الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السعر الذي يدفع في العمليات الآجلة أعلى من السعر الذي تتم به الأخرى الآجلة؛ لأن البائع يعتقد أن السعر يزيد من وقت إلى آخر، وإن كان قد يحدث أن تخلف السوق ظنون البائع والمشتري على السواء لعوامل لم يكونا يتوقعانها، وهنا ناحية من حظر التعامل في البورصات.
هذه كلمة عامة عن الأسواق والبورصات عرفنا منها ماهيتها، وأنواع الأعمال التي تقوم بها، وكيف تتم عمليات البيع والشراء فيها. ولننظر الآن في العمليات الخاصة بالقطن عندنا في مصر، سواء خارج البورصة أو داخلها.
إن القطن من أهم محاصيل مصر الزراعية، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وإننا جميعا نخضع في بيعه وشرائه لما جرى به العرف والقانون في البورصة وخارجها، ولم نتساءل حتى الآن عن مدى اتفاق هذا الذي نخضع له مع الشريعة الإسلامية ولهذا يجب- أو كان يجب منذ زمن طويل- فحص ذلك كله لنكون من أمرنا على بينة، وليس لأحد أن يعتذر عن النظر في هذا بأن ذلك هو حكم القوانين وكفى.
سوق القطن:
ما هي السوق
؟
هي مكان (وهي بالإسكندرية بمصر) يجتمع فيه في أوقات معينة الذين يعملون في سوق القطن أي: السماسرة الموكلون عن البائعين والمشترين، وفيه يكون العرض والطلب حرا من كل
قيد يمنع من مرونتهما، وحدد فيه السعر الذي يعلن جهرا للناس ويذاع بكل طرق الإذاعة والإعلان، وكل ذلك يتم في نظام يضمن سهولة إتمام العمليات ودقة تنفيذها.
ومن شأن هذا النظام أن يكون هؤلاء الذين تقوم عليهم السوق وما يجري فيه من عمليات تجارية، من الأمناء الذين لم تصدر عليهم أحكام منافية للشرف، والذمة الطيبة، كما يكون لهم من أموالهم الخاصة ما يكون ضمانا كافيا لتنفيذ ما يرتبطون به من عقود بالنيابة عن أصحاب الشأن أو المشترين.
أغراضها:
ومن الطبيعي أن تكون الأغراض التي من أجلها أنشئت هذه السوق هي نفس الأغراض والأهداف التي لسائر الأسواق وهي:
أ- الحصول على سعر عادل من تلاقي العرض الحر للأقطان والطلب الحر لها.
ب- إشهار الأسعار للمتعاملين فيها داخل مصر وخارجها لتكون هذه الأسعار أساسا لمعاملات الريف والبلاد الخارجية.
ج- التعاقد على صفقات تسلم في مواعيد آجلة. وهذا ليكون ميسورا تلبية طلبات دور صناعة القطن في الأوقات المناسبة.
د- تنظيم المضاربة المشروعة: أي التي تفضي إلى توازن الأسعار.
هـ- تنظيم تداول القطن من الزراع إلى الصناع بواسطة التجار المتعددين، وإيجاد حلول لكل ما يكون من نزاع وخلاف في هذه السبيل.
وتحسين ظروف القطن التجارية بالعمل على النهوض به في طرق تعبئته وصيانة ما يخزن منه ونحو ذلك.
أقسامها:
ولهذه السوق قسمان:
أ- سوق العقود: وفيها يتعاقد على كميات من القطن ليست موجودة حين العقد، على أن يكون التسليم آجلا إلى زمن يحدده الطرفان بالاتفاق بينهما، كما يكون السعر معلوما بصفة عامة وقت التعاقد، أي: هو السعر الذي يتحدد في البورصة في يوم معين يتفق عليه ب- سوق البضاعة الحاضرة وهي: التي يتم فيها تسليم ما تعاقد عليه البائعون والمشترون في سوق العقود، متى حانت آجال التسليم، وبذلك تتم كل سوق من هاتين السوقين عمل الأخرى، وظاهر أن التفرقة بينهما هي لتنظيم التعامل فالأولى للتعاقد، والثانية للتنفيذ (1)
(1) فيه ما في القسم الأول.
الحاجة لسوق العقود:
لقد أصبحت الحياة معقدة في كثير من الحالات بعد أن كانت بسيطة في الأزمان الأولى، فأصبح الصانع مضطرا للارتباط في عمله بالتاجر، وهذا يجد نفسه مرتبطا بغيره من التجار والمنتجين. ولا بد لحصول التناسق وتوفير حاجات كل من هذا وذلك، من اصطناع نظم في البيع والشراء لم تكن معروفة من قبل.
فشركات النسيج -مثلا- لا تستطيع- كما يقول الأستاذ حسن زكي أحمد - أن تتفق مع عملائها تجار الأقمشة على أسعار ما تبيعه لهم إلا إذا ضمنت لنفسها أسعارا تناسبها لحاجتها من القطن المغزول، وشركات الغزل لا بد لها لتحديد سعر منتجاتها من الاتفاق مع تاجر القطن على السعر الذي يبيع به لها، وهذا التاجر قد لا يجد حاجته من القطن الخام فور طلبه، فهو مضطر إذا للتعاقد على ما يريد على أن يتسلمه متى وجد، وفي هذه الحالة يتجه إلى المنتج رأسا أو إلى تجار الأرياف للتعاقد معهم على شراء ما هو بحاجة إليه ثم يتسلمه في أجل محدود (1).
كيف يكون التسليم:
إذا كان الغزال لا يتصل مباشرة بالمنتج، بل ولا بالتاجر الأول الذي اشترى رأسا منه فكيف يتم أن يتسلم فعلا القطن الذي
(1) الحاجة قائمة لكن يمكن التخلص من التعامل المحرم بتحديد الثمن وتسليمه حين العقد.
اشتراه؟ إن هذا يكون بعد عمليات كثيرة أو قليلة يمر بها القطن وبواسطة وسطاء كثيرين أو قليلين أيضا.
إن البائع في سوق العقود الذي يريد تنفيذ عقد بتسليم ما باعه من القطن يخطر بواسطة سمساره الذي هو وكيل عنه الطرف الآخر برغبته، حتى يستعد للتسليم ودفع الثمن بعد معاينة البضاعة، فإذا كان هذا الطرف الآخر قد صفى ما اشتراه ببيعه إلى آخر، فإنه يحول هذا الإخطار إلى من قد اشترى منه، وهذا يحوله إلى من قد يكون باع له ما سبق أن اشتراه، وهكذا حتى يصل الإخطار إلى المشتري الأخير الذي عليه أن يجيب البائع الأول إلى طلبه، وحينئذ عليه أن يعاين البضاعة التي تكون موجودة بالشونة حتى إذا وجدها كما يجب- من ناحية النوع والرتبة- قام بتسلمها ودفع الثمن، وعند تسلم رتبة أعلى أو أقل يدفع المشتري فرقا للبائع في الحالة الأولى، ويأخذ منه فرقا في الثانية ويخصم له من الثمن (1).
ومن هذا نرى أنه قبل عملية التسليم يجوز أن تكون الصفقة قد بيعت أكثر من مرة دون تسلم، أو دفع للثمن، وهذه البيوعات المتوسطة ليست بيوعات بالمعنى الصحيح، وإنما هي في الحقيقة مضاربات على فروق الأسعار، ولهذا نجد أنه في أحد الأعوام كان المحصول فيه لا يزيد عن تسعة ملايين قنطار من القطن، بلغت كمية الأقطان التي بيعت واشتريت في سوق العقود تسعين
(1) في ذلك بيع المسلم فيه قبل قبضه، وهو محرم كما أن فيه بيع كالئ بكالئ لتأخر تسليم الثمن أو بعضه.