الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله تَعَالَى.
6 - بَابُ مَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ
750 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا طَلْحَةُ (1) بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال (2) : من نذر أن يُطيع اللع فَلْيُطِعْهُ (3) ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ (4) .
(وقد ذهب الجمهور إلى أن مَنْ مات وعليه نذر مالي أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوصِ إلَاّ إنْ وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، وشرط المالكية والحنفية أن يوصي بذلك مطلقاً، واستدل للجمهور بقصة أم سعد هذه، وقول الزهري: إنها صارت سنة بعد، ولكن يمكن أن يكون سعد قضاه من تركتها أو تبرَّع به. فتح الباري 11/585.
(1)
قوله: طلحة بن عبد الملك، الأَيْلي - بفتح الهمزة - وثقه أبو داود والنسائي وجماعة، كذا في "الإِسعاف".
(2)
قوله: قال: من نذر، قال الزرقاني: هذا الحديث رواه القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب وسائر رواة "الموطأ" عن مالك مسنداً، وأخرجه البخاري عن شيخه أبي عاصم الضحاك، عن مخلد وأبي نعيم الفضل بن دكين، والترمذي والنسائي، عن قتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به، وتابعه عبيد الله، عن طلحة عند الترمذي.
(3)
قوله: فليطعه، أي وجوباً، فإن المباح يصير واجباً بالنذر، لقوله تعالى:(وليوفوا نذورهم)(سورة الحج: الآية 29) .
(4)
قوله: فلا يعصه، كما إذا نذر ترك الكلام مع أبويه أو ترك الصلاة
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ وَلَمْ يسمِّ (1) فليُطع اللَّهَ وليكَفِّر (2) عَنْ يَمِينِهِ. وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ.
751 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنِي (3) يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابن عباس فقالت: إنّي نذرت أن
أو حلف في ذلك فإنه يجب عليه أن لا يأتي بالمعصية (قال الموفق: نذر المعصية فلا يحل الوفاء به إجماعاً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه"، ولأن معصية الله لا تحلُّ في حال، ويجب على الناذر كفارة يمين، روي نحو هذا عن ابن مسعود وابن عباس وجابر وعمران بن حصين وسمرة بن حندب وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، ورُوي عن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة عليه، فإنه قال فيمن نذر ليهدِمَنّ دار غيره لبنة لبنة لا كفارة عليه، وهذا في معناه، وروي هذا عن مسروق والشعبي وهو مذهب مالك والشافعي
…
إلخ. المغني 9/3 - 4) ، بل يخالف ما نذر به وما حلف عليه ويوافق ما أمره ربه.
(1)
قوله: ولم يسمِّ، أي لم يعيِّن تلك المعصية بل قال: عليَّ معصية ربي ونحو ذلك، وكأنَّه حمل قوله:"من نذر أن يعصيه فلا يعصيه" على نذر المعصية غير مسماة وليس بظاهر، فإن الظاهر أن مراده صلى الله عليه وسلم الإِطلاق سمّى أو لم يسمَّ.
(2)
قوله: وليكفِّر عن يمينه، هذا على تقرير أنه حلف ظاهر، وأما إذا لم يحلف بل اكتفى على كلمة النذر فلأن كلمة النذر نذر بصيغة يمين بموجبه لأن النذر عبارة عن إيجاب المباح، وهو مستلزم لتحريم الحلال، وهو معنى اليمين، فيلزم ما يلزمه في اليمين إذا حنث. وفي المسألة تفصيل واختلاف مبسوط في كتب الأصول.
(3)
في نسخة: أخبرنا.
أَنْحَرَ (1) ابْنِي، فَقَالَ: لا تَنْحَرِي ابنَك، وكفِّري (2) عَنْ يمينِك (3)، فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَالِسٌ: كَيْفَ (4) يَكُونُ فِي هَذَا كَفَّارَةٌ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أرأيتَ (5) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (6) : (والذين يظاهرون من
(1) أي أذبح.
(2)
قوله: وكفِّري عن يمينك، أي بكفارة اليمين، وفي رواية عن ابن عباس: ينحر مائة من الإِبل مقدار دية النفس، وروي عنه أيضاً: ينحر كبشاً أخذاً من فداء إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ورُوي قوله الأول عن عثمان وابن عمر، ورُوي الأخيران عن علي، كذا ذكره ابن عبد البر.
(3)
سمّى النذر يميناً لكونه موجب موجبه.
(4)
أي فإنه نذر معصية.
(5)
أي أخبرني
(6)
قوله: قال: (والذين يظاهرون
…
) (سورة المجادلة: الآية 2) ، غرضه إثبات أن لا تنافي بين المعصية ووجوب الكفارة، فإن الظهار أمر قبيح عرفاً وشرعاً، وقد قال الله تعالى في حق المظاهرين:(وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور) ، ثم جعل فيه الكفارة في الآية التالية، وهو تحرير رقبة:(فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً)(سورة المجادلة: الآية 4) ، فكذلك نذر المعصية وإن كان ممنوعاً شرعاً يلزم فيه كفارة اليمين، وبه ظهر الجواب عن كلام ابن عبد البَرّ حيث قال: لا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار، لأن الظهار ليس بنذر، ونذر المعصية جاء فيه نص النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى. وذلك لأن الظهار وإنْ لم يكن نذراً لكنه متشارك به في كونه معصية فإذا جاز وجوب الكفارة في الظهار جاز في النذر بالمعصية وهما متساويان في ورود النهي عنه صراحة أو إشارة.
نسائهم) ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ؟
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ (1) نَأْخُذُ. وَهَذَا (2) مِمَّا وصفتُ لَكَ أَنَّهُ مَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ، فَلا يعصيَنَّ، وليُكَفِّرَنَّ (3) ، عن يمين.
752 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا (4) ابْنُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صالح،
(1) وأخرج صاحب الكتاب في كتاب "الآثار" في مثل هذا، عن مسروق وابن عباس أنهما أمرا بذبح الكبش وقال: به نأخذ.
(2)
أي هذا من فروع ما ذكرتُ لك من الحكم الكلي.
(3)
قوله: وليكفِّرن عن يمينه، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية عنه: يلزمه في هذه الصورة ذبح الشاة. وقال مالك والشافعي: لا يلزمه شيء، كذا في "رحمة الأمة".
(4)
قوله: أخبرنا ابن سهيل بن أبي صالح، هكذا وجدنا في بعض النسخ، وفي بعضها سهيل بن أبي بن أبي صالح، وفي نسختين مصحّحتين: أخبرنا ابن أبي صالح، وهو الصحيح الموافق لما في رواية يحيى بن مالك: عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه
…
إلخ. ولعل لفظ الابن على سهيل في نسخة الأولى من زيادات النساخ، فإن هذه الرواية لسهيل بن أبي صالح لا لابنه ولا لسهيل بن أبي بن أبي صالح، وهو سُهيل - بضم السين مصغَّراً - ابن أبي صالح، أبو زيد المدني، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقةً كثير الحديث، وقال الحاكم: أحد أركان الحديث قد أكثر مسلم الرواية عنه في الأصول والشواهد وروى عنه مالك، وهو الحكم في شيوخ المدينة، الناقد لهم وأرَّخ وفاته ابن قانع سنة 138، وأبوه أبو صالح اسمه ذكوان السمّان الزيات المدني. قال أبو حاتم: ثقة، صالح، يحتج بحديثه، وقال أبو داود: سألت
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: من حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فليُكَفِّر (1) عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ.
قَالَ محمدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
ابن معين، من كان الثبت في أبي هريرة؟ فقال: ابن المسيب وأبو صالح وابن سيرين، والأعرج، مات سنة 101 هـ، كذا في "تهذيب التهذيب".
(1)
قوله: فليكفِّر عن يمينه، أي بعد الحنث، فإنه لو قدَّم الكفارة، ثم حنث لا يجوز عندنا لأن سبب وجوب الكفارة هو الحنث لا إرادته ولا اليمين، فإنه عقد للبرّ لا للحنث، ولا يجوز تقديم الشيء على سببه، وذهب الشافعي إلى إجزاء التكفير بالمال قبل الحنث، وأما الصوم فلا يجزئ في ظاهر مذهبه، وفي وجه يجوز تقديمه أيضاً، وبه قال مالك وأحمد، كذا في "البناية". وقال الزرقاني (شرح الزرقاني 3/65) : ظاهر هذا الحديث إجزاء التكفير قبل الحنث ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه، والعجب أنهم لا تجب الزكاة عندهم إلَاّ بتمام الحول، وأجازوا تقديمها قبله من غير أن يرووا مثل هذه الآثار، وأبوا من تقديم الكفارة قبل الحنث مع كثرة الرواية والحجة في السنَّة ومن خالفها محجوجٌ بها، قاله ابن عبد البر. وهذا كلام صدر عن الغفلة عن أصول الحنيفة فإن الحول عندهم إنما هو سبب لوجوب أداء الزكاة لا لوجوبه، وسببه ملك النصاب، وقالوا: لا يجوز تقديم الزكاة على ملك النصاب ويجوز بعد ملكه على الحول بخلاف الحنث فإنه سبب لوجوب الكفارة لا لوجوب أدائه حتى يجوز تقديمه، وجَعْل اليمين سبباً غير معقول، وما ذكره من كون ظاهر الحديث المذكور جواز التقديم غير مقبول، فإن الواو لمطلق الجمع لا للترتيب على الأصح. فمن أين يُفهم التقديم. وفي المقام كلام طويل. ليس هذا موضعه