الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرعية جواز السلم:
عرف العرب قبل الإسلام عقد السلم: وهو شراء الشيء الذي لم يوجد بعد بثمن عاجل حال، ولهذا يعرفه الفقهاء: بأنه بيع آجل بعاجل.
وفي شرعيته تيسير للناس في معاملاتهم، ومن ثم نجد الرسول صلى الله عليه وسلم حين «نهى عن بيع المعدوم،» لما فيه من الغرر، والمخاطرة، قد استثنى هذا العقد إذ كانت العرب تتعامل به (1) وبخاصة أهل " يثرب "، ولما يكون في منعه من حرج لا ضرورة له.
وفي ذلك يروي إماما المحدثين البخاري ومسلم، عن ابن عباس قال:«قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر، السنتين والثلاث فقال: " من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم (2)» .
(1) هو عقد سلم، وجائز قياسا لا استثناء،. ولا بد فيه من شروط السلم، ومنها تعجيل رأس مال السلم.
(2)
صحيح البخاري السلم (2241)، سنن النسائي البيوع (4616)، سنن أبو داود البيوع (3463)، سنن ابن ماجه التجارات (2280)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 358)، سنن الدارمي البيوع (2583).
الموضوع والثمن فيه:
تكلم الفقهاء طويلا في الشروط التي يجب توفرها في هذا العقد، ليكون صحيحا شرعا وليس هنا مجال للحديث عنها.
ولكن علينا أن نشير من ذلك إلى ما يتعلق بمحله، أو موضوعه، ثم إلى ما يتعلق بالثمن. ويسمي الفقهاء الأولى: بالمسلم فيه، كما يسمون الثاني: برأس المال. ففي الموضوع، يذكرون أن
السلم يصح في كل ما أمكن ضبط صفته، ومعرفة قدره، كمكيل، وموزون، وعددي متقارب، كجوز، وبيض، وزرعي، كثوب بين قدره وصنعته وصفته، كما يذكرون من الشروط بيان الآجل وأقله شهر على القول المفتى به وبيان مكان الإيفاء المسلم فيه إذا كان من الأشياء التي لها حمل ومؤنة.
وقالوا: إنه لا يجوز أن يسلم في ثمرة بستان بعينه، ولا قرية صغيرة؟ لكونه لا يؤمن تلفه وانقطاعه، ولأن من شروط هذا العقد كون المسلم فيه عام الوجود في محله ليمكن تسليمه في أجله. وهذا كالإجماع من أهل العلم. وفي هذا يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم «أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى، فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى (1)» ، كما رواه ابن ماجه وغيره.
وفي رأس المال، أو الثمن، يذكرون أن من شروط هذا العقد قبضه كاملا وقت السلم قبل التفرق من مجلس العقد. أو بعبارة أخرى: أن هذا شرط بقاء العقد صحيحا لا شرط انعقاده فينعقد صحيحا ثم يبطل بالافتراق بلا قبض.
وهم يعللون هذا الشرط بأن الافتراق قبل قبض رأس المال (يكون افتراقا على دين بدين) وأنه منهي عنه، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الكالئ» أي: النسيئة بالنسيئة، ولأن مأخذ هذا العقد دليل على هذا الشرط. فإنه
(1) سنن ابن ماجه التجارات (2281).
يسمى سلما وسلفا لغة وشرعا، أي لا بد من شيء يتسلفه أحد المتعاقدين ولا يمكن أن يكون هذا الشيء إلا الثمن ما دام المسلم فيه -أو موضوع العقد- مؤجلا طبعا.
على أن هذا، إذا كان رأي الأحناف، والشافعية، والحنابلة فإن الإمام مالك بن أنس يرى أنه يجوز تأخير قبض الثمن يومين، أو ثلاثة، أو أكثر ما لم يكن هذا التأجيل شرطا؛ لأنه عقد معاوضة فلا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سلما، فأشبه ما لو تأخر إلى آخر المجلس.
النتيجة أنه ليس عقد سلم:
ونتيجة هذا التحليل وبيان ما يجوز فيه السلم وشروط صحة هذا العقد أن بيع القطن قبل وجوده بسعر يحدد حسب السوق، ومن ثم لا يدفع كله حال العقد، لا يمكن أن يكون عقد سلم على رأي الفقهاء، فإنه إن كان يصح من ناحية موضوعه أن يكون سلما فإنه لا يصح من ناحية الثمن مادام لا بد من دفعه وقبضه في المجلس لا بعده بشهر، أو أكثر كما هو الحال في موضوع البحث (1) ثم وهذه ناحية أخرى، أن هذا العقد أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم لينتفع المسلم إليه، أي: البائع بالثمن حتى يحين أوان حصول المبيع وتسليمه للمشتري. وفي هذا توسعة عليه وتيسير في المعاملات. فإذا أجيز تأجيل الثمن حتى يظهر المبيع
(1) هذا مبني على أن عقد السلم لا يطلق إلا على ما كان منه صحيحا دون الفاسد.
ويسلمه لم يكن لتشريع مثل هذا العقد من فائدة، بل صار الأمر أمر مضاربة، وطمع في ربح قد يحصل، وقد لا يحصل إذا كان السعر غير محدد تماما وقت التعاقد.
هو عقد بيع عادي:
وإذا كانت هذه العملية لا يمكن أن تكون عقد سلم -لما ذكرنا- فهل يمكن اعتبارها عقد بيع عادي؟
هنا يجب أن نفرق بين ما إذا كان البيع بسعر قطعي معروف تماما حين العقد، أو بسعر يحدده البائع في مدة معينة يتفق عليها بين التاجر والمنتج، أو يتحدد في اليوم الأخير لهذه المهلة.
والسعر على كل حال يكون سعر إقفال سوق العقود في اليوم الذي يختاره البائع أو في ذلك اليوم الأخير.
في الحالة الأولى: نعني ما إذا كان السعر قطعيا محددا حين التعاقد، أو الاتفاق يكون الأمر عقد سلم إذا دفع التاجر الثمن كله حين التعاقد، وهذا ما لا يحصل إلا في النادر من الحالات في تجارة القطن. أو بعد ذلك بأجل قصير على ما ذهب إليه الإمام مالك كما عرفنا.
أما في الحالة الأخرى: فإنه يقوم أمام اعتباره عقد بيع عادي أمران: كون موضوع العقد معدوما حين التعاقد. وكون الثمن غير معروف تماما للطرفين وقت العقد أيضا. وإذا يجب الكلام في هذين الأمرين. أما تأخير دفع الثمن فليس عقبة هنا