الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للهدي النبوي الشريف، وغايته الحق، ولحمته الإيمان، وسداه المسارعة إلى المغفرة، وكل ذلك يحتاج إلى قلب لين مطيع لله، وعقل واع مدرك لأهمية التكاليف، وإرادة صادقة في البحث عن الطريق السوي وملازمته، وعدم الخوض في أمور الدين إلا عن علم ويقين، وطلب الهدى من الله. قال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (1).
(1) سورة الأنعام الآية 125
5 -
و
الطاعة هي الحكمة الكامنة وراء النية كما أن حبوط العمل ثمرة فسادها:
الإسلام دين الفطرة، الطاعة فيه لها ثوابها والمعصية فيه لها عقوبتها ما لم يتب فاعلها توبة نصوحا.
وإذا كانت النية أساس أعمال الإنسان، فما ذلك إلا لأنها تجسد إخلاص العبد لله، وعدم الإساءة إلى أحد من عباده ولو في معاملة بسيطة، فإن نوى الإنسان الخير في كل تصرفاته مع رب العباد، فقد حقق الحكمة الكامنة وراء النية وهي طاعة رب البرية.
وطاعة الله المتمثلة في نية إرضائه وعدم الإساءة لخلق الله وعباده- ولو بكلمة نابية- تضفي على المسلم مهابة، لأن سلوكه الظاهر يكون صدى لكامن نيته وداخل سريرته وطويته، فيندفع الناس إلى حبه، فإن أحبه عباد الله أحبه الله ولم يلحقه أذى من بغض أو مقت أو كره. (وأصل كل هذا هو النية الصالحة والعمل
المستقيم) (1)، وهكذا تتحدد المقاصد بالنيات، ولا يوجد خلاف بين أهل العلم في لزوم النية في المقاصد، سواء تعلق الأمر بأعمال الجوارح أو أعمال القلوب (2) والأقوال، فمن حديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال " على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم (3)» .
فإذا انعدمت الطاعة انتفت الحكمة الكامنة وراء النية وحبط عمل الإنسان وباء بالخسران المبين سواء تعلق الأمر بعبادات أو عادات أو معاملات.
وبيان ذلك أن حكمة مشروعية النية تكمن في تمييز العادات من العبادات، وتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض (4) فأي فعل كالغسل والذهاب إلى المسجد ودفع المال وملاقاة العدو قد يتم على سبيل العادة، وقد ينوي الشخص إتيانه عبادة لا لمجرد النظافة ولا للراحة ولا للهدية ولا الرياء في الأمثلة المتقدمة وعندئذ تميز النية العادة عن العبادة.
(1) إعلام الموقعين لابن القيم ج 4 ص 199.
(2)
قال تعالى: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم سورة الحج، الآية 25.
(3)
رواه الترمذي في كتاب الإيمان، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
الأشباه والنظائر للسيوطي ص 12.
كذلك الشأن في العبادات فالنية أساس بيان مراتبها، فالصلاة والصدقات منها ما هو فرض ومنها ما هو نفل على تفصيل، والنية هي التي تحدد مرتبة العبادات من فروض ونوافل. ثم إنه هل (يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما)(1).
فإذا كان العمل خالصا لله لا تشوبه شبهة رياء ولا مظنة سمعة، ولا طلب دنيا بل التماس الآخرة، كانت النية سليمة والمقاصد سليمة والوسائل سليمة، فحق لصاحب تلك النية أن يناله أعلى الدرجات عند رب البرية، لأن الإنسان يكون قد صرف نيته خالصة لله، والله سبحانه وتعالى يقول {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (2)، وذلك انطلاقا من نيته العامة المواكبة لإيمانه، ونيته الخاصة المقترنة بعباداته والتي تخصص بها العبادة عما سواها، حيث ترتفع النية بالإنسان في مدارج كمالات الإيمان، فلا ثواب ولا عقاب إلا بنية (3)، إلا أنه يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في
(1) بدائع الفوائد لابن القيم ج 3 ص 224 وما بعدها.
(2)
سورة الزمر الآية 3
(3)
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 166.