الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
تحريم الوسائل والحيل الربوية:
الربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وكل وسيلة إلى الحرام فهي حرام، لكن قد أخبر صلى الله عليه وسلم أن طائفة من أمته ستستحل الربا باسم البيع فقال:«يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع (1)» ، والربا لم يحرم لمجرد لفظه بحيث إذا غير هذا اللفظ تغير حكمه وانتقل من التحريم إلى الإباحة، وإنما حرم لحقيقته ومعناه، وهذه الحقيقة موجودة رغم الحيل والمراوغات، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» ، والتحيل لا يرفع المفسدة التي حرم الربا من أجلها بل يزيدها قوة وتأكيدا، قال العلامة ابن القيم (2): وذلك من وجوه عديدة:
منها: أنه يقدم على مطالبة المحتاج بقوة لا يقدم بمثلها المرابي الصريح؛ لأنه واثق بصورة العقد واسمه.
ومنها: اعتقاده أن ذلك تجارة مدارة حاضرة والنفوس أرغب شيء في التجارة، ومن الذرائع التي حرمها الشارع لإفضائها إلى الربا:
1 -
أنه نهى عن بيع الربوي بالربوي عن طريق الخرص والتخمين في تقديرهما أو تقدير أحدهما خشية من وقوع ربا الفضل، وقد ترجم لذلك العلماء بقولهم: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره (3) بسنده عن جابر قال: لما نزلت {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله (5)» ، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي خيثم وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وإنما حرمت المخابرة وهي المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي اشتراء الرطب في رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض، والمحاقلة وهي اشتراء الحب في سنبله في الحقل بالحب على وجه الأرض، إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها حسما لمادة الربا؛ لأنه لا
(1) قال ابن القيم: وهذا وإن كان مرسلا فإنه صالح للاعتضاد به وله من المسندات ما يشهد له، إغاثة اللهفان 1/ 367.
(2)
إغاثة اللهفان 1/ 367.
(3)
ص327 ج 1.
(4)
سورة البقرة الآية 275
(5)
سنن أبو داود البيوع (3406).
يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة، ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم إلى أن قال: والشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثله؛ لأن ما أفضى إلى الحرام حرام، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. انتهى كلام ابن كثير.
وقد عد المزارعة من وسائل الربا وهذا على قول من يحرمها، والمسألة خلافية كما هو موضح في كتب الفقه وشروح الحديث فليرجع إليها.
2 -
نهى الشارع عن بيع العينة قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (1)» ، وبيع العينة: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها ممن باعها منه بثمن حال أقل مما باعها به - سميت عينة لحصول النقد - لأن المشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصوده (2)، فالقصد التفاضل في الدراهم وإنما جعلت السلعة وسيلة إلى ذلك.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع (3)» يعني العينة؛ فإن مستحلها يسميها بيعا، وفي هذا الحديث بيان أنها ربا لا بيع، فإن المسلم لا يستحل الربا الصريح وإنما قد يستحله باسم البيع وصورته.
والتعامل ببيع العينة إنما يقع من رجل مضطر إلى نفقة يضن عليه الموسر بالقرض إلا أن يربح في المائة ما أحب، فيبيعه المائة بضعفها بواسطة سلعة يعانها، وكان الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل دين فيأتيه عند حلول الأجل فيقول له: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاد المدين في المال وزاد الغريم في الأجل، فيكون قد باع المال بأكثر منه إلى أجل، فأمرهم الله إذا تابوا أن لا يطالبوا إلا برأس المال، وأهل الحيل يقصدون ما يقصده أهل الجاهلية لكنهم يخادعون الله، ولهم طرق منها بيع العينة.
(1) رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات وله طرق يشد بعضها بعضا نيل الأوطار ص219 ج 5.
(2)
نفس المصدر باختصار.
(3)
صحيح البخاري البيوع (2059)، سنن النسائي البيوع (4454)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 435)، سنن الدارمي البيوع (2536).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (1) ومسألة العينة غير جائزة عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم، وهو المأثور عن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس بن مالك. اهـ.
وأجازها الشافعي وأصحابه (2) أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد وأبي هريرة: «بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا (3)» ، والجمع هو التمر الرديء، وقيل: هو التمر المجموع من أنواع مختلفة، والجنيب هو التمر الجيد (4)، ووجه الاستدلال أنه لم يخص بقوله: ثم اشتر بالدراهم جنيبا غير الذي باع له الجمع، واستدلوا بالاتفاق على أن من باع السلعة التي اشتراها ممن اشتراها منه بعد مدة فالبيع صحيح، فلا فرق بين التعجيل في ذلك والتأجيل، فيدل على أن المعتبر في ذلك وجود شرط في أصل العقد وعدمه فإن تشارطا على ذلك في نفس العقد فهو باطل (5)، وطرحوا الأحاديث الواردة في تحريم العينة (6)، قال الصنعاني:(7) ولعلهم يقولون حديث العينة فيه مقال فلا ينتهض دليلا على التحريم.
والحق ما ذهب إليه الأكثر من تحريم بيع العينة، ويجاب عن استدلال المخالفين بحديث أبي سعيد وأبي هريرة بأنه عام فيخصص بأحاديث تحريم بيع العينة أو بأنه مطلق يجب تقييده بالأدلة الدالة على وجوب سد الذرائع، ويجاب عن الاستدلال الثاني بأنه إن صح ما ادعوه من الاتفاق على جواز بيع السلعة من بائعها الأول بعد مدة - أي بعد قبضه ثمنها - فلا نسلم قياس ما قبل القبض على ما بعده؛ لأنه قياس في مقابلة نص فلا يصح، ويجاب عن طرحهم الاستدلال بأحاديث تحريم العينة لضعفها عندهم بأنها أحاديث يقوي بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض فيحصل من مجموعها الدلالة الواضحة على تحريم العينة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (8): فهذه أربعة أحاديث تبين أن
(1) مجموع الفتاوى ص446ج 29.
(2)
نيل الأوطار ص 220 ج 5، وشرح النووي على صحيح مسلم 11/ 21.
(3)
صحيح البخاري البيوع (2202)، صحيح مسلم المساقاة (1593)، سنن النسائي البيوع (4553)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 60)، موطأ مالك البيوع (1314)، سنن الدارمي البيوع (2577).
(4)
انظر سبل السلام ص9 ج 3.
(5)
فتح الباري ص401 ج 4.
(6)
نيل الأوطار ص220 ج 5.
(7)
سبل السلام ص 14 - 15 ج 3.
(8)
مجموع الفتاوى الكبرى ص 135 - 136 ج 3.
رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا - يعني بيع العينة. حديث ابن عمر الذي فيه تغليظ العينة، وقد فسرت في الحديث المرسل بأنها من الربا، وفي حديث أنس وابن عباس بأنها بيع حريرة، مثلا بمائة إلى أجل ثم يبتاعها بدون ذلك نقدا، وقالوا: هو دراهم بدراهم وبينهما حريرة، وحديث أنس وابن عباس أيضا: هذا ما حرم الله ورسوله، والحديث المرسل الذي له ما يوافقه أو الذي عمل به السلف حجة باتفاق الفقهاء، وحديث عائشة: أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب يعني لما تعاطى بيع العينة، ومعلوم أن هذا قطع بالتحريم وتغليظ له، ولولا أن عند أم المؤمنين علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة.
واستحلال مثل هذا كفر؛ لأنه من الربا واستحلال الربا كفر، لكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم، ولهذا أمرت بإبلاغه، فمن بلغه التحريم وتبين له ذلك ثم أصر عليه لزمه هذا الحكم، وإن لم تكن قصدت هذا فإنها قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمها ثواب الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنة وسيئة بقدرها فما كأنه عمل شيئا. اهـ.
3 -
التورق - وهو أن يحتاج إلى نقد فلم يجد من يقرضه فيشتري سلعة ليبيعها من غير بائعها الأول، ويأخذ ثمنها ليدفع به حاجته فليس به حاجة إلى نفس السلعة وإنما حاجته إلى ثمنها، فيأخذ مثلا ما قيمته مائة بمائة وعشرين مؤجلا ليبيعها ويرتفق بثمنها، والفرق بينها وبين العينة أن يبيعها من غير من اشتراها منه، وسميت هذه المسألة بمسألة التورق؛ لأن المقصود منها الورق.
وقد اختلف العلماء في حكمها على قولين: قول بالجواز؛ لأنها لم تعد إلى البائع بحال بل باعها المشتري لآخر، فلا تدخل في مسألة العينة، وهو قول إياس بن معاوية ورواية عن الإمام أحمد.
والقول الثاني: كراهة مسألة التورق، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد وقول عمر بن عبد العزيز، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (1)، فعلى هذا القول تعتبر من وسائل الربا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم
(1) مجموع الفتاوى ص 434 ج 29، وتهذيب السنن ص 108 ج 5.
أكثر منها إلى أجل لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود في هذه الصورة، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وإنما الذي أباحه الله البيع والتجارة وهو أن يكون المشتري غرضه أن يتجر فيها، فأما إذا كان قصده مجرد الدراهم بدراهم أكثر منها فهذا لا خير فيه.
وقال في الاختيارات (1): وتحرم مسألة التورق وهو رواية عن أحمد، وقال العلامة ابن القيم: تهذيب سنن أبي داود ص108 ج 5. وعلل الكراهة بأنه بيع مضطر، وقد روى أبو داود عن علي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر (2)»، وفي المسند عن علي قال: سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (3)، ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر وذكر الحديث، فأحمد - رحمه الله تعالى - أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نقد؛ لأن الموسر يضن عليه بالقرض، فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها، فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي التورق، ومقصوده في الموضعين الثمن، فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه، ولا معنى للربا إلا هذا، لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصوده إلا بمشقة، ولو لم يقصده كان ربا بسهولة. اهـ.
والذي يظهر لي جواز مسألة التورق إذا حصلت من غير تواطؤ مع طرف ثالث وهو المشتري الأخير؛ لأنها حينئذ تفترق عن العينة، وكذلك لا بد أن تكون السلعة موجودة في ملك البائع الأول حين العقد، والله أعلم.
4 -
النهي عن بيع كل رطب من حب وتمر بيابسه، عن سعد بن أبي وقاص قال:«سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال لمن حوله: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم فنهى عن ذلك (4)» ، قال الشوكاني:(5) قوله: (أينقص) الاستفهام هاهنا ليس المراد به حقيقته - أعني طلب الفهم - لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بأنه ينقص إذا يبس بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الاستفهام هو علة النهي، ومن المشعرات
(1) ص129.
(2)
سنن أبو داود البيوع (3382)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 116).
(3)
سورة البقرة الآية 237
(4)
رواه الخمسة وصححه الترمذي / المنتقى مع شرحه نيل الأوطار ص 211 ج 5.
(5)
نفس المصدر.
بذلك الفاء في قوله: (فنهى عن ذلك)، ويستفاد من هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب؛ لأن نقص كل واحد منهما لا يحصل العلم بأنه مثل نقص الآخر، وما كان كذلك فهو مظنة الربا. اهـ.
وقال الخطابي في معالم السنن (1): وذلك أن كل شيء من المطعوم مما له نداوة ولجفافه نهاية فإنه لا يجوز رطبه بيابسه كالعنب والزبيب واللحم النيئ بالقديد ونحوهما، وكذلك على هذا المعنى لا يجوز منه الرطب بالرطب كالعنب بالعنب والرطب بالرطب؛ لأن اعتبار المماثلة إنما يصح فيهما عند أوان الجفاف، وهما إذا تناهى جفافهما كانا مختلفين؛ لأن أحدهما قد يكون أرق رقة وأكثر مائية من الآخر، فالجفاف ينال منه أكثر، وتتفاوت مقاديرهما في الكيل عند المماثلة، إلى أن قال: وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى أن بيع الرطب بالتمر غير جائز، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وعن أبي حنيفة (2) جواز بيع الرطب بالتمر نقدا. اهـ.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد (3): وأما اختلافهم في بيع الربوي الرطب بجنسه من اليابس مع وجود التماثل في القدر والتناجز فإن السبب في ذلك ما روى مالك عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم، فنهى عن ذلك (4)» فأخذ به أكثر العلماء، وقال: لا يجوز بيع التمر بالرطب على حال - مالك والشافعي وغيرهما - وقال أبو حنيفة يجوز ذلك، وخالفه في ذلك صاحباه. . وسبب الخلاف معارضة ظاهر حديث عبادة وغيره له، واختلافهم في تصحيحه، وذلك أن حديث عبادة اشترط في الجواز فقط المماثلة والمساواة، وهذا يقتضي بظاهره حال العقد لا حال المآل، فمن غلب ظواهر أحاديث الربويات رد هذا الحديث، ومن جعل هذا الحديث أصلا بنفسه قال: هو أمر زائد ومفسر لأحاديث الربويات. اهـ.
قال صاحب بدائع الصنائع من الحنفية (5)، ولأبي حنيفة رحمه الله الكتاب الكريم
(1) ص33ج 5 من التهذيب.
(2)
بدائع الصنائع ص188 ج 5.
(3)
ص138 ج 2.
(4)
سنن الترمذي البيوع (1225)، سنن أبو داود البيوع (3359)، سنن ابن ماجه التجارات (2264)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 179)، موطأ مالك البيوع (1316).
(5)
ص188 ج 5.
والسنة المشهورة، أما الكتاب فعمومات البيع من نحو قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1)، وقوله عز شأنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2).
فظاهر النصوص يقتضي جواز كل بيع إلا ما خص بدليل، وقد خص البيع متفاضلا على المعيار الشرعي فبقي البيع متساويا على ظاهر العموم. وأما السنة المشهورة فحديث أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما حيث جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثلا بمثل، عاما مطلقا من غير تخصيص وتقييد، ولا شك أن اسم الحنطة والشعير يقع على كل جنس الحنطة والشعير على اختلاف أنواعهما وأوصافهما، وكذلك اسم التمر يقع على الرطب والبسر؛ لأنه اسم لتمر النخل لغة، فيدخل فيه الرطب واليابس والمذنب والبسر والمنقع. اهـ.
ولا شك أن الحق ما ذهب إليه الأكثر والأئمة الثلاثة من عدم جواز بيع الرطب باليابس؛ لأن غاية ما تمسك به الإمام أبو حنيفة رحمه الله عمومات تخصص بحديث النهي عن بيع الرطب باليابس مع وجوب سد الذريعة المفضية إلى الربا، والله أعلم.
5 -
النهي عن بيع الربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما، ويترجم له الفقهاء بمسألة - مد عجوة - لأن من صوره أن يبيع مد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم ونحو ذلك، والأصل فيها «حديث فضالة بن عبيد قال: اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يباع حتى يفصل (3)» رواه مسلم (4)، قال النووي: في هذا الحديث إنه لا يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهبا، ويباع الآخر بما أراد، وكذا لا تباع فضة مع غيرها بفضة، وكذا الحنطة مع غيرها بحنطة والملح مع غيره بملح، وكذا سائر الربويات، بل لا بد من فصلها (5)، وقال شيخ الإسلام
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
سورة النساء الآية 29
(3)
صحيح مسلم المساقاة (1591)، سنن النسائي البيوع (4573)، سنن أبو داود البيوع (3352)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 21).
(4)
صحيح مسلم مع شرح النووي (11/ 18).
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم الموضع السابق.