الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعبر آخرون بلفظ (التعبد) به نحو الغزالي، وابن قدامة وابن الحاجب والآمدي.
والحجة - هي الدليل والبرهان، والمراد بكون القياس حجة: أنه دليل من أدلة الأحكام الشرعية، نصبه الشارع للتعريف ببعض الأحكام.
وأما التعبد -فهو أن يوجب الشارع العمل بموجبه- بقطع النظر عن أن يكون ممتنعا عقلا أوجائزا أو واجبا.
وإيجاب الشارع العمل به إما أن يكون إيجابا لنفس القياس، فيكون بمثابة قول الشارع:(إذا وجدتم مساواة بين أصل وفرع في علة حكمه فأثبتوا نفس حكم الأصل للفرع).
وإما أن يكون إيجابا للعمل بمقتضى القياس، وذلك كإيجاب العمل بمقتضى نصوص الكتاب والسنة.
وظاهر أن القياس -بحد ذاته- ليس عبادة: كالصلاة والصلام: فالتعبد به إنما يتم بطريق العمل بمقتضاه، وذلك أمر لا يتحقق إلا بعد القيام بإلحاق الفرع بالأصل، واعتبار أن هذا الإلحاق -بشروطه- حجة، فكونه حجة يقتضي وجوب التعبدية: فالتعبد به ما هو إلا ثمرة لحجيته، والتلازم بين الأمرين واضح.
وقد قال الإمام الرازي: (المراد من قولنا: القياس حجة أنه إذا حصل للمجتهد ظن أن حكم هذه الصورة مثل حكم تلك الصورة فهو مكلف بالعمل به في نفسه، ومكلف بأن يفتي به غيره (1)
(1) راجع المحصول: (1 / ق1/ 92).
تحرير محل النزاع:
يتوقف القياس على أمرين:
الأول: ثبوت كون الأصل معللا بعلة معينة بطريق من طرق إثبات العلة في الأصل.
الثاني: إقامة الدليل على وجود تلك العلة في الفرع.
وهذان الأمران قد يثبتان بطرق تفيد القطع، وقد يثبتان بطرق ظنية.
وقد يثبت الأمر الأول بدليل قطعي، والثاني بدليل ظني. وقد يحدث العكس.
فالأول نحو إلحاق جميع أوجه التأنيب والعنف مع الوالدين بالتأفيف، وخاصة الضرب.
فالتأفيف أصل، والضرب وأوجه التعنيف الأخرى فرع، والحكم التحريم، والعلة الجامعة الأذى الثابت كونها علة للنهي في الأصل بطريق الإجماع المستند إلى النص، ووجودها في الفرع معلوم بطريق الأولى حيث إن الأذى بالضرب وأوجه التعنيف أشد من الأذى بالتأفيف، وما دام المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به فإن هذا النوع من القياس يعتبر مقطوعا به، وكذلك إذا كان المسكوت عنه مساويا للمنطوق به في المعنى الذي شرع الحكم لأجله، وهذا النوع من القياس ليس بموضع نزاع فإن المنكرين لحجية القياس لا ينازعون في تحريم الضرب والأذى لدلالة النص عليه وإن خالفوا في تسمية ذلك. وهذا النوع يسميه جمهور الأصوليين بالقياس في معنى الأصل، وبالقياس الجلي.
وأما جمهور الحنابلة فإنهم يرون أن هذا من قبيل دلالة اللفظ، فهو مستفاد منه من غير حاجة إلى القياس ويعتبرون منه سراية العتق بالأمة إلحاقا لها بالعبد الذي دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام:«من أعتق شركا له في عبد (1)» . . الحديث، وكذلك البول في إناء ثم صبه في الماء الدائم المنهي عن البول فيه بقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يبولن أحدكم في الماء الدائم (2)» . . الحديث، وكذلك قياس أنواع الأذى من الضرب ونحوه على التأفيف ويسمونه (فحوى الخطاب) و (التنبيه).
وأما الثاني - وهو ما كان فيه الأمران المذكوران ظنيين فهو كقياس الرز على البر والزبيب على التمر- مثلا في تحريم التفاضل بجامع الطعم في كل منهما أو غير الطعم مما ذكروه فإنه كما يحتمل أن يكون الطعم - هو العلة، يحتمل أن يكون غيره من الكيل والقوت والادخار، ولذلك كانا ظنيين في الأصل والفرع، وهذا النوع من القياس يتمثل بمعظم أقيسة الفقهاء.
(1) صحيح البخاري العتق (2522)، صحيح مسلم العتق (1501)، سنن الترمذي الأحكام (1346)، سنن النسائي البيوع (4698)، سنن أبو داود العتق (3946)، سنن ابن ماجه الأحكام (2528)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 57)، موطأ مالك العتق والولاء (1504).
(2)
صحيح البخاري الوضوء (239)، صحيح مسلم الطهارة (282)، سنن الترمذي الطهارة (68)، سنن النسائي الطهارة (57)، سنن أبو داود الطهارة (70)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (344)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 346)، سنن الدارمي الطهارة (730).