الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
علة الربا في النقدين:
اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: أن العلة فيهما الوزن، وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه (1) ومذهب أبي حنيفة (2) فعلى هذا القول يجري الربا في كل موزون مطعوما كان أو غيره لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن (3)» ، وعلى هذا لا يجري الربا في النقود الورقية المستعملة اليوم ولا في الفلوس من غير ذهب أو فضة لأنها غير موزونة.
القول الثاني: أن العلة فيهما الثمنية وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الثانية (4)، قال العلامة ابن القيم الثانية (5). وهذا هو الصحيح بل الصواب، وعلل لذلك بأمرين:
الأمر الأول: أنهم أجمعوا على جواز إسلامهما في الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما من الموزونات، فلو كان النحاس والحديد ربويين لم يجز بيعهما إلى أجل بدراهم نقدا؛ فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النسأ، والعلة إذا انتقضت من غير فرق مؤثر دل على بطلانها.
الأمر الثاني: أن التعليل بالوزن ليس فيه مناسبة فهو طرد محض بخلاف التعليل بالثمنية، فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأعمال. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأظهر أن العلة في ذلك هي الثمنية لا الوزن (6)، وبناء على هذا القول فإنه يجري الربا في الأوراق النقدية المتعامل بها في هذا العصر، وقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء حول هذا الموضوع ما نصه:(7) وحيث إن القول باعتبار
(1) إعلام الموقعين لابن القيم ص137 ج 2، والمبدع ص128 ج 4.
(2)
بدائع الصنائع ص183 ج 5.
(3)
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
(4)
انظر مغني المحتاج ص25 ج 2، وبداية المجتهد ص129 ج 2، وإعلام الموقعين ص137 ج 2.
(5)
انظر مغني المحتاج ص25 ج 2، وبداية المجتهد ص129 ج 2، وإعلام الموقعين ص137 ج 2.
(6)
مجموع الفتاوى ص471 ج 29.
(7)
مجلة البحوث الإسلامية، المجلد الأول، رجب، شعبان، رمضان 1395هـ.
مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلا والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة: مالك وأبي حنيفة وأحمد، قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد جماعة كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما، وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية:
أولا: جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان كالفلوس وهذا يقتضي ما يلي:
أ- لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقا، فلا يجوز مثلا بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة.
ب- لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلا سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد، فلا يجوز مثلا بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالا سعوديا ورقا.
ج - يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقا إذا كان ذلك يدا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يدا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثانيا: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها.
ثالثا: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات. اهـ، هذا ما قررته الهيئة وهو قرار يتسم بالوضوح وسلامة المبنى، حيث بني على القول الراجح باعتبار العلة في النقدين الثمنية فيتعدى ذلك إلى كل ما جعل أثمانا، لكن لم يتضح لي وجه اعتبار النقود الورقية إذا اختلفت جهات إصدارها أجناسا مختلفة يجوز فيها التفاضل، والقرار لم يوضح وجه ذلك، ولئن كان اختلاف الجنس واضحا بين نقود الذهب والفضة ونقود الورق لاختلاف مادة كل منها عن الأخرى فليس ذلك واضحا في نقود الورق التي هي من مادة واحدة اختلف اسمها فقط واختلفت جهة إصدارها، ولم نر لاختلاف الاسم والجهة أثرا في نقود الذهب والفضة لما كانت مادتهما واحدة، كما أن القرار اعتبرها متقومة في مسألة الزكاة كالعروض، فلم يتحرر له رأي فيها.
وبعض الباحثين من علماء العصر (1) يميل إلى جواز ربا الفضل في الأوراق النقدية دون ربا النسيئة، وبرر ذلك بعدة أمور:
1 -
أن تحريم ربا الفضل إنما كان لأجل أنه وسيلة إلى ربا النسيئة.
2 -
لأن بعض العلماء أجازه (أي ربا الفضل) وإن كان محجوجا بالأدلة الشرعية.
3 -
كون الأوراق غير منقودة حقيقية.
4 -
أن كثيرا من الأصحاب رجح بيع الفلوس بعضها ببعض حاضرا بحاضر بدون شرط التماثل، ومنع بيع بعضها ببعض مؤجلا ومن بيعها بأحد النقدين مؤجلا، والفلوس إلى النقدين أقرب من الأنواط إلى النقدين.
5 -
أن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجة إليه كمسألة العرايا، وأجاز كثير من أهل العلم بيع حلي الذهب بذهب وحلي الفضة بفضة متفاضلا بين الحلي والسكة، جعلا للصنعة أثرها من الثمنية والتقويم.
6 -
الحاجة بل الاضطرار إلى هذه المسألة التي في كثير من الأقطار التي يضطر أهلها على الجري على القواعد المؤسسة عندهم في المعاملات التي لا يمكن للمعامل الخروج عنها مع كونه غير ربا النسيئة مع كون الأنواط غير جوهر الذهب والفضة
(1) هو الشيخ عبد الرحمن السعدي، انظر الفتاوى السعدية ص318، 327 - 328.
مع اختلاف أهل العلم في حكمها مما يسوغ هذا القول بل يرجحه. اهـ. هذا حاصل ما علل به لرأيه، والفرق بينه وبين ما في قرار هيئة كبار العلماء الذي سقناه قبل، أن قرار الهيئة أباح التفاضل في الأوراق النقدية بشرط اختلاف جهة الإصدار، وهذا الباحث أجازه مطلقا، وأن القرار اعتبر الأوراق النقدية نقودا مستقلة، وهذا الباحث اعتبرها بمنزلة الفلوس المعدنية، فالمسوغ للتفاضل فيها عنده هو كونها بمنزلة الفلوس، والمسوغ له عند الهيئة هو اختلاف جهة الإصدار باعتبارها اختلاف جنس.
ويمكننا أن نناقش هذا الرأي بأنه ما دام يحرم ربا النسيئة في الأوراق النقدية فيلزمه أن يحرم ربا التفاضل فيها؛ لأنه وسيلة إلى ربا النسيئة بناء على قاعدة سد الذرائع، والمعروف في الشرع أن الجنس الواحد من الربويات يحرم فيه ربا الفضل وربا النسيئة كالذهب بالذهب والفضة بالفضة فهكذا الورق النقدي؛ لأنه جنس واحد والعلة فيه واحدة، والمبررات التي ذكرها - خصوصا دعوى الحاجة إلى جريان التفاضل في الأوراق - لا تكفي؛ لأن مجرد دفع الحاجة لا يكفي مبررا لإباحة الشيء دون نظر إلى الضرر المترتب عليه، إذ من المعلوم أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وقوله: أن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجة إليه كمسألة العرايا، وأجاز كثير من أهل العلم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بمثله متفاضلا.
يجاب عنه بأن العرايا قد استثناها النبي صلى الله عليه وسلم مما نهى عنه من المزابنة، وهي أن يشتري الرطب في الشجر بخرصه من التمر؛ لأنه إذا لم يعلم التماثل في ذلك لم يجز البيع، ولهذا يقول الفقهاء: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، والتماثل يعلم بالوزن والكيل، وأما الخرص فيعمل به عند الحاجة، فالعرايا رخصة رخص فيها الشارع تقدر بما ورد به النص فقط، وليس فيها تفاضل محقق بل يجتهد في خرصها وتماثلها، فإن حصل بعد ذلك فيها تفاضل فهو غير متعمد، ثم هل بلغت الحاجة إلى التفاضل في الأوراق النقدية مبلغ الحاجة إلى العرايا التي رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما مسألة إجازة بعض العلماء بيع الحلي المصوغ من الذهب أو الفضة بمثله متفاضلا فهي مسألة اجتهادية تفتقر إلى دليل، ولا يصح أن تتخذ دليلا لما نحن فيه، والله أعلم.