الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الصلح مع اليهود
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه أجوبة على أسئلة تتعلق بما أفتينا به من جواز الصلح مع اليهود وغيرهم من الكفرة صلحا مؤقتا أو مطلقا على حسب ما يراه ولي الأمر- أعني ولي أمر المسلمين الذي تجري المصالحة على يديه- من المصلحة في ذلك؛ للأدلة التي أوضحناها في الفتوى المذكورة في صحيفة [المسلمون] في العدد الصادر يوم الجمعة 21 / رجب / 1415 هـ.
وهذا نص الأسئلة:
س: فهم بعض الناس من إجابتكم على سؤال الصلح مع اليهود - وهو السؤال الأول في المقابلة- أن الصلح أو الهدنة مع اليهود المغتصبين للأرض، والمعتدين جائز على إطلاقه، وأنه
يجوز مودة اليهود ومحبتهم، ويجب عدم إثارة ما يؤكد البغضاء والبراءة منهم في المناهج التعليمية في البلاد الإسلامية، وفي أجهزة إعلامها، زاعمين أن السلام معهم يقتضي هذا، وأنهم ليسوا بعد معاهدات السلام أعداء يجب اعتقاد عداوتهم؛ ولأن العالم الآن يعيش حالة الوفاق الدولي والتعايش السلمي، فلا يجوز إثارة العداوة الدينية بين الشعوب. فنرجو من سماحتكم التوضيح.
ج: الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم ولا موالاتهم، بل ذلك يقتضي الأمن بين الطرفين وكف بعضهم عن إيذاء البعض الآخر، وغير ذلك كالبيع والشراء، وتبادل السفراء، وغير ذلك من المعاملات التي لا تقتضي مودة الكفرة ولا موالاتهم.
وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ولم يوجب ذلك محبتهم ولا موالاتهم بل بقيت العداوة والبغضاء بينهم، حتى يسر الله فتح مكة عام الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا. وهكذا صالح النبي صلى الله عليه وسلم يهود المدينة لما قدم المدينة مهاجرا صلحا مطلقا، ولم يوجب ذلك مودتهم ولا محبتهم؛ لكنه عليه الصلاة والسلام كان يعاملهم في الشراء منهم والتحدث إليهم، ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الإسلام، ومات صلى الله عبيه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله، ولما حصل من بني النضير من اليهود الخيانة أجلاهم من المدينة عليه الصلاة والسلام، ولما نقضت قريظة العهد ومالؤا
كفار مكة يوم الأحزاب على حرب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم فقتل مقاتلتهم وسبى ذريتهم ونساءهم بعدما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم فحكم بذلك. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حكمه قد وافق حكم الله من فوق سبع سماوات.
وهكذا المسلمون من الصحابة ومن بعدهم، وقعت الهدنة بينهم في أوقات كثيرة وبين الكفرة من النصارى وغيرهم فلم يوجب ذلك مودة ولا محبة ولا موالاة وقد قال الله سبحانه:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (1)، وقال سبحانه:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (2)، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (3)، وقال عز وجل:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (4) الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومما يدل على أن الصلح مع الكفار من اليهود وغيرهم إذا
(1) سورة المائدة الآية 82
(2)
سورة الممتحنة الآية 4
(3)
سورة المائدة الآية 51
(4)
سورة المجادلة الآية 22
دعت إليه المصلحة أو الضرورة لا يلزم منه مودة ولا محبة، ولا موالاة: أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر صالح اليهود فيها على أن يقوموا على النخيل والزروع التي للمسلمين بالنصف لهم والنصف الثاني للمسلمين. ولم يزالوا في خيبر على هذا العقد ولم يحدد مدة معينة، بل قالت صلى الله عليه وسلم:«نقركم على ذلك ما شئنا (1)» ، وفي لفظ:«نقركم ما أقركم الله (2)» فلم يزالوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه.
وروي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه لما خرص عليهم الثمرة في بعض السنين قالوا: إنك قد جرت في الخرص. فقال رضي الله عنه: والله إنه لا يحملني بغضي لكم ومحبتي للمسلمين أن أجور عليكم، فإن شئتم أخذتم بالخرص الذي خرصته عليكم، وإن شئتم أخذناه بذلك.
وهذا كله يبين أن الصلح والمهادنة لا يلزم منها محبة ولا موالاة ولا مودة لأعداء الله كما يظن ذلك بعض من قل علمه بأحكام الشريعة المطهرة.
وبذلك يتضح للسائل وغيره أن الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يقتضي تغيير المناهج التعليمية ولا غيرها من المعاملات المتعلقة بالمحبة والموالاة. والله ولي التوفيق.
س: هل تعني الهدنة المطلقة مع العدو إقراره على ما
(1) رواه البخاري في كتاب: " فرض الخمس " برقم 2919.
(2)
رواه البخاري في كتاب: " الشروط " برقم 2528.
اقتطعه من أرض المسلمين في فلسطين وأنها قد أصبحت حقا أبديا لليهود بموجب معاهدات تصدق عليها الأمم المتحدة التي تمثل جميع أمم الأرض. وتخول الأمم المتحدة عقوبة أي دولة تطالب مرة أخرى باسترداد هذه الأرض أو قتال اليهود فيها؟
ج: الصلح بين ولي أمر المسلمين في فلسطين وبين اليهود لا يقتضي تمليك اليهود ما تحت أيديهم تمليكا أبديا، وإنما يقتضي ذلك تمليكهم تمليكا مؤقتا حتى تنتهي الهدنة المؤقتة، أو يقوى المسلمون على إبعادهم عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة. وهكذا يجب قتالهم عند القدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وهكذا النصارى والمجوس لقول الله سبحانه في سورة التوبة:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1).
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم «أنه أخذ الجزية من المجوس (2)» وبذلك صار لهم حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط إذا لم يسلموا. أما حل الطعام والنساء للمسلمين فمختص بأهل الكتاب، كما نص عليه كتاب الله سبحانه في سورة المائدة. وقد صرح الحافظ ابن كثير رحمه الله
(1) سورة التوبة الآية 29
(2)
رواه البخاري في كتاب: " الجزية والموادعة " برقم 2923، والترمذي في:" السير " برقم 1512، وأحمد في:" مسند العشرة المبشرين بالجنة " برقم 1569.
في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (1) الآية. بمعنى ما ذكرنا في شأن الصلح.
س: هل يجوز بناء على الهدنة مع العدو اليهودي تمكينه بما يسمى بمعاهدات التطبيع، من الاستفادة من الدول الإسلامية اقتصاديا، وغير ذلك من المجالات بما يعود عليه بالمنافع العظيمة ويزيد من قوته وتفوقه، وتمكينه في البلاد الإسلامية المغتصبة، وأن على المسلمين أن يفتحوا أسواقهم لبيع بضائعه وأنه يجب عليهم تأسيس مؤسسات اقتصادية كالبنوك والشركات يشترك اليهود فيها مع المسلمين، وأنه يجب أن يشتركوا كذلك في مصادر المياه كالنيل والفرات، وإن لم يكن جاريا في أرض فلسطين؟
ج: لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة إلى بقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها فإذا رأت من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر فلا بأس في ذلك، وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية. وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك.
والواجب على كل من تولى أمر المسلمين سواء كان ملكا
(1) سورة الأنفال الآية 61
أو أميرا أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما سوى ذلك مع أي دولة من دول الكفر، عملا بقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (1)، وقوله سبحانه:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (2) الآية.
وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر. وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه " ثم قال صلى الله عليه وسلم: " ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (3)» .
وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4) وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين، والعجز عن
(1) سورة النساء الآية 58
(2)
سورة الأنفال الآية 61
(3)
رواه البخاري في كتاب: " العتق " برقم 2371 وفي "الأحكام" برقم 6605، ومسلم في كتاب:" الإمارة " برقم 3408 واللفظ له.
(4)
سورة الأنفال الآية 27
إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس. أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية إن كانوا من أهلها، فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتالة وترك الجزية. وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1)، وقوله عز وجل:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (2) إلى غير ذلك من الآيات المعلومة في ذلك، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية، ويوم الفتح ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا.
والله المسئول أن يوفق المسلمين لكل خير وأن يصلح أحوالهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله على الوجه الذي يرضيه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
س: سماحة الوالد المنطقة تعيش اليوم مرحلة السلام
(1) سورة التوبة الآية 29
(2)
سورة الأنفال الآية 39
واتفاقياته، الأمر الذي آذى كثيرا من المسلمين مما حدا ببعضهم معارضته، والسعي لمواجهة الحكومات التي تدعمه عن طريق الاغتيالات، أو ضرب الأهداف المدنية للأعداء ومنطقهم يقوم على الآتي:
أ- أن الإسلام يرفض مبدأ المهادنة.
ب- أن الإسلام يدعو لمواجهة الأعداء بغض النظر عن حال الأمة والمسلمين من ضعف أو قوة.
نرجو بيان الحق، وكيف نتعامل مع هذا الواقع بما يكفل سلامة الدين وأهله؟
ج: تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك؛ لقول الله سبحانه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (1)؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما جميعا، كما صالح أهل مكة على ترك الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وصالح كثيرا من قبائل العرب صلحا مطلقا، فلما فتح الله عليه مكة نبذ إليهم عهودهم، وأجل من لا عهد له أربعة أشهر، كما في قول الله سبحانه:{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2){فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (3) الآية، وبعث صلى الله عليه وسلم المنادين بذلك عام تسع من الهجرة بعد الفتح مع الصديق لما حج
(1) سورة الأنفال الآية 61
(2)
سورة التوبة الآية 1
(3)
سورة التوبة الآية 2
رضي الله عنه؛ ولأن الحاجة والمصلحة الإسلامية قد تدعو إلى الهدنة المطلقة، ثم قطعها عند زوال الحاجة، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في كتابه:" أحكام أهل الذمة " واختار ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم. والله ولي التوفيق.
س: يرى البعض أن حال الفساد وصل في الأمة لدرجة لا يمكن تغييره إلا بالقوة، وتهييج الناس على الحكام، وإبراز معايبهم لينفروا عنهم، وللأسف فإن هؤلاء لا يتورعون عن دعوة الناس لهذا المنهج والحث عليه ماذا يقول سماحتكم؟
ج: هذا مذهب لا تقره الشريعة؛ لما فيه من مخالفة للنصوص الآمرة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ولما فيه من الفساد العظيم والفوضى والإخلال بالأمن، والواجب عند ظهور المنكرات إنكارها بالأسلوب الشرعي وبيان الأدلة الشرعية من غير عنف، ولا إنكار باليد إلا لمن تخوله الدولة ذلك؛ حرصا على استتباب الأمن وعدم الفوضى. وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«من ولي عليه والي فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة (1)» .
(1) رواه مسلم في كتاب: " الإمارة " برقم 3448، رواه أحمد في:" باقي مسند الأنصار " برقم 22856 بلفظ: " ومن ولي عليه أمير وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فلينكر ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة" حديث عوف بن مالك وأوله: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم. . . ".
وقوله صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة (1)» وقد «بايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعلى ألا ينزعوا يدا من طاعة، إلا أن يروا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان (2)» ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والمشروع في مثل هذه الحال مناصحة ولاة الأمور، والتعاون معهم على البر والتقوى والدعاء لهم بالتوفيق والإعانة على الخير حتى يقل الشر ويكثر الخير.
نسأل الله أن يصلح جميع ولاة أمر المسلمين وأن يمنحهم البطانة الصالحة وأن يكثر أعوانهم في الخير وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله في عباده إنه جواد كريم.
س: في ظل التفاهم بين العرب واليهود هل يجوز زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه خصوصا في حال الموافقة من الدول
(1) رواه البخاري في: " الأحكام " برقم 6611، ومسلم في:" الإمارة " برى قم 3423 واللفظ له، والنسائي 7/ 160، وابن ماجه 2864.
(2)
رواه مسلم في " الإمارة " برقم 3426، وأحمد في:" باقي مسند الأنصار " برقم 21623.
العربية؟
ج: زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة إذا تيسر ذلك؛ لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (1)» متفق على صحته. والله الموفق.
س: يختلف الفلسطينيون في مواقفهم من عملية السلام، فحماس تعارض وتدعو للمقاومة، والسلطة الفلسطينية موافقة، وأغلب الشارع كما يبدو مع السلطة، فمن تلزم الناس طاعته، وما هو موقفنا نحن في الخارج. نرجو بيان الحق لأن هناك أخطارا بأن ينشب القتال بين الفلسطينيين أنفسهم؟
وفي ختام الحديث مع سماحتكم، وبما جعل الله لكم من محبة وقبول في قلوب الناس. أرجو أن يوجه سماحتكم كلمة لأبناء هذه الأمة يكون فيها ما يكفل سعادتهم في الدنيا والآخرة ويكفل رفعة الدين وأهله. وفقنا الله وإياكم لكل خير آمين.
ج: ننصح الفلسطينيين جميعا بأن يتفقوا على الصلح ويتعاونوا على البر والتقوى حقنا للدماء وجمعا للكلمة على
(1) رواه البخاري في: " الجمعة " برقم 1115، و 1122، وفي:" الحج " برقم 1731، و " الصوم " برقم 1858، ومسلم في:" الحج " برقم 2475، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.
الحق، إرغاما للأعداء الذين يدعون إلى الفرقة والاختلاف، وعلى الرئيس وجميع المسئولين أن يحكموا شريعة الله وأن يلزموا بها الشعب الفلسطيني لما في ذلك من السعادة والمصلحة العظيمة للجميع، ولأن ذلك هو الواجب الذي أوجبه الله على المسلمين عند القدرة، كما في قوله سبحانه في سورة المائدة:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (1) إلى أن قال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2)، وقال سبحانه في سورة النساء:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)، وقوله سبحانه في سورة المائدة:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (4)، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (5)، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (6).
ومن هذه الآيات وغيرها يعلم أن الواجب على جميع الدول الإسلامية هو تحكيم شريعة الله فيما بينهم، والحذر مما يخالفها. وفي ذلك سعادتهم ونصرهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
(1) سورة المائدة الآية 49
(2)
سورة المائدة الآية 50
(3)
سورة النساء الآية 65
(4)
سورة المائدة الآية 44
(5)
سورة المائدة الآية 45
(6)
سورة المائدة الآية 47
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحهم التوفيق، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعينهم على تحكيم شريعته في كل شئونهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبهذه المناسبة فإني أنصح جميع المسلمين في كل مكان بأن يتفقهوا في الدين، وأن يعرفوا معنى العبادة التي خلقوا لها، كما في قوله سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وقد أمرهم الله بها سبحانه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) وقد فسرها سبحانه في مواضع كثيرة من كتابه العظيم وسنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وحقيقتها توحيده سبحانه وتخصيصه بالعبادة من الخوف والرجاء والتوكل والصلاة والصوم، والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة، مع طاعة أوامره وترك نواهيه.
وبذلك يعلم أنها هي الإسلام والإيمان والتقوى والبر والهدى، وطاعة الله ورسوله، سمى الله ذلك كله عبادة لأنها تؤدى بالخضوع والذل لله سبحانه.
فالواجب على المكلفين جميعا أن يعبدوه وحده، وأن يتقوا غضبه وعقابه بالإخلاص له في العمل، وتخصيصه بالعبادة وحده، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، والحكم بشريعته، والتناصح
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
سورة البقرة الآية 21
بينهم، والتواصي بالحق، والصبر عليه كما قال الله عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1)، وقال سبحانه:{وَالْعَصْرِ} (2){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) فأوضح سبحانه في هذه السورة العظيمة أن جميع بني الإنسان في خسران {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5) فهؤلاء هم الرابحون والسعداء والمنصورون في الدنيا والآخرة، ومعنى قوله سبحانه:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (6) يعني آمنوا بالله ربا وإلها ومعبودا بحق وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك، ثم: عملوا الصالحات، فأدوا فرائض الله وتركوا محارم الله عن إخلاص لله وصدق، ثم: تواصوا بالحق فيما بينهم، وتناصحوا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وصبروا على ذلك يرجون ثواب الله ويخشون عقابه، فهؤلاء هم المنصورون وهم الرابحون، وهم السعداء في الدنيا والآخرة فنسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وسائر إخواننا منهم وأن يوفق جميع المسلمين في كل مكان للاستقامة على هذه الأخلاق والصبر عليها والتواصي بها، إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(1) سورة المائدة الآية 2
(2)
سورة العصر الآية 1
(3)
سورة العصر الآية 2
(4)
سورة العصر الآية 3
(5)
سورة العصر الآية 3
(6)
سورة العصر الآية 3