الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
826 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا (1) فَلَا يَشْتَرِط (2) إلَاّ قضاءَه (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا يَنْبَغِي (4) لَهُ أَنْ يَشترط أَفْضَلَ (5) مِنْهُ (6) وَلا يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَحْسَنَ (7) مِنْهُ، فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي هَذَا لا يَنْبَغِي. وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
4 - بَابُ مَا يُكره مِنْ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ
827 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أنَّه قَالَ: قطع (8)
(1) أي استقرض قرضاً.
(2)
أي عند العقد.
(3)
إلَاّ قضاء مثله من دون زيادة ونقصان.
(4)
أي لا يحل لمن أسلف.
(5)
أي في الكمية.
(6)
أي من الذي أعطى.
(7)
أي في الكيفية.
(8)
قوله: أنه قال قطع الورق والذهب، الظاهر أن مراده من قطعهما نقص شيء منهما لتصير أخفّ وزناً من الدراهم المتعارفة، وفي معناهما غشّهما لأنه نوع سرقة بل أكبر لسراية ضررها إلى العامة، وكأنه أشار إلى أن فاعله من قُطّاعِ الطريق الذين قال الله في حقهم:(إنما جَزَاءُ الذين يُحَارِبُونَ اللَّهَ ورسولَه ويَسْعَونَ فِي الأَرْضِ فَساداً أن يُقَتَّلوا أوْ يُصَلَّبوا)، الآية (سورة المائدة: الآية 33) ، كذا ذكره القاري في "شرحه".
الوَرِق (1) وَالذَّهَبِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا يَنْبَغِي (2) قَطْعُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِغَيْرِ منفعة.
وقال أيضاً: مراد محمد من قطعها كسرهما، وإبطال صورهما وجعلهما مصنوعاً وظروفاً. انتهى. وقال بيري زاده في "شرحه": لم نعلم ما المراد من القطع في قول ابن المسيّب غير أن ابن الأثير قال: كانت المقابلة بها في صدر الإِسلام عدداً لا وزناً، فكان بعضهم يقُصُّ أطرافها فنُهوا عنه. انتهى. وقال "شارح المسند": أظن أن قول ابن المسيب: قِطَع الوَرِق بكسر القاف وفتح الطاء المهملة جمع قطعة، وهي التي تُتَّخذ من الذهب أو الورق فلوساً صغيرة ليُرفق التعامل بها كما هو الرائج في زماننا كالدواوين في الحرمين والخماسيات في اليمن. وإنما عدها من الفساد في الأرض لأنه ربما لا يلاحظ المتعامل بها اموراً واجبةً في التقابض والتماثل (قيل: أراد الدراهم والدنانير المضروبة، يسمَّى كل واحدة منهما سكة، لأنه طبع بسكة الحديد أي لا تُكسر إلَاّ بمقتضى كرداءتها أو شك في صحة نقدها، وإنما كره ذلك لما فيها من اسم الله تعالى، أو لأن فيه إضاعة المال، وقيل: إنما نهى أن يعاد تبراً، وأما للمنفعة فلا. بذل المجهود 15/122.
وفي الأوجز 11/178: الصحيح من معانيه أنه إنْ كسره أصلاً ففيه إضاعة، لأن المسكوك يروج ما لا يروج غير المسكوك مع أنَّ إنفاق المسكوك لا يفتقر فيه إلى وزنه لكونه معلوم المقدار فيأخذه كل أحد من غير تردُّد أو ريبة، وأما إذا كسر شيئاً منه فإما أن يكسر ما يحس به أنه مكسور فهو داخل في الأول، لأنه لا ينفق نفاق الصحيح، وإن أخذ منه شيئاً غير معلوم للرأي في بادئ نظره كما يفعله البعض بإلقائه في أدوية حاودة ففيه تغرير وخديعة) . انتهى.
(1)
أي الفضة.
(2)
أي لا يحلُّ لما فيه من الضرر العام.
5 -
باب المعاملة والمزارعة في النخل (1) والأرض
828 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ حَنْظَلَةَ (2) الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أنَّه سَأَلَ رَافِعَ بْنَ خَدِيج عَنْ كِراء الْمَزَارِعِ (3) فَقَالَ: قَدْ نُهي عَنْهُ (4)، قَالَ حَنْظَلَةُ: فقلتُ لِرَافِعٍ: بالذهب (5) والورق؟
(1) قوله: أن حنظلة، هو ابن قيس بن عمرو بن حصن الزرقي الأنصاري التابعي الكبير، قيل: وله صحبة، ذكره الزرقاني.
(2)
قوله: أن حنظلة، هو ابن قيس بن عمرو بن حصن الزرقي الأنصاري التابعي الكبير، قيل: وله صحبة، ذكره الزرقاني.
(3)
جمع مزرعة بالفتح: موضع الزرع.
(4)
قوله: قد نُهِي عنه، ظاهره منع كرائها مطلقاً، وإليه ذهب الحسن وطاوس والأصم، ومن حجتهم حديث الصحيحين وغيرهما مرفوعاً:"من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها، فإن لم يفعل فليمسك" وتأوَّل مالك وأصحابه أحاديث المنع على كرائها بالطعام أو بما تُنبته، وأجازوا كرائها بما سوى ذلك لحديث أحمد وأبي داود عن رافع مرفوعاً:"من كانت له أرض فليزرعها أخاه ولا يكرها بثُلث ولا ربع ولا طعام مسمّىً"، وتأوَّلوا النهي عن المحاقلة بأنها كِراء الأرض بالطعام، وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة، وأجاز الشافعية والحنيفية كراءها بكل معلوم من طعام أو غيره لما في "الصحيح" عن رافع بعد قوله: أما بالذهب والفضة فلا بأس به: إنما كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقيال الجداول، فيهلك هذا ويسلم هذا، فلذلك زجر عنه، وأما بشيء معلوم مضمون فلا بأس به. فبَّين أن علة النهي الغرر، وأجاز أحمد كراءها بجزء مما يزرع فيها، كذا في "شرح الزرقاني".
(5)
أي هل يجوز ذلك أم لا.
قَالَ رَافِعٌ: لا بَأْسَ بكِرائها (1) بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا بَأْسَ بِكِرَائِهَا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِالْحِنْطَةِ (2) كَيْلا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا (3) مَا لَمْ يُشْتَرط ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتُرِط مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا (4) كَيْلا مَعْلُومًا فَلا خَيْرَ فِيهِ (5)، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا. وَقَدْ سُئل عَنْ كِرائها سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِالْحِنْطَةِ كَيْلا مَعْلُومًا فرخَّص (6) فِي ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ ذَلِكَ إلَاّ مِثْلُ الْبَيْتِ يُكْرَى (7) .
829 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عن سعيد بن المسيب: أنَّ (8) رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أي الأرض المزروعة.
(2)
أي نحوها من الشعير والذرة من المثليات.
(3)
أي صنفاً معيناً.
(4)
أي من تلك الأرض.
(5)
قوله: فلا خير فيه، أي لا يحل ذلك فلعله لا يخرج منه إلَاّ ذلك القدر المعهود فهذا الشرط لكونه فاسداً يفسد العقد، نعم كرائها بثلث ما يخرج أو ربعه ونحو ذلك من الكسور جائز كما سيأتي.
(6)
أي أجازه.
(7)
أي ليس ذلك إلَاّ مثل كراء البيت بالذهب والفضة والحنطة الملومة وغير ذلك، فكما جاز ذلك جاز هذا.
(8)
قوله: أن رسول الله، مرسل أرسله جميع رواة "الموطأ" وأكثر أصحاب
حِينَ (1) فَتَحَ خَيْبَرَ، قَالَ لِلْيَهُودِ (2) : أُقِرُّكُمْ (3) مَا أَقَرّكم اللَّهُ عَلَى أنَّ الثمرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، قَالَ (4) : وَكَانَ (5) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ عبدَ اللَّهِ بْنَ رَواحة، فَيَخْرُصُ (6) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وإن شئتم
ابن شهاب، ووصله منهم طائفة، منهم صالح بن أبي الأخضر، فزاد عن أبي هريرة، قاله ابن عبد البر.
(1)
قوله: حين فتح خبير، بوزن جعفر مدينة كبيرة ذات حصون ونخل على ثمانية بُرُد من المدينة إلى جهة الشام، وكان فتحه في صفر سنة سبع عند الجمهور، وفي "الصحيحن" عن ابن عمر: لمّا ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فسألوه أن يقرّهم بها على أن يكفوه العمل، ولهم نصف الثمر، قاله الزرقاني.
(2)
الذين كانوا بخيبر.
(3)
قوله: أقِرُّكم، أي أثبّتكم على نخل خيبر على أن تعملوا فيها، والثمر بيننا وبينكم، أي على التناصف كما في رواية الصحيحين وغيرهما: ما دام أقرَّكم الله أي إلى ما شاء الله، وقد كان عازماً على إخراج اليهود من جزيرة العرب، فذكر ذلك لليهود منتظراً القضاء والوحي فيهم إلى أن حضرته الوفاة فأجلى اليهود بعده عمر من جزيرة العرب إلى الشام، قال القرطبي: يحتمل أنه حدّ الأجل فلم ينقله الراوي.
(4)
أي ابن المسيّب.
(5)
قوله: وكان، هذا ههنا ليس للاستمرار فإنه إنما بعثه عاماً واحداً، فإنَّ عبد الله بن رَواحة بالفتح بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري من أهل بدر، استشهد في غزوة مؤتة سنة ثمان، كما ذكره ابن الأثير وغيره.
(6)
قوله: فيخرص، أي يقدّر ما على النخيل من الثمار خرصاً وتخميناً، ويفصل حصة النبي صلى الله عليه وسلم وحصة اليهود خرصاً، ويقول: إن شئتم فلكم كله وتضمنون نصيب المسلمين، وإن شئتم فلنا كله وأضمن مقدار نصيبكم، فأخذوا
فَلِي، قَالَ (1) : فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ.
830 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابن شهاب، عن سليمان بن يسار: أن (2) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فيخرُص بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ، قَالَ: فَجَمَعُوا حُلِيّاً (3) مِنْ حُلِيّ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا (4) : هَذَا لَكَ (5) ، وخفِّف (6) عَنَّا، وتجَاوَزْ (7) في القِسْمة، فقال: يا معشر اليهود،
الثمرة كلها، وفي رواية: أنه خرص عشرين ألف وسق فأدَّوْا عشرة ألف وسق، قال ابن عبد البر: الخرص في المساقاة لا يجوز عند جميع العلماء لأن المساقِيَيْن شريكان لا يقتسمان إلَاّ بما يجوز به بيع الثمار بعضها ببعض وإلَاّ دخلته المزابنة، قالوا: وإنما بعث رسول الله من يخرص على اليهود لإِحصاء الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معيَّنين، فلو ترك اليهود وأكلها رطباً والتصرف فيها أضرّ ذلك سهم المسلمين قالت عائشة: إنما أمر رسول الله بالخرص لكي تُحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتُفرَّق.
(1)
أي ابن المسيب.
(2)
هذا مرسل في "الموطأ"، وموصول بطريق عن جابر وابن عباس، عند أبي داود وابن ماجه.
(3)
بضم الحاء وكسر اللام وشد الياء: جمع، أو بفتح الحاء وسكون اللام: مفرد.
(4)
لعبد الله بن رواحة.
(5)
أي هدية لك.
(6)
أي اجعل التخفيف علينا.
(7)
أي سامح فيها واغمض.
وَاللَّهِ (1) إِنَّكُمْ لَمِنْ أبغضِ خَلْقِ اللَّهِ إليَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي أَنْ أحِيْفَ عَلَيْكُمْ، أَمَّا الَّذِي عَرَضْتُمْ (2) مِنَ الرَّشوة فَإِنَّهَا سُحْتٌ (3) وَإِنَّا لا نأكلُها (4)، قَالُوا: بِهَذَا (5) قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا بَأْسَ (6) بِمُعَامَلَةِ النخل على
(1) قوله: والله إنكم، أي وإن كنتم أبغض خلق الله إليَّ لكونكم - مع كونكم من أهل الكتاب - لم تُسلموا، لكن لا يحملني هذا البغض على أنْ أحيفَ أي أجور وأظلم عليكم، من الحَيْف بمعنى الجور. فإنَّ الظلم لا يحل على أحد ولو كان كافراً.
(2)
أي أحضرتم عندي لتخفيف القسمة.
(3)
بالضم، أي حرام.
(4)
لحرمتها. وفيه تعريض على اليهود، فإنهم كانوا أكّالين للسحت والرشوة، كما أخبر به الكتاب.
(5)
قوله: بهذا، أي بهذا العدل الذي تفعله، أو بهذا الامتناع عن أكل السحت قامت السموات بغير عَمَد، والأرض استقرت على الماء، ولولاه لفسدتا. قال ابن عبد البر: فيه دليل على أن الرشوة عند اليهود أيضاً حرام، ولولا حرمته عندهم ما عيَّرهم الله بقوله:(أكّالون للسُّحْت) وهو حرام عند جميع أهل الكتاب.
(6)
قوله: لا بأس بمعاملة إلخ، المعاملة بلغة أهل المدينة عبارة عن دفع الأشجار الكروم أو النخيل وغير ذلك إلى مَن يقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم من ثمرها، ويقال له المساقاة أيضاً، وهو عقد جائز عندهما وعليه الفتوى، وبه قال أحمد وأكثر العلماء ويشترط ذكر المدة المعلومة وتسمية جزءٍ مما يخرج مشاعٍ، إلَاّ أن الشافعي خصه بالنخل والكرم في قوله الجديد، وعمم في كل شجر في قوله القديم، وحجتهم في ذلك حديث معاملة خبير وغير ذلك،
الشَّطْر (1) ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ، وَبِمُزَارَعَةِ الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ عَلَى الشَّطْرِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكره ذَلِكَ ويَذكر (2) أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُخَابَرَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
6 -
بَابُ إِحْيَاءِ الأَرْضِ (3) بِإِذْنِ الإِمام أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
831 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عروة، عن أبيه قال:
والمزارعة عبارة عن عقد على الأرض البيضاء أي الخالية من الزرع ببعض معيَّن مما يخرج عنه، وبجوازه قال الجمهور، وروي عند ابن أبي شيبة وغيره عن علي وابن مسعود وسعد وجماعة من التابعين من بعدهم، وقد ورد في بعض روايات معاملة خيبر العقد على الزرع أيضاً. وأما أبو حنيفة فحكم بفسادهما مستدلاً بالنهي عن المخابرة، ورُدّ ذلك من حديث جابر عند مسلم، وزيد بن ثابت عند أبي داود، ورافع بن خديج عند مسلم، وغيره كذا في "البناية".
(1)
بالفتح: أي النصف.
(2)
قوله: ويَذكر، والجواب عن حديث معاملة خيبر بأنَّ ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بعقد مساقاة، بل هم كانوا عبيداً له، والذي قَدَّر لهم كان نفقةً لهم، وتُعُقِّب بأنهم لو كانوا عبيداً لما صح إجلاؤهم إلى الشام، وقد يُقال: إنه منسوخ بالنهي عن المخابرة، وفيه أن الظاهر أن الأمر بالعكس، فإن المعاملة التي وقعت في العهد النبوي دام عليها عَمَلُ أبي بكر وعمر إلى وقت الإِجلاء، ولو كان منسوخاً لنقضوها، والجمهور حملوا حديث النهي عن المخابرة على ما إذا تضمَّن على الغرر، كما ورد في النهي عن كراء الأرض. وفي المقام تفصيل ليس هذا موضعه.
قَالَ (1) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أحيى أرضاً (2) ميّتة فهي له، وليس (3) لعِرْقٍ
(3) قوله: قال: قال، هذا مرسل باتفاق رواة الموطأ، واختلف أصحاب هشام، فطائفة روَوْه مرسلاً كمالك، وطائفة: عنه عن أبيه، عن سعيد بن زيد وطائفة: عنه، عن وهب بن كيسان، عن جابر، وطائفة: عنه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع، عن جابر، وهو حديث مقبول تلّقاه فقهاء المدينة وغيرهم، كذا قال ابن عبد البر. وذكر الزيلعي في "تخريج أحاديث الهداية" وغيره أنَّ هذا الحديث رُوي من طريق تسعة من الصحابة بألفاظ متقاربة:
1 -
ابن عباس عند الطبراني وابن عدي
2 -
وعائشة عند البخاري وأبي يعلى المَوْصلي وأبي داود الطيالسي والدارقطني وابن عدي،
3 -
وسعيد بن زيد عند أبي داود والترمذي والنسائي والبزار،
4 -
وجابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان وابن شَيْبة،
5 -
وعبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني،
6 -
وفضالة بن عبيد عند الطبراني،
7 -
ومروان عنده أيضاً،
8 -
وصحابي آخر عنده أيضاً،
9 -
وسمرة عند الطحاوي.
(1)
قوله: قال: قال، هذا مرسل باتفاق رواة الموطأ، واختلف أصحاب هشام، فطائفة روَوْه مرسلاً كمالك، وطائفة: عنه عن أبيه، عن سعيد بن زيد وطائفة: عنه، عن وهب بن كيسان، عن جابر، وطائفة: عنه، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع، عن جابر، وهو حديث مقبول تلّقاه فقهاء المدينة وغيرهم، كذا قال ابن عبد البر. وذكر الزيلعي في "تخريج أحاديث الهداية" وغيره أنَّ هذا الحديث رُوي من طريق تسعة من الصحابة بألفاظ متقاربة:
1 -
ابن عباس عند الطبراني وابن عدي
2 -
وعائشة عند البخاري وأبي يعلى المَوْصلي وأبي داود الطيالسي والدارقطني وابن عدي،
3 -
وسعيد بن زيد عند أبي داود والترمذي والنسائي والبزار،
4 -
وجابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان وابن شَيْبة،
5 -
وعبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني،
6 -
وفضالة بن عبيد عند الطبراني،
7 -
ومروان عنده أيضاً،
8 -
وصحابي آخر عنده أيضاً،
9 -
وسمرة عند الطحاوي.
(2)
قوله: أرضاً ميّتة، قيل بالتشديد، ولا يقال بالتخفيف فإنه إذا خفف حُذفت منه تاء التأنيث، والميتة والمَوات بالفتح والمَوَتان بفتحتين: الأرض الخراب التي لم تعمر، سُميت بذلك تشبيهاً لها بالميتة في عدم الانتفاع.
(3)
قوله: وليس لعِرْق (قال الحافظ في الفتح 5/19: في رواية الأكثر بتنوين عرق، وظالم: صفة له، وهو راجع إلى صاحب العرق، أي: ليس لذي عرق ظالم، أو إلى العرق، أي: ليس لعرق ذي ظلم، ويروى بالإِضافة، ويكون الظالم صاحب العرق، فيكون المراد بالعرق الأرض، وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري، وابن فارس، وغيرهم) ، بالكسر، قال الخطّابي في "شرح سنن أبي داود": من الناس من يرويه بإضافته إلى الظالم، وهو الغارس الذي غرس في
ظَالِمٍ حَقٌّ (1) .
832 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نأخذ. من أحيى أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الإِمام أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهِيَ لَهُ (2)، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لا يكون له (3) إلَاّ أن يجعلها له
غير حقه، ومنهم من يجعل الظالم نعتاً للعرق، ويريد به الغراس والشجر، وجعله ظالماً لأنه نبت في غير محله، واختار الأزهري وابن فارس ومالك والشافعي كونه بالتنوين كما بسطه النووي في "تهذيب الأسماء واللغات) .
(1)
أي في بقائه.
(2)
قوله: فهي له، لأنه مال مباح غير مملوك سَبَقَتْ يدُه إليه فيملكه كما في الاحتطاب والاصطياد من اشتراط إذن الإمام، وبه قال أبو يوسف والشافعي وأحمد وبعض المالكية، ونُقل عن مالك أنه إن كان قريباً من العامر في موضع يتسامح الناس فيه افتقر إلى إذن الإِمام وإلَاّ فلا، وحجتهم إطلاق الأحاديث الواردة في هذا الباب، وأما أبو حنيفة فاشترط في كونه له إذنَ الإِمام، واستدل له بحديث:"الأرض لله ورسوله ثم لكم من بعدي، فمن أحيى شيئاً من مَوَتان (في الأصل موتات، وهو تحريف) الأرض فله رقبتها"، أخرجه أبو يوسف في "كتاب الخراج" فإنه أضافه إلى الله ورسوله، وكل ما أضيف إلى الله ورسوله لا يجوز أن يختص به إلَاّ بإذن الإِمام، وذكر الطحاوي أن رجلاً بالبصرة قال لأبي موسى: أقطعني أرضاً لا تضرُّ بأحد من المسلمين، ولا أرض خراج، فكتب أبو موسى إلى عمر، فكتب عمر إليه: أقطعه له فإن رقاب الأرض لنا، كذا في "البناية".
(3)
أي لا يملكه الذي أحياه.
الإِمام، قَالَ: وَيَنْبَغِي (1) للإِمام إِذَا أَحْيَاهَا أنْ يجعلَها لَهُ (2) وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَكُنْ لَهُ.
7 -
بَابُ الصُّلْحِ فِي الشِرْب (3) وَقِسْمَةِ الْمَاءِ (4)
833 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ (5) بْنُ أَبِي بَكْرٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي (6) سَبِيلِ مَهْزُورٍ ومُذَيْنِبٍ: يُمسك حتى يبلغ
(1) أي يُستحب.
(2)
أي للذي أحياه.
(3)
الشِّرب: هو بالكسر عبارة عن نصيب الماء.
(4)
وقسمة الماء: أي المشترك.
(5)
قوله: عبد الله بن أبي بكر، أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، قال ابن عبد البر: لا أعلمه يتصل بوجه من الوجوه مع أنه حديث مدني مشهور مستعمل عندهم، وسئل البزار عنه فقال: لست أحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ حديثاً يثبت، انتهى. وهو تقصير منهما، فله إسناد موصول عن عائشة عند الدارقطني في "الغرائب" والحاكم وصححاه، وأخرجه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن. واختلفوا في معنى الحديث، فقيل: معناه يرسل صاحب الحائط الأعلى جميع الماء في حائطه حتى إذا بلغ الماء إلى كعبي من يقوم فيه أغلق مدخل الماء، وقيل: يسقي الأول حتى يروي حائطه، ثُمَّ يُمسك بعد ريِّه ما كان من الكعبين إلى أسفل ثم يرسل، كذا في "شرح الزرقاني".
(6)
قوله: في سبيل مَهْزُور، بفتح الميم وإسكان الهاء وضم الزاء وسكون الواو آخره. ومذينب (في معجم البلدان: مذينب: بوزن تصغير المذنب وادٍ بالمدينة. الأوجز 12/218) ، بضم الميم وفتح الذال وياء مسكنة، وكسر النون بعده
الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسِلُ الأَعْلَى عَلَى الأَسْفَلِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهِ نَأْخُذُ، لأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ: لِكُلِّ (1) قَوْمٍ مَا اصطلحُوا وَأَسْلَمُوا (2) عَلَيْهِ مِنْ عُيُونِهِمْ وَسُيُولِهِمْ وَأَنْهَارِهِمْ وشِرْبهم (3) .
834 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ (4) أنَّ الضحَّاك (5) بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيْجاً (6) لَهُ حَتَّى النَّهْرِ الصَّغِيرِ (7) مِنَ العُرَيْض (8) ، فَأَرَادَ أَنْ يمرَّ بِهِ (9) فِي أَرْضٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَبَى (10)
باء. واديان يسيلان بالمطر بالمدينة يتنافس أهل المدينة في سيلهما، قاله الزرقاني.
(1)
أي ليس فيه حدٌّ معين شرعاً، بل الأمر مفوَّض إلى آراء الشركاء.
(2)
أي انقادوا واتفقوا عليه.
(3)
أي نصيبهم من المياه.
(4)
هو يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَسَنٍ الْمَازِنِيُّ.
(5)
قوله: أنَّ الضحاك بن خليفة، بن ثعلبة الأنصاري الأشهلي، شهد غزوة بني النضير، وليست له رواية وكان يُتَّهم بالنفاق، ثم تاب وأصلح، كذا في "الإِصابة" وغيره.
(6)
بالفتح: النهر الصغير يُقطع من النهر الكبير.
(7)
ليس هذا في "موطأ يحيى"، لعله يعني النهر الصغير تفسيراً للخليج.
(8)
بالضمّ وادٍ بالمدينة (عريض: ناحية من المدينة في طرف حرَّة واقم (الحرة الشرقية) ، قد شملها العمران اليوم.
(9)
أي بذلك الخليج.
(10)
أي امتنع منه ومنعه منه.
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ: لِمَ (1) تَمْنَعُنِي وَهُوَ لَكَ (2) منفعةٌ تَشْرَبُ بِهِ (3) أَوَّلا وَآخِرًا، وَلا يضرُّك، فَأَبَى (4) ، فكلَّم (5) فِيهِ عمرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَدَعَا (6) محمدَ بنَ مَسْلمة فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّي (7) سبيلَه فَأَبَى (8)، فَقَالَ عَمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ (9) مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلا وَآخِرًا وَلا يضُرَّك؟ قَالَ مُحَمَّدٌ: لا (10) وَاللَّهِ، فَقَالَ (11) عُمَرُ: واللَّهِ ليمُرَّنَّ بِهِ (12) وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ (13) . فأَمره (14) عمر أن
(1) أي لأي سبب.
(2)
قوله: وهو لك منفعة، قال الباجي: يحتمل أنه كان شَرَط له ذلك، ويحتمل أن يريد أن ذلك حكم الماء أن الأعلى أولى حتى يروى.
(3)
بيان للمنفعة.
(4)
أي امتنع ابن مسلمة.
(5)
أي الضحّاك.
(6)
أي عمر.
(7)
أي يتركه بما يفعله من إجراء الخليج.
(8)
أي ابن مسلمة مع حكم عمر.
(9)
أي في الإِسلام أو في الصحبة.
(10)
أي لا أرضى به.
(11)
في نسخة: قال.
(12)
أي بالخليج.
(13)
قاله مبالغة في الزجر.
(14)
قوله: فأمره عمرُ أن يُجْريه، أي أمر عمر الضحاك أن يُجري بخليجه
يُجْرِيَه (1) .
835 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ (2) : أنَّه (3) كَانَ فِي حَائِطِ جدّه رَبِيْعٌ (4) لعبدِ الرحمن (5) بن عوف،
في أرض ابن مسلمة ولو لم يرضىَ به. قيل: إن عمر لم يقضِ على محمد بذلك، وإنما حلف على ذلك ليرجع إلى الأفضل (قال الباجي: ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه لم يقضِ بذلك على محمد بن مسلمة، وإنما أقسم عليه لما أقسم تحكماً عليه في الرجوع إلى الأفضل فقد يقسم الرجل على الرجل في ماله تحكماً عليه وثقةً بأنه لا يحنثه فيبرُّ بقسمه. المنتقى 6/46، والأوجز 12/231) ثقةً أنه لا يحنثه (في الأصل:"لا يحلفه"، وهو خطأ) ، وقيل: هو على سبيل الحكم، وقال مالك: كان يقال: تحدث للناس أقضية بقدر ما يُحدثون من الفجور، فلو كان الشأن معتدلاً في زماننا كاعتداله في زمن عمر رأيت أن يُقضى له بإجراء مائه في أرضك لأنك تشرب به أولاً وآخراً، ولا يضرك، ولكن فسد الناس، فأخاف أن يطول وينسى ما كان عليه جري الماء، فيدَّعي به جارك في أرضك، كذا في "شرح الموطأ" للباجي.
(1)
في نسخة: يجيزه.
(2)
أي يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني.
(3)
قوله: أنَّه، ضمير للشأن. كان في حائط، أي بستان. جدّه، أي جدّ يحيى، وهو أبو حسن تميم بن عبد عمرو الأنصاري الصحابي، قاله الزرقاني. وقد مرت ترجمته وترجمة ابن ابنه وابن ابن ابنه.
(4)
على وزن فعيل: النهر الصغير.
(5)
أحد العشرة المبشرة.
فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يحوِّله (1) إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْحَائِطِ هِيَ (2) أَرْفَقُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَقْرَبُ إِلَى أَرْضِهِ (3) ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ (4) الْحَائِطِ، فكلَّم عبدُ الرَّحْمَنِ عمرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فقض (5) لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِتَحْوِيلِهِ.
836 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الرِّجال، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن (6)
(1) من التحويل أي يصرف ربيعه في جهة أخرى من حائط أبي حسن.
(2)
أي تلك الجهة أرفق وأسهل سقياً.
(3)
أي أرض ابن عوف.
(4)
أي أبو الحسن.
(5)
قوله: فقضى، أي حكم بتحويله لعبد الرحمن، لأنه حمل حديث:"لا يمنع أحدكم جاره" على ظاهره، وعدّاه إلى كلِّ ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه، وقال مالك: ليس العمل على الحديث عمر هذا، ولم يأخذ به مالك، وروي عنه أنه إن لم يضرّ قضى عليه. والمشهور من مذهب مالك وأبي حنيفة عدم القضاء بشيء من ذلك إلَاّ بالرضاء لحديث:" لا يحلُّ مال امرء مسلم إلَاّ عن طيب نفس منه"، وروى أصبغ عن ابن القاسم: لا يؤخذ بقضاء عمر على محمد بن مسلمة في الخليج، ويؤخذ بتحويل الربيع، لأن مجراه ثابت لابن عوف في ناحية، وهذا قول الشافعي في القديم، وفي قوله الجديد: لا يُقضى بشيء من ذلك، كذا ذكره الزرقاني (4/34) .
(6)
مرسل، وصله أبو قرة موسى بن طارق، وسعيد الجمحي عن مالك به سنداً عن عائشة.
أنَّ (1) رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لا يُمْنَع (2) نَقْعُ بِئْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. أيُّما رجلٍ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْهَا أَنْ يَسْتَقُوا (3) مِنْهَا لِشِفَاهِهِمْ وَإِبِلِهِمْ وَغَنَمِهِمْ، وَأَمَّا لِزَرْعِهِمْ (4) وَنَخْلِهِمْ فَلَهُ (5) أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
(1) في نسخة: عن.
(2)
قوله: لا يُمنع، بصيغة المجهول. والنقع، بفتح النون وسكون القاف، قال بعض الرواة عن مالك: أي فضل مائها، يقال ينقع به أي يروي به، قال الباجي: ويروى: رهو (قال أبو الرجال: النقع والرهو هو الماء الواقف الذي لا يسقى عليه أو يسقى وفيه فضل. شرح الزرقاني 4/31، والمنتقى 6/39) ماء، وهو بمعناه.
(3)
قوله: أن يستقوا، أي أن يستقوا من تلك البئر لشفاههم ودوابِّهم، وهو جمع شَفَة بالفتح وهو شرب بني آدم بشفتهم، وأصله شفهه، ولذا صُغِّر بشُفيه وجُمع بشفاه، يقال هم أهل الشفة أي لهم حق الشرب بشفاههم، قاله العيني.
(4)
أي إن قصدوا أن يستقوا منها لزرعهم وأشجارهم.
(5)
قوله: فله، أي لصاحب الماء أن يمنع من ذلك سواء أضَرَّ به أو لم يُضِرَّ، لأنه حقٌ خاص ولا ضرورة في ذلك، ولو أبيح ذلك لانقطعت منفعة الشرب. وهذا بخلاف مياه البحار والأنهار الكبار والأودية غير (في الأصل: الغير المملوكة، وهو خطأ) المملوكة لأحد، فإن للناس فيها حق الشرب وسقي الدوابّ، والأشجار وغير ذلك، لحديث:"الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلأ، والنار"، أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس، والطبراني من حديث ابن عمر، وغيرهما. وأما إذا كان الماء محرزاً في الأواني، وصار مملوكاً له بالإِحراز ففيه حق المنع. والمسألة بتفاريعها مبسوطة في الهداية وشروحها.
8 -
بَابُ الرَّجُلِ يُعْتِق نَصِيبًا (1) لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ أَوْ يُسَيِّبُ سَائِبَةً (2) أَوْ يُوصي بِعِتْقٍ
837 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُروة، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَيَّبَ سَائِبَةً (3) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4) في الحديث المشهور: "الولاء لمن
(1) قوله: سيّب سائبة، لا خلاف في جواز العتق بلفظ أنت سائبة، أو بشرط أن لا ولاء بينهما، ولزومه، وإنما كره جماعة من العلماء العتق بلفظ السائبة لاستعمال الكفار لها في الأنعام المسيّبة للأصنام، واختلفوا في ولائه، فذهب مالك إلى أنه لا يُوالي أحداً وأن ميراثه للمسلمين وعقله إن جَنَى عليهم وهو مذنب جمع من السلف والخلف (وإليه ذهب مالك وجماعة من أصحابه وكثير من السلف، وقال ابن الماجشون وابن نافع والشافعي ولاؤه للمعتق. شرح الزرقاني 4/100) ، وذهب جمع من المالكية والشافعي والحنفية إلى أن ولاءه لمعتقه، كذا في "شرح الزرقاني".
(2)
قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، استدلال على أن ولاء السائبة للمعتق لا لغيره، بالحديث المشهور عند أهل الحديث "الولاء لمن أعتق" من غير تخصيص بعبد دون عبد، وبقول ابن مسعود:"لا سائبة في الإِسلام" أي لا حكم لها على ما كان في الجاهلية من سقوط حق المعتق في الولاء، وبأنه لو صح أن يكون ولاء السائبة لغير معتقه لا له لصح أن يشترط شارط على المالك بعتق عبده بشرط أن
أَعْتَقَ"، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لا سائبةَ فِي الإِسلام (1) ، وَلَوِ اسْتَقَامَ (2) أَنْ يُعتق الرجلُ سَائِبَةً فَلا يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ وَلاؤُهُ (3) لاسْتَقَامَ لِمَنْ (4) طَلَبَ مِنْ عائشةَ أَنْ تُعْتِق، وَيَكُونُ الولاءُ لِغَيْرِهَا، فَقَدْ طَلَبَ (5) ذَلِكَ مِنْهَا، فقال (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"، وَإِذَا اسْتَقَامَ أَنْ لا يَكُونَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَاءٌ اسْتَقَامَ أَنْ يُسْتَثْنَى عَنْهُ (7) الْوَلاءُ فَيَكُونَ لِغَيْرِهِ، وَاسْتَقَامَ أَنْ يَهَبَ الْوَلاءَ وَيَبِيعَهُ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَهِبَتِهِ. وَالْوَلاءُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ (8) وَهُوَ لِمَنْ أَعْتَقَ (9) إِنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً أَوْ غَيْرَهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
838 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أخبرنا نافع، عن ابن عمر
لا يكون الولاء للمعتق بل له، فإنه لا فرق بين ذلك وبين هذا، وقد دلَّت قصة بريرة كما مرَّ ذكرها على أنه لا يجوز ذلك، وبأنه لو صح ذلك لصح انتقال الولاء عن المعتق بيعاً وهبة، وهو باطل بالنصوص الواردة وقد مرَّ ذكرها.
(3)
قوله: سيّب سائبة، لا خلاف في جواز العتق بلفظ أنت سائبة، أو بشرط أن لا ولاء بينهما، ولزومه، وإنما كره جماعة من العلماء العتق بلفظ السائبة لاستعمال الكفار لها في الأنعام المسيّبة للأصنام، واختلفوا في ولائه، فذهب مالك إلى أنه لا يُوالي أحداً وأن ميراثه للمسلمين وعقله إن جَنَى عليهم وهو مذنب جمع من السلف والخلف (وإليه ذهب مالك وجماعة من أصحابه وكثير من السلف، وقال ابن الماجشون وابن نافع والشافعي ولاؤه للمعتق. شرح الزرقاني 4/100) ، وذهب جمع من المالكية والشافعي والحنفية إلى أن ولاءه لمعتقه، كذا في "شرح الزرقاني".
(4)
قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، استدلال على أن ولاء السائبة للمعتق لا لغيره، بالحديث المشهور عند أهل الحديث "الولاء لمن أعتق" من غير تخصيص بعبد دون عبد، وبقول ابن مسعود:"لا سائبة في الإِسلام" أي لا حكم لها على ما كان في الجاهلية من سقوط حق المعتق في الولاء، وبأنه لو صح أن يكون ولاء السائبة لغير معتقه لا له لصح أن يشترط شارط على المالك بعتق عبده بشرط أن لا يكون الولاء للمعتق بل له، فإنه لا فرق بين ذلك وبين هذا، وقد دلَّت قصة بريرة كما مرَّ ذكرها على أنه لا يجوز ذلك، وبأنه لو صح ذلك لصح انتقال الولاء عن المعتق بيعاً وهبة، وهو باطل بالنصوص الواردة وقد مرَّ ذكرها.
(1)
أي إنما كان عادة أهل الجاهلية.
(2)
أي لو صح.
(3)
أي ولاء المعتق سائبة.
(4)
وهم موالي بريرة.
(5)
بالمجهول والمعروف، أي مولى بريرة.
(6)
ردّاً عليهم وإبطالاً لشرطهم.
(7)
أي المعتق.
(8)
فلا يُباع ولا يوهَب ولا ينتقل.
(9)
أي سواء فيه إعتاقه سائبة أو غير سائبة.
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً (1) لَهُ فِي عبدٍ (2) وَكَانَ لَهُ (3) مِنَ الْمَالِ مَا يبلغُ (4) ثمنَ الْعَبْدِ، قُوِّم (5) قيمةَ العَدْل، ثُمَّ أُعطِيَ (6) شركاؤُه حِصَصَهم (7) وعَتَقَ عليه (8) العبدُ،
(1) قوله: شِركاً، بكسر الشين، وفي رواية للبخاري: شِقصاً على وزنه، وفي أخرى عنده، نصيباً، والكل بمعنى واحد.
(2)
قوله: في عبد، وكذا في أمة كما في رواية عند مسدَّد في "مسنده": من أعتق شِرْكاً له في مملوك، وأصرح منه ما في رواية الدارقطني والطحاوي: عبداً وأمة، وشذّ ابن راهويه فقال بتخصيص الحكم في العبد، وقال: لا تقويم في عتق الإِناث، قال القاضي عياض: أنكره عليه حُذّاق الأصول، لأن الأَمَة في هذا المعنى كالعبد.
(3)
أي للمعتق.
(4)
قوله: ما يبلغ ثمن العبد، أي قدر قيمة بقيمة العبد، كما في راوية النسائي: وله مال يبلغ قيمة أنصباء شركائه، فإنه يضمن لشركائه أنصباءهم ويُعتَق العبد.
(5)
قوله: قُوِّم، مجهول من التقويم. قيمة العدل، بالفتح أي الوسط من غير زيادة ولا نقصان، ويوضحه رواية مسلم: لا وَكْسَ ولا شططَ (الوكس: بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مهملة: النقص، والشطط: الجور. فتح الباري 5/152) .
(6)
بصيغة المجهول أو المعروف فما بعده مرفوع أو منصوب.
(7)
أي قيمة حصصهم.
(8)
أي على ذلك المعتق الضامن، فالولاء كلُّه له.
وإلَاّ (1) فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا أُعتِقَ (2) .
قَالَ محمد: وبهذا (3) نأخذُ من أعتق
(1) قوله: وإلَاّ، أي إن لم يكن له مال عتق منه ما عتق - بفتح العين في الأول، ويجوز الفتح والضم في الثاني قاله الدراوردي، وردَّه ابن التين بأنه لم يقله غيره، وإنما يُقال عتق بالفتح، وأعتق بضم الهمزة، ولا يعرف عتق بضم أوله - وهذه الجملة من المرفوع الموصول عند مالك، وزعم جماعة أنه مدرَج تعلُّقاً بما في "صحيح البخاري" عن أيوب: قال نافع: وإلَاّ فقد عتق منه ما عتق. قال أيوب: لا أدري أشيء قاله نافع أم هو في الحديث؟ والصحيح أنه ليس بمدرج كما حقَّقه في "فتح الباري"(5/154) .
(2)
وفي رواية: عتق.
(3)
قوله: وبهذا نأخذ (إن المسألة خلافية شهيرة جداً. ذكر النووي فيها عشرة مذاهب. والعيني على البخاري أربعة عشر مذهباً، وفي الأوجز عشرين مذهباً وفي آخرها: اختلاف هذه المذاهب كلها مبنيّ على اختلاف في أصل كلي، وهو أن العتق مجتزئ عند الإِمام أبي حنيفة ومن وافقه في فروع هذا الفصل مطلقاً بمعنى في حالتي اليُسر والعُسر معاً، وليس بمجتزئ مطلقاً عند صاحبيه ومن وافقهما، ومجتزئ في حالة العسر دون اليسر في المشهور من أقوال الأئمة الباقية. لامع الدراري 6/440) ، وبه قال أبو يوسف وقتادة والثوري والشعبيّ، وهو مرويّ عن عمر وغيره، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، إلَاّ أنَّ مبنى الحكم عندهما على أن العتق لا يتجزأ فإعتاق البعض إعتاق كلِّه، وهو مذهب الشافعي في ما إذا كان المالك واحداً وكان المعتق معسراً، أما لو كان موسراً يبقى ملك الساكت كما كان حتى يجوز له بيعه وهبته، وبه قال مالك وأحمد. وأما أبو حنيفة فقال بالتجزِّي فخيَّر الساكت بين الإِعتاق والاستسعاء والتضمين إن كان المعتق موسراً،
شِقْصاً (1) فِي مَمْلُوكٍ فَهُوَ حُرٌّ (2) كلُّه، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أعتَقَ مُوسِرًا (3) ضَمِنَ حِصَّةَ (4) شَرِيكِهِ مِنَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا (5) سَعَى العبدُ لِشُرَكَائِهِ فِي حِصَصِهِمْ. وَكَذَلِكَ (6) بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَق عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا أَعْتَقَ، وَالشُّرَكَاءُ بِالْخِيَارِ: إن شاؤا (7) أعتقوا كما أعتق، وإن شاؤا ضَمَّنُوه (8) إن كان موسراً، وإن شاؤا استَسْعَوْا (9) العبدَ
وبين الأوَّلين إن كان معسراً، كذا في "البناية". واستدل الطحاوي لمذهبهما وقال: إنه أصح القولين بأحاديث مرفوعة دالَّة على مذهبهما، واستُدل له بما أخرجه عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان لنا غلام بيني وبين أمي وأخي الأسود فأرادوا عِتْقَه وكنت يومئذٍ صغيراً، فذكر الأسود ذلك لعمر فقال: أعتقوا أنتم، فإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم أعتق وإلَاّ ضمَّنكم.
(1)
بالكسر: أي نصيباً في مملوك مشترك.
(2)
لأن العتق لا يتجزَّأ.
(3)
أي ذا مال ويسار يقدر على أداء الضمان.
(4)
أي قدر قيمته.
(5)
أي فقيراً غير قادر على الضمان.
(6)
قوله: كذلك بلغنا، قد ورد ذلك من طرق عدَّة من الصحابة، منهم أبو هريرة عند الأئمة الستة، وابن عمر عندهم، وجابر عند الطبراني، وغيرهم كما بسطه الزيلعي في "نصب الراية"، وأخرجه الطحاوي من طرق عديدة.
(7)
بيان للخيار.
(8)
أي المعتق، أي جعلوه ضامناً وأخذوا الضمان منه.
(9)
أي طلبوا العبد من السعاية فيؤديهم من المال مقدار حصصهم ليعتق كله.
فِي حِصَصِهِمْ، فَإِنِ اسْتَسْعَوْا أَوْ أَعْتَقُوا كَانَ الْوَلاءُ (1) بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَإِنْ ضَمَّنُوا المعتِق كَانَ الولاءُ (2) كُلُّهُ لَهُ، وَرَجَعَ (3) عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضُمّن وَاسْتَسْعَاهُ بِهِ (4) .
839 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا نافع: أن عبد الله بن عمر أعتق ولد زنى وأمَّه (5) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَهُوَ حسنٌ (6) جميل، بلغنا عن
(1) لأن العتق وقع منهم جميعاً.
(2)
لخلوص عتق الكلّ له.
(3)
أي المعتق الضامن.
(4)
بيان للرجوع أي طلب منه السعاية بقدر ما أداه (حاصل مذاهب الأئمة الستة في ذلك أن الرجل إذا أعتق بعض مملوكه يعتق كله في الحال بغير استسعاء عند الأئمة الثلاثة وصاحبي أبي حنيفة، وقال الإِمام الأعظم رحمه الله تعالى: يستسعى في الباقي وإن كان العبد مشتركاً بينهما فأعتق أحدهما نصيبه، فقال الإِمام أبو حنيفة: الشريك الآخر مخيَّر بين الثلاث: يعتق نصيبه أو يستسعى العبد، فالولاء لهما في الوجهين، أو يغرَّم الأول فالولاء له ويستسعى العبد، وقال صاحباه: ليس له إلَاّ الضمان مع اليسار أو السعاية مع الإِعسار ولا يرجع العبد على المعتق بشيء والولاء للمعتق في الوجهين، وقالت الأئمة الثلاثة في المشهور عنهم: إن كان الأول موسراً يغرم والولاء له، وإلَاّ فقد عتق منه ما عتق ولا يستسعي. لامع الدراري 6/441) .
(5)
أي والدته التي زنت.
(6)
قوله: وهو حسن جميل، أي عتق ولد الزنا وأمه، وكذا عتق العبيد الفسّاق أو الأراذل، وأحسن منه عتق الصالحين ذوي الأنساب.
ابْنِ عباسٍ أَنَّهُ سُئل عَنْ عَبْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِبَغِيَّةٍ (1) وَالآخَرُ لرِشْدَةٍ (2) : أيُّهُمَا يُعْتَق؟ قَالَ: أَغْلاهُمَا (3) ثَمَنًا بدينارٍ (4) . فَهَكَذَا (5) نَقُولُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا.
840 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: تُوفِّي (6) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي نومٍ (7) نامَه، فَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ رِقَابًا (8) كَثِيرَةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. لا بَأْسَ (9) أَنْ يُعْتَق عَنِ الْمَيِّتِ، فإنْ كان
(1) قوله: لبَغِيَّةٍ، بفتح الباء وكسر الغين المعجمة وتشديد الياء، أي زانية أو بكسر الباء وسكون الغين وفتح الياء: مصدر بمعنى الزنا وهما نسختان، قاله القاري.
(2)
بكسر الراء وسكون الشين: أي صالحة.
(3)
بالمعجمة أي أعلاهما ثمناً.
(4)
أي ولو كان التزايد بدينار.
(5)
قوله: فهكذا نقول وهو قول أبي حنيفة، وبه قال الجمهور: إن الأَوْلى أن يعتق ما كان ثمنه أكثر، وقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي ذر: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب قال: أكثرها ثمناً، وأنْفَسُها عند أهلها، وفي رواية: أغلاها ثمناً.
(6)
في طريق مكة سنة 53، وقيل بعدها.
(7)
أي فجأة في نومه.
(8)
أي مماليك كثيرة عن أخيها عبد الرحمن.
(9)
قوله: لا بأس أن يعتق عن الميت (قال ابن عبد البر: الصدقة والعتق كل منهما جائز عن الميت إجماعاًَ، والولاء للمعتق عند مالك وأصحابه قاله الزرقاني، وهكذا نقل الإِجماع على ذلك الباجي، كذا في الأوجز 10/380) ، فإن العتق من أفضل أنواع الصدقة،
أَوْصَى بِذَلِكَ (1) كَانَ الْوَلاءُ لَهُ (2) ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ كَانَ الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَيَلْحَقُهُ (3) الأجر إن شاء الله تعالى (4) .
والصدقة بجميع أقسامها وكذا العبادات المالية والبدنية ثوابها يصل إلى الميت، ويكون باعثاً لمغفرته، ورفع درجاته، وبه وردت الأخبار وشهدت به الآثار، كما بسطه السيوطي في "شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور" وغيره في غيره، وورد في العتق عن الميت آثار من أحسنها ما أخرجه النسائي عن واثلة قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقلنا: إن صاحباً لنا قد مات، فقال رسول الله: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار.
(1)
أي بالعتق.
(2)
أي للميت فينتقل إلى ورثته، لأنه هو المعتق حقيقة بالوصية.
(3)
أي من أعتق له وهو الميت.
(4)
قوله: إن شاء الله، متعلق بلحوق الأجر، والظاهر أنه لمجرَّد التبرك واختيار الأدب في تعليق الأحكام على المشيئة الإِلهية لا للشك في الحكم، فإنه لا شبهة في وصول الأجر إلى الميت إذا أعتق الحي عنه، وأوصل ثوابه إليه، وإنْ لم يوص. نعم إن كان الإِعتاق أو شيء من الصدقات واجباً على الميت فإن أوصى به يجب على الوصيّ تنفيذه في ثُلُث ما ترك ويُحكم ببراءة ذمَّته عن ذلك الواجب، وإن لم يوص وتبرع الوصيّ بأداء ما وجب عليه يُحكم ببراءة الذمة إن شاء الله تفضُّلاً منه ومِنَّةً.
9 -
بَابُ بَيْعِ (1) المدبَّر
841 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الرّجال، محمد بن
_________
عبد الرحمن، عن أمِّه عَمْرَة بنت عبد الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا عَنْ دُبُرٍ (1) مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَكَتْ (2) مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَشْتَكِيَ، ثُمَّ إِنَّهُ (3) دَخَلَ عَلَيْهَا رجلٌ سِنْدِي (4)، فَقَالَ لَهَا (5) : أنتِ مَطبُوبَةٌ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: ويلَك، مَنْ طَبَّني (6) ؟ قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ نَعْتِها (7) كَذَا وَكَذَا، فَوَصَفها، وَقَالَ: إنَّ فِي
(1) بضمتين: أي من عقبها وبعد موتها أي جعلتها مدَّبرة.
(1)
بضمتين: أي من عقبها وبعد موتها أي جعلتها مدَّبرة.
(2)
أي مرضت أياماً.
(3)
ضمير الشأن.
(4)
بكسر السين: نسبة إلى السند مملكة معروفة كالهند.
(5)
قوله: فقال لها: أنت مطبوبة، أي مسحورة، يقال: طَبَّه أي سَحَره، وفي رواية: أن عائشة مرضت فتطاول مرضها، فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا له مرضها، فقال: إنكم تخبروني خبر امرأة مطبوبة، فذهبوا ينظرون، فإذا جارية لها سحرتها، وكانت قد دبَّرتها، الحديث.
(6)
أي من سحرني.
(7)
أي من وصفها كذا وكذا، وذكر وصفها.
حَجْرها (1) الآنَ (2) صَبِيًّا قَدْ بَالَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ادْعُوا لِي (3) فُلانَةً جَارِيَةً (4) كَانَتْ تخدُمها، فَوَجَدُوهَا فِي بَيْتِ جِيرَانٍ لَهُمْ فِي حَجْرها صبيٌّ، قَالَتْ: الآنَ (5) حَتَّى أَغْسِلَ بَوْلَ هَذَا الصَّبِيِّ، فَغَسَلَتْهُ ثُمَّ جَاءَتْ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أَسَحَرْتِنِي (6) ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لِمَ (7) ؟ قَالَتْ: أَحْبَبْتُ (8) العتقَ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لا تَعْتَقِيْنَ (9) أَبَدًا. ثُمَّ أَمَرَتْ عَائِشَةُ ابْنَ أُخْتِهَا (10) أَنْ يبيعَها مِنَ الأَعْرَابِ (11) ممن يسيء ملَكَتها، قالت:
(1) بفتح الحاء وسكون الجيم.
(2)
أي في هذا الوقت.
(3)
أي اطلبوا عندي.
(4)
بدل من فلانة وبيان لها.
(5)
أي أحضر الآن فلتصبر حتى أغسل البول.
(6)
بهمزة الاستفهام وصيغة الخطاب.
(7)
أي بأيّ سبب سحرتني.
(8)
أي أردت أن تموت حتى أعتق.
(9)
أي زجراً وعقوبةً لك، فمن عجَّل بالشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه.
(10)
في نسخة: ابن أخيها.
(11)
قوله: من الأعراب، أي البداوي. ممن يسيء ملكتها، أي يشُقُّ عليها بكثرة خدمتها وقلة راحتها، يقال: فلان حسن المَلَكة، بفتحات أي حسن الصنع إلى مماليكه وسيِّئ الملكة أي يسيء صحبة المماليك، كذا في "النهاية".
ثُمَّ ابتَعْ لِي (1) بِثَمَنِهَا رَقَبَةً (2) ثُمَّ أَعْتِقْهَا، فَقَالَتْ عَمْرَةُ: فلبثَتْ (3) عَائِشَةُ رضي الله عنها مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ إِنَّهَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ أَنِ اغْتَسِلِي مِنْ آبَارٍ ثَلاثَةٍ يَمُدُّ بعضُها بَعْضا فَإِنَّكِ تُشْفَيْنَ (4) . فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ إسماعيلُ بنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ زُرَارة، فَذَكَرَتْ أُمُّ عَائِشَةَ الَّذِي رَأَتْ (5) ، فَانْطَلَقَا إِلَى قَنَاة (6) ، فوجدَا آبَارًا ثَلاثَةً (7) يُمدُّ بعضُها بَعْضًا، فاستَقَوْا مِنْ كل بئر منها ثلاث (8) شُجُبٍ حتى مَلؤوا الشُّجُب مِنْ جَمِيعِهَا، ثُمَّ أتَوْا بِذَلِكَ الْمَاءِ إِلَى عَائِشَةَ، فَاغْتَسَلَتْ فِيهِ فشُفِيَتْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: أَمَّا نَحْنُ فَلا نَرَى (9) أَنْ يُبَاع المدبَّر، وهو قول زيد بن
(1) أي اشتر لي.
(2)
أي جارية أخرى.
(3)
أي في ذلك المرض بسبب السِّحر.
(4)
بصيغة المجهول.
(5)
أي منامها.
(6)
قوله: إلى قناة، القناة: بالفتح مجرى الماء تحت الأرض، كذا في "المغرب" وفي "النهاية": القني: الآبار التي تُحفر في الأرض متتابعة يُستخرج ماؤها ويسيح على وجه الأرض، كذا قال القاري.
(7)
أي متقاربة متصلة يصل المدد من بعضها إلى بعض.
(8)
قوله: ثلاث شجب، قال القاري: بضمتين جمع شَجْب بالفتح فسكون، وهي القربة البالية.
(9)
قوله: فلا نرى أن يُباع، وذلك لما أخرجه الدارقطني من رواية عبيدة بن
ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، وَبِهِ نَأْخُذُ. وهو قول أبي حنيفة والعامَّة من فقهائنا.
842 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: مَنْ أَعْتَقَ (1) وَلِيدَةً عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ، فإنَّ لَهُ أنْ يَطَأَهَا وَأَنْ يزوِّجها، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلا أَنْ يَهَبَهَا، وَوَلَدُهَا (2) بِمَنْزِلَتِهَا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهِ نَأْخُذُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (3) وَالْعَامَّةِ من فقهائنا.
حسان، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً:"المدبر لا يباع ولا يوهب" وهو حرّ من ثلث المال. قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة، وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر من قوله، وأخرجه أيضاً عن علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: المدبّر من الثلث. وعليّ ضعيف، والموقوف أصح، كما بسطه الزيلعي في "نصب الراية" والعيني.
(1)
أي عَلَّق عتقها بموته ودبرها.
(2)
قوله: وولدها بمنزلتها، فإن الحمل يتبع أمه في الرقّ والحرية، وكذا الولد.
(3)
قوله: وهو (وفي البدائع: ولد المدبرة من غير سيدها بمنزلتها لإِجماع الصحابة على ذلك، فإنه روي عن عثمان خوصم إليه في أولاد مدبرة، فقضى أن ما ولدته قبل التدبير عبد، وما ولدته بعد التدبير مدبر، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم فيكون إجماعاً، وهو قول شريح ومسروق، وعطاء وطاووس ومجاهد وابن جبير والحسن وقتادة، ولا يُعرف في السلف خلاف ذلك، وإنما قال به بعض أصحاب الشافعي فلا يعتدُّ به بخلاف الإِجماع. أوجز المسالك 13/5) قول أبي حنيفة، خلافاً للشافعي فإنه قال: إن المدبرة إذا