الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودفع حاجته، ومن الحكمة في ذلك اتساع أمور المعاش وبقاء العالم؛ لأن فيه إطفاء نار المنازعات والنهب والسرقة والخيانات والحيل؛ لأن المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يؤول الأمر إلى التقاتل والتنازع وبذلك فناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك (1).
(1) حاشية على نيل الأوطار 5/ 151.
المقارنة بين البيع والربا:
سوى الكفار بين البيع والربا فقالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (1) أي إنما الزيادة عند حلول الأجل التي هي ربا النسيئة كمثل أصل الثمن في أول العقد (2)، وهي محاولة فاشلة لأن هناك فروقا عظيمة مؤثرة بين البيع والربا منها:
أولا: أن البيع قد أحله الله والربا قد حرمه الله، وعلى العباد أن يتلقوا ذلك بالقبول من غير اعتراض.
ثانيا: أن الاتجار بالبيع والشراء قابل للربح والخسارة والمهارة الشخصية والجهد الشخصي، أما الاتجار بالربا فهو محدد الربح في كل حالة (3) لا يبذل فيه جهد ولا تستخدم فيه مهارة فهو ركود وهبوط وكسل.
ثالثا: أن البيع فيه معاوضة ونفع للطرفين، والربا إنما يحصل فيه النفع لطرف واحد، قال في تفسير المنار (4): وقد جعل أكثر المفسرين هذا الجواب يعني قوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (5) من قبيل إبطال القياس بالنص أي أنكم تقيسون في الدين والله تعالى لا يجيز هذا القياس. ولكن المعهود في القرآن مقارعة الحجة بالحجة، وقد كان الناس في زمن التنزيل يفهمون معنى الحجة في رد القرآن لذلك القول؛ إذ لم يكن عندهم من الاصطلاحات الفقهية المسلمة ما هو أصل عندهم في المسائل لا يفهمون
(1) سورة البقرة الآية 275
(2)
تفسير القرطبي 3/ 356.
(3)
في ظلال القرآن 1/ 327.
(4)
3/ 108 - 109.
(5)
سورة البقرة الآية 275
الآيات إلا به، ولا ينظرون إليها إلا لتحويلها إليه، والمعنى الصحيح أن زعمهم مساواة الربا للبيع في مصلحة التعامل بين الناس إنما يصح إذا أبيح للناس أن يكونوا في تعاملهم كالذئاب، كل واحد ينتظر الفرصة التي تمكنه من افتراس الآخر وأكله، ولكن هاهنا إله رحيم يضع لعباده من الأحكام ما يربيهم على التراحم والتعاطف، وأن يكون كل منهم عونا للآخر لا سيما عند شدة الحاجة إليه، ولذلك حرم عليهم الربا الذي هو استغلال ضرورة إخوانهم، وأحل البيع الذي لا يختص الربح فيه بأكل الغني الواجد مال الفقير الفاقد، فهذا وجه للتباين بين الربا والبيع يقتضي فساد القياس.
وهناك وجه آخر وهو أن الله تعالى جعل طريق تعامل الناس في معايشهم أن يكون استفادة كل واحد من الآخر بعمل، ولم يجعل لأحد منهم حقا على آخر بغير عمل؛ لأنه باطل لا مقابل له، وبهذه السنة أحل البيع لأن فيه عوضا يقابل عوضا، وحرم الربا لأنه زيادة لا مقابل لها. والمعنى أن قياسكم فاسد لأن في البيع من الفائدة ما يقتضي حله، وفي الربا من المفسدة ما يقتضي تحريمه، ذلك أن البيع يلاحظ فيه دائما انتفاع المشتري بالسلعة انتفاعا حقيقيا؛ لأن من يشتري قمحا مثلا فإنما يشتريه ليأكله أو ليبذره أو ليبيعه وهو في كل ذلك ينتفع به انتفاعا حقيقيا، وأما الربا وهو عبارة عن إعطاء الدراهم والمثليات وأخذها مضاعفة في وقت آخر فما يؤخذ منه زيادة عن رأس المال لا مقابل لها من عين ولا عمل.
وثم وجه آخر لتحريم الربا من دون البيع وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزانا لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم، فإذا تحول هذا وصار النقد مقصودا بالاستغلال، فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال، فينمو المال ويربو عندهم ويخزن في الصناديق والبيوت المالية المعروفة في البنوك، ويبخس العاملون قيم أعمالهم لأن الربح يكون معظمه من المال نفسه وبذلك يهلك الفقراء، انتهى.
وفيه مقارنة جيدة بين منافع البيع ومضار الربا لكن لا نوافقه على رد الوجه الأول وهو أن قولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (1) من قبيل استعمال القياس في مقابلة النص، وذلك باطل مردود؛ لأن هذه قاعدة مسلمة والتعليل بها هو ظاهر الآية الكريمة، ولا
(1) سورة البقرة الآية 275