الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا:
البدعة في الدين ممقوتة على أي معنى من معانيها
لأنها تنطوي على إحداث أمور على خلاف الحق وهو ما ينفي حسن النية في الشريعة:
فهل سأل مدعو الولاية أو زاعموا التصوف أنفسهم عن الأثر المدمر الذي تتركه أعمالهم في الإسلام؟ فلماذا الإصرار إذا على الفرق والطرق؟ إن الذين يبتدعون في الدين، لا يتبعون الطريق المستقيمة في الإسلام، وهي الشريعة الحقة، بل يوجدون في الدين طرقا معوجة تغاير السبيل الشرعية المستقيمة التي لا تتبدل، ولا تتغير، ونيتهم التي يظهرونها هي المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى، وقصدهم الذي يظهرونه هو كل ما يقصد بالطريقة الشرعية، وهذا زعم باطل لأن ترك المعروف المألوف للنفس السوية في الشريعة الإسلامية، واستبدال شيء آخر به سواه، هو إيجاد لدين آخر خلاف الدين الذي ارتضاه الله، فمن حسنت نيته فعليه بشريعة الله سبحانه وتعالى، وعليه بدين الله الحق الذي شرعه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرعا شاملا يتناول العقائد والعبادات والمعاملات، والتمسك بالدين هو اتباع أحكام شريعة الله وعدم ابتداع أية أمور ليس لها مثال سابق من لدن الشارع الحكيم، ولا يحتج في هذا الصدد بالنية السليمة أو القصد الحسن، لأن الشريعة قد جاءت بكل ما فيه مصالح العباد في الدنيا والآخرة، وعلى المسلم أن يتبع
ما شرعه الله، لأن فيه مصالح العباد فمن ابتدع في العقيدة فقد هدم أساس الدين المتين، وإن ابتدع في العبادات بمقولة أنه يبتغي الفوز بأعلى المراتب في الدنيا، ويرغب في نيل أطيب المنازل في الآخرة، فهو بذلك يؤكد سوء قصده لأن الله سبحانه وتعالى إذا طلب منا أن نتعبده بشيء واضح فليس لنا أن نستبدل به شيئا غير واضح، والواضح هو شرع الله، وغير الواضح هو ما كان من صنع الإنسان، فكيف يشبه الإنسان فعله بفعل الملك الديان، كيف يتصور أنه قادر على إدراك ما لم يشرعه الله في العبادات. الإسلام دين البساطة، ولذا يجب على المؤمن أن يجعل أساس عبادته في الدين هو السير على نهجه لا الابتداع فيه، وإذا كانت العبادات تحقق مصلحة العباد في الدنيا والآخرة، فكذلك الحالة بالنسبة للعادات، فلا يجوز للإنسان أن يأتي بما ينقض المصلحة التي دار عليها حكم الله، ومن هنا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أكثر خلق الله بغضا للبدع ومقتا للابتداع، لأن قلوبهم لم تكن تتسع لشيء آخر سوى حب الله، ولعل أبلغ وأوضح ما قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هذا الصدد:(إنما أنا مثلكم، وإني لا أدري لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيقه، إن الله اصطفى محمدا على العالمين، وعصمه من الآفات، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع؛ فإن استقمت فتابعوني، وإن زغت فقوموني).
ومثل هذا نهج باقي الخلفاء الراشدين، سلوكا وعملا، وفقها وعلما. ومن الصحابة من أكد هذا المعنى أيضا بكلام واضح لا لبس فيه، فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبتدعوا
فقد كفيتم) ولما سئل ابن عباس عن الوصية قال: (عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع) روى كل ذلك الدارمي في سننه.
وهذا الذي قاله الصحابة هو امتثال لمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» وهو أمر واضح في كونه صلى الله عليه وسلم يتبع ما أنزله الله سبحانه، ولا يزيد عليه، قال تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (2).
وعلى ذلك فإن من يحاول ابتداع شيء على خلاف الشريعة فقد أتى بما ورد عنه النهي الصريح في القرآن الكريم، قال تعالى متوعدا من يبتدعون بسبب سيرهم وراء ظنونهم وأهوائهم:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (3) لأن الذي يسير وراء ظنونه، سيسير لا محالة في سبل تختلف عن سبيل الله وهذا هو الضلال بعينه. قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (4).
امتثال أوامر الدين ونواهيه:
وما فعله الصحابة هو امتثال مباشر لنهيه صلى الله عليه وسلم عن البدع، فقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ويقول: " أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور
(1) صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
(2)
سورة البقرة الآية 285
(3)
سورة الإسراء الآية 36
(4)
سورة الأنعام الآية 153
محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ". وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ورد في سنن أبي داود ثلاثة الرهط، الذين قال أحدهم إنه يصلي الليل أبدا، وثانهم أنه يصوم الدهر ولا يفطر، وثالثهم أنه يعتزل النساء، بقوله:«أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني (1)» . وهذا هدي كريم فهو صلى الله عليه وسلم، كان أخشى الناس وأتقاهم لله ولكنه كان يصوم ويفطر ويصلي ويرقد ويتزوج النساء.
بدع وبدع:
للناس أن يبتكروا في أمور الدنيا، ما لا يهدم أصول الدين أو العبادات أو العادات التي رعاها الدين، فلهم أن يكتشفوا ويخترعوا ويفيدوا من مستحدثات العلم التي تساعد على طاعة الله، أما البدعة في الدين فأمر منهي عنه، لأنه يخرج من العقيدة والملة، فالابتداع بعد عن المنهج المستقيم الذي أمرنا باتباعه، وعصيان لله ورسوله، وعدم انتهاء عما ورد النهي عنه، وعدم رد الأمور إلى الكتاب والسنة، ولذا وجبت دعوة كل مبتدع إلى سبيل الله وحده بالحكمة والموعظة الحسنة، لاحتمال أن يكون فيه بقية من خير، ونقطة البداية في الدعوة هي أن هذا الدين قد كمل وأن نعمة الله على عباده قد تمت، وأن الدين الذي رضيه الله لنا وهو الإسلام فيه خيرنا، ولا. خير في شيء سواه، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2).
(1) صحيح البخاري النكاح (5063)، صحيح مسلم النكاح (1401)، سنن النسائي النكاح (3217)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 285).
(2)
سورة المائدة الآية 3
سوء النية:
ويزداد الإثم عن الابتداع، بحيث يصبح المبتدع ليس فقط خطرا على نفسه، بل خطر على العقيدة والدين، إذا علم المبتدع أن ما يحدثه مخالف لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، فهنا تسوء النيات، ويصبح أهل الابتداع أقواما لا غرض لهم إلا هدم الدين والقول بما ليس فيه، بل ودس الأكاذيب والافتراءات عليه، سواء تعلق الأمر بمجال العقائد والعبادات أو بمجال العادات.
بلا حجة:
وأظهر دليل على سوء نية هؤلاء أنهم يحاولون البحث عن سند لهم في الشريعة يضللون به العامة، ويخوفون به من يحاول إظهار زيغهم وكشف ضلالهم، فهم يقولون إنهم لا يأتون ما يأتون إلا اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي:«من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (1)» . فالمبتدعون ابتداعا يخالف الكتاب والسنة والإجماع، يكسون ابتداعهم بمظاهر خارجية تنبئ للوهلة الأولى عن أنها تتفق مع الشريعة، ولكن إنعام النظر فيها يفضح أصحابها ويبين أنهم أكثر خطرا على الإسلام من العدو الظاهر الواضح.
السنة الحسنة:
إن السنة الحسنة لا تخالف الكتاب، ولا تخالف قولا أو فعلا أو تقريرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخالف إجماع الأمة، وعلى الداعية إلى
(1) صحيح مسلم الزكاة (1017)، سنن الترمذي العلم (2675)، سنن النسائي الزكاة (2554)، سنن ابن ماجه المقدمة (203)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 359)، سنن الدارمي المقدمة (512).
الله أن يعي دائما أن أعداء الإسلام لن يسلموا بالحق طالما ساءت نياتهم، ولذا لا يجب الجدل مع أقوام يخالفون الكتاب علانية ويهدمون السنة بزعم أنهم يستنون سنة حسنة، وهم يعلمون أن ما يأتونه مخالف للسنة النبوية المطهرة، ولا يقيمون وزنا لإجماع الأمة، ولذا فإن فضح أكاذيب هؤلاء، وبيان ضلال بدعهم أمام العامة يكون من أفضل القربات إلى الله في زمن صارت البدعة فيه عادة، وصار الناس فيه من كثرة ما ألفوها ودرجوا عليها يحسبونها من شرع الله، ولا شك أن بيان الضلال في ذلك يحتاج إلى صبر ومثابرة، كما يحتاج إلى يقين ثابت بأن الباطل لا عقل فيه، ولهذا يهدمه العقل الديني المستنير، وأن الضلال لا روح فيه ولذا ينهار أمام النور الإيماني للمنهج الإسلامي القويم.
سكوت العلماء:
فالحذر إذا من سكوت العلماء في أي بلد إسلامي، فقد كان سكوتهم أحد أسباب انتشار هذا الداء الوبيل، ذلك أن سكوت العالم عن محاربة البدع يؤول لدى العامة على أن البدع التي يرونها ويمارسونها ليست مخالفة للشرع، والحذر كذلك من وقوع حكام المسلمين في إثم تأييد هذه البدع، وإظهارها في صورة الشيء المتفق مع الشريعة، ويشارك الحكام في وزرهم هذا بعض العلماء الذين يطمعون في المناصب أو يخشون جاه السلطان، فيفتون بما يحلل هذه البدع الفاحشة، أو بما يؤدي إلى الافتراء على الله كذبا، أو إلى اتباع خطوات الشيطان مع العلم الكامل بأن الله سبحانه وتعالى
يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} (1)، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان بقوله:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} (2).
العلماء هم ضمير الأمة:
إن العلماء هم ضمير الأمة الإسلامية بهم يرتفع شأنها ومجدها، وبهم ترفرف رايات الإسلام عالية فيها، ومن مسئولياتهم تبصير الناس بمكانة السنة من الشريعة الإسلامية، وهذا أمر قد يتسع المجال للحديث فيه، والعلماء ملزمون بفضح مزاعم الباطنية الذين يبتدعون بنية هدم الدين، ويؤولون القرآن تأويلا يهدم العقيدة، ويجعلون للدين ظاهرا وباطنا، والباطنية هم من غلاة الشيعة الذين يتنوعون إلى ثماني عشرة فرقة تقع السبأية المؤلهة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه على رأسهم.
بدع الباطنية:
ومن أخطر بدع الباطنية قولهم باتحاد الله وحلوله بمخلوق أو رسول أو ولي وهذا كفر بواح. وقولهم بوحدة الوجود وبأن كل ما في الكون هو الله- سبحانه وتعالى كالجبال والأنهار والحيوانات.
والعلماء ملزمون بأن يبينوا للناس أن المبتدعين عندما يقولون إن الإسلام هو القرآن وحده، فإنهم يريدون اتباع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وينتوون القضاء على هدي السنة، حيث يجدون أنفسهم بعد ذلك قادرين على الابتداع على نحو يحوله دون ردعهم
(1) سورة الأعراف الآية 33
(2)
سورة البقرة الآية 168