الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صرح جمهورهم: (بأنه لا يجوز التعليل مطلقا). (1).
(1) انظر أم البراهين في العقائد للسنوسي (5) ضمن مجموع مهمات المتون ط. الحلبي الرابعة.
مذهب الماتريدية:
يرى الماتريدية: أن أفعال الله -تعالى- معللة بمصالح العباد، ويخالفون المعتزلة بأن الأصلح غير واجب عليه -تعالى- وإنما هو التفضل منه جل شأنه والإحسان (1).
ويشددون النكير على من لا يقولون بذلك، يقول صاحب التلويح:(وما أبعد من الحق قول من قال: إنها غير معللة بها، فإن بعثة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لاهتداء الخلق، وإظهار المعجزات لتصديقهم، فمن أنكر التعليل فقد أنكر النبوة، وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} (2) وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} (3)، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن ودالة على ما قلنا.
وأيضا: لو لم يفعل لغرض -أصلا-: يلزم العبث) (4).
ويرد حجة المانعين للتعليل تنزيها له -سبحانه- عن الغرض بأن الغرض عائد إلى العبد لتحقيق نفعه، أو لدفع الضر عنه، ولذلك فإن المحذور الذي يخافون الوقوع به من القول بالتعليل غير وارد: فالعبد هو المستكمل بالغرض لا الباري جل شأنه (5). وذلك لإجماع العقلاء على أن ما عدا الواجب -جل شأنه- لا يصلح أن يكون مصدرا لآثار البرهان القطعي الدال على ذلك، فتوقف التأثير في المعلولات على العلل شرعية كانت أو عقلية لنقص في المعلولات لا لعجز في الواجب جل شأنه، فمنفعة تعليل الأحكام بمصالح العباد ترجع إليهم (6).
(1) التوضيح: (2/ 374).
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
التوضيح: (2/ 374).
(5)
المرجع السابق
(6)
سلم الوصول: (3/ 55).
مذهب الحنابلة:
لم نعثر على كلام صريح في التعليل للإمام أحمد رحمه الله وأما أتباعه فقد
اختلفوا في هذا، وتعددت أقوالهم:
فالقاضي أبو يعلى يقول: (ولا يجوز أن يفعل الله -سبحانه- الشيء لغرض ولا لداع: خلافا للقدرية والبراهمة والثنوية وأهل التناسخ وغيرهم من طوائف البدع.
والدليل عليه: أن الأغراض والعلل لا تجوز إلا على من جازت عليه المضار والمنافع، ويكون محتاجا (1).
وفي المسودة ورد قوله: (. . . قد أطلق غير واحد -من أصحابنا- القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والحلواني وغيرهم في غير موضع: أن علل الشرع إنما هي أمارات وعلامات نصبها الله أدلة على الأحكام، فهي تجري مجرى الأسماء.
ثم قال: وهذا الكلام ليس بصحيح على الإطلاق، والكلام في حقيقة العلل الشرعية فيه طول: ذكر ابن عقيل وغيره: أنها وإن كانت أمارات فإنها موجبة لمصالح ودافعة لمفاسد وليست من جنس الأمارات العاطلة الساذجة العاطلة عن الإيجاب (2).
أما (العلل العقلية) - فقد قالوا فيها: القياس العقلي حجة يجب العمل به، ويجب النظر والاستدلال به بعد ورود الشرع.
وبهذا قال جماعة من الفقهاء والمتكلمين، من أهل الإثبات. . . وذهب قوم من أهل الحديث وأهل الظاهر- فيما ذكره ابن عقيل: إلى أن حجج العقول باطلة، والنظر فيها حرام، والتقليد واجب.
وقد نقل عن أحمد الاحتجاج بدلائل العقول (3).
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية - فإنه يجعل القول بالتعليل مظهرا من مظاهر التوحيد الهامة، وذلك أثناء كلامه عن التعليل بأكثر من علة، حيث أشار إلى وجوب تظافر العلل وعدم جواز استقلال علة واحدة بالتأثير، إذ أن الاستقلال بالفعل من خصائص رب العالمين، فيقول رحمه الله: (لا يكون في العالم شيء بالفعل موجود عن بعض الأسباب
(1) انظر المعتمد في أصول الدين: (277).
(2)
انظر المسودة (385).
(3)
انظر المسودة (365).
إلا يشاركه سبب آخر له، فيكون -وإن سمي علة- مقضية سببية، لا علة تامة، ويكون كل منها شرطا للآخر.
كما أنه ليس في العالم سبب إلا وله مانع يمنعه في الفعل، فكل ما في المخلوق مما يسمى علة أو سببا أو قادرا أو فاعلا أو مؤثرا فله شريك هو له كالشرط، وله معارض هو له مانع وضد، وقد قال سبحانه:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} (1) والزوج يراد به النظير المماثل، والضد المخالف وهذا كثير، فما من مخلوق إلا له شريك وند، والرب -سبحانه- وحده هو الذي لا شريك له ولا ند ولا مثل، ولهذا لا يستحق غيره أن يسمى خالقا ولا ربا مطلقا ونحو ذلك، لأن ذلك يقتضي الاستقلال، والانفراد بالمفعول المصنوع وليس ذلك إلا لله وحده) (2).
ويستطرد قائلا: (. . ولا يكون في المخلوق علة إلا ما كان مركبا من أمرين فصاعدا، فليس في المخلوقات واحد يصدر عنه علة: فضلا عن أن يقال: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، بل لا يصدر من المخلوق شيء إلا عن اثنين فصاعدا).
وأما الواحد الذي يفعل-وحده- فليس إلا الله، فكما أن الوحدانية واجبة له، لازمة له فالمشاركة واجبة للمخلوق لازمة له والوحدانية مستلزمة للكمال، والاشتراك مستلزم للنقصان) (3).
فأنت ترى أنه رحمه الله قد اعتبر -بكل وضوح- التعليل من دلائل توحيد الربوبية وأعلامها.
ويشير شيخ الإسلام إلى أن الإمام أحمد يأخذ بالتعليل مسترشدا بما نقل عنه رحمه الله في بعض ما يغلظ تحريمه - من قوله: (هذا كلحم خنزير ميت)(4).
كما نقل ابن القاسم عنه رحمه الله: أنه ذهب إلى أنه لا يجوز الحديد والرصاص متفاضلا: قياسا على الذهب والفضة، وهذا ظاهر في أنه -عليه الرحمة- قد علل تحريم
(1) سورة الذاريات الآية 49
(2)
الفتاوى (20/ 182).
(3)
الفتاوى (25/ 175).
(4)
الفتاوى: (25/ 175).