثرة ذكر الله تعالى وتسبيحه والإنفاق في الطاعات وإلا نموت ونحيا فنعذب كما أخبر الله تعالى عن تعذيب من لم يؤمن بالرسل كما قال تعالى [أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1) ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2)] من سورة النحل.

كان الكفار يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام الساعة أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيباً ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت (أتى أمر الله) والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المحقق من حيث إنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه (بالروح) بالوحي أو بالقرآن فإنه يحيي به القلوب الميتة بالجهل أو يقوم في الدين مقام =

ص: 245

وَلَا نَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلَاّ بُعْداً (1). رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولفظه:

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إِلا حِرْصاً (2)، وَلَا تَزْدَادُونَ مِنَ اللهِ إِلَاّ بُعْدَاً (3).

26 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ (4)، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ. رواه البخاري وغيره.

= الروح في الجسد أن الشأن لا إله إلا أنا فالتنبيه على التوحيد منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى أقصى كمال القوة العملية، أي تظهر ثنتان في المرء:

أ - الإيمان بالله ورسوله.

ب - إيجاد العمل الصالح.

(1)

أن ننصح هؤلاء ونشرح لهم آيات الله جل وعلا فلا يقبلون عليها كما قال تعالى [ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (36) إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين (37)] من سورة النحل.

الرسول يأمر الناس بعبادة الله وحده واجتناب الشيطان الطاغية، ولكن انقسم الناس:

أ - فريق وفقهم الله للإيمان به وطاعته باتباع إرشادات الرسول.

ب - فريق اتبع الغواية فلم يوفقهم سبحانه ولم يرد هداهم، ثم أمر سبحانه أن ننظر إلى عاقبة عاد وثمود وقوم تبع لنعتبر ونطيع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن من حقت عليه الضلالة مطرود من رحمة الله ليس له ناصر يدفع العذاب عنه، قال تعالى [إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون (40)] من سورة النحل.

فاطمئن يا محمد وأبشر، فالسعيد من انتفع بالقرآن، وهداه الله كما قال تعالى:

أ -[إن عليك إلا البلاغ].

ب -[من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا (17)] من سورة الكهف.

أي الموفق الذي أصاب الفلاح، ومن يخذله فلا أحد غير الله يليه ويرشده.

(2)

طمعاً وإقبالاً على جني ثمراتها.

(3)

كثرة الأموال تشغلكم عن الله كما قال تعالى [شغلتنا أموالنا وأهلونا].

(4)

أحد سيور النعل، والمعنى أن الجنة دانية الجنى قريبة الإدراك لا ينالها إلا الصالحون، والموت قريب إذا أتى نالوا ثواب أعمالهم كما أن النار قريبة للأشرار المجرمين، وفي الجامع الصغير، لأن سبب دخول الجنة والنار صفة الشخص، وهو العمل الصالح والسيئ، وهو أقرب من شراك نعله إذ هو مجاور له والعمل صفة قائمة به. قال ابن بطال فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يتجنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها. وقال ابن الجوزي: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية. وقال الحفني: المراد بالقرب في الحديث القرب المعنوي: أي الأعمال الصالحة وضدها لها اتصال بكم كاتصال شراك النعم بكم فهي يسيرة سهلة الإتيان فاجتهدوا في العمل الصالح الموصل لذلك فإنه قريب كشراك النعل، وإنما كان موصلاً لأنه سبب لرضا الله الذي ندخل الجنة به وإن كان أصل الدخول بمحض فضله تعالى أهـ ص 201 جـ 2.

ص: 246

27 -

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِني. قالَ: عَلَيْكَ بالإِيَاسِ (1) مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ وَإِيَّاكَ والطَّمَعَ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ، وَصَلِّ صَلَاتَكَ (2) وَأَنْتَ مُوَدِّعٌ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ (3). رواه الحاكم والبيهقي في الزهد، وقال الحاكم واللفظ له: صحيح الإسناد.

28 -

ورواه الطبراني من حديث ابن عمر قال: أَتى رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ، واجْعَلْهُ مُوجَزاً، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ (4)، وايْأَسْ مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ غَنِيّاً، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ.

29 -

وروى الطبراني عن رجل من بني النخع قال: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قالَ: أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، واعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى، وَإيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ (5) فَإِنَّهَا تُسْتَجَابُ، الحديث.

30 -

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قالَ: نَزَلْنَا مِنَ الْمَدَائِنِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْجُمُعَةُ حَضَرْنَا فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عز وجل يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ، أَلَا وَإِنَّ السّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقّ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ (6) بِفِرَاقٍ، أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ (7)، وَغداً السِّبَاقُ، فَقُلْتُ لأَبِي: أَيَسْبِقُ النَّاسُ غداً؟ قالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَجَاهِلٌ، إِنَّمَا يَعْنِي: الْعَمَلُ الْيَوْمَ والْجَزَاءُ غداً، فَلَمّا جَاءَتِ

(1) الزم اليأس والقنوط والاستغناء عما في أيدي الناس. أي تباعد.

(2)

أد فروضك تامة كاملة كأنك تقابل من فرضها، وهو الله تعالى واستعد وأوف.

(3)

اجتنب الأخطاء واحذر أن تعمل عملاً يحتاج إلى عذر.

(4)

الله تعالى مقبل عليك برحماته يرى حركاتك فأخلص له وخف منه.

(5)

احذر أن تظلم فيقتص الله منك.

(6)

أعلمت بانتهاء.

(7)

الدنيا ميدان أعمال والآخرة فيها الفوز والسبق في مضمار النجاح لمن أطاع الله، والخيبة والخذلان والشقاء لمن عصى الله تعالى.

ص: 247

الْجُمعَةُ الأُخْرَى حَضَرْنَا فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقّ الْقَمَرُ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِفِرَاقٍ، أَلَا وَإِنّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ وَغَداً السِّبَاقُ، أَلَا وَإِنَّ الْغَايَةَ النَّارُ، وَالسَّابِقُ مَنْ سَبَقَ إِلى الْجَنَّةِ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.

بادروا بالأعمال

31 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: بَادِرُوا بالأَعْمَالِ (1) فِتَناً كَقَطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمناً وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً ويُصْبِحُ كَافِراً يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ (2)

مِنَ الدُّنْيَا. رواه مسلم.

(1) أي أسرعوا في إيجاد الأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن وانتشار الفساد وتأثير الطغاة. قال العلقمي: قال شيخنا معناه المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث الفتن الشاغلة المتراكمة المتكاثرة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف صلى الله عليه وسلم نوعاً من شواهد تلك الفتن بقوله: يصبح الإنسان فيها مؤمناً: أي لعظمتها يتقلب الإنسان من الإيمان إلى الكفر، وعكسه في اليوم الواحد أهـ ص 129 جـ 2.

(2)

أي بقليل من حطامها، والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا. وقال الحفني: فتناً جمع فتنة: الداهية العظيمة أي بادروا قبل وقوع الفتن كقطع الليل بجامع عدم الاهتداء إلى مقصوده عند وجود كل بعرض: أي ما يعرض، ويحدث من متاع الدنيا مما يرغب فيه.

يخبر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يحثوا على السير على منهج حبيبه والاستضاء بكتابه، والعمل بشريعته فالبدار البدار خشية أن يفشو الجهل ويزداد الظلم وتكثر الطغاة وتسود العصاة ويقل الصالحون، وحينئذ يعم الفساد والضلال وتشغل الدنيا أهلها بزخارفها فيطبع الران على قلوبهم وتظلم القلوب من الإيمان بالله وتقفر من صالحات الأعمال فتنقلب آونة مؤمنة، وأخرى كافرة منحرفة عن جادة الصواب، فلا تجد رادعاً يزجرها ونفساً مطمئنة تقتدي بها، قال تعالى:[من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً (134)] من سورة النساء.

ثواب الدنيا كالمجاهد الذي يحارب لأخذ الغنيمة، إنه يطلب طلباً خسيساً، ولكن الذي يقبل على الله ويعمل لله حاز الفلاح في دنياه وآخرته كما قال تعالى [ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة] من سورة آل عمران

[من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب (20)] من سورة الشورى.

وقد علم الله تعالى أصحاب رسول الله إذا جاهدوا يجاهدون لوجه الله. روي أن سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غزت أهل فدك فهربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى منعرج من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجداً شديداً وقال قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ قوله تعالى [يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (94)] من سورة النساء.

أي تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد، فهو الذين يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من =

ص: 248

32 -

وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سِتّاً: طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا (1)، أَوِ الدُّخَانُ، أَوِ الدَّجّالُ، أَوِ الدّابّةُ (2)،

= تقتلونه، والعرض المال سمي به لسرعة فنائه أهـ نسفي، أي نحن الآن 1955 م من الصدر الأول الذين شرح الله صدورهم للإسلام وعملوا بإرشادات خير الأنام فأفلحوا، ولقد شغلتنا زينة الدنيا عن حقوق الله فقل العمل الصالح وزاد الطمع، نسأل الله السلامة، نحضر مجالس اللهو. ونتتبع عورات بعضنا بالغيبة والنميمة والحسد ونؤخر الصلاة عن وقتها ولعبت بنا المدنية الحديثة أدواراً قاسرة كارهة، وطغت المادة على القلوب فأفسدتها وهجرنا تعاليم القرآن والسنة، ويطلب منا الرب جل وعلا [أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (24)] من سورة محمد.

(1)

علامات قيام الساعة:

أ - تغيير مطلع الشمس.

ب - يعم دخان المعمورة.

جـ - ظهور الدجال الكذاب الذي يفتن الناس.

وعند قوله صلى الله عليه وسلم يبين صفات الدجال:

أ - تعلمون أنه أعور، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور.

ب - مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن.

جـ - الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار.

قال النووي: تعلمون: أي اعلموا وتحققوا، وفيه تنبيه على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة. والدجال شخص ابتلى الله به عباده يدعي الإلهية: وهو عاجز عن إزالة عوره وشاهد كفره المكتوب بين عينيه ويقدره الله تعالى على إحياء الميت الذي يقتله ويزهر له خصب الدنيا، ومعه جنة ونار امتحاناً للمؤمنين ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت (جفال الشعر) أي كثيره أهـ ص 580 جـ 2 مختار الإمام مسلم.

د - ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة.

(2)

الجساسة في الحديث طولها ستون ذراعاً لا يدركها طالب، ولا يفوتها هارب، ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان، وقيل لها رأس ثور وعين خنزير، وأذن فيل وقرن إيل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير، وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية قال تعالى:[وإذ وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82)] من سورة النمل.

أي لا يوقنون بخروجي أهـ نسفي.

[ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون (83) حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها عليماً أم ماذا كنتم تعملون (84) ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون (85)] من سورة النمل

(يوزعون) يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا، وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم. إذا جاؤوا إلى المحشر: أي أي شيء كنتم تعملونه؟ فحل بهم العذاب الموعود بسبب ظلمهم وعصيانهم ربهم والتكذيب بآيات الله. ما عذر من لم يصل؟ أو لم يزك؟ أو لم يصم؟ ما عذر المقصرين في الأعمال الصالحة؟ لقد بسط الله الرزق وحصحص الحق، وأضاء الإسلام بشموسه للعاملين. أرجو أن ننهض بأنفسنا إلى صالح الأعمال عسى الله أن يشملنا برحمته ويدركنا بلطفه وتوفيقه فهو ولي الهداية، وهو القائل ترغيباً في إجادة الأعمال [من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون (89) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون (90)] من سورة النمل. =

ص: 249

أَوْ خَاصَّةُ أَحَدِكُمْ (1)، أَوْ أَمْرُ الْعَامَّةِ (2). رواه مسلم.

33 -

وَعَنْهُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سَبْعَاً (3):

هَلْ تَنْظُرُونَ إِلَاّ فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ غِنَىً مُطْغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَوْ هَرَمَاً مُفْنِداً (4) أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً (5)، أَوِ الدَّجّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ

= قال البيضاوي إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة، وقيل خير منها: أي خير حاصل من جهتها، وهو الجنة (فزع) يعني به خوف عذاب يوم القيامة الأهوال والعظائم، ولذلك يعم الكافر والمؤمن، (بالسيئة) قيل بالشرك أهـ.

(1)

قال الدستوائي: الموت أو شواغل نفسه.

(2)

قال قتادة: هو القيامة كذا في مختار الإمام مسلم، عن النووي، والمعنى انهض بنفسك أيها الإنسان وكملها وزودها بالتقوى وصالح الأعمال قبل أن يدركك الموت أو تقوم القيامة.

(3)

أي أسرع بإنجاز صالحات الأعمال وخيرها خشية أن تنال سبعة:

أ - الفقر الذي يضيع أفكارك ويصرف همتك عن العبادة ويزيدك ألماً وضعفاً ووساوس وتقصيراً في حق الله تعالى والذي ينسيط أداء الصلوات والصدقات ويغرس في قلبك الشره وحب المال وجمعه.

ب - الحق بنفسك قبل غناك الذي يزيدك طغياناً ويمكنك من اتباع الشهوات وفعل الموبقات، وعصيان الرحمن المعطي النعم ويغطي قلبك برين النعم ووفرتها فلا تزكي ولا تعمل خيراً بها.

جـ - أسرع واعمل صالحاً خشية مرض يلحقك أو يصيبك فيعجزك ويقعدك عن الطاعة وعبادة الله.

د - اعمل بسرعة قبل أن يدركك الكبر والشيخوخة والخور والضعف.

هـ - انتهز فرصة قوتك واعمل صالحاً قبل هجوم الموت القاهر فيسليك.

و- اعمل قبل وجود الفتان المكذب الساحر المضل الدجال.

ز - اعمل قبل قيام القيامة فتفوت عليك فرصة التحصيل وجني ثمرات العمل.

يخبر صلى الله عليه وسلم عن أعداء الإنسان الذين يهجمون عليه ولا يدري وقت هجومها.

أولاً: الفقر.

ثانياً: الغنى المضر المفسد.

ثالثاً: المرض.

رابعاً: الكبر.

خامساً: الموت.

سادساً: الدجال.

سابعاً: القيامة، قال تعالى:[بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر (46)] من سورة القمر. أي موعد عذابهم، وما يحيط بهم في الدنيا فمن طلائعه، والساعة أشد والداهية أمر فظيع لا يهتدى لدوائه. ثم بين تعالى أن الناس صنفان:

أ - إن المجرمين في ضلال وسعر.

ب -[إن المتقين في جنات ونهر (54)] من سورة القمر.

(4)

بسبب الضعف والخرف والخرق، وفي النهاية الفند في الأصل الكذب، وأفند: تكلم بالفند، ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفندى. لأنه يتكلم بالمخرف من الكلام عن سنن الصحة، وأفنده: الكبر إذا أوقعه في الفند.

(5)

سريعاً، يقال أجهز على الجريح يجهز إذا أسرع قتله وحزه.

ص: 250

أَدْهَى وَأَمَرُّ. رواه الترمذي من رواية محرر، ويقال: محرز بالزاي، وهو واهٍ عن الأعرج عنه وقال: حديث حسن.

34 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ (1):

شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ (2)، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ (3)، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ (4)، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شغْلِكَ (5)، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ (6).

رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

(1) خمسة سوق نافقة ينتهز فرصة وجودها العاقل، ويعمل صالحاً فيها ويكد ويجد: الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة:

أ - القوة والفتوة: نضارة الجسم

ب - جودة الصحة.

جـ - وفرة المال كثرة النعم.

د - الخلو من العمل راحة الضمير.

هـ - وجوده في الدنيا.

ولها أضداد لا بد أن تمر أدوارها على كل إنسان، وفي الجامع الصغير: أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة.

(2)

أي افعل الطاعة حال قدرتك قبل هجوم الكبر عليك.

(3)

أي العمل الصالح حال صحتك قبل حصول مانع كمرض.

(4)

أي التصدق بما فضل عن حاجة من تلزمك نفقته قبل عروض جائحة تتلف مالك فتصير فقيراً في الدارين.

(5)

قال المناوي: أي فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر. وهو بضم الشين وفتحها.

(6)

أي اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله أهـ ص 233.

وقد ساق الله لنا حكاية اثنين [جعلنا لأحدهما جنتنين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً (32)] من سورة الكهف.

أي بساتين من كروم وفواكه وأقوات، ولكن صاحبها كافر بربه غير محسن طويل الأمل. قال النسفي [ما أظن أن تبيد هذه أبداً] أي أن تهلك هذه الجنة. شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك أهـ نعمة لم تدم كما قال تعالى:[وأحيط بثمره] هو عبارة عن إهلاكه فندم على إشراكه، والنصرة لله وحده [هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقبا (44) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا (45) المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً (46)] من سورة الكهف.

ولعلك فهمت حكمة قصر الأمل والإسراع إلى تشييد الأعمال الصالحة بانتهاز فرصة وجود الصحة، والمال خشية أن تزول هذه النعمة فلا يمكن للإنسان أن يعمل عملاً كما حكى الله عن الكافر أو الغني المقصر [فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً (42)] من سورة الكهف. قال النسفي يضرب إحداهما على الأخرى ندماً وتحسراً، وكرومها المعروشة سقطت، وقد تذكر موعظة أخيه فعلم أنه من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني أهـ.

وشاهدنا الآن يقظة الأغنياء، ولا بد من أن يشاركوا بأموالهم في مشروعات الخير. ولا بد من الانتباه =

ص: 251

35 -

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا (1) إِلى اللهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا (2)، وَصِلُوا الّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصّدَقَةِ في السِّرِّ والْعَلانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا. رواه ابن ماجة.

36 -

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: الْكَيِّسُ (3) مَنْ دَانَ نَفْسَهُ (4)، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، والْعَاجِزُ (5) مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ (6). رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حديث حسن.

37 -

وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قالَ الأَعْمَشُ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَاّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: التُّؤَدَةُ في كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَاّ في عَمَلِ الآخِرَةِ. رواه أبو داود والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.

[قال الحافظ]: لم يذكر الأعمش فيه مَنْ حدثه، ولم يجزم برفعه.

[التؤدة] بفتح المثناة فوق وبعدها همزة مضمومة ثم دال مهملة مفتوحة وتاء تأنيث هي التأني والتثبت وعدم العجلة.

= والتصدق والإنفاق، وفعل البر وعمل الخير وأداء حقوق الله تعالى وحقوق الناس بلا تسويف خشية أن تحل أضداد الخمسة المذكورة في الحديث. أرأيت ذلك المغتر بماله. المتغطرس بكبريائه. المخدوع بحديقته الغناء لم يقبل النصيحة فذهبت ثمرات أعماله هباء منثوراً وضاعت نفقاته سدى. لماذا؟ لأنه لم يحمد الله على ما أنعم، ولم يعمل خيراً يحصن ماله ويحفظه ويزكيه، ويطهره ولم يؤمن بربه كما قال تعالى:[واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور (7) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)] من سورة المائدة.

قال البيضاوي: نعمة الله بالإسلام لتذكركم المنعم وترغبكم في شكره، وميثاقه الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، أو ميثاق ليلة العقبة أو بيعة الرضوان، واتقوا الله في إنساء نعمته ونقض ميثاقه فهو العليم بخفياتها فيجازيكم عليها فضلاً عن جليات أعمالكم أهـ. الميثاق الذي نتعاهد به القرآن والسنة فلنعمل بهما ولنتق الله ولنستضيء بضوئهما.

(1)

ارجعوا إلى الله بالندم وكثرة الاستغفار والذكر.

(2)

تلهيكم الدنيا بزخارفها وأمراضها.

(3)

العاقل.

(4)

أي أذلها واستعبدها، وقيل حاسبها أهـ نهاية.

(5)

المقصر من مال إلى شهواته.

(6)

أكثر الطلب بلا عمل، واسترسل في آماله بلا أخذ العدة لإصلاح نفسه، ويسوف في أعمال البر.

ص: 252

38 -

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَاّ نَدِمَ. قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِنْ كَانَ مُحْسِناً نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ (1). رواه الترمذي والبيهقي في الزهد.

39 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ. قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

40 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً عَسَلهُ. قالُوا: مَا عَسَلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً بَيْنَ يَدَيْ رِحْلَتِهِ يَرْضَى عَنْهُ جِيرانُهُ، أَوْ قالَ: مَنْ حَوْلَهُ. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرهما.

[عسله] بفتح العين والسين المهملتين من العسل: وهو طِيب الثناء، وقال بعضهم: هذا مثل، أي وفقه الله لعمل صالح يتحفه به كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل.

41 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْذَرَ اللهُ (2) إِلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلغَ سِتِّينَ سَنَةً. رواه البخاري.

(1) كف وأقلع عنه، إذا أحيا الله المرء يوم القيامة، فإن كان صالحاً تنعم من أصناف النعيم ونال جزاءه وود لو زاد أكثر مما عمل سابقاً، وإن كان عاصياً عذب فأنب نفسه عما اقترفت في الأيام الخالية، علامة السداد السير على منهج الكتاب والسنة قبل الموت والاستضاء بهديهما فمن يرد الله به خيراً يعنه على الطاعة ويبعد عنه المعاصي.

(2)

أي لم يبق فيه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة، ولم يعتذر، يقال أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية من العذر: وقد يكون أعذر بمعنى عذر أهـ نهاية. من بلغ ستين سنة ولم يعمل صالحاً ولم يوفق ولم يشيد المكارم فلا حجة له مقبولة عند ربه. لماذا؟ لأن الله تعالى أطال عمره وأمد في حياته فلم يعمل خيراً فعذره غير مقبول " ومن أنذر فقد أعذر" ومنه الحديث "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" يقال أعذر فلان من نفسه إذا أمكن منها، يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبون العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر كأنهم قاموا بعذره، وفي الجامع الصغير. قال العلقمي: قال شيخنا زكريا: أي أزال عذره فلم يبق له اعتذار حيث أمهله هذه المدة ولم يعتبر: أي لم يفعل ما يغنيه عن الاعتذار فالهمزة للسلب وقال شيخ شيوخنا: الإعذار إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، يقال =

ص: 253

42 -

وَعَنْ سَهْلٍ مَرْفُوعاً: مَنْ عَمَّرَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ في الْعُمُرِ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

43 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُنَبِّؤُكُمْ (1) بِخَيْرِكُمْ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَاراً، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالاً. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح، وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه الحاكم من حديث جابر وقال: صحيح على شرطهما.

44 -

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. قالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ (2). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والطبراني بإِسناد صحيح والحاكم والبيهقي في الزهد وغيره.

45 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. رواه الترمذي وقال حديث حسن.

46 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلا أُنَبِّؤُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْماراً إِذَا سَدَّدُوا (3). رواه أبو يعلى بإِسناد حسن.

47 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ

= أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر، ومكنه منه، وإن لم يكن له عذر في ترك الطاعة منه مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستفسار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الإعذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله لم يترك للعبد سبباً للاعتذار يتمسك به. والحاصل أنه لا يعاقب إلا بعد حجة (أخر أجله) أي أطاله (ستين سنة) قال العلقمي قال ابن بطال إنما كانت الستون حداً، لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع ووقت ترقب المنية أهـ ص 222.

(1)

ألا أعلمكم بأفضلكم قدراً وثواباً، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه الذي مد الله في عمره فشغله، في طاعة الله وصالح الأعمال، ففيه الترغيب في الإقبال على الله تعالى بحسن الأعمال.

(2)

قبح.

(3)

قاربوا السداد وتحروا الصواب واكتسوا بلباس التقوى.

ص: 254

عليه وسلم: إِنَّ للهِ عِبَاداً يَضِنُّ (1) بِهِمْ عَنِ الْقَتْلِ، وَيُطِيلُ أَعْمَارَهُمْ في حُسْنِ الْعَمَلِ، وَيُحْسِنُ أَرْزَاقَهُمْ، وَيُحْييهِمْ في عَافِيَةٍ، وَيَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ في عَافِيَةٍ (2) عَلَى الْفَرْشِ، وَيُعْطِيهِمْ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ. رواه الطبراني، ولا يحضرني الآن إسناده.

48 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: كَانَ رَجُلانِ مِنْ بَلي، حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاسْتَشْهَدَ أَحَدُهُمَا (3)، وَأُخِّرَ الآخَرُ سَنَةً قالَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذلِكَ فأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلاةَ سَنَةٍ رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه،

وزاد ابن ماجة وابن حبان في آخره: فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ (4).

49 -

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ نَفَراً مِنْ بَنِي عَذْرَةَ ثَلاثَةً أَتَوُا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمُوا قالَ: فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَكْفِيهمْ؟ قالَ طَلْحَةُ أَنَا قالَ: فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ، فَبَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْثاً، فَخَرَجَ فيهِ أَحَدُهُمْ فاسْتَشْهَدَ

(1) يبعدهم عن سبب القتل فيحفظ صحتهم: ويقيهم شر المكاره ويبسط لهم الأرزاق تفضلاً منه جل وعلا.

(2)

في أمن واطمئنان [تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا] من سورة الشورى.

ويعطيهم الدرجات السامية في الجنة بجوار منازل المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين استبسلوا في حومة الوغى [يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم (21) خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم (22)] من سورة التوبة.

يخبر صلى الله عليه وسلم بوجود طائفة من أمته يحبها الله وينعم عليهم بنضارة الحياة ولذيذها وعظيمها فيعيشون مكرمين معززين مطاعين لتقواهم وورعهم.

(3)

مات مجاهداً في سبيل الله، ولقد فاقه صديقه في الدرجات وفاز وحاز قصب السبق بدخول الجنة قبله. لماذا؟. أجاب صلى الله عليه وسلم بزيادة عبادة سنة في صحيفته.

(4)

قيست المسافة بين منزل الشهيد وزميله الذي عاش بعده سنة فوجدت كبعد ما بين السماء والأرض. صلى الله عليك يا رسول الله ترغب في أداء الفرائض وصلاة النفل والضرب بسهم صائب في الأعمال الصالحة رجاء نيل الجنة وترغب في استقبال الحياة بثغر باسم وتنسم هوائها بصدر منشرح وضياع أوقاتها في العبادة والذكر، وفعل البر، وهذا دليل على أن الدين براء من الانتحار والتبرم من الحياة، والسخط عليها وهكذا.

ص: 255

ثُمَّ بَعَثَ بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ فاسْتَشْهَدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ. قالَ طَلْحَةُ فرأيْتُ هؤُلاءِ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدِي في الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ المَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الذِي اسْتَشْهَدَ أَخِيراً يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ. قالَ: فَدَاخَلَنِي مِنْ ذلِكَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ عز وجل مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ في الإِسْلامِ (1)

لِتَسْبيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ.

رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتُهما رواة الصحيح، وفي أوله عند أحمد إرسال كما مرّ، ووصَلَه أبو يعلى بذكر طلحة فيه.

لا تتمن الموت، إن كنت محسناً تزداد إحساناً إلى إحسانك الخ

50 -

وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ يَشْتَكِي (2) فَتَمَنَّى الموْتَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتَ مُحْسِناً تَزْدَادُ إِحْسَاناً إِلى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ (3)، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئاً، فَإِنْ تُؤَخَّرْ (4) تَسْتَعْتِبْ (5) مِنْ إِسَاءَتِكَ خَيْرٌ لَكَ، لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ. رواه أحمد والحاكم واللفظ له، وهو أتمّ وقال: صحيح على شرطهما.

(1) يعطى مدة طويلة، وفي الغريب العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه [وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير (11)] من سورة فاطر.

فتجد هذا أفضل عند الله تعالى، لأنه شغل أوقاته الواسعة في تمجيده سبحانه، وفي طاعته، وفي أنواع أفعال الخير فليس بدعاً أن يسبق من استشهد، لأن الله تعالى عادل ولا يضيع أجر المحسنين كما قال تعالى:[وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد (31) هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ (32) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب (33) ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد (35)] من سورة ق.

أي قربت لكل رجاع إلى الله تواب أواب، وحفيظ أي حافظ لحدوده، بسلام: أي سالمين من العذاب وزوال النعم أو مسلماً عليكم من الله وملائكته، وعندنا مزيد: أي زيادة مما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وأورد النسفي قوله صلى الله عليه وسلم "من حافظ على أربع ركعات في أول النهار كان أواباً حفيظاً" أهـ وهذا شاهدنا، كثرة العبادة وخشيته سبحانه سعادة، والخشية انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة، والخاشي ينال رحمة منه سبحانه وتعالى. لماذا؟ لأن قلبه منيب: أي راجع إلى ربه بخشوع وتذلل بسريرة مرضية وعقيدة صحيحه، فاللهم ارزقنا عمراً وتوفيقاً لنعمل.

(2)

يتألم من المرض.

(3)

طول العمر خير لك حينئذ.

(4)

يمتد أجلك.

(5)

ترجع عن الإساءة وتطلب الرضى، وقال القسطلاني في باب تمني المريض الموت ودعائه، وإما أن يكون مسيئاً فلعله أن يستعتب يطلب العتبى: أي يطلب رضا الله بالتوبة ورد المظالم، وتدارك الفائت، وفي الحديث: =

ص: 256

51 -

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَتَمَنُّوا الْمَوْتَ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ (1) شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُ الْعَبْدِ، وَيَرْزُقَهُ اللهُ الإِنَابَةَ (2). رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي.

52 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ. رواه البخاري، واللفظ له ومسلم.

53 -

وفي رواية لمسلم: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ (3)، وَإِنَّهُ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ (4)، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَاّ خَيْراً.

54 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ (5) نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كانَ وَلَا بُدَّ فاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ (6) خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

= فسددوا وقاربوا: أي اقصدوا السداد والصواب، وقاربوا: أي لا تفرضوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا أهـ ص 260 جواهر البخاري؟

(1)

القيامة.

(2)

التوبة والعمل الصالح.

(3)

لا يطلبه من الله تعالى قبل أن ينزل به، وزيادة العمر إذا اتقى الله فيه أكسبته حسنات.

(4)

مضى زمن التحصيل وابتدأ يجني ثمرة عمله في حياته [يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه] من سورة آل عمران.

(5)

مرض أو فقر.

(6)

مدة خيرية الحياة أعني عليها بالعمل الصالح وإلا فاقبضني إليك وسلمني من فتن الدنيا. دين الإسلام دين حضارة ومنهج عمران وسنة صالحة للحياة، يحث على الخير دائماً كما قال تعالى:[يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)] من سورة المائدة من اتبع رضاه سبحانه وتعالى يهديه بالقرآن وبالسنة ويدله على طرق السلامة والنجاة من العذاب ويضيء له سبل الرشاد فلا يضجر ولا يسأم ولا يسخط، ولا يغضب ولا يصخب ولا يتمنى الموت، فالحياة ميدان جهاد وسوق نافقة لصالح الأعمال، فتاجر فيها أيها المسلم وجد وكد واستقم واذكر ربك.

ص: 257