الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمقاصدها لا بصورها، فإن كان الوضع والتعجيل مفسدة فالاحتيال عليه لا يزيل مفسدته، وإن لم يكن مفسدة لم يحتج إلى الاحتيال عليه.
الثاني: من نوعي ربا النسيئة: ما كان في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما - ويسميه بعضهم: ربا اليد (1) - كبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، وكذا بيع جنس بآخر من هذه الأجناس مؤجلا، وما شاركها في العلة يجري مجراها في هذا الحكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد (2)» في أحاديث كثيرة جاءت بمعناه (3) فقوله صلى الله عليه وسلم: (يدا بيد) يعني الحلول والتقابض قبل التفرق في بيع هذه الأشياء بعضها ببعض، ويقاس عليها ما شاركها في العلة - كما يأتي بيانه إن شاء الله.
(1) انظر مغني المحتاج ص21 ج 2، والروض المربع ص117 ج 2 بحاشية العنقري.
(2)
رواه أحمد والبخاري، المنتقى مع شرحه نيل الأوطار ص203 ج 5.
(3)
رواه أحمد والبخاري، المنتقى مع شرحه نيل الأوطار ص203 ج 5.
النوع الثاني من أنواع الربا:
ربا الفضل
وهو الزيادة، وقد نص الشارع على تحريمه في ستة أعيان هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، واتفق الناس على تحريم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس (1)، فقد حكى غير واحد الإجماع على تحريمه بين الستة المذكورة إذا بيع بعضها ببعض (2)، فإن قيل: كيف تصح حكاية الإجماع مع أنه ثبت في الصحيح عن ابن عباس عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ربا إلا في النسيئة (3)» فمقتضاه جواز ربا الفضل، وقد روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما القول بجوازه (4)، قيل عن ذلك عدة أجوبة:
(1) انظر إعلام الموقعين ص136 ج 2.
(2)
بمعناه من أضواء البيان للشنقيطي ص230 ج 1.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي ص25 ج 11.
(4)
انظر نيل الأوطار ص 203 ج 5.
الجواب الأول:
أن حديث أسامة منسوخ بالأحاديث التي تدل على تحريم ربا الفضل، ومما يدل على نسخه بها الإجماع على ترك العمل به (1)، قال الشوكاني: لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
الجواب الثاني:
أنه محمول على ما إذا اختلف الجنسان، فإنه في هذه الحالة يجوز التفاضل ويحرم النسأ بدليل الروايات الصحيحة المصرحة بأن ذلك هو محل جواز التفاضل، وأنه في الجنس الواحد ممنوع (2) فيكون حديث أسامة عاما في الجواز فيما إذا اتحد الجنس أو اختلف، والأحاديث الأخرى خاصة بالمنع مع اتحاد الجنس، والخاص مقدم على العام كما هو مقتضى القواعد.
الجواب الثالث:
أنه حديث مجمل والأحاديث التي تمنع ربا الفضل مبينة، فيجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه (3).
الجواب الرابع:
أنه رواية صحابي واحد، وروايات منع ربا الفضل عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رووها صريحة عنه صلى الله عليه وسلم ناطقة بمنع ربا الفضل، ورواية الجماعة من العدول أقوى وأثبت وأبعد عن الخطأ من رواية الواحد (4).
(1) النووي في شرح صحيح مسلم ص25 ج 11.
(2)
أضواء البيان ص231 ج 1.
(3)
النووي في شرح مسلم.
(4)
أضواء البيان ص236 ج 1.
الجواب الخامس:
أن المعنى في قوله: لا ربا إلا في النسيئة، أي الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل (1).
الجواب السادس:
أن إباحة ربا الفضل في حديث أسامة المذكور إنما هي بدلالة المفهوم، وتحريمه بالأحاديث الأخرى بدلالة المنطوق، ولا شك أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم (2).
هذا ما أجيب به عن حديث أسامة، وكل جواب منها يكفي بمفرده لرد الاستدلال به بحمد الله، ولكن كلما تكاثرت الأجوبة كان أقوى في الرد وأقطع لحجة الخصم.
وأما الإجابة عما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا بجواز ربا الفضل فهي أن يقال: إنما قالا ذلك باجتهادهما ثم لما بلغهما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعه رجعا عن رأيهما، فلم يبق أي شبهة في تحريم ربا الفضل، وصحت حكاية الإجماع على تحريمه كما سبق.
جودة أحد الجنسين الربويين على الآخر
(1) نيل الأوطار ص203 ج 5.
(2)
بمعناه من نيل الأوطار ص203 ج 5.
هل جودة أحد الجنسين الربويين تبرر الزيادة من الجنس الرديء؟
لا تكون جودة أحد الجنسين مبررة للزيادة إذا بيع أحدهما بالآخر، والأصل في هذا حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟، قال: لا والله يا رسول
الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل - بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا (1)».
والجنيب قيل هو الطيب، وقيل هو الذي أخرج من حشفه ورديئه، وقيل هو الذي لم يختلط بغيره (2)، وعلى كل التفاسير فالمراد به الجيد من التمر، والجمع تمر رديء أو هو الخليط من أنواع مختلفة (3).
قال الشوكاني في نيل الأوطار (4): والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع رديء الجنس بجيده متفاضلا، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه، انتهى، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى الطريقة السليمة البعيدة عن الربا التي يسلكها من أراد أن يستبدل التمر الجيد بالتمر الرديء، وذلك بأن يبيع التمر الرديء بدراهم ويشتري بالدراهم تمرا جيدا، وهذه الطريقة تتبع في كل ربوي يراد استبداله بربوي أحسن منه؛ لأن الجودة في أحد الجنسين لا تبرر الزيادة إذا بيع أحدهما بالآخر والله أعلم.
إذا باع ربويا بثمن مؤجل فهل يجوز له أن يعتاض عن ذلك الثمن ربويا آخر؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (5): (هذه فيها نزاع بين العلماء فمذهب الفقهاء السبعة ومالك وأحمد في المنصوص عليه (6) أن ذلك لا يجوز، فمن باع مالا ربويا كالحنطة والشعير وغيرهما إلى أجل لم يجز أن يعتاض عن ثمنه بحنطة أو شعير أو غير ذلك مما لا يباع به نسيئة؛ لأن الثمن لم يقبض فكأنه قد باع حنطة أو شعيرا بحنطة أو شعير إلى أجل متفاضلا).
وهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، وقال أبو حنيفة والشافعي:(هذا يجوز وهو اختيار أبي محمد المقدسي من أصحاب أحمد؛ لأن البائع إنما يستحق الثمن في ذمة المشتري وبه اشترى فأشبه ما لو قبضه ثم اشترى من غيره)، وقد علل الشيخ المنع بأن الثمن لم يقبض
(1) رواه البخاري / فتح الباري 4/ 399 - 1400، ومسلم مع شرح النووي 11/ 24.
(2)
فتح الباري 4/ 400.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 21.
(4)
نيل الأوطار 5/ 207.
(5)
مجموع الفتاوى 29/ 448 - 449.
(6)
انظر كشاف القناع على متن الإقناع 3/ 150.