الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينظر المجتهد، ويعمل فكره، ويبذل جهده لإظهارها، ثم يلحق المسكوت عنه بالمنصوص عليه بوساطتها.
1 -
أن القياس -باعتباره عمل المجتهد- هو المعول عليه في استنباط الأحكام - التي لا نص فيها ولاإجماع.
2 -
أن هذا المعنى هو المناسب لتعابير المجتهدين والفقهاء في مثل قولهم: (قاس فلان كذا على كذا) أي: حمله عليه وشبهه به، وساواه به وكل ذلك يدل على نسبة الفعل إلى المجتهد.
والتحقيق: أن (الحمل والإثبات والجعل) ونحوها لم تجعل دليلا على حكم الفرع إلا بالنظر لكونه ناشئا عن تلك المساواة فهي -في الحقيقة- الدليل والأمارة، لكن لما كانت لا تعرف إلا بفعل المجتهد أطلق لفظ القياس على هذا الفعل -على سبيل المجاز المرسل، ثم صار هذا اللفظ حقيقة عرفية في فعل المجتهد، بحيث لا يفهم منه- عند الإطلاق إلا هو- كما صرح بذلك بعض المحققين.
وبذلك يظهر أنه كما يصح تعريف القياس ب (المساواة) يصح تعريفه بنحو (الإثبات)، بل إن التعريف الثاني أصح وأولى من التعريف الأول وأشهر: فلا معنى لتخطئة المعرفين به (1).
(1) خطأ الآمدي هؤلاء في أحكامه: (3/ 184) وما بعدها
شرح التعريف المختار:
قد اتضح أن التعريف الذي اختاره جمهور المحققين من الأصوليين هو تعريف القاضي أبو بكر الباقلاني - وهو: (حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما، أو نفيه عنهما، بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة، أو نفيهما عنه).
وأبرز ما يمتاز به هذا التعريف عن التعاريف الأخرى:
1 -
أنه لا يرد عليه ما ورد على غيره من الاعتراضات ومع أن الإمامين الرازي والآمدي قد أوردا عليه جملة من الاعتراضات إلا أنها اعتراضات كثير منها لا يرد
وبعضها مما يسهل رده.
2 -
أنه لاحظ القياس بالصفتين: فلاحظ كونه عمل المجتهد - حيث قال: (حمل معلوم على معلوم).
كما لاحظ ما هو دليل المجتهد على هذا الحمل - وهو: المساواة في العلة.
وأما معنى التعريف وشرحه -على الجملة- فهو: إلحاق متصور بمتصور آخر في حكمه، لوجود جامع بينهما، وهذا الإلحاق كما يكون على سبيل الثبوت يكون على سبيل النفي.
وكذلك (الجامع) قد يكون وصفا حقيقيا، وقد يكون حكما شرعيا، وكل واحد منهما - قد يكون إثباتا وقد يكون نفيا.
أما شرحه على التفصيل - فهو: قوله: (حمل. . .) جنس في التعريف - بمعنى إلحاق متصور وهو الفرع بمتصور، وهو الأصل.
وقوله: (معلوم على معلوم) أراد بالمعلوم الأول الفرع وبالمعلوم الثاني الأصل، وإنما عبر به في الموضعين ولم يعبر ب (الشيء): لأن القياس يجري في الموجود وفي المعدوم - سواء أكان ذلك المعدوم جائزا ممكنا أم مستحيلا ممتنعا و (المعلوم) يشمل كلا من الموجود والمعدوم بقسميه.
وأما (الشيء) فهو الثابت المتقرر في الخارج: فلا يشمل المعدوم الممتنع باتفاق الأشاعرة والمعتزلة. كما لا يشمل المعدوم الممكن عند الأشاعرة وإن كان يشمله عند المعتزلة، لأنه -عندهم- ثابت ومتقرر في الخارج -وإن كان غير متصف بصفة الوجود- فلو عبر ب (الشيء) لكان التعريف غير جامع عند الفريقين للقياس في المعدوم الممتنع وغير جامع عند الأشاعرة للقياس في المعدوم الممكن.
مثال القياس في الممتنع: قياس المؤثر من الحوادث مع الله -تعالى- على الشريك له -سبحانه- في أنه لا يجوز اعتقاده، بجامع أن كلا منهما يترتب عليه فساد الكون وخراب العالم.
ومثال قياس المعدوم الممكن: قياس العنقاء على الغول في جواز الوجود بجامع أنه لا يترتب عليه محال.
ويرجع التعبير ب (المعلوم) في الموضعين، ويقدم على التعبير ب (الفرع) و (الأصل) لأمرين.
أولهما: رفع إيهام هذين المعلومين لا بد أن يكونا وجوديين، ذلك الإيهام الناشئ عن أن (الأصل): ما يبنى عليه غيره و (الفرع): ما يبنى على غيره - مع أنهما قد يكونان عدميين، كما تقدم.
وثانيهما: رفع إيهام أن هذا التعريف حينئذ يشتمل على الدور، لأنه قد يقال: إن تصور كل من (الأصل) و (الفرع) فرع عن تصور نفس القياس، لأن (الأصل) هو المقيس عليه و (الفرع) هو: المقيس، فكل منهما مشتق من (القياس) ومعرفة المشتق تتوقف على معرفة المشتق منه: فتكون معرفة (الأصل) و (الفرع) متوقفة على معرفة القياس؛ مع أن المفروض أن معرفة القياس هي المتوقف على معرفتها: فيكون المتوقف قد حدث من جانبي التعريف، وهو حقيقة الدور.
وبذلك يتضح أن التعبير ب (معلوم على معلوم) أصح وأولى من التعبير ب (الأصل والفرع) لأنه لا يترتب عليه شيء مما ذكرنا.
وأما قوله: (في إثبات حكم) ف (الإثبات) يراد منه القدر المشترك بين العلم والاعتقاد والظن سواء تعلقت هذه الثلاثة بثبوت الحكم أو بعدمه وقد يطلق لفظ (الإثبات) ويراد به الخبر باللسان لدلالته عليه.
وإن كان معناه -في الأصل- إدراك الثبوت - أي: التصديق بثبوت أمر لأمر، فهو: التصديق المتعلق بالنسبة الثبوتية.
ويصح أن يراد به: التصديق المعلق بالنسبة -مطلقا- سواء أكانت ثبوتية إيجابية، أم كانت التقائية سلبية، - وهو: حكم الذهن بأمر على أمر أي: بثبوت أمر لأمر أو بانتفائه عنه: كالحكم بأن الوتر مندوب، والخمر حرام، وبأن الكلب لا يصح بيعه، والحائض لا تجب عليها الصلاة.