الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراجع
1 -
القرآن الكريم.
2 -
تفسير ابن جرير.
3 -
تفسير ابن كثير.
4 -
تفسير القرطبي.
5 -
التفسير القيم لابن القيم.
6 -
أضواء البيان للشنقيطي.
7 -
تفسير المنار.
8 -
صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري.
9 -
صحيح مسلم مع شرح النووي.
10 -
نيل الأوطار للشوكاني.
11 -
الزواجر لابن حجر الهيتمي.
12 -
المعاملات المصرفية لابن دريب.
13 -
الروضة الندية للشيخ محمد بن إبراهيم.
14 -
الربا والمعاملات في الإسلام للشيخ محمد رشيد رضا.
15 -
مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
16 -
إعلام الموقعين لابن القيم.
17 -
زاد المعاد لابن القيم.
18 -
القاموس المحيط في اللغة.
19 -
مغني المحتاج في الفقه.
20 -
المبدع شرح المقنع.
21 -
بداية المجتهد لابن رشد.
22 -
الاختيارات الفقهية.
23 -
إغاثة اللهفان لابن القيم.
24 -
الكافي لابن عبد البر.
25 -
المحلى لابن حزم.
26 -
سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني.
27 -
بدائع الصنائع في الفقه.
28 -
مجلة البحوث الإسلامية.
29 -
الفتاوى السعدية.
30 -
الشرح الكبير للدردير.
31 -
الشرح الصغير.
32 -
تهذيب سنن أبي داود لابن القيم.
33 -
فتح القدير فقه حنفي.
34 -
كشاف القناع عن متن الإقناع.
35 -
تهذيب الأسماء واللغات للنووي.
صفحة فارغة
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
- ولد في حوطة بني تميم، من أعمال نجد، سنة 1327هـ، وتلقى علومه الأولية على عدد من المشايخ، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ودرس وحفظ كثيرا من الكتب والمتون في الحديث والفقه واللغة.
- تقلد أمانة القضاء في دولة قطر، سنة 1359هـ، وله جهود طيبة في تطوير القضاء الشرعي.
- ألف عددا من الكتب والرسائل، التي تبين اجتهاداته، في ما جد من قضايا تهم المسلمين، وبلغ مجموع مؤلفاته سبعا وأربعين مؤلفا.
صفحة فارغة
قولهم العقد شريعة المتعاقدين
بقلم الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
الحمد لله ونستعين بالله ونصلي ونسلم على محمد رسول الله.
أما بعد: لقد سمعت من قذائف القوانين قول بعضهم (العقد شريعة المتعاقدين) يعنون بذلك العقد الذي ينظمه القانون المدني ويبنون حكمهم عليه مع قطع نظرهم عما يجيزه الشرع أو يحرمه، فلا قيمة لأحكام الشرع عندهم أو في عرفهم، فهذه الكلمة بهذه الصفة تفتح باب الشر فتجعل الحلال حراما -فالزنا في عرفهم وقانونهم متى وقع بطريق الرضا فهو جائز قطعا، وكذلك اللواط بين الذكور، ومثله أكل الربا أضعافا مضاعفة فإنهم يرونه في عرفهم جائزا قطعا، وكذا القمار وبيع الخمر وشراؤه وبيع الخنزير فكل هذا يرونه جائزا وحلالا- لكون القانون المدني مقتبسا من القانون الفرنسي وهو الرائج الآن في البلدان العربية والذي يتصدر الحكم بموجبه القضاة المدنيون وهذا كله باطل، ولا يعتد به ولا نفاذ لحكمه بطريق الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» ، وقال:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق (2)» .
(1) صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(2)
صحيح البخاري العتق (2563)، صحيح مسلم العتق (1504)، سنن الترمذي الوصايا (2124)، سنن النسائي الطلاق (3451)، سنن أبو داود العتق (3929)، سنن ابن ماجه الأحكام (2521)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 213)، موطأ مالك العتق والولاء (1519)، سنن الدارمي الطلاق (2289).
وسمعت من بعضهم قولهم (الرضا شريعة المتعاقدين) وهذه الكلمة بهذه الصفة لا تبقي من الإسلام وأمور الحلال والحرام ولا تذر، والله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع أحكامه وبين حلاله وحرامه ليقوم الناس بالقسط، أي بالعدل، فقال سبحانه:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (1) فالكتاب هو الهادي إلى الصواب، والميزان هو العادل يبين الهدى من الضلال-إن قولهم (الرضا شريعة المتعاقدين) هي حملة على القرآن والسنة وأحكام الشريعة الإسلامية، ومثله قولهم (العقد شريعة المتعاقدين) فليس كل عقد يسوغ بأن يكون شريعة للناس، فإن العقد منه الحق ومنه الباطل- والحق أن شريعة المتعاقدين هو حكم الله ورسوله لقوله سبحانه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2).
ومثله قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا (3)» ، ومثله «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا (4)» ، وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الحلال بين، والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس (5)» الحديث، لكن القليل من الناس هم الراسخون في العلم والفهم يعرفون هذه المتشابهات فيلحقون الحلال بالحلال والحرام بالحرام بمقتضى الدلائل والأحكام، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
ثم إن الأصل في العقود (الإباحة) حتى يقوم دليل التحريم، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلى أن يقوم دليل الإباحة، وهذا هو مذهب الظاهرية وعليه تدل نصوص الإمام الشافعي وأصوله.
وذهب الإمام مالك إلى أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل على تحريمه، وعليه تدل نصوص الإمام أحمد وأصوله، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الأصل في العقود الصحة والجواز ولا يحرم
(1) سورة الحديد الآية 25
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
سنن أبو داود الأقضية (3594).
(4)
سنن الترمذي الأحكام (1352)، سنن ابن ماجه الأحكام (2353).
(5)
صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي البيوع (4453)، سنن أبو داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270)، سنن الدارمي البيوع (2531).
ويبطل منها إلا ما دل الشرع على إبطاله وتحريمه بنص صحيح أو قياس صريح قال: وأصول الإمام أحمد المنصوصة عنه تجري على هذا القول ومالك قريب منه - انتهى.
وقد نهج هذا المنهج العلامة ابن القيم رحمه الله قال -في الإعلام الخطأ الرابع-: [فساد اعتقاد من قال: إن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملتهم على البطلان حتى يقوم دليل الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة عقد أو شرط أو معاملة، استصحبوا بطلانه فأفسدوا بذلك عقودا كثيرة من معاملات الناس وشروطهم بلا برهان من الله، بناء على هذا الأصل، وجمهور الفقهاء على خلافه، وإن الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان، وهذا القول هو الصحيح فإنه لا حرام إلا ما حرم الله ورسوله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله] انتهى.
فهذه القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله الحكيم يجب أن ترد إلى شرع الله الحكيم، فقد أعطى الله كل ذي حق حقه. وقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) يعني المباحة في شرع الله أما القوانين الوضعية فإنه لا قيمة لها في شرع الله الحكيم كما قيل:
لا وافق الحكم المحل ولا هو
…
استوفى الشروط فكان ذا بطلان
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها، تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه» وحدود الله محرماته، والبشر محكومون وليسوا بحاكمين - وإنما سمي المسلم مسلما لاستسلامه لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2){إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3).
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4)» وقال: «كل شرط ليس
(1) سورة المائدة الآية 1
(2)
سورة الأحزاب الآية 36
(3)
سورة النور الآية 51
(4)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط، قضاء الله أحق (1)».
إن كلمة (العقد شريعة المتعاقدين) هي كلمة كفر واعتقادها كفر، والعمل بها كفر- تزيغ المسلمين عن معتقدهم الصحيح ثم تقودهم إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل فهي تنقض عرى الإسلام عروة عروة، بحيث يكون الناس بها أشر من الجاهلية الأولى، فيستبيحون نكاح الأمهات والبنات بناء على الرضا الواقع بينهم.
وقد ذكرتني هذه القاعدة الطاغية الباغية خصومة بين أخوين شقيقين يرث أحدهما الآخر، فاشتد الخصام بينهما فتواثقا وتكاتبا على أنه لا يرث أحدهما الآخر، فأشعرتهما بحكم الله ورسوله وأن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا يحق لشخص أن يقطع صلة الإرث الذي شرعه الله، فهذا الاتفاق باطل، وكتابته باطلة، ومن مات منهما ورثه أخوه وإن رغم أنفه.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له وسماه (التيس المستعار) مع كون هذا النكاح وقع بالتراضي، ومثله نكاح المحارم وذوات الأزواج.
والحق أن يقال: إن الرضا الذي لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، أشبه (الشرط) فإن المسلمين على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، ومثله الصلح - جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا.
ثم إن كتب الفقه الإسلامي من شتى المذاهب لا تغادر صغيرة ولا كبيرة مما عسى أن يقع فيها النزاع بين الناس، وهي مقتبسة من القرآن والسنة {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (2) فبالغوا في استنباط الأحكام وتصنيفها على حسب اجتهادهم، المصيب له أجران والمخطئ له أجر.
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمو من اللوم
…
أو سدوا المكان الذي سدوا
أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا
…
وإن عاهدوا وفوا وإن عقدوا شدوا
والنبي صلى الله عليه وسلم لعن بائع الخمر ومشتريها وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها
(1) صحيح البخاري البيوع (2168)، صحيح مسلم العتق (1504)، سنن أبو داود العتق (3929)، موطأ مالك العتق والولاء (1519).
(2)
سورة النساء الآية 83
والمحمولة إليه، وكل هؤلاء وقع بطريق التراضي بينهم فشملتهم اللعنة، ومثله حديث:«لعن رسول الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه (1)» لوقوع الرضا بينهم في عمله فشملتهم اللعنة أيضا.
ولما قسم سبحانه المواريث بين الورثة وأعطى كل ذي حق حقه ختمها بقوله {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2){وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (3).
والحاصل: أن قولهم (الرضا شريعة المتعاقدين). هي كلمة باطلة والحقيقة أنها صيغت لتكون مفتاحا لكل شر، وهي معنى قولهم (العقد شريعة المتعاقدين) فإنهم لا يعنون فيها العقد الصحيح الذي لا يخالف فيها أي مسلم، وإنما يعنون بها العقد على أي صفة وقع، فهي من شريعة قوانين الخارجين عن الدين الذين لا يرجون عند الله ثوابا ولا يخافون عقابا {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (4) {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) وقال:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (6).
إن كثرة استمرار هذه الكلمة على أسماع الناس وأبصارهم وروجان كتب القوانين بينهم، قد أثرت فيهم شيئا من التهاون من منكرات الجرائم ككبيرة الزنا، فقد كان في صدر الإسلام يرجم الزاني المحصن متى ثبت الزنا عليه باعترافه أو البينة ولا تأخذهم فيه لومة لائم، ومن يهن الله فما له من مكرم وقال:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (7) «وخطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث نبيه
(1) صحيح مسلم المساقاة (1597)، سنن الترمذي البيوع (1206)، سنن النسائي الطلاق (3416)، سنن أبو داود البيوع (3333)، سنن ابن ماجه التجارات (2277)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 465)، سنن الدارمي البيوع (2535).
(2)
سورة النساء الآية 13
(3)
سورة النساء الآية 14
(4)
سورة المائدة الآية 50
(5)
سورة آل عمران الآية 85
(6)
سورة المائدة الآية 49
(7)
سورة النور الآية 2
بالكتاب وكان فيما أنزل آية الرجم قرأناها ووعيناها فرجم رسول الله الزاني المحصن ورجمنا معه، وإني أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن إذا كانت البينة أو الحبل أو الاعتراف (1)» - رواه البخاري.
وإن أكبر تأثير وقع بالناس من تهاونهم بهذه الجريمة هو كثرة الابتداء بها، وتعاقب القوانين على عدم العقاب عليها لكون المنكرات متى كثر على القلوب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها عن القلوب شيئا فشيئا، إلى أن يراها الناس فلا يرون أنها منكرات، ولا يمر بفكر أحدهم أنها معاص، وذلك بسبب سلب القلوب نور التمييز والإنكار على حد ما قيل: إذا كثر الإمساس قل الإحساس.
فالحكم بالقوانين ونصب القضاة لتنفيذها وروجان كتبها بين الناس، يعود بالضرر وفساد الأخلاق على خاصة الشباب وعامة العباد والبلاد كما قيل:
الدين يشكو بلية
…
من فرقة فلسفية
فلا ترى الشرع إلا
…
سياسة مدنية
ويؤثرون عليه
…
مناهج جدلية
إن هؤلاء الشباب من أبناء المسلمين متى تخرج أحدهم من إحدى المدارس الأجنبية رجع إلى أهله وبلده وأخذ يبث جراثيم تلك التعاليم السيئة التي حملها من المدرسة، حتى يصير فتنة على أهله وأقاربه وسائر من يقاربه، كما قال تعالى في حق الغلام:{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} (2){فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} (3).
إن عقيدة الإلحاد هي جرثومة الفساد وخراب البلاد وفساد أخلاق العباد، ومتى سطا الإلحاد على قلب أحد هؤلاء الأولاد فإنه يطيش به عن مستواه إلى حالة الفجور والطغيان ومجاوزة الحد في الكفر والكبر والفسوق والعصيان، فيمقت الدين ويهزأ بالمصلين الراكعين الساجدين، حتى كأنه إنما تعلم العلم لمحاربة الدين وأهله من أجل أنه لم ينطبع في قلبه محبته ولم يذق حلاوة حكمته، وإنما كان حظه من العلم محض دراسته حبرا
(1) صحيح البخاري الحدود (6830)، صحيح مسلم الحدود (1691)، سنن الترمذي الحدود (1432)، سنن أبو داود الحدود (4418)، سنن ابن ماجه الحدود (2553)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 56)، سنن الدارمي الحدود (2322).
(2)
سورة الكهف الآية 80
(3)
سورة الكهف الآية 81
على ورق، ثم زال عن طلبه بزواله عنه حتى لم يبق معه أثر منه.
ومتى جهر هؤلاء بإلحادهم في بلادهم وأمنوا من العقاب فيما يقولون فإنهم حينئذ يفيضون بفنون من الطعن في الدين بإلقاء الشبهات والشكوك التي تزيغ العوام وضعفة العقول والأفهام عن معقتدهم الصحيح وعن دينهم المستقيم، ثم تقودهم إلى الإلحاد والتعطيل والزيغ عن سواء السبيل فيصيرون فتنة في الأرض وفسادا كبيرا.
وحتى الذين لا يعتقدون اعتقادهم ولا يساعدونهم في آرائهم، فإنهم لن يسلموا من مضار أفكارهم، وأقل شيء كون الضعف والوهن يلم بأركان عقائدهم، ثم يسري هذا الفساد وسوء الاعتقاد إلى أهلهم وأولادهم - لأن أكثر الناس مقلدة في دينهم، بحيث يقلد بعضهم بعضا في الأخلاق والعقائد، وقد قال بعض السلف: إنه ما ترك أحد الحق وعدل عنه إلى الباطل إلا لكبر في نفسه، ثم قرأ:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (1).
وقد قال بعض الحكماء في أخلاق الكتاب: وقد قال أهل الفطن إن محض العمى هو التقليد في الزندقة، لأنها إذا رسخت في قلب امرئ تقليدا فإنها تطيل جرأته على الدين وأهله ويتغلق على أهل الجدل إفهامه، انتهى، وقد قيل:
عمي العيون عموا عن كل فائدة
…
لأنهم كفروا بالله تقليدا
إن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيه قد نظم حياة الناس أحسن نظام بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان والإتقان {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} (2) أي صدقا في الأقوال وعدلا في الأحكام، فلو أن الناس آمنوا بتعاليم دين الإسلام وانقادوا لحكمه وتنظيمه ووقفوا عند حدوده ومراسيمه لصاروا به سعداء، ولما حصل بينهم بغي ولا طغيان ولا اعتداء، لأنه يهدي للتي هي أقوم، وقد جعل الله شريعة الإسلام بمثابة الخاتمة للشرائع قبلها، فهي شريعة كافة البشر عربهم وعجمهم يقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (3)
(1) سورة الأعراف الآية 146
(2)
سورة الأنعام الآية 115
(3)
سورة سبأ الآية 28
وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (1) فشريعة الإسلام هي شريعة الرحمن والحنان والإحسان، ليست بحرج ولا إغلال، يقول تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (2){الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3){قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (4) الآية، وصار أكثر الناس في هذا الزمان بمثابة من يعطي صاحبه تمرة فيسخطها فيعطيه جمرة، وإن الناس باستبدالهم القوانين بأحكام شريعة الدين هم بمثابة من يفر عن الرمضاء إلى النار.
إن الله سبحانه لما قسم الميراث بين الناس في سورة النساء ختم بقوله: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (5) أي لئلا تضلوا فالحكم بمساواة الأنثى بالذكر فيما فرض الله فيه التفاضل بين الأولاد والبنات وبين الإخوة والأخوات هو كفر بما أنزل الله من الكتاب وضلال مبين: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (6).
لقد مكث المسلمون ثلاثة عشر قرنا وقضاتهم يحكمون بينهم بالشريعة الإسلامية التي جعلها الله لجميع خلقه شرعة ومنهاجا، وإنما سميت الشريعة من أجل أنها مقتبسة من كتاب الله وسنة رسوله فهي الشريعة التي جعلها الله لجميع خلقه في قوله سبحانه:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (7).
(1) سورة الأعراف الآية 158
(2)
سورة الأعراف الآية 156
(3)
سورة الأعراف الآية 157
(4)
سورة الأعراف الآية 158
(5)
سورة النساء الآية 176
(6)
سورة يونس الآية 25
(7)
سورة الشورى الآية 13
وفي بداية القرن العشرين ضعف العلم وعدم الراسخون في الفقه وأخذ الناس يعللون القضاة بدعوى أنهم يعللون الأحكام، ولا يهتمون بأمر الناس، فتعلقت قلوبهم بالقوانين وهي لم تكن موجودة في البلدان الإسلامية قبل ذلك الوقت، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، من أجل أن القوانين تبيح لهم الربا والزنا وشرب الخمور ولا تعاقب على شيء من ذلك، فأثرت في الناس شيئا من الذل والضعف في مجتمعهم، وإنما ضعف المسلمون في هذه الأزمان الأخيرة وساءت حالهم وانتقص الأعداء بعض بلدانهم، كل ذلك من أجل أنه ضعف عملهم بالإسلام وساء اعتقادهم فيه، وصار فيهم منافقون يدعون إلى نبذه ويدعون إلى عدم التقيد بحدوده وحكمه، ويدعون إلى تحكم القوانين بدله، ولأجله صاروا جديرين بزوال النعم والإلزام بالنقم لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد وقع بهم ما حذرهم نبيهم بقوله:«وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد (1)» - رواه ابن ماجه والبيهقي - والله أعلم.
عبد الله بن زيد آل محمود.
(1) سنن ابن ماجه الفتن (4019).
صفحة فارغة
غنيم بن مبارك بن غنيم آل غنيم
- ولد في بلدة الهلالية بالقصيم عام 1355هـ المملكة العربية السعودية.
- تخرج من كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1376هـ.
- عمل قاضيا بمحكمة رابغ عام 1377هـ ثم انتقل إلى الطائف وعمل في محاكمها حتى عين رئيسا لها، وفي عام 139هـ انتقل إلى الرياض ليعمل عضوا في الهيئة القضائية العليا أصبح مسماها أخيرا مجلس القضاء الأعلى ولا يزال عضوا فيه
صفحة فارغة
القسامة
بقلم الشيخ غنيم بن مبارك بن غنيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين نبينا محمد وآله وصحبه وبعد، فمما لا شك فيه أن شريعة الله كاملة البناء قوية النسج محكمة التشريع لا جمود فيها ولا عسر ولا اعوجاج ولا قصور في تعاليمها، تتلاءم مع طبيعة البشر وتتمشى مع الفطر السليمة والغرائز الإنسانية وتساير العقول النيرة، أقامها الله على أساس متين صالح لكل زمان ومكان، كيف لا وهي تشريع رب العالمين، العليم بحال عباده الخبير بما يصلحهم في أولاهم وأخراهم، وأرسى محمد صلى الله عليه وسلم قواعدها وبين أصولها، وسار على نهجه خلفاؤه والأبرار من بعده وأئمة الهدى من بعدهم الذين قاموا بشرح الكتاب والسنة وإيضاح غامضها وبيان مقاصدها حتى نبغ فقهاء مبرزون استطاعوا بصدق نياتهم وصلاح طويتهم وإخلاصهم لله أن يستنبطوا الأحكام ويبينوا الحق ويزيلوا اللبس حتى تركوا لنا الآلاف من الكتب والمراجع جزاهم الله خير الجزاء.
من ضمن ما بحثه الفقهاء والمحدثون وأفاضوا فيه (مشروعية القسامة) لكونها مشتملة على أحكام مستثناة من القواعد الشرعية العامة في باب الدعاوى والبينات، ولما لها من الأثر البالغ في حماية الأنفس والأرواح وقصر الشرور وردع كل من تسول له نفسه الاعتداء على حياة مسلم معصوم الدم في غفلة من الناس حيث لا يراه أحد. قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في الجزء الرابع والثلاثين من الفتاوى صحيفة 238: لولا القسامة في الدماء لأفضي إلى سفك الدماء، فيقتل الرجل عدوه خفية ولا يمكن أولياء المقتول إقامة البينة،