الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخيرا لما طعن عمر، أخذ بيد عبد الرحمن فقدمه، فصلوا الفجر يومئذ صلاة خفيفة (1).
لقد كان عبد الرحمن موضع ثقة الشيخين المطلقة إلى أبعد الحدود، كما كان موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم وثقة المسلمين كافة.
(1) طبقات ابن سعد (3/ 337).
2 -
مع الشورى:
استشهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لثلاث بقين أو أربع من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين الهجرية (1)، فلما وجد عمر حد السلاح سقط وأمر عبد الرحمن بن عوف فصلى بالناس، وعمر طريح، فاحتمل فأدخل بيته. ودعا عبد الرحمن، فقال له:(إني أريد أن أعهد إليك)، قال:(أتشير علي بذلك؟)، قال:(اللهم لا)، فقال عبد الرحمن:(والله لا أدخل فيها أبدا)، قال:(فهبني صمتا حتى أعهد إلى النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض)، ثم دعا عليا وعثمان والزبير وسعدا، فقال:(انظروا أخاكم طلحة ثلاثا، فإن جاء وإلا فاقضوا أمركم (2)، ثم قال:(فإن أصابت سعدا فذاك، وإلا فأيهم استخلف فليستعن به، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة)، وجعل عبد الله بن عمر معهم يشاورونه وليس له من الأمر شيء (3)، وهكذا كان عبد الرحمن أحد الستة الشورى، فلما دفن عمر كان عبد الرحمن أحد الذين نزلوا في قبره (4).
ولما مات عمر وأخرجت جنازته جمع المقداد بن الأسود أهل الشورى، وأمروا أبا طلحة الأنصاري أن يحجبهم.
وقال عبد الرحمن لزملائه: (أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها
(1) البداية والنهاية (7/ 138)، والعبر (1/ 27).
(2)
ابن الأثير (3/ 50)
(3)
طبقات ابن سعد (3/ 339).
(4)
ابن الأثير (3/ 52).
أفضلكم؟) فلم يجبه أحد، فقال:(فأنا أنخلع منها)، فقال عثمان:(أنا أول من رضي)، فقال القوم (رضينا)، وعلي ساكت. فقال:(ما تقول يا أبا الحسن؟) قال: (أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص ذا رحم، ولا تألوا الأمة نصحا)، فقال:(أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على من بدل وغير، وأن ترضوا من اخترت لكم، وعلي ميثاق الله أن لا أخص ذا رحم لرحمه، ولا آلو المسلمين)، فأخذ منهم ميثاقا وأعطاهم مثله (1).
وفي رواية أخرى، أن عبد الرحمن حين قال لأصحاب الشورى:(هل لكم إلى أن أختار لكم وأتقصى منها؟)، فقال علي:(نعم، أنت أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض)(2) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وبدأ بعلي فقال له: تقول: إني أحق من حضر بهذا الأمر لقرابتك وسابقتك، وحسن أثرك في الدين، ولم تبعد. ولكن، أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق به؟)، قال: عثمان).
وخلا بعثمان فقال: (تقول شيخ من بني عبد مناف، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، ولي سابقة وفضل، فأين يصرف هذا الأمر عني؟ ولكن، لو لم تحضر، أي هؤلاء الرهط تراه أحق به؟)، قال:(علي).
ودار عبد الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم، حتى إذا كان الليلة التي صبيحتها يكمل الأجل الذي حدده عمر بن الخطاب ثلاثة أيام، دعا الزبير وسعدا، وبدأ بالزبير فقال له:(خل بني عبد مناف وهذا الأمر)، قال:(نصيبي لعلي). وقال لسعد: (اجعل نصيبك لي)، فقال:(إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان، فعلي أحب إلي أيها الرجل! بايع لنفسك وأرحنا وارفع رءوسنا)، فقال له:(قد خلعت نفسي على أن أختار، ولو لم أفعل لم أردها).
(1) انظر التفاصيل في ابن الأثير (3/ 65 - 69).
(2)
طبقات ابن سعد (3/ 134)، والإصابة (4/ 177)
(3)
أسد الغابة (3/ 315)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 301).