المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌16 - باب ما يوجب البيع بين البائع والمشتري - التعليق الممجد على موطأ محمد - جـ ٣

[أبو الحسنات اللكنوي - محمد بن الحسن الشيباني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الدِّيات

- ‌1 - بَابُ الدِّيَةِ فِي الشَّفَتَيْن

- ‌2 - بَابُ دِيَةِ الْعَمْدِ

- ‌4 - بَابُ دِيَةِ الأَسْنَانِ

- ‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يَرِثُ مِنْ دِيَةِ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا

- ‌8 - باب الجروح وما فيها من الأرش

- ‌9 - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌11 - بَابُ الْبِئْرِ جُبار

- ‌13 - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌1 - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَوْلاهُ

- ‌7 - بَابُ الْمُخْتَلِسِ

- ‌أبواب الحُدودِ في الزنَاء

- ‌1 - باب الرجم

- ‌2 - باب الإِقرار بالزناء

- ‌5 - بَابُ الْحَدِّ فِي التَّعْرِيضِ

- ‌6 - بَابُ الحدِّ فِي الشُّرْبِ

- ‌7 - بَابُ شُرْبِ البِتْعِ والغُبَيْرَاء وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌8 - بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمَا يُكره مِنَ الأَشْرِبَةِ

- ‌11 - بَابُ نَبِيذِ الطِّلاء

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌1 - بَابُ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ

- ‌2 - بَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ يُورَثُ

- ‌3 - بَابُ لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ

- ‌4 - بَابُ مِيرَاثِ الْوَلاءِ

- ‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ

- ‌3 - بَابُ مَنْ جَعَل عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيُ ثُمَّ عَجَزَ

- ‌4 - بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌5 - بَابُ الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ

- ‌6 - بَابُ مَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ

- ‌8 - بَابُ الرَّجُلِ يَقُولُ: مَالُه فيِ رِتَاج الْكَعْبَةِ

- ‌9 - بَابُ اللَّغْو مِنَ الأَيْمان

- ‌4 - بَابُ مَا يُكره مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ

- ‌5 - بَابُ مَا لَمْ يُقبض مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ

- ‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الشَّعِيرَ بِالْحِنْطَةِ

- ‌13 - بَابُ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ

- ‌14 - بَابُ شِرَاءِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ

- ‌15 - بَابُ الرَّجُلِ يُساوِمُ الرجلَ بِالشَّيْءِ فَيَزِيدُ عَلَيْهِ أَحَدٌ

- ‌16 - بَابُ مَا يُوجِبُ الْبَيْعَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي

- ‌20 - بَابُ الِاشْتِرَاطِ فِي الْبَيْعِ وَمَا يُفْسِده

- ‌22 - بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ تُهدى إِلَيْهِ

- ‌28 - بَابُ الْقَضَاءِ

- ‌29 - بَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ

- ‌30 - بَابُ النُّحْلَى

- ‌4 - بَابُ مَا يُكره مِنْ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ

- ‌10 - بَابُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَاتِ وَادِّعَاءِ النَّسَب

- ‌11 - بَابُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

- ‌13 - بَابُ الرَّهْن

- ‌14 - بَابُ الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطة

- ‌1 - باب الشفعة

- ‌1 - بَابُ المكاتَب

- ‌أَبْوَابُ السِّيَر

- ‌3 - بَابُ قَتْلِ النِّسَاءِ

- ‌4 - بَابُ الْمُرْتَدِّ

- ‌5 - بَابُ مَا يُكره مِنْ لُبْس الْحَرِيرِ والدِّيباج

- ‌8 - بَابُ نُزُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَمَا يُكره مِنْ ذَلِكَ

- ‌9 - بَابُ الرَّجُلِ يُقيم الرجلَ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيَجْلِسَ فِيهِ وَمَا يُكره مِنْ ذَلِكَ

- ‌10 - بَابُ الرُّقَى

- ‌11 - بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْفَأْلِ وَالِاسْمِ الْحَسَنِ

- ‌12 - بَابُ الشُّرْبِ قَائِمًا

- ‌14 - بَابُ الشُّرْبِ وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ

- ‌17 - بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌22 - بَابُ الاسْتِئْذَانِ

- ‌25 - بَابُ النَّظَرِ إِلَى اللَّعِبِ

- ‌27 - بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌28 - باب الطيب للرجل

- ‌29 - بَابُ الدُّعَاءِ

- ‌30 - بَابُ رَدِّ السَّلامِ

- ‌31 - بَابُ الدُّعَاءِ

- ‌34 - بَابُ مَا يُكره مِنْ أَكْلِ الثُّومِ

- ‌35 - بَابُ الرُّؤْيَا

- ‌36 - بَابُ جَامِعِ الْحَدِيثِ

- ‌27 - بَابُ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ

- ‌38 - بَابُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ

- ‌39 - بَابُ فَضْلِ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ

- ‌40 - بَابُ حَقِّ الْجَارِ

- ‌41 - بَابُ اكْتِتَابِ الْعِلْمِ

- ‌42 - بَابُ الْخِضَابِ

- ‌45 - بَابُ النَّفْخِ فِي الشُّرْب

- ‌48 - بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - بَابُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُستحب مِنْ ذَلِكَ

- ‌50 - بَابُ فَضْلِ الْحَيَاءِ

- ‌51 - بَابُ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ

- ‌52 - بَابُ حَقِّ الضِّيَافَةِ

- ‌56 - بَابُ النَّوَادِرِ

- ‌59 - بَابُ كَسْب الحَجّام

- ‌60 - بَابُ التَّفْسِيرِ

- ‌[خاتمة المعلق]

الفصل: ‌16 - باب ما يوجب البيع بين البائع والمشتري

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا يَنْبَغِي إِذَا سَاوَمَ (1) الرجلُ الرجلَ بِالشَّيْءِ أَنْ يَزِيدَ (2) عَلَيْهِ (3) غيرُه فِيهِ حَتَّى يَشْتَرِيَ أَوْ يَدَعَ (4) .

‌16 - بَابُ مَا يُوجِبُ الْبَيْعَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي

784 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا (5) نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر: أن

(1) السوم والاستيام تشخيص قيمة شيء وتقديرها عند المبايعة، قال في "منتهى الأرب": الاستيام (بهاوكردن) بالفارسية.

(2)

قوله: أن يزيد، إنما يُكره (قال الحافظ: ذهب الجمهور إلى صحة البيع المذكور مع تأثيم فاعله، وعند المالكية والحنابلة في فساده روايتان، وبه جزم أهل الظاهر. فتح الباري 4/35) هذا إذا تراوض الرجلان على السلعة، البائع والمشتري وركن أحدهما إلى الآخر، فساومه آخر بالزيادة لأن فيه إضراراً وأما إذا ساوم الرجل ولم يجنح قلب البائع إليه فلا بأس للآخر أن يساوم بالزياد لأن هذا بيع من يزيد وهو جائز، كذا في "شرح الطحاوي".

(3)

أي على ذلك الرجل القاصد للشراء المساوم.

(4)

أي يترك فيشتريه الآخر.

(5)

قوله: أخبرنا نافع، قال الزرقاني: أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه يحيى القطان وأيوب والليث في الصحيحين، وعبيد الله وابن جريج عند مسلم، كلهم عن نافع نحوه، وتابع نافعاً عبدُ الله بن دينار عن ابن عمر عند الشيخين، وجاء أيضاً من حديث حكيم بن حزام عند البخاري. انتهى. وذكر الحافظ في "تخريج أحاديث الهداية" أنه جاء من حديث سَمُرة، أخرجه النسائي وابن ماجة ونحوه لأبي داود عن أبي بُردة، وللنسائي عن عبد الله بن عمرو. انتهى. وقال السيوطي: هذا أحد الأحاديث التي رواها

ص: 231

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الْمُتَبَايِعَانِ (1) كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا بالخِيار (2) عَلَى صَاحِبِهِ ما لم يتفرَّقا (3) ، إلَاّ بيعَ

مالك في "الموطأ" ولم يعمل به. قال مالك بعد روايته: ليس لهذا الحديث عندنا حدٌّ معروف، ولا أمر معمول به، وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أنَّ هذا الحديث ثابت وأنه من أثبت ما نَقَل العدول، وأكثرهم استعملوه وجعلوه أصلاً من أصول الدين في البيوع، وردَّه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، ولا أعلم أحداً ردَّه غير هؤلاء (في قوله: لا أعلم أحداً رده غير هؤلاء، قصور كبير من مثله، فقد نقل عياض وغير عن معظم السلف وأكثر أهل المدينة وفقهائها السبعة - وقيل إلَاّ ابن المسيب - إلى آخر ما بسطه الزرقاني والحافظ في الفتح. كذا في أوجز المسالك 11/319) ، وقال بعض المالكيين: دفعه مالك بإجماع أهل المدينة على ترك العمل به وذلك عنده أقوى من خبر الرجال، وقال بعضهم: لا تصح هذه الدعوى، لأن سعيد بن المسيب وابن شهاب رُوي عنهما العمل به، وهما من أجلِّ فقهاء المدينة، ولم يُرْوَ عن أحد ترك العمل به نصّاً إلَاّ عن مالك، وربيعة يخلف عنه، وقد كان ابن أبي ذئب وهو من فقهاء المدينة في عصر مالك يُنكر على مالك اختياره ترك العمل به. انتهى.

(1)

أي كل واحد من البائع والمشتري، وفي رواية للصحيحن: البيِّعان.

(2)

أي في القبول والردّ.

(3)

قوله: ما لم يتفرَّقا، اختلفوا في تأويله على أقوال: الأول: أن معناه التفرُّق بالأقوال وهو قول إبراهيم النخعي وسفيان الثوري في رواية وربيعة الرأي ومالك وأبي حنيفة ومحمد فقالوا: المراد به أنه إذ قال البائع: بعت، وقال المشتري: اشتريت، فقد تفرَّقا بالأقوال، ولا شيء لهما بعد ذلك من خيار، ويتم البيع، ولا يقدر المشتري على ردّ البيع إلَاّ بخيار الرؤية أو خيار العيب أو

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خيار الشرط. الثاني: أن المراد التفرُّق بالأبدان فلا يتمُّ البيع بدونها، وبه يلزم البيع، وهو قول ابن المسيّب والزهري وعطاء بن أبي رباح وابن أبي ذئب وسفيان بن عيينة والأَوْزاعي والليث بن سعد وابن أبي مُلَيكة والحسن البصري وهشام بن يوسف وابنه عبد الرحمن وعبد الله بن حسن القاضي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وأهل الظاهر، وحدّ التفرق أن يغيب كل واحد منهما عن صاحبه حتى لا يراه، قاله الأَوْزاعي، وقال الليث: أن يقوم أحدهما، وقال آخرون: هو افتراقهما من مجلسهما، أو نقلهما. وحجتهم في ذلك بأنه ورد في الخبر لفظ: المتبايعين واسم البيع لا يجب إلَاّ بعد البيع، وسلفهم في ذلك من الصحابة: ابن عمر، فإنه حمل الحديث على التفرق بالأبدان، وأثبت به خيار المجلس، فكان إذا ابتاع بيعاً وهو قاعد، قام ليجب له، أخرجه الترمذي وغيره. وأبو برزة الأسلمي فإنَّ رجلين اختصما إليه فرس بعد ما تبايعا وكانا في سفينة، فقال: لا أراكما افترقتما، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، حكاه الترمذي، وأخرجه أبو داود والطحاوي وغيرهما. والقول الثالث: أن معناه التفرق بالأبدان، لكن لا على ما فهمه أصحاب القول الثاني، قال عيسى بن أبان معناه أن الرجل إذا قال لرجل: قد بعتك عبدي هذا بألف درهم، فللمخاطب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارق صاحبه، فإذا افترقا لم يكن له بعد ذلك أن يقبل، قال: ولولا أن هذا الحديث جاء ما علمنا ما يقطع للمخاطب من القبول، فلما جاء هذا الحديث علمنا أن افتراق أبدانهما بعد المخاطبة بالبيع يقطع القبول، قال: وهذا أَوْلى ما حُمل عليه الحديث (قال شيخنا في الأوجز 11/318: والأوجه عندي في معنى الحديث - إن كان صحيحاً فمن الله، وإن كان خطأ فمِنّي ومن الشيطان - أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، والمراد بالمتبايعين المتساومان، والحديث من باب خيار القبول في المجلس، والمعنى أن كل واحد منهم بالخيار في المجلس، البائع في النُّكول عن الإِيجاب والمشتري في القبول، فإذا انقضى المجلس فلم يبقَ الإِيجاب ولا حقُّ القبول، فتأمل. ثم رأيت الحافظ قد حكاه عمن سلف فللَّه الحمد والمنَّة، فقال: وقالوا: وقت التفرق في الحديث هو ما بين قول البائع قد بعتك وبين قول المشتري اشتريت، قالوا: فالمشتري بالخيار في قوله: اشتريت أو تركه، والبائع بالخيار إلى أن يوجب المشتري، هكذا حكاه الطحاوي عن عيسى بن أبان منهم، وحكاه ابن خويز منداد عن مالك. اهـ) ، لأنّا رأينا الفرقة التي لها حكم فيما اتفقوا عليه

ص: 233

الخيار (1) .

هي الفرقة في الصرف، فكانت تلك الفرقة إنما يجب بها فساد عقد متقدِّم ولا يجب بها صلاحه، وهذه الفرقة المرويَّة في خيار المتبايعين إذا جعلناها على ما ذكرنا فسد بها ما كان تقدم من عقد المخاطب، وإن جعلناها على ما قالت الفرقة الثانية يتم بها بخلاف فرقة الصرف، ولم يكن لها أصل فيما اتفقوا عليه، وهذا التفسير مروي أيضاً عن أبي يوسف رحمه الله، هذا ملخَّص ما في "شرح معاني الآثار"(2/203) للطحاوي، وشرحه المسمى "بنخب الأفكار في تنقيح معاني الاثار" للعيني، ولعل المنصف غير (في الأصل: الغير وهو خطأ) المتعصب يستيقن بعد إحاطة الكلام من الجوانب في هذا البحث والمتأمل فيما ذكرنا وما سنذكره أن أولى الأقوال هو ما فهمه الصحابيان الجليلان، وفهم الصاحبي وإن لم يكن حجة لكنه أولى من فهم غيره بلا شبهة، وإنْ كان كل من الأقوال مستنداً إلى حجة.

(1)

قوله: إلَاّ بيعَ الخيار، أي إلَاّ بيع شُرط فيه الخيار إلى ثلاثة أيام، فإنه يبقى فيه الخيار بعد تفرُّق الأقوال أيضاً، وكذا بعد تفرُّق الأبدان، وهذا أحد المعاني التي ذُكرت فيه وهو مشترك بين القائلين بالتفرُّق قولاً وبين القائلين بالتفرُّق بدناً، فإنهم متفقون على بقاء الخيار في البيع بشرط الخيار بعد التفرُّق. وثانيها: أن معناه إلَاّ بيعاً شُرط فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم بنفس البيع ولا يكون فيه خيار، وهذا مختصٌّ بالقائلين بالتفرُّق بدناً الذي يحتجون بهذا الحديث لإِثبات خيار المجلس. وثالثها: قال النووي: وهو أصحُّها أي على رأيهم أن المراد التخيير

ص: 234

قال محمد: وبهذا (1) نأخذ،

بعد تمام العقد قبل مفارقة المجلس يعني يثبت لهما الخيار ما لم يتفرَّقا إلَاّ أن يتخايرا في المجلس، ويختارا إمضاء البيع فيلزم البيع بنفس التخاير، ولا يدوم إلى المفارقة (انظر بذل المجهود 15/127) .

(1)

قوله: وبهذا نأخذ، وفيه وفي قوله الآخر بعد ذكر التفسير: وهو قول أبي حنيفة: تصريح بأنهما لم يتركا هذا الحديث بالقياس ولم يَدَعا العمل به كما هو المشهور على الألسنة، بل إنهما حملا الحديث على ما حَمَل عليه النخعي، أخذا به واحتجّا به في إثبات خيار القبول فيما إذا أَوْجَبَ أحد المتبايِعَيْن فإنَّ للآخر حينئذٍ الخيار في أن يقبلَه أو يردَّه ما لم يتفرقا قولاً، فإذا تفرَّقا قولاً وتمَّ الكلام من الجانبين إيجاباً وقبولاً فلا خيار له إلَاّ في بيع الخيار الذي يكون شرط الخيار لأحدهما أو لهما إلى ثلاثة أيام، كما هو مذهب غيره وقد أورد البيهقي في "سننه" قاصدا التشنيع على أبي حنيفة، من طريق ابن المديني، عن سفيان يعني ابن عيينة أنه حدث الكوفيين بحديث البيّعان بالخيار، قال: فحدثوا به أبا حنيفة، وقال: إن هذا ليس بشيء أرأيتَ إن كانا في سفينة إلخ، قال ابن المديني: إن الله سائله عما قال. انتهى.

قال السيد مرتضى الحسيني في "عقود الجواهر المنيفة في أدلة الإِمام أبي حنيفة": هذه حكاية منكرة لا تليق بأبي حنيفة مع ما سارت به الرُّكبان، وشُحنت به كتب أصحابه ومخالفيه من شدة ورعه وزهده ومخافته من الله وشدة احتياطه في الدين، وعلى تقرير صحة الحكاية لم يُرد بقوله هذا ليس بشيء: الحديث، وإنما أراد أنه ليس هذا الاحتجاج بشيء يعني تأويله بالتفرُّق بالأبدان، فلم يردّ الحديث، بل تأويله بأن التفرق المذكور فيه هو التفرق بالأقوال، ولهذا قال: أرأيت لو كانا في سفينة أو تاويل المتبايعين بالمتساومين، وهو لم ينفرد

ص: 235

وَتَفْسِيرُهُ (1) عِنْدَنَا عَلَى مَا بَلَغَنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعي أَنَّهُ قَالَ: المتبايعان

باجتهاده في هذا القول، بل وافقه عليه شيخ إمامه الذي يُقتدى به، وشيخه من قبل والثوري والنخعي وغيرهم. انتهى.

(1)

قوله: وتفسيره عندنا، لما ورد على قوله: وبهذا نأخذ، أن الحديث بظاهره يثبت خيار المجلس، والحنفية ليسوا بقائلين به، فكيف يصح قوله وبهذا نأخذ؟ أشار إلى الجواب عنه بتفسير الحديث بالتفرُّق القولي، وقد طال الكلام بين أصحاب التفرُّق القولي ومثبتي خيار المجلس نقضاً ودفعاً. أما أصحاب خيار المجلس فأوردوا على أصحاب التفرق القولي بوجوه:

- الأول: أنه تفسير مخالف للمتبادر، والجواب عنه على ما في "شرح معاني الآثار" و "فتح القدير" وغيرهما أن التفرق كثيراً ما استُعمل في الكتاب والسنَّة في التفرُّق القولي، كما في قوله تعالى:(وما تفرَّق الذين أوتوا الكتاب إلَاّ من بعد ما جاءتهم البينة)(سورة البينة: الآية 4)، وقوله تعالى:(وإنْ يتفرَّقا يُغْن اللَّهُ كلاًّ من سَعَته)(سورة النساء: الآية 130) . والمراد به تفرق قول الزوجين في الطلاق بأن يقول الزوج طلقتك، والمرأة قبلت، وقوله صلى الله عليه وسلم: افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة.

- والثاني: أن الخبر ورد بلفظ المتبايعين والبيِّعين، وهذا اللفظ لا يُطلق إلَاّ بعد حصول التفرُّق القولي وتمام العقد، فلا يكون الخيار إلَاّ بعده وإن هو إلَاّ خيار المجلس، فلا بد أن يُحمل التفرق على التفرق البدني، والجواب عنه على ما في "الهداية" وشروحها أن هذا إغفال منهم عن مقتضى اللغة، فإن المتساومين أيضاً قد يسمَّيان متابعين لمناسبة القرب وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يبيع الرجل على بيع أخيه، فقد سمى قرب البيع بيعاً، فيمكن أن يكون سمى غير (في الأصل الغير وهو خطأ) المتفرقين قولاً في هذا الحديث بالمتبايعين لقربهما منه، وأيضاً المتبايع بالحقيقة إنما يكون من يباشر العقد، لا قبله ولا بعده، فإن كلاًّ منهما

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بعد الفراغ وقبل المباشرة متبايع مجازاً باعتبار ما كان أو ما يكون، وحالة المباشرة إنما هي ما إذا صدر عن أحدهما الإِيجاب وقَصَد الآخر تلفُّظ القبول، ولم يتفرغ بعد.

- والثالث: أن هذا التفسير يخالف ما فهمه ابن عمر، وعمل على وفقه كما مرَّ ذكره، فلا يُعتبر به وأجاب عنه الزيلعي وغيره بأنه تقرَّر في الأصول أن تأويل الصحابي لمحتمل التأويل، واختياره لأحد التأويلين ليس بحجة ملزمة على غيره، ولا يمنعه عن اختيار تأويل يغايره وفيه نظر ظاهر عندي فإنه بعد تسليم ما حقق في "الأصول" لا شبهة في أن تأويل الصحابي أقوى وأحرى بالقبول من تأويل غيره، وتقليده أولى من تقليد غيره، وقال الطحاوي في "شرح معاني الآثار": قد يجوز أن يكون ابن عمر أشكلت عليه الفُرقة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ما هي؟ فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذهب إليه عيسى بن أبان، واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهبنا إليه ولم يحضره دليل يدل أنه بأحدهما أولى منه بما سواه، ففارق بائعه ببدنه احتياطاً، ويحتمل أيضاً أن يكون فعل ذلك لأن بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلَاّ بذلك، وهو يرى أن البيع يتم بغيره، فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه. انتهى.

وهو ليس بشيء فيما يظهر لي فإن مثل هذه الاحتمالات لو اعتُبرت لم يحصل الجزم بكون فعل واحد من الصحابة أمراً مذهباً له لجواز أن يكون فعله احتياطاً، وظاهر سياق قصة ابن عمر المرويَّة في الكتب تشهد شهادة ظاهرة على أنه كان مذهباً له، وهو الذي نسبه إليه أصحاب الاختلاف، وذكروه في معرض الخلاف.

ثم قال الطحاوي: وقد رُوي عنه ما يدلُّ على ان رأيه كان الفُرقة بخلاف ما ذهب إليه البيع يتم بها، وذلك أن سليمان بن شعيب قال: نا بشر بن بكر، حدثني الأَوْزاعي، حدثني الزهري، عن حمزة بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال: ما أدركت الصفقة حياً فهو من مال المبتاع، فهذا ابن عمر قد كان يذهب فيما أدركت الصفقة حياً فهلك بعدها أنه من مال المشتري، فدل ذلك على أنه كان يرى أن الصفقة تتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك وأن المبيع ينتقل بذلك من ملك البائع إلى المشتري حتى يهلك من ماله إذا هلك. انتهى.

ص: 237

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وعندي فيه ضعف ظاهر، فإنه ليس فيه التصريح بنفي خيار المجلس ولزوم البيع قبل التفرُّق البدني، وغاية ما فيه الإِطلاق وتقييده بالهلاك بعد التفرق سهل لا سيما إذا عُلم أنه كان مذهبه ذلك، أنه لا يلزم البيع إلَاّ بعد الفرقة وإذا جاز ذكر الاحتمال في ذلك الأثر جاز فيه بالطريق الأَوْلى مع أنه لا لزوم بين كونه ملكاً للمشتري وبين انتفاء خيار المجلس، فإن حصول الملك لا ينافي خيار الرؤية وخيار العيب، فيجوز أن لا ينافي خيار المجلس أيضاً. والرابع: أنَّ هذا التفسير يخالف ما قضى به أبو برزة، ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الطحاوي والبيهقي أنهم اختصموا إليه في رجل باع جارية فنام معها البائع، فلما أصبح قال: لا أرضى، فقال أبو برزة: إن النبي عليه السلام قال: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا وكانا في خباء شَعره.

وأخرجا أيضاً عن أبي الوضيء: نزلنا منزلاً، فباع صاحب لنا من رجل فرساً، فأقمنا في منزلنا يومَنا وليلَتَنَا، فلما كان الغد قام الرجل يسرِّج فرسه، فقال صاحبه: إنك قد بعتني، فاختصما إلى أبي برزة، فقال: إن شئتما قضيتُ بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا وما أُراكما تفرقتما.

وأجاب عنه الطحاوي بقوله: في هذا الحديث ما يدُّل على أنهما تفرَّقا بأبدانهما، لأن فيه أن الرجل قام يسرِّج فرسه، فقد تنحّى بذلك من موضع إلى موضع فلم يراعِ أبو برزة ذلك، وقال: ما أراكما تفرَّقتُما؟ أي لمّا كنتما متشاجِرَيْن أحدكما يدَّعي البيع والآخر يُنكره لم تكونا تفرقتما الفُرقة التي يتمُّ بها البيع. انتهى.

ولي فيه نظر: أما أولاً فلأنَّ هذا التأويل إن صح في الأثر الثاني لم يصح في الأثر الأول، وأما ثانياً فلأنه يحتمل أن يكون أبو برزة يظن أن الافتراق إنما يكون بغيبوبة أحدهما من الآخر، لا مجرَّد القيام والافتراق فلا يلزم عليه رعاية التنحِّي، وأما ثالثاً: فلأنَّ حمل التفرُّق الواقع في كلام أبي برزة على التفرُّق القولي مما يأبى عنه الفهم السليم، وكيف يُظَنُّ به أنه حكم بمجرد التخاصم بعدم التفرُّق القولي،

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولم يطلب من المدَّعي بيِّنته ولا من المدَّعى عليه حلفاً؟ وبالجملة فلا شبهة في أن ابن عمر وأبا برزة ذهبا إلى التفرُّق البدني وتأويل كلماتهما بما يأبى عنه السباق والسياق غير مرضي، غاية ما في الباب أن لا يكون قولهما ومذهبهما حجة على غيرهما، وهو أمر آخر قد عرفتَ ما عليه.

وأما أصحاب التفرق القولي، فأوردوا لتأييد تفسيرهم وإبطال ما ذهب إليه مخالفهم وجوهاً عديدة: منها أن إثبات خيار المجلس وحمل التفرُّق على التفرق البدني يخالف قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أَوْفوا بالعقود)(سورة المائدة: الآية 1)، وهذا عقد قبل التخيير. وقوله تعالى:(لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلَاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم)(سورة النساء: الآية 29) . وبعد الإِيجاب والقبول يصدق (تجارةً عن تراضٍ) من غير توقُّف على التخيير، فقد أباح الله الأكل قبله، وقوله تعالى:(وأشهدوا إذا تبايعتُم)(سورة البقرة: الآية 282) فإنه أمر بالتوثُّق بالشهادة كيلا يقع التجاحد للبيع، والبيع يصدق قبل الخيار بعد الإِيجاب والقبول، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم بعده للزم إبطال هذه النصوص، وفيه ما ذكره ابن الهمام في "فتح القدير" من أنّا نمنع تمام العقد قبل الافتراق، والتخيير، ونقول: العقد الملزم إنما يُعرف شرعاً، وقد اعتبر الشرع في كونه ملزماً اختيار الرضى بعد الإِيجاب والقبول بالأحاديث الصحيحة، وكذا لا يتمُّ التجارة عن التراضي إلَاّ به شرعاً، فإنما أباح الأكل بعد الاختيار، والبيع وإنْ صَدَق بعد الإِيجاب والقبول لكن التام منه متوقِّف على الافتراق أو الاختيار. ومنها أن إثبات خيار المجلس يعارضه حديث النهي عن البيع الغَرَر، فإنَّ كل واحد لا يدري ما يحصل له هل الثمن أم المثمّن. ومنها أنه خيار مجهول العاقبة فيبطل خيار الشرط إذا كان كذلك. وفيهما ما فيهما، فإنه منقوص بخيار الرؤية وخيار التعيين وغير ذلك، ومنها ما ذكره الطحاويّ أن حديث: من ابتاع

ص: 239

بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَنْطِقِ (1) الْبَيْعِ إِذَا قَالَ الْبَائِعُ: قَدْ بعتُك فَلَهُ (2) أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يقل (3) الآخرُ: قد اشتريت، فإذا قال

طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه، يدل على أنه إذا قبضه حلَّ له بيعه، وقد يكون قابضاً له قبل افتراق بدنه وبدن بائعه، وأقرَّه السيد المرتضى في "عقود الجواهر". وعندي هو ضعيف، فإن هذا الحديث وأمثاله ساكتة عن ما وقع فيه البحث، فيُقَيَّد بالقبض والافتراق مع أنه لا يدل إلَاّ على حرمة البيع قبل الاستيفاء، لا على ثبوت جوازه بعده متصلاً وإن منعت عنه الموانع الأُخَر. وفي المقام كلام مبسوط، مظانُّه الكتب المبسوطة، وفيما ذكرناه كفاية لأُلي الفطنة. وقد شيَّد الطحاوي أركان المسألة بالنظر والقياس وقال: إنّا قد رأينا الأموال تملك بعقود في أبدان وفي أموال ومنافع وأبضاع، فكان ما يُملك من الأبضاع هو النكاح، فكان ذلك يتم بالعقد لا بفُرقة بعده، وكان ما يملك به المنافع هو الإِجارات، فكان ذلك أيضاً مملوكاً بالعقد، لا بالفرقة بعد العقد، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الأموال المملوكة بسائر العقود من البيوع وغيرها تكون مملوكة بالأقوال لا بالفرقة، وهذا هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد. انتهى. وفيه أيضاً ما فيه، فإن كثيراً من الأحكام كخيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيوب ثابتة في البيع دون أمثاله، فللخصم أن يقول ليكن خيار المجلس من هذا القبيل.

(1)

أي عن نطق ما يتعلق به من إيجاب وقبول وشرط.

(2)

أي للبائع.

(3)

قوله: ما لم يقل الآخر قد اشتريت، قال في "الهداية" إذا أوجب أحد المتعاقِدَيْن البيع فالآخر بالخيار إن شاء قَبِل في المجلس وإن شاء ردَّه. وهذا خيار القبول، لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم العقد من غير رضاه وإذا لم يفد الحكم بدون قبول الآخر فللموجب أن يرجع لخلوه عن إبطال حق الغير وإنما يمتدّ إلى آخر المجلس، لأن المجلس جامع للمتفرقات، فاعتبرت ساعاته ساعةً واحدة دفعاً للعُسْر وتحقيقاً لليُسْر.

ص: 240

الْمُشْتَرِي (1) : قَدِ اشتريتُ بِكَذَا وَكَذَا فَلَهُ (2) أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلِ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُ. وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.

17 -

بَابُ الاخْتِلافِ فِي الْبَيْعِ (3) بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي

785 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ (4) أنَّ ابنَ مَسْعُودٍ كَانَ يحدِّث (5) أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أيُّما (6) بَيِّعان (7) تَبَايَعَا، فالقولُ قولُ البائع أو يترادّان.

(1) أي ابتداءً.

(2)

أي المشتري.

(3)

قوله: بلغه، وصله الشافعي والترمذيّ من طريق ابن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، وقال الترمذي: مرسل وعون لم يدرك ابن مسعود، كذا في "التنوير".

(4)

قوله: بلغه، وصله الشافعي والترمذيّ من طريق ابن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود، وقال الترمذي: مرسل وعون لم يدرك ابن مسعود، كذا في "التنوير".

(5)

قوله: كان يحدث الخ

، قال ابن عبد البر: جعل مالك حديث ابن مسعود كالمفسِّر لحديث ابن عمر في الخيار، إذ قد يختلفان قبل الافتراق، والترادّ إنما يكون بعد تمام البيع فكأنه عنده منسوخ لأنه لم يدْرِكْ العمل عليه، وقد ذُكر له حديث ابن عمر، فقال: لعلَّه مما تُرك ولم يعمل، لكن حديث ابن مسعود منقطع لا يكاد يتصل، أخرجه أبو داود وغيره بأسانيد منقطعة. انتهى.

(6)

قال الكرماني: زيدت "ما" على "أيّ" لزيادة التعميم.

(7)

البَيِّع بفتح الباء وتشديد الياء المكسورة البائع، وفيه تغليب أي البائع والمشتري.

ص: 241

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. إِذَا اخْتَلَفَا (1) فِي الثَّمَنِ (2) تَحَالَفَا (3) وَتَرَادَّا (4) الْبَيْعَ - وَهُوَ (5) قولُ أَبِي حنيفة والعامة من فقهائنا - إذا كان

(1) أي البائع والمشتري.

(2)

أي في قدره.

(3)

قوله: تحالفا، لكون كلٍّ منهما مدَّعياً من وجه، ومنكراً من وجه، فإن نَكَل أحدهما ثبت دعوى الآخر، وإن حلفا فُسخ البيع، وهذه الزيادة أي ذكر التحالف وإن لم يقع في حديث ابن مسعود في ما أخرجه الشافعي والنسائي والدارقطني ولم يقع في روايتهم ذكر الترادّ أيضاً، ووقع عند الترمذي وابن ماجه وأحمد ومالك والطبراني وأبي داود والحاكم والبيهقي والنسائي والدارقطني من طريق آخر ذكر الترادّ دون التحالف، لكنه ورد في ما أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات "المسند" من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جَدِّه، والطبراني والدارمي من هذا الوجه، فقال: عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود مرفوعاً: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بيِّنة لأحدهما على الآخر تحالفا. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": تفرَّد بهذه الزيادة، وهي قوله:"والسلعة قائمة" ابن أبي ليلى. وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه، وهو ضعيف سيِّئ الحفظ، وأما قوله:"تحالفا" فلم يقع عند أحد منهم، وإنما عندهم: فالقول ما قال البائع أو يترادّانِ البيع. انتهى.

(4)

في نسخة: ويرادّا.

(5)

قوله: وهو قول أبي حنيفة (وبه قال الشافعي ومالك في رواية، وعنه القول المشتري مع يمينه وبه قال أبو ثور وزفر، لأنَّ البائع يدَّعي زيادة ينكرها المشتري، والقول قول المنكر. انظر المغني 4/211) ، إذا اختلف المتبايعان، فادَّعى أحدهما ثمناً، وادَّعى البائع أكثر منه أو ادَّعى البائع بقدر من المبيع وادَّعى المشتري أكثر

ص: 242

الْمَبِيعُ قَائِمًا (1) بِعَيْنِهِ، فإنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدِ اسْتَهْلَكَهُ (2) ، فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا فِي قَوْلِنَا فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْقِيمَةَ (3) .

18 -

بَابُ الرَّجُلِ يَبِيعُ الْمَتَاعَ بِنَسِيئَةٍ فَيُفْلِسُ (4) الْمُبْتَاعُ

786 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شهاب، عن ابي بكر بن

منه، وأقام أحدهما البيّنة قضي له بها وإن أقاما البينة فالبينة المثبتة للزيادة أولى ولو لم يكن لأحدهما بينة قيل للمشتري: إما أن ترضى بالثمن الذي ادَّعاه البيِّع وإلَاّ فسخنا الَبْيع، وقيل للبائع: إما أن تُسلِّم ما ادَّعاه المشتري وإلَاّ فسخناه، فإن لم يتراضيا استخلف الحاكم كلاًّ منهما على دعوى الآخر. وفسخ البيع. هذا إذا كان المبيع قائماً، وإن كان هالكاً (قال الموفق: وإن كانت السلعة تالفة، واختلفا في ثمنها بعد تلفها فعن أحمد روايتان: إحداهما يتحالفان مثل لو كانت قائمة، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك، والأخرى: القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر: وهذا قول النخعي والثوري والأوزاعي وأبي حنيفة. الأوجز 11/325) ، ثم اختلفا، لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، والقول قول المشتري، لأن التحالف بعد القبض على خلاف القياس ثبت بالنص، وقد ورد بلفظ: البيِّعان إذا اختلفا والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع وترادّا، وعند محمد: تحالفا ويفسخ البيع على قيمة الهالك لوجود الدعوى والإِنكار من الطرفين. والمسألة مبسوطة بدلائلها وتفاريعها في "الهداية" وشروحها.

(1)

أي موجوداً بنفسه لا هالكاً.

(2)

أي لا يتحالفان، بل يُقضى بالبيِّنة على البائع وبالحَلِف على المشتري.

(3)

أي قيمة الهالك.

ص: 243

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنّ (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيُّما (2) رجلٍ (3) بَاعَ مَتَاعًا، فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ (4) وَلَمْ يَقْبِضِ (5) الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ (6) بِعَيْنِهِ فَهُوَ (7) أحقُّ بِهِ، وإنْ مَاتَ (8)

(4) قوله: أنّ، قال ابن عبد البر: هكذا هو في جميع "الموطآت" مرسلاً، وبجميع الرواة عن مالك، إلا عبد الرزاق فإنه وصله عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر، عن أبي هريرة، وكذا رواية أصحاب الزهري عنه مختلفة في إرساله ووصله، ورواية من وصله صحيحة، فقد رواه عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر، عن أبي هريرة، وبشير بن نهيك وهشام بن يحيى، كلاهما عن أبي هريرة مرفوعاً، الثلاثة في الفلس دون حكم الموت، والحديث محفوظ لأبي هريرة لا يرويه غيره فيما علمت.

(1)

قوله: أنّ، قال ابن عبد البر: هكذا هو في جميع "الموطآت" مرسلاً، وبجميع الرواة عن مالك، إلا عبد الرزاق فإنه وصله عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر، عن أبي هريرة، وكذا رواية أصحاب الزهري عنه مختلفة في إرساله ووصله، ورواية من وصله صحيحة، فقد رواه عمر بن عبد العزيز، عن أبي بكر، عن أبي هريرة، وبشير بن نهيك وهشام بن يحيى، كلاهما عن أبي هريرة مرفوعاً، الثلاثة في الفلس دون حكم الموت، والحديث محفوظ لأبي هريرة لا يرويه غيره فيما علمت.

(2)

قوله: أيّما، مركّب من "أيّ" وهي اسم ينوب مناب الشرط، ومن "ما" المبهمة الزائدة، وهي من المقحمات التي يُستغنى بها عن تفصيلٍ غير حاضر، أو تطويل غير مخلٍّ، قاله الطيبي.

(3)

بالجر مضاف إليه لأيّ.

(4)

أي اشتراه.

(5)

أي من المشتري.

(6)

أي فوجد البائعُ متاعَه بعينه عند المشتري المفلس.

(7)

أي البائع أحقّ (أي كائناً مَنْ كان وارثاً أو غريماً. فتح الباري 5/63) بأخذ ذلك الشيء بدَيْنه من سائر الغرماء.

(8)

قوله: وإن مات

إلخ، هذا الحديث صحيح ثابت من رواية الحجازيين والبصريين، وهو نصّ في الفرق بين الحيّ والميت، وأجمع على القول به فقهاء المدينة والحجاز والبصرة والشام، وإنْ اختلفوا في بعض فروعه، وهو

ص: 244

المشتري (1) فصاحب المتاع فيه أُسوةٌ (2) للغُرماء (3) .

مذهب مالك وأحمد، وسرّ الفرق أنّ ذمّة المشتري عيّنت بالفلس، فصار البيع بمنزلة من اشترى سلعة فوجد بها عيباً فله ردّها، واسترجاع شيئه، ولا ضرر على بقية الغرماء لبقاء ذمّة المشتري، وفي الموت وإن عُيِّنت الذمة أيضاً، لكنها ذهبت رأساً، فلو اختص البائع بسلعة عظُم الضرر على سائر الغرماء لخراب ذمّة الميت، ومذهب الشافعي أن البائع أحقُّ بمتاعه في الموت أيضاً لحديث أبي داود وابن ماجه وغيرهما عن ابي المعتمر عمرو بن نافع عن عمر بن خلدة الزرقي، قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّما رجلٍ مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه. ورُدَّ بأنّ أبا المعتمر مجهول الحال فيكون حديث التفريق أرجح، وبأنه يحتمل أن يكون في الودائع والمغصوب ونحو ذلك، فإنه لم يذكر فيه البيع، ومذهب الحنيفية في ذلك أن صاحب المتاع ليس بأحق لا في الموت ولا في الحياة لأن المتاع بعد ما قبضه المشتري صار ملكاً خالصاً له والبائع صار أجنبياً منه كسائر أمواله، فالغرماء شركاء البائع فيه كلتا الصورتين، وإن لم يقبض فالبائع أحقّ لاختصاصه به، وهذا معنى واضح لولا ورد النص بالفرق، وسلفهم في ذلك عليّ رضي الله عنه، فإنّ قتادة روى عن خلاّس بن عمرو عن عليّ أنه قال: هو أسوة الغرماء إذا وجدها بعينها. وأحاديث خلاس عن عليّ ضعيفة، ورُوي مثله عن إبراهيم النَّخَعي، ومن المعلوم أن كلَّ أحدٍ يؤخذ من قوله ويُردّ إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عبرة للرأي بعد ورود نصِّه، كذا حققه ابن عبد البر والزرقاني (وبسطه شيخنا في الأوجز 11/353) .

(1)

أي المفلس الذي لم يردّ الثمن.

(2)

بالضم أي هو مساوٍ لهم، وأحد الشركاء معهم يأخذ مثل ما يأخذون ويحرم عما يحرمون.

(3)

في نسخة: الغرماء.

ص: 245

قَالَ محمدٌ: إِذَا مَاتَ (1) وَقَدْ قَبَضَهُ فَصَاحِبُهُ فِيهِ أُسوةٌ لِلْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ (2) أحقُّ بِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الغُرماء حَتَّى يستوفيَ حَقَّهُ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْ (3) مَا يَشْتَرِي، فَالْبَائِعُ أحقُّ بِمَا بَاعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.

19 -

بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الشَّيْءَ أَوْ يَبِيعُهُ فَيغْبَنُ (4) فِيهِ أَوْ (5) يُسَعِّر (6) عَلَى الْمُسْلِمِينَ

787 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن دينار، عن عبد الله بن

(1) أي المشتري والحال أنه قبض المبيع.

(2)

أي صاحب المتاع وهو البائع.

(3)

وإنْ قَبَضَ فهو أسوة للغرماء.

ص: 246

عُمَرَ: أَنَّ رَجُلا (1) ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُخْدَعُ (2) فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ بايعتَه فَقُلْ: لا خِلابَةَ (3) . فَكَانَ الرجل إذا باع فقال: لا خِلابَةَ.

(4) قوله أنّ رجلاً، لم يُسَمَّ الرجل في هذه الرواية، ولأحمد وأصحاب السنن والحاكم، من حديث أنس أن رجلاً من الأنصار، كان يُبايع عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكان في عُقدته - أي رأيه وعقله - ضعف، وكان يَبْتاع، فأتَوْا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن البيع، فقال: إنّي لا أصبر على البيع، فقال: إذا بايعتَ فقل: لا خِلابَةَ. ووقع في رواية الحاكم والطبراني والشافعي والدارقطني: أن ذلك الرجل حبَّان بالفتح وتشديد الباء ابن منقذ بذال معجمة بعد قاف مكسورة ابن عمرو الأنصاري، ووقع عند ابن ماجه والبخاري في "التاريخ" أن القصة لوالده منقذ بن عمرو، وجعله ابنُ عبد البَرّ أصح، كذا في "التلخيص"(3/21) .

(5)

مجهول، أي يُغْبَن في المبايعة.

(6)

قوله: فقل لا خِلابة (بكسر المعجمة وتخفيف اللام: أي لا خديعة. وقد ذهب الشافعية والحنفية إلى أن الغبن غير لازم، فلا خيار للمغبون، سواء قلّ الغبن أو كثر، وأجابوا عن الحديث بأنها واقعة وحكاية حال، قال ابن العربي: إنه كله مخصوص بصاحبه، لا يتعدى إلى غيره. وقال مالك في بيع المغابنة: إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة كان له فيه الخيار، وقال أحمد في بيع المسترسل: يُكره غبنه وعلى صاحب السلعة أن يستقصي له، وحُكي عنه أنه قال: إذا بايع فقال: لا خلابة فله الردّ. انظر بذل المجهود 15/173. وبسط شيخنا الكلام على هذا الحديث في الأوجز 11/388 فارجع إليه) ، بالكسر أي لا نقصان ولا غَبْن، أي لا يلزم مني خديعتك، زاد في رواية البخاري في "التاريخ" والحاكم والحُمَيدي وابن ماجه: وأنت في كل سلعة ابتعتَها بالخيار ثلاثةَ أيام. وقال التوربشتي: لقّنه هذا القول

ص: 247

قَالَ مُحَمَّدٌ: نُرى (1) أَنَّ هَذَا كَانَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ خَاصَّةً.

788 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ (2) بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطَّاب مَرَّ عَلَى حَاطِبِ (3) بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ (4) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِمَّا أَنْ تزيدَ (5) فِي السِّعْرِ،

ليلفظ به عند البيع ليطلّع به صاحبه على أنّه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة، ليرى له ما يرى لنفسه. وكان الناس في ذلك الزمان إخواناً لا يغبنون أخاهم المسلم، وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم.

(1)

قوله أنّ رجلاً، لم يُسَمَّ الرجل في هذه الرواية، ولأحمد وأصحاب السنن والحاكم، من حديث أنس أن رجلاً من الأنصار، كان يُبايع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في عُقدته - أي رأيه وعقله - ضعف، وكان يَبْتاع، فأتَوْا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن البيع، فقال: إنّي لا أصبر على البيع، فقال: إذا بايعتَ فقل: لا خِلابَةَ. ووقع في رواية الحاكم والطبراني والشافعي والدارقطني: أن ذلك الرجل حبَّان بالفتح وتشديد الباء ابن منقذ بذال معجمة بعد قاف مكسورة ابن عمرو الأنصاري، ووقع عند ابن ماجه والبخاري في "التاريخ" أن القصة لوالده منقذ بن عمرو، وجعله ابنُ عبد البَرّ أصح، كذا في "التلخيص"(3/21) .

(2)

مجهول، أي يُغْبَن في المبايعة.

(3)

قوله: فقل لا خِلابة (بكسر المعجمة وتخفيف اللام: أي لا خديعة. وقد ذهب الشافعية والحنفية إلى أن الغبن غير لازم، فلا خيار للمغبون، سواء قلّ الغبن أو كثر، وأجابوا عن الحديث بأنها واقعة وحكاية حال، قال ابن العربي: إنه كله مخصوص بصاحبه، لا يتعدى إلى غيره. وقال مالك في بيع المغابنة: إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة كان له فيه الخيار، وقال أحمد في بيع المسترسل: يُكره غبنه وعلى صاحب السلعة أن يستقصي له، وحُكي عنه أنه قال: إذا بايع فقال: لا خلابة فله الردّ. انظر بذل المجهود 15/173. وبسط شيخنا الكلام على هذا الحديث في الأوجز 11/388 فارجع إليه) ، بالكسر أي لا نقصان ولا غَبْن، أي لا يلزم مني خديعتك، زاد في رواية البخاري في "التاريخ" والحاكم والحُمَيدي وابن ماجه: وأنت في كل سلعة ابتعتَها بالخيار ثلاثةَ أيام. وقال التوربشتي: لقّنه هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطلّع به صاحبه على أنّه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة، ليرى له ما يرى لنفسه. وكان الناس في ذلك الزمان إخواناً لا يغبنون أخاهم المسلم، وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم.

(1)

قوله: نُرى، أي نظن أن هذا الحكم خاص به، وللنبي صلى الله عليه وسلم أن يخصّ من شاء بما شاء. قال النووي: اختلف العلماء في هذا الحديث، فجعله بعضهم خاصاً به: وأنه لا خيار بغبن، وهو الصحيح، وعليه الشافعي وأبو حنيفة، وقيل: للمغبون الخيار لهذا الحديث بشرط أنْ يبلغ الغَبن ثلث القيمة. انتهى. وقال ابن عبد البر: قال بعضهم: هذا خاصّ بهذا الرجل وحده، وجَعَل له الخيار ثلاثة أيام اشترطه أو لم يشترطه لمَا كان فيه الحرص على المبايعة مع ضعف عقله ولسانه، وقيل: إنما جَعل له أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثاً مع قوله: لا خِلابة.

(2)

قوله: يونس بن يوسف بن حِماس بالكسر، من عُبَّاد أهل المدينة، ثقة، قال ابن حبان: هو يوسف بن يونس. ووهم من قَلَبه، كذا في "التقريب".

(3)

قوله: حاطب بن أبي بَلْتَعة، بفتح الموحّدة وسكون اللام وفتح الفوقية والمهملة، عمرو بن عمير اللخمي حليف بني أسد، شهد بدراً، ومات في سنة 30، قاله الزرقاني.

(4)

أي بالمدينة.

(5)

أي بأن تبيع بمثل ما يبيع أهل السوق، وقال القاري: إن (لا) ههنا محذوفة أي بأن لا تزيد، ولا حاجة إليه.

ص: 248