الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التجارة وفات بالتالي شرط وجوب الزكاة، كذلك فإن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية، كما لو نوى بالمعلوفة السوم؛ ولأن القنية الأصل، والتجارة فرع عليها، فلا ينصرف إلى الفرع بمجرد النية، كالمقيم ينوي السفر، وبالعكس من ذلك ما لو نوى القنية، فإنه يردها إلى الأصل، فانصرف إليه بمجرد النية، كما لو نوى المسافر الإقامة، فكذلك إذا نوى بمال التجارة القنية انقطع حوله، ثم إذا نوى به التجارة فلا شيء فيه حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولا (1).
والنية أو بالأحرى تغيير النية يقطع سريان مدة الحول فيبدأ احتسابها من جديد، فإذا حاز ماشية للتجارة نصف حول، فقطع نية التجارة ونوى بها الإسامة، انقطع حوله التجارة، واستأنف حولا آخر.
(1) المغني ص3 ص36، 37.
النية في الصيام:
الإجماع منعقد على أنه لا يصح صوم الفرض أو التطوع إلا بنية، لأنه عبادة محضة، فلا يقوم بدون النية.
وإذا تعلق الصيام بفرض كصيام رمضان أداء أو قضاء، والنذر والكفارة فإنه يجب على المسلم أن ينوي الصيام من الليل. وسند ذلك ما روي عن ابن جريج وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له (1)» وورد في
(1) سنن الترمذي الصوم (730)، سنن النسائي الصيام (2334)، سنن أبو داود الصوم (2454)، سنن ابن ماجه الصيام (1700)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 287)، موطأ مالك الصيام (637)، سنن الدارمي الصوم (1698).
لفظ ابن حزم: «من لم يمجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له (1)» أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي، وروى الدارقطني بإسناده عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له (2)» وقال إسناده كلهم ثقات.
وهذا الحديث يستلزم النية من الليل دون تخصيص، فيكفي تقديم النية على ابتداء الصيام في أي وقت من الليل دفعا للمشقة ودرءا لأي تحكم، ولكن لو فسخ النية، كأن نوى الفطر بعد نية الصيام فإن النية تزول حقيقة وحكما، ولا تجزئه النية المنسوخة. ويختلف التطوع عن الفرض من ناحيتين: أولهما: أن الفرض يقتضي توافر النية في جميع النهار، بحيث لا يكون الإنسان صائما بغير النية يبيتها الشخص قبل جميع النهار، أما صوم التطوع فيمكن الإتيان به ولو في جزء من النهار بشرط عدم المفطرات في أوله. والثانية: أن التطوع أمر يرغب فيه الإسلام، ولتكثيره فقد سومح في نيته من الليل كالمسامحة في ترك القيام في صلاة التطوع.
وإذا نوى شخص من النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية إلا إذا استصحب هذه النية إلى جزء من الليل؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يصوم دون نية، وانتواء الصيام من النهار للغد مع عدم استصحاب هذه النية يعني فسخها، والأولى إذا أن تكون النية عند ابتداء العبادة أو قريبا منها.
وتجب النية لكل يوم، ولكن الإمام أحمد يذهب إلى أن نية
(1) سنن الترمذي الصوم (730)، سنن النسائي الصيام (2331)، سنن أبو داود الصوم (2454)، سنن ابن ماجه الصيام (1700)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 287)، موطأ مالك الصيام (637)، سنن الدارمي الصوم (1698).
(2)
سنن الترمذي الصوم (730)، سنن النسائي الصيام (2331)، سنن أبو داود الصوم (2454)، سنن ابن ماجه الصيام (1700)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 287)، موطأ مالك الصيام (637)، سنن الدارمي الصوم (1698).
واحدة تجزئ الشهر إذا نوى صوم الشهر جميعه، وبهذا قال الإمام مالك وإسحاق.
والنية قصد واعتقاد القلب فعل الصوم وعزمه عليه دون تردد، ويكفي لوجود نية الصوم أن يخطر بقلب الإنسان في الليل أن الغد من رمضان وأنه صائم فيه. وإن شك في أن يوما ما من رمضان، فصامه أو بناه على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب فوافق الصواب لم يصح صومه؛ لأن ذلك تم بدون دليل شرعي، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (1)» .
ويقول صاحب المغني: وأما ليلة الثلاثين من رمضان فتصح نيته (أي: نية صومه) وإن احتمل أن يكون من شوال لأن الأصل بقاء رمضان. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصومه بقوله: «ولا تفطروا حتى تروه (2)» ، لكن إن قال:(إن كان غدا من رمضان فأنا صائم وإن كان من شوال فأنا مفطر. قال ابن عقيل: لا يصح صومه، لأنه لم يجزم بنية الصيام، والنية اعتقاد جازم، ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع والأصل بقاء رمضان)(3) وهكذا فيجب تعيين النية في كل صوم واجب، ولكن قيل إنه لو نوى أن يصوم تطوعا ليلة الثلاثين من رمضان فوافق رمضان أجزأه، وهذا اختيار أبي القاسم، وقال أبو حفص: لا يجزئه إلا أن يعتقد من الليل بلا شك.
ومن نوى الصيام من الليل، فأغمي عليه قبل طلوع الفجر
(1) صحيح البخاري الصوم (1909)، صحيح مسلم الصيام (1081)، سنن الترمذي الصوم (684)، سنن النسائي الصيام (2117)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 497)، سنن الدارمي الصوم (1685).
(2)
صحيح البخاري الصوم (1906)، صحيح مسلم الصيام (1080)، سنن النسائي الصيام (2121)، سنن أبو داود الصوم (2320)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 5)، موطأ مالك الصيام (634)، سنن الدارمي الصوم (1684).
(3)
المغني ج 3 ص 94.
ولم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيام ذلك اليوم؛ لأنه لا يكفي النية وحدها بل يجب إضافة الإمساك إليها، فلا يجزئ أحدهما وحده، فالصوم إمساك مع النية، وذلك الشخص وإن كان قد نوى إلا أنه كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه وبالتالي لا يجزئه (1) وإن نوى المسافر الصوم في سفره، ثم بدا له أن يفطر فله ذلك، وقال الإمام مالك إنه يلزمه القضاء والكفارة، لأنه أفطر في صوم رمضان فلزمه ذلك، لأنه يعتبر في حكم من كان حاضرا، ويقول صاحب المغني: إن هذا صوم لا يجب المضي فيه، شأن من شق عليهم الصيام مع رسول الله عام الفتح، حيث وصف من لم يفطر بأنه من العصاة.
ولا يجوز للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عن المسلم، فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه صوم الأصل وهو رمضان.
ومن نوى الإفطار فقد أفطر، وهذا صحيح؛ لأن الصوم عبادة ومن شرط العبادة استمرار النية في جميع أجزائها، ولما كان يشق اعتبار حقيقتها، فقد اعتبر بقاء حكمها، وهو ألا ينوي الشخص قطعها، فإن نوى الإفطار فقد زالت حقيقة وحكما، وفسد الصوم لزوال شرطه (2).
(1) المغني ج 3 ص 98.
(2)
المغني ج 3 ص 119.