الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما هو معروف أما كون موضوع العقد غير موجود حين التعاقد، فإن هذا ليس شرطا إلا عند جمهرة الفقهاء على حين لا يراه البعض- وبخاصة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - شرطا (1) ما دام لا يؤدي إلى الغرر والجهالة في الثمن اللذين يؤديان عادة إلى النزاع بين المتعاقدين.
(1) تقدم ما فيه.
(ب)
تحديد الثمن بسعر السوق:
بقي أن الثمن غير محدد وغير معروف تماما للطرفين، وهذا ما يجب الكلام عنه بشيء من التفصيل مع استعراض آراء الفقهاء وبيان المقصد الحقيقي من اشتراط معرفة الثمن في عقود البيع حين قال الله -جل ذكره- في الآية رقم 29 من سورة النساء:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) فهم الفقهاء -رضوان الله عليهم جميعا-: أن الرضى أساس كل عقد (2)، ولهذا شرطوا في البيع وهو أحد ضروب التجارة شروطا معروفة لضمان تحقق هذا الرضى (3)، والذي يهمنا هنا من هذه الشروط هو: أن يكون الثمن معروفا حتى لا تؤدي جهالته للنزاع بين الطرفين.
(1) سورة النساء الآية 29
(2)
لكن مع عدم مخالفة النص ومقاصد الشرع.
(3)
لكن مع عدم مخالفة النص ومقاصد الشرع.
وهذا حق بلا ريب ولا نتكلم فيه، فإنما البيع عن تراض كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه قد يخيل للمرء في بادئ الرأي أن هذه المعرفة المشروطة في الثمن تتطلب أن يكون الثمن حين العقد معروفا فعلا بأنه مبلغ كذا من النقود، وهذا ما لا نراه ضروريا لصحة العقد.
إن لنا أن نقول بحق: إن هذه المعرفة ليست واجبة شرعا حين العقد. ويكفي أن يكون الثمن معروفا على وجه ما به يقع التراضي ولا يقوم نزاع بين المتعاقدين، وهذا يتحقق بيقين متى اتفقا على أن سعر القنطار من القطن الذي يباع بهذه الطريقة محدد بسعر السوق الرسمية يوم كذا أي: اليوم الذي يختاره البائع في المدة المتفق عليها بينه وبين المشتري، أو اليوم الأخير لهذه المدة إن تحديد الثمن بهذه الكيفية فيه تحقيق لرضى الطرفين، ويضمن ألا يقوم نزاع بصدده بينهما (1)، وهذا التراضي هو كل ما شرطه المشرع الحكيم في العقود ويكفي للتدليل على هذا الذي نذهب إليه أن نتذكر أنه لم يقم نزاع حتى الآن فيما يختص بالسعر المحدد بهذه الطريقة- بين من يتعاملون هكذا في سوق العقود- وهذا دليل قاطع بلا ريب.
(1) لا يضمن عدم النزاع وإنما امتنع النزاع بقهر النظام.
آراء بعض الفقهاء:
وليس هذا الذي نقوله مما يبعد كثيرا عن أقوال كثير من الفقهاء الذين تقدم بهم الزمن، ونعتقد أنهم لو أدركوا البيع في البورصة على هذا النحو لقالوا صراحة بما نذهب إليه تيسيرا على الناس بما لا ضرر فيه (1) ونكتفي هنا بثلاثة من كبار هؤلاء الفقهاء الماضين وهم:
1 -
ملك العلماء علاء الدين الكاساني المتوفى عام 587 هـ.
2 -
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم المتوفى عام 751 هـ.
3 -
محمد أمين الشهير بابن عابدين. الفقيه الحنفي المعروف.
فالكاساني وهو بصدد ذكر شروط صحة عقود البياعات يذكر ما نصه: (ومنها أن يكون البيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة. فإن كان أحدهما مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فسد البيع، وإن كان مجهولا جهالة لا تفضي إلى المنازعة لا يفسد؛ لأن الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم فلا يحصل مقصود البيع، وإن لم تكن مفضية إلى المنازعة لم تمنع من ذلك. فيحصل المقصود)(2)
(1) هذا مجرد خرص ورجم بالغيب.
(2)
الجهالة بثمن هذه الصفقات تفضي إلى النزاع لكنها دفعت بقوة النظام.
ثم أخذ بعد هذا في ذكر مسائل تطبيقية على الجهالة بنوعيها في المبيع والثمن ليبين ما أراد تقريره.
والعلامة ابن عابدين - وهو يتكلم عن شرط معرفة قدر المبيع والثمن لصحة البيع- نقل عن البعض جواز ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس إن كان شيئا لا يتفاوت، ولا ريب في أن تحديد الثمن بسعر إقفال (البورصة) في يوم معين أمر لا يتفاوت من جهة المبيع والثمن أيضا، وفي هذا لا يتنازع أحد من الناس، بل يحصل رضا الطرفين كما هو معروف وواقع فعلا (1) وأما ابن القيم فكان صريحا في ذلك صراحة يطمئن إليها القلب إذ يقول:(واختلف الفقهاء في جواز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت العقد، وصورتها البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم يأخذ منه كل يوم شيئا معلوما ثم يحاسبه عند رأس الشهر أو السنة على الجميع ويعطيه ثمنه، فمنعه الأكثرون وجعلوا القبض به غير ناقل للملك، وهو قبض فاسد يجري مجرى المقبوض بالغصب؛ لأنه مقبوض بعقد فاسد وكلهم إلا من شدد على نفسه يفعل ذلك، ولا يجد منه بدا وهو يفتي ببطلانه)
(1) قيده بما لا يتفاوت من جهة المبيع والثمن وما نحن بصدد بيان حكمه يتفاوت فلا تتسامح فيه النفوس