الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك محرم قيل: يرد ما قبض كالغاصب، وقيل: لا يرده وهو أصح إذا كان معتقدا أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه مثل الحيل الربوية، فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر الله ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم إذا تاب أولى أن يغفر له.
إذا فمن أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله، وأما المسلم الجاهل فهو أبعد، لكن ينبغي أن يكون كذلك فليس هو شرا من الكافر، وقد ذكرنا فيما يتركه من الواجبات التي لم يعرف وجوبها هل عليه قضاء؟ على قولين أظهرهما لا قضاء عليه، إلى أن قال: فمن فعل شيئا لم يعلم أنه محرم ثم علمه لم يعاقب، وإذا عامل بمعاملات ربوية يعتقدها جائزة وقبض منها ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ولا يكون شرا من الكافر، والكافر إذا غفر له ما قبضه لكونه قد تاب فالمسلم بطريق الأولى، والقرآن يدل على هذا بقول:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (1) وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه فانتهى، فقد جعل الله له ما سلف - انتهى - لكن هذا الكلام ينصب على الكافر إذا أسلم وعنده أموال قد قبضها بطريق التعامل الربوي، والمسلم الذي تعامل ببعض المعاملات المختلف فيها هل هي من الربا أو لا؟ أو لكونه يجهل الربا وقبض بموجبها ما لا تحصل لديه ثم تبين له أنها من الربا وتاب منها، وتبقى قضية المسلم الذي تعامل بالربا متعمدا وهو يعلم أنه ربا ثم تاب منه وقد تحصل لديه منه مال فهذا موضع الإشكال، ولعل الحل لهذا الإشكال أن يتصدق به ولا يرده للمرابين كما ذكره ابن القيم في الكلام الذي نقلناه عنه في مهر البغي، والله أعلم.
(1) سورة البقرة الآية 275
الخاتمة والفهارس
الخاتمة:
تبين لنا مما سبق شدة تحريم الربا وخطورته، وأن آكله والمعين على أكله كلاهما ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الوسائل المفضية إليه تأخذ حكمه في التحريم والإثم، وأن من استباحه فهو كافر، ومن أكله مع الإقرار بتحريمه فهو فاسق، وقد عرفنا ما هو الربا
وما هي الأشياء التي يدخلها.
فيجب على المسلم الابتعاد عنه والتحرز منه؛ لأنه قد كثر الوقوع فيه في هذا الزمان لما طغت المادة وضعف المسلمون وفشا الجهل بأحكام الدين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال:«ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره (1)» ، قال المناوي (2) في شرح هذا الحديث:(ليأتين) اللام جواب لقسم محذوف، (على الناس زمان لا يبقى منهم) أي من الناس، (أحد إلا أكل الربا) الخالص، (فإن لم يأكله أصابه من غباره) أي يحيق به ويصل إليه من أثره بأن يكون موكلا أو متوسطا فيه أو كاتبا أو شاهدا أو معامل المرابي أو من عامل معه وخلط ماله بماله، ذكره البيضاوي إلى أن قال: وفي رواية: (من بخاره) وهو ما ارتفع من الماء من الغليان كالدخان والماء لا يغلي إلا بنار توقد تحته، ولما كان المال المأكول من الربا يصير نارا يوم القيامة يغلي منه دماغ آكله، ويخرج منه بخار ناسب جعل البخار من أكل الربا، والبخار والغبار إذا ارتفع من الأرض أصاب كل من حضر وإن لم يأكل. ووجه النسبة بينهما أن الغبار إذا ارتفع من الأرض أصاب كل من حضر وإن لم يكن هو أثاره، كما يصيب البخار إذا انتشر من حضر وإن لم يتسبب فيه، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فإن من تأمل حال الناس اليوم أدرك مصداق هذا الحديث الشريف. وذلك أنه لما فاضت الأموال وتضخمت في أيدي كثير من الناس وضعوها في البنوك الربوية فأصابهم من الربا ما أصابهم، فمنهم من أكله، ومنهم من لم يأكله لكن أعان على أكله فأصابه من غباره، والله المستعان، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، وقنعنا بما رزقتنا، وبارك لنا فيما أعطيتنا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
(1) رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما.
(2)
فيض القدير (5/ 346).