الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع صحيفة 212: [كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1)].
وفريق آخر من العلماء يرون أن الذي يحلف الأيمان هم الوارثون فقط وممن قال بهذا الرأي الإمام الشافعي، جاء في الجزء الخامس من الأم صحيفة 92:[وإذا قتل الرجل فوجبت فيه القسامة لم يكن لأحد أن يقسم عليه إلا أن يكون وارثا، كان قتله عمدا أو خطأ، وذلك أنه لا تملك النفس بالقسامة إلا دية المقتول ولا يملك دية المقتول إلا وارث فلا يجوز أن يقسم على ما لا يستحقه إلا من له المال بنفسه أو من جعل الله تعالى له المال من الورثة] وفي الشرح الكبير لابن قدامة الجزء العاشر صحيفة 32 [أن الأيمان تختص بالورثة دون غيرهم لأنها يمين في دعوى حق فلا تشرع في حق غير المتداعين كسائر الأيمان] فعلى هذه الرواية يقسم بين الورثة من الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة وإن كان واحدا حلفها.
إلخ.
(1) سورة الأحزاب الآية 36
هل يشترط
وجود ذكر بالغ حين الدعوى:
من أخذ بالرواية الثانية في مذهب الإمام أحمد أنه لا يقسم إلا الوارث وأن الأيمان تعرض على ورثة المقتول دون غيرهم على حسب مواريثهم، من أخذ بهذه الرواية ولم يجد للقتيل إلا ابنا قاصرا فهل يؤول الأمر إلى القسامة؟ قبل الإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع إلى نص أقوال أهل العلم في ذلك لنكون على بينة من الأمر: جاء في الجزء السادس من كتاب كشاف القناع صفحة 59 ما نصه: [الشرط الرابع من شروط القسامة: أن يكون في المدعين ذكور مكلفون ولو واحدا] وقال في الجزء الثالث من المنتهى صفحة 333: [الشرط التاسع كون فيهم أي الورثة ذكور مكلفون لحديث «يقسم خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم (1)» ولأن القسامة يثبت فيها قتل فلم يسمع من النساء كالشهادة والدية إنما تثبت ضمنا لا قصدا، ولا يقدح غيبة بعضهم أي
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4713)، سنن أبو داود الديات (4520)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، سنن الدارمي الديات (2353).
الورثة ولا عدم تكليفه بأن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا] إلخ. وقال في مطالب أولي النهى الجزء السادس صفحة 151: [الشرط التاسع: كونه في الورثة ذكور مكلفين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم (1)»] ولأن القسامة يثبت بها قتل العمد فلم تسمع من النساء. إلخ وقال في المقنع وحاشيته الجزء الرابع صفة 74 الشرط الرابع: [أن يكون في المدعين رجال عقلاء ولا مدخل للنساء والصبيان والمجانين في القسامة، عمدا كان القتل أو خطأ]. إلخ هذا هو رأي فقهاء الحنابلة في المسألة.
أما الإمام مالك رحمه الله فيرى أنه في حال قتل العمد لا يحلف إلا العصبة ولا يحلف أقل من رجلين من العصبة ويستوي أن يكون العاصب وارثا أم غير وارث، قال في الجزء السادس من المدونة صفحة 416 [أرأيت إن لم يكن للمقتول إلا وارث واحد أيحلف هذا الوارث وحده خمسين يمينا ويستحق الدية أو القتيل إن ادعي العمد؟] قال مالك:[أما في الخطأ فإنه يحلف خمسين يمينا ويستحق الدية كلها فأما في العمد فلا يقتل إلا بقسامة رجلين فصاعدا، فإن نكل واحد من ولاة الدم الذين يجوز عفوهم إن عفوا فلا سبيل إلى القتل وإن كانوا أكثر من اثنين، وإن كان ولاة الدم رجلين فنكل أحدهما فلا سبيل إلى الدم] وقال في الصحيفة بعدها [سألت مالكا عن الرجل يقتل وله ولد صغار كيف ترى في أمره أينتظر بالقاتل إلى أن يكبر ولده؟ قال: إذا بطل الدماء ولكن ذلك إلى أولياء المقتول ينظرون في ذلك، فإن أحبوا القتل قتلوا، وإن أرادوا العفو فإنه بلغني عن مالك أن ذلك لا يجوز لهم إلا بالدية ولا يجوز عفوهم بغير دية لأن ولاة الدم هؤلاء الصغار، قال مالك إن كان الكبار اثنين فصاعدا فذلك لهم لأن الصغار منهم ليسوا بمنزلة من نكل عن اليمين وإن استؤني به إلى أن يكبر الصغار بطلت الدماء].
ومن المعلوم أن رأي الإمام أبي حنيفة أنه لا يوجب بعد القسامة إلا الدية في العمد، وغير العمد لأن القسامة جعلت لحقن دماء المدعى عليهم، ويرى الشافعي في القديم جواز القصاص بالقسامة في العمد، لكن رأيه الأخير أنه لا يجب بالقسامة إلا الدية سواء كان الفعل عمدا أو شبه عمد أو خطأ.
ومن هذا يتضح أن الإمامين أبا حنيفة والشافعي في الجديد لا يرون أن القسامة بعد تحقق شروطها لديهم توجب القصاص وإنما توجب الدم فقط.
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4713)، سنن أبو داود الديات (4520)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، سنن الدارمي الديات (2353).
أما المالكية فيعتبرون أقل العدد في القسامة رجلين وأنه إذا لم يكن إلا صغار فإن الدماء تبطل، ولا ينتظر حتى بلوغ الصغار.
أما الحنابلة فيقولون بانتظار الصغير والغائب ونحوه بالقسامة عند وجود ذكر بالغ، أما عند عدمه فلا يرون القسامة، ولهذا قال صاحب كشاف القناع في الجزء السادس صفحة 60 [وإن كان الجميع من الورثة لا مدخل لهم في القسامة كالنساء والصبيان فكما لو نكل الورثة فيحلف المدعى عليه خمسين يمينا ويبرأ] اه.
واتفاق فقهاء الحنابلة على اشتراط وجود ذكر بالغ واضح من أقوالهم آنفة الذكر وأختم قولي بما ذكره صاحب المغني بأن النساء والصبيان لا يقسمون، وأنه إن كان القتل عمدا لم يقسم الكبير حتى يبلغ الصغير، وهذا مفهومه إن كان ثمة كبير، أما إذا لم يكن هناك كبير فقد اختلت القاعدة.
وقد اطلعت على رأي لبعض طلبة العلم رأوا فيه أنه إذا لم يكن للقتيل إلا ابن قاصر فإنه يحبس القاتل لحين بلوغ القاصر وحلفه الأيمان، وحيث إن هذا الرأي لا يستند إلى نص من أقوال أهل العلم حسبما اطلعت عليه، أردت إيضاح هذه النقطة بالذات ليكون طالب العلم على بينة من أمره.
وفي الختام أرجو من إخواني طلبة العلم وخصوصا ممن ابتلي بنظر شيء من الدماء أن يحرصوا على الاطلاع على أقوال أهل العلم قبل البت في القضية، وأن يكون رائدهم إصابة الحق وأن يتركوا التعصب لرأي رأوه، طالما أن شخصا ولو كان في نظرهم أقل منهم أرشدهم إلى دليل أقوى مما رأوه، وأسأل الله العلي القدير أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه على كل شيء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
غنيم بن مبارك بن غنيم
صفحة فارغة
الدكتور طه جابر العلواني
- أستاذ في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو أمناء معهد الفكر الإسلامي، ومسئول البحث العلمي فيه.
- محقق كتاب المحصول للإمام فخر الدين الرازي في أصول الفقه، وله كتاب التقليد، وله عدد من المقالات
صفحة فارغة
تعليل الأحكام الشرعية
واختلاف العلماء فيه
وحقيقة موقف الحنابلة منه
وأثر ذلك في حجية القياس
بقلم الدكتور طه جابر فياض العلواني
التعليل لغة:
(العلة) -بالكسر- معنى يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، ومنه سمي المرض (علة).
و (العلة): الحدث يشغل صاحبه عن وجهه، كأن تلك (العلة) قد صارت شغلا ثانيا منعه عن شغله الأول.
و (المعلل): دافع جابي الضرائب بالعلل.
و (التعلة والعلالة): ما يتعلل به.
و (علله تعليلا) لهاه به.
و (هذا علة لهذا) - أي: سبب.
و (اعتل): إذا تمسك بحجة (1) ذكر معناه الفارابي.
و (أعله): جعله ذا علة ومنه إعلالات الفقهاء، واعتلالاتهم (2).
التعليل اصطلاحا:
من الواضح أن التعليل كان ظاهرا بينا في الكثير من آيات القرآن العظيم، كما هو ظاهر كذلك في أحاديث كثيرة فالله سبحانه وتعالى يقول- معللا إيجاد العباد:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} (3) ويعلل إرسال الرسل بقوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (4) وعلل تشريع القصاص بحفظ النفوس: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (5).
وعلل بعض التشريعات الخاصة كتعليل أمر الله لرسوله بالزواج من زينب بقوله: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} (6) وغير ذلك كثير.
كما علل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمورا كثيرة صراحة وإيماء - فمنها قوله عليه الصلاة والسلام: «كنت قد نهيتكم عن لحوم الأضاحي من أجل الدافة، فكلوا وادخروا (7)» .
ونحو قوله: «لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة (8)» .
(1) المصباح المنير مادة ((علل)): (583) ط الأميرية السادسة.
(2)
المصباح المنير مادة ((علل)): (583) ط الأميرية السادسة.
(3)
سورة الذاريات الآية 56
(4)
سورة النساء الآية 165
(5)
سورة المائدة الآية 32
(6)
سورة الأحزاب الآية 37
(7)
حديث صحيح رواه الترمذي. على ما في الجامع الصغير: (2/ 162).
(8)
حديث صحيح ورد من طرق عدة، وبألفاظ متعددة أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه، على ما في الجامع الصغير:(2/ 223).