الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدى أهمية ترجمة القرآن
ويجب أن نسلم - في البداية - بأن القرآن الكريم الذي هو كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بلغة عربية فصيحة، يشتمل على أصول ومبادئ الإسلام العقائدية والتنظيمية والأخلاقية، وأن كل مسلم يحتاج إلى أن يتعلم تلك المبادئ والأصول، سواء كان ذلك المسلم ممن يتقن اللغة العربية أو لا. . .
وإن ذلك المسلم الذي لا يستطيع فهم لغة القرآن يحتاج إلى أن يتبع بنفسه توجيهات القرآن وأحكامه، ولا يتم له ذلك إلا بأن يكون القرآن مترجما إلى لغته ترجمة أمينة معبرة بأدق ما يكون التعبير عن المعاني والمقاصد القرآنية. .
والترجمة بهذا الاعتبار تعتبر ضرورة دينية، يدعو إليها الإسلام لكي تبلغ دعوة الله إلى الناس أجمعين، ولسنا بحاجة في هذا المجال إلى بيان مدى ما تسهم فيه ترجمة القرآن من التعريف بأحكام القرآن وتوجيهاته إلى المسلمين الذين لا يتكلمون اللغة العربية. .
استحالة ترجمة القرآن:
وبالرغم من تسليمي المطلق بأهمية ترجمة القرآن إلى مختلف اللغات، فإنني أتساءل - بموضوعية - عن مدى إمكان ذلك، لا من حيث الإمكان الفعلي، ولكن من حيث إمكان ترجمة القرآن، بكل ما تشتمل عليه كلمة ترجمة من التعبير الشامل عن المعنى المراد. .
إن كلمة "ترجمة" تفيد الإتيان بالكلمة البديلة المعبرة عن الكلمة الأصلية، ويصح هذا في مجال المفردات اللغوية التي تتشابه معانيها، كما يصح في مجال الجمل التي يراد بها التعبير عن المعاني ذات الدلالة البسيطة، ومع هذا. . فكثيرا ما تكون دلالات تلك المفردات مختلفة، وبخاصة في مجال التعبير عن بعض المقاصد التي لا يدركها إلا أصحاب الذوق اللغوي الرفيع، وقد يختلف هؤلاء في مدى إدراكهم لمقاصد المتكلم ولغاياته.
ويمتاز القرآن الكريم بخاصة الإعجاز البياني، الذي تحدى الله تعالى به العرب فقال:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (1){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (2).
(1) سورة البقرة الآية 23
(2)
سورة البقرة الآية 24
وقال أيضا:
وقد تصدى العلماء لدراسة أوجه الإعجاز القرآني، ومن أهم هؤلاء الجاحظ في كتابه نظم القرآن، والرماني والباقلاني في كتابيهما إعجاز القرآن، والجرجاني في كتابه: دلائل الإعجاز، وحاولوا بيان ذلك الإعجاز من خلال منهج لغوي اختاروه دليلا على الإعجاز. .
وفي العصر الحديث تصدى بعض العلماء لموضوع الإعجاز القرآني، فلم يتابعوا منهج الأقدمين في البحث عن الجانب البلاغي واللغوي، وإنما قدموا رؤية جديدة لمفهوم الإعجاز، ومن هؤلاء الأستاذ مصطفى صادق الرافعي الذي التمس معنى الإعجاز من خلال النظم القرآني، والحركة الصرفية واللغوية التي تجري في الوضع والتراكيب، والتي يهيئ بعضها لبعض، ويساند بعضها بعضا، حتى إن الحركة التي قد تكون ثقيلة في نفسها صعبة التعبير، قاسية فاقدة لمعنى الجمال، إذا استعملت في القرآن كان لها شأن عجيب، وخاصة وأنها تأتي في إطار كلمات وتعابير ومعان تمهد لها، وتهيئ الظروف المناسبة لتقبلها، فإذا بالتعبير يؤدي الغرض منه، في ظل إعجاز بياني لا يرقى البشر لمثله (2).
ثم جاء الأستاذ سيد قطب بمنهج جديد، إذ التمس معنى الإعجاز من خلال التصوير الفني، الذي يمثل - في رأيه - الأداة المفضلة في أسلوب القرآن.
هذا الإعجاز الذي يعتبر من أهم خصائص القرآن الكريم، والذي أعجز العرب وهم أصحاب بلاغة وفصاحة أن يأتوا بمثله، وتلمس كبار علماء البيان قديما وحديثا، أن يستوعبوا بعضا منه، لا يمكن للترجمة مهما توفرت الكفاءة فيمن تصدوا لها، أن تعبر
(1) سورة الإسراء الآية 88
(2)
انظر تاريخ آداب العرب للأستاذ مصطفى صادق الرافعي ج2ص239