المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة - التعليق الممجد على موطأ محمد - جـ ٣

[أبو الحسنات اللكنوي - محمد بن الحسن الشيباني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الدِّيات

- ‌1 - بَابُ الدِّيَةِ فِي الشَّفَتَيْن

- ‌2 - بَابُ دِيَةِ الْعَمْدِ

- ‌4 - بَابُ دِيَةِ الأَسْنَانِ

- ‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يَرِثُ مِنْ دِيَةِ امْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا

- ‌8 - باب الجروح وما فيها من الأرش

- ‌9 - بَابُ دِيَةِ الْجَنِينِ

- ‌11 - بَابُ الْبِئْرِ جُبار

- ‌13 - بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌1 - بَابُ الْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَوْلاهُ

- ‌7 - بَابُ الْمُخْتَلِسِ

- ‌أبواب الحُدودِ في الزنَاء

- ‌1 - باب الرجم

- ‌2 - باب الإِقرار بالزناء

- ‌5 - بَابُ الْحَدِّ فِي التَّعْرِيضِ

- ‌6 - بَابُ الحدِّ فِي الشُّرْبِ

- ‌7 - بَابُ شُرْبِ البِتْعِ والغُبَيْرَاء وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌8 - بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمَا يُكره مِنَ الأَشْرِبَةِ

- ‌11 - بَابُ نَبِيذِ الطِّلاء

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌1 - بَابُ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ

- ‌2 - بَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ يُورَثُ

- ‌3 - بَابُ لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ

- ‌4 - بَابُ مِيرَاثِ الْوَلاءِ

- ‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يُوصِي عِنْدَ مَوْتِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ

- ‌3 - بَابُ مَنْ جَعَل عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيُ ثُمَّ عَجَزَ

- ‌4 - بَابُ الاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ

- ‌5 - بَابُ الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ

- ‌6 - بَابُ مَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ

- ‌8 - بَابُ الرَّجُلِ يَقُولُ: مَالُه فيِ رِتَاج الْكَعْبَةِ

- ‌9 - بَابُ اللَّغْو مِنَ الأَيْمان

- ‌4 - بَابُ مَا يُكره مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ

- ‌5 - بَابُ مَا لَمْ يُقبض مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ

- ‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الشَّعِيرَ بِالْحِنْطَةِ

- ‌13 - بَابُ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ

- ‌14 - بَابُ شِرَاءِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ

- ‌15 - بَابُ الرَّجُلِ يُساوِمُ الرجلَ بِالشَّيْءِ فَيَزِيدُ عَلَيْهِ أَحَدٌ

- ‌16 - بَابُ مَا يُوجِبُ الْبَيْعَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي

- ‌20 - بَابُ الِاشْتِرَاطِ فِي الْبَيْعِ وَمَا يُفْسِده

- ‌22 - بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ تُهدى إِلَيْهِ

- ‌28 - بَابُ الْقَضَاءِ

- ‌29 - بَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ

- ‌30 - بَابُ النُّحْلَى

- ‌4 - بَابُ مَا يُكره مِنْ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ

- ‌10 - بَابُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَاتِ وَادِّعَاءِ النَّسَب

- ‌11 - بَابُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

- ‌13 - بَابُ الرَّهْن

- ‌14 - بَابُ الرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطة

- ‌1 - باب الشفعة

- ‌1 - بَابُ المكاتَب

- ‌أَبْوَابُ السِّيَر

- ‌3 - بَابُ قَتْلِ النِّسَاءِ

- ‌4 - بَابُ الْمُرْتَدِّ

- ‌5 - بَابُ مَا يُكره مِنْ لُبْس الْحَرِيرِ والدِّيباج

- ‌8 - بَابُ نُزُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَمَا يُكره مِنْ ذَلِكَ

- ‌9 - بَابُ الرَّجُلِ يُقيم الرجلَ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيَجْلِسَ فِيهِ وَمَا يُكره مِنْ ذَلِكَ

- ‌10 - بَابُ الرُّقَى

- ‌11 - بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْفَأْلِ وَالِاسْمِ الْحَسَنِ

- ‌12 - بَابُ الشُّرْبِ قَائِمًا

- ‌14 - بَابُ الشُّرْبِ وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ

- ‌17 - بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ

- ‌22 - بَابُ الاسْتِئْذَانِ

- ‌25 - بَابُ النَّظَرِ إِلَى اللَّعِبِ

- ‌27 - بَابُ الشَّفَاعَةِ

- ‌28 - باب الطيب للرجل

- ‌29 - بَابُ الدُّعَاءِ

- ‌30 - بَابُ رَدِّ السَّلامِ

- ‌31 - بَابُ الدُّعَاءِ

- ‌34 - بَابُ مَا يُكره مِنْ أَكْلِ الثُّومِ

- ‌35 - بَابُ الرُّؤْيَا

- ‌36 - بَابُ جَامِعِ الْحَدِيثِ

- ‌27 - بَابُ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ

- ‌38 - بَابُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ

- ‌39 - بَابُ فَضْلِ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ

- ‌40 - بَابُ حَقِّ الْجَارِ

- ‌41 - بَابُ اكْتِتَابِ الْعِلْمِ

- ‌42 - بَابُ الْخِضَابِ

- ‌45 - بَابُ النَّفْخِ فِي الشُّرْب

- ‌48 - بَابُ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌49 - بَابُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُستحب مِنْ ذَلِكَ

- ‌50 - بَابُ فَضْلِ الْحَيَاءِ

- ‌51 - بَابُ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ

- ‌52 - بَابُ حَقِّ الضِّيَافَةِ

- ‌56 - بَابُ النَّوَادِرِ

- ‌59 - بَابُ كَسْب الحَجّام

- ‌60 - بَابُ التَّفْسِيرِ

- ‌[خاتمة المعلق]

الفصل: ‌7 - باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة

فَسَأَلَ (1) أَنْ يَضَع (2) عَنْهُ، ويُعَجَّل لَهُ (3) مَا بَقِيَ لَمْ ينبغِ ذَلِكَ لأَنَّهُ يعجِّل قَلِيلا بِكَثِيرٍ دَيْناً، فَكَأَنَّهُ (4) يَبِيعُ قَلِيلا نَقْدًا بِكَثِيرٍ دَيْناً. وَهُوَ قَوْلُ (5) عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (6) ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (7) .

‌7 - بَابُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الشَّعِيرَ بِالْحِنْطَةِ

769 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا نَافِعٌ: أنَّ سُلَيْمَانَ بن يسار أخبره:

(كذا في المنتقى 6/65) .

(1)

أي المديون.

(2)

أي يحط قدراً من دَيْنه.

(3)

أي للدائن.

(4)

هذا إذا أراد المعاوضة والمقابلة، وإن أراد كل واحد التبرع فلا بأس به.

(5)

أي عدم جواز مثل هذا.

(6)

أخرجه عنه مالك في "الموطأ".

(7)

قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال الحكم بن عُتَيْبة والشعبي ومالك، وأجازه ابن عباس ورآه من المعروف، وحكاه اللخمي عن ابن القاسم من المالكية، وعن ابن المسيّب والشافعي القولان، واحتج المُجيز بخبر ابن عباس: لما أمر رسولُ الله بإخراج بني النضير، قالوا: لنا على الناس ديون لم تحل، فقال: ضعوا وتعجَّلوا. وأجاب المانعون باحتمال أن هذا الحديث قبل نزول تحريم الربا كذا في "شرح الزرقاني"

ص: 203

أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (1) بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فنِيَ (2) عَلَفُ دابَّته فَقَالَ لِغُلامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فاشترِ بِهِ (3) شَعِيرًا وَلا تَأْخُذْ (4) إلَاّ مِثْلًا (5) بِمِثْلٍ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَسْنَا نَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ (6) الرَّجُلُ قَفِيزَيْنِ مِنْ

(3/321، والأوجز 11/327) .

(1)

قوله: أن عبد الرحمن بن الأسود، هو ممن وُلد عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ويقال: إنَّ له صحبة وكان أبوه من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن حبان في "كتاب الثقات"، وذكر ابن الأثير الجزري في "أسد الغابة" عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري: كان ذا قدر كبير بين الناس وهو ابن خال النبي صلى الله عليه وسلم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصح له رؤية ولا صحبة، روى عنه سليمان بن يسار ومروان وغيرهما.

(2)

قوله: فَنِي، بفتح الفاء وكسر النون أي فُقد وعُدم عَلَف دابَّته بفتحتين.

(3)

أي بدل ذلك.

(4)

قوله: ولا تأخذ إلخ، هكذا أخرجه مالك عن سعد بن أبي وقاص وابن معيقيب أيضاً، ومبناه على أن البُرّ والشعير جنس واحد، وقال مالك: هو الأمر عندنا - أي بالمدينة - أن البُرّ والشعير جنس واحد، لتقارب المنفعة، وبهذا قال أكثر الشاميين، وقد يكون من خبز الشعير ما هو أطيب من خبز الحنطة، وهذا خلاف الجمهور، قال الزرقاني: لم يتفرد به مالك حتى يُشنِّع عليه بعض أهل الظاهر - والله حسيبه - ويقول: القِطّ أفقه من مالك، فإنه إذا رُميت له لقمتان: إحداهما شعير، فإنه يذهب عنها ويقبل على لقمة البُرّ (شرح الزرقاني 3/293، والمنتقى 5/2) .

(5)

أي بلا زيادة ولا نقصان.

(6)

بشرط التقابض في المجلس.

ص: 204

شَعِيرٍ بِقَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ يَدًا بِيَدٍ. وَالْحَدِيثُ (1) الْمَعْرُوفُ فِي ذَلِكَ (2) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذهب (3) بالذهب مثلاً

(1) قوله: والحديث المعروف، هذا الحديث رُوي من طرق جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة بعضها مطوَّلة وبعضها مختصرة على ما بسطه الزيلعي في "تخريج أحاديث الهداية" والعيني في شرحها والسيوطي في "الدر المنثور" وغيرهم، فأخرج الستة ومالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي من حديث عمر مرفوعاً: الذهب بالورق رباً إلَاّ هاءَ وهاءَ، والبُرّ بالبُرّ رباً إلَاّ هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلَاّ هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر رباً إلَاّ هاءَ وهاءَ. وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي وعبد بن حميد من حديث أبي سعيد الخدري: الذهب بالذهب مثل بمثل يداً بيد، والفضة بالفضة مثل بمثل يداً بيد، والبُرّ بالبُرّ مثل بمثل يداً بيد، والشعير بالشعير مثلاً بمثل يداً بيد، والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والبيهقي عن أبي سعيد مرفوعاً: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلَاّ مثلاً بمثل، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق، إلَاّ مثلاً بمثل. وحديث عبادة أخرجه الجماعة إلَاّ البخاري، وفي الباب عن أبي الدرداء أَخرجه مالك والنسائي، وبلال عند الطبراني والطحاوي، وأبي هريرة عند مسلم، ومعمر بن عبد الله عند مسلم، وأبي بكر عند البزار، وعثمان عند مسلم والطحاوي، وهشام بن عامر عند الطبراني، والبراء وزيد بن أرقم عند البخاري ومسلم، وفضالة بن عبيد عند الطحاوي وأبي داود، وابن عمر عند الطحاوي والحاكم، وأبي بكرة عند البخاري ومسلم، وأنس عند الدارقطني.

(2)

أي فيما يؤخذ به ذلك الحكم.

(3)

قوله: الذهب بالذهب، بالرفع على أن المعنى بيع الذهب بالذهب، أو بالنصب أي بيعوا الذهب. وقد ورد في كثير من الرويات في هذا الحديث ذكر الأشياء الستة الذهب والفضة والملح والتمر والبُرّ والشعير، وهذا الحديث أصل في باب الربا، وقد أغرب الظاهرية حيث لم يحرِّموا الربا إلَاّ في هذه الأشياء الستَّة دون

ص: 205

بِمِثْلٍ. وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلا بِمِثْلٍ.

وَلا بَأْسَ (1) بِأَنْ يَأْخُذَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ (2) أَكْثَرُ، وَلا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُ يَدًا بِيَدٍ، فِي ذَلِكَ (3) أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فقهائنا.

غيرها، وغيرهم من العلماء متفقون على أن الحكم معلول، ومتعدٍّ إلى غيرها حسب تعدِّي العلَّة، واختلفوا في العلَّة، فعند مالك هي الادِّخار والاقتيات والطعم، وعند الشافِعي الطعم والثمنية، وعندنا القدر والجنس، فعندنا إذا اتَّحد القدر - أي الكيل والوزن - والجنس حَرُم التفاضل والنسأ، وإذا اختلف الجنس حلَّ التفاضل وحرم النسأ. وقد عُرف تفصيل ذلك في كتب الفقه.

(1)

من ههنا كلام صاحب الكتاب.

(2)

الواو حالية.

(3)

قوله: في ذلك، أي في جواز التفاضل عند اختلاف الجنس أخبار كثير، ففي حديث عبادة عند الأربعة ومسلم في آخره: إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. وفي رواية الترمذي في آخر حديثه: بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا البُرّ بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم لا يَرَوْن أن يُباع البُرّ بالبُرّ إلَاّ مِثلاً بمثل، والشعير بالشعير إلَاّ مثلاً بمثل، فإذا اختلف الأصناف فلا بأس أن يُباع متفاضلاً إذا كان يداً بيد، وهذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال الشافعي: الحجة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: بيعوا الشعير بالبُرّ كيف شئتم يداً بيد، وقد كره قوم من اهل العلم أن يباع الحنطة بالشعير إلَاّ مثلاً بمثل، وهو قول

ص: 206

8 -

بَابُ الرَّجُلِ يَبِيعُ الطَّعَامَ نَسِيئَةً ثُمَّ يَشْتَرِي بِذَلِكَ (1) الثَّمَنِ شَيْئًا آخَرَ

770 -

أَخْبَرَنَا مالكٌ، حدَّثنا أَبُو الزِّناد (2)، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ: كَانَا يَكْرهان أَنْ يَبِيعَ الرجلُ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ بِذَهَبٍ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِذَلِكَ الذَّهَبِ تَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا.

قَالَ مُحَمَدٌّ: وَنَحْنُ لا نَرَى بَأْسًا (3) أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا تمراً قبل أن

مالك بن أنس، والقول الأول أصح (في المغني 4/27، البر والشعير جنسان، هذا هو المذهب وبه يقول الشافعي وإسحاق وأهل الرأي وغيرهم، وعن أحمد أنهما جنس واحد، وحكي ذلك عن سعد بن أبي وقاص وحماد ومالك وغيرهم، قال النووي: قال مالك والأوزعي ومعظم علماء المدينة والشام: إنهما صنف واحد، قال ابن رشد: أما حجة مالك فإنه عَمَل سلفه بالمدينة، وقال الموفق: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بيعوا البُرّ بالشعير كيف شئتم يداً بيد"، وهذا صريح صحيح لا يجوز تركه بغير معارض مثله. انتهى. انظر لامع الداري 6/117) . انتهى.

(1)

عبد الله بن ذكوان.

(2)

عبد الله بن ذكوان.

(3)

قوله: ونحن لا نرى بأساً، أي يجوز عندنا ذلك لأن المنهيّ عنه إنما هو بيع ما لم يقبض لا الشراء بما لم يُقْبض ولا الشراء بالدَّيْن، وقد ذكر مالك الكراهة (قال شيخنا في الأوجز 11/210: ظاهر كلام الإِمام مالك رضي الله عنه أنه نهى عن ذلك وكرهه، لأنه أدخله في بيع الذريعة، ولذا أباح إذا شرى البائع التمر من غير المشتري. وتقدَّم سابقاً أن بيوع الذريعة محرَّمة عند مالك وأحمد خلافاً للحنفية والشافعية) أيضاً عن ابن شهاب وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مثل قول ابن المسيب وابن يسار. وقال: إنما نَهَوْا عن أن لا يبيع الرجل حنطة بذهب، ثم يشتري بالذهب تمراً قبل أن يقبض الذهب من بائعه الذي اشترى منه الحنطة، فأما

ص: 207

بقبضها إِذَا كَانَ التَّمْرُ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ دَيْناً (1) . وَقَدْ ذُكر هَذَا الْقَوْلُ (2) لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَلَمْ يَره شَيْئًا (3) وَقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ. وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.

9 -

بَابُ مَا يُكره مِنَ النَّجَش (4) وتلقِّي (5) السِّلَع (6)

771 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ تلقِّي السِّلَعِ حَتَّى تهبط (7) الأسواق،

أن يشتري بالذهب التي باع بها إلى أجل من غير بائعه، ويُحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة فلا بأس به، وقد سألتُ عن ذلك غير واحد من أهل العلم فلم يَرَوْا بأساً. انتهى. ولعل كراهتهم كانت للتهمة، لا لأمر شرعي.

(1)

فإنه إنْ كان دَيْناً لا يجوز لأنه بيع الكالئ بالكالئ وقد نهى عنه.

(2)

أي قول ابن المسيب وغيره.

(3)

أي شيئاً مقبولاً.

(4)

قوله: حتى تهبط الأسواق، أي تنزل في الأسواق، وتدخل في البلاد، وورد في رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام نهى عن (في الأصل:"أن"، وهو خطأ) تلقي (قال الخطابي: وقد كره التلقّي جماعة من العلماء منهم مالك والأوزعي والشافعي واحمد وإسحاق، ولا أعلم أحداً منهم أفسد البيع غير أنَّ الشافعي رضي الله عنه أثبت الخيار للبائع قولاً بظاهر الحديث وأحسبه مذهب أحمد ولم يكره أبو حنيفة التلقي ولا جعل لصاحب السلعة الخيار إذا قدم السوق، وكان أبو سعيد الإِصطخري يقول: إنما يكون له الخيار إذا كان المتلقي قد ابتاعه بأقلّ من الثمن، فإذا ابتاعه بثمن مثله فلا خيار له. بذل المجهود 15/104. وفي هذا عدة أبحاث بسطها في الأوجز 11/368) الجلب، أخرجه الترمذي وغيره.

(5)

إنما نُهُي عنه، وكذا عن التلقي لكونه متضمناً للغرر.

(6)

قوله: فأما النجش فالرجل إلخ، قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ بفعله. ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد البيع في صورة النجش، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، والمشهور عند الحنابلة كذلك إذا كان ذلك بمواطأة البيع أو صنعه، والأصح عند الحنفية والشافعية صحة البيع مع الإِثم، والنَّجَش لا يتم إلَاّ بأمور: منها أن لا يريد الناجش شراءه، ومنها أن يزيد في الثمن ليقتدي به السوام أكثر مما يُعطون لو لم يسمعوا سومه، وأما مواطأة البيع وجعلُه الجُعل على الناجش، على ذلك فليس بشرط إلَاّ أنه يزيد في المعصية، وقيد ابن العربي وابن عبد البر وابن حزم التحريم (قال القسطلاني في (باب النجش) : لا يجوز ذلك البيع الذي وقع بالنجش، وهو مشهور مذهب الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار. والأصح عند الشافعية وهو قول الحنفية صحة البيع مع الإِثم. لامع الدراري 6/54) في النجش بأن يكون الزيادة فوق ثمن المثل، فلو أن رجلاً رأى سلعة تُباع بدون قيمتها فزاد لينتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشاً، بل يؤجَر على ذلك، ووافقه على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو المفهوم من كلام صاحب "النهاية حاشية الهداية" حيث قال: أما إذا كان الراغب يطلب السلعة من صاحبها بدون قيمتها، فزاد رجل في الثمن، إلى أن يبلغ فيمتها فلا بأس به وإن لم يكن له رغبة في ذلك، كذا في "شرح مسند الإِمام الأعظم.

(7)

قوله: حتى تهبط الأسواق، أي تنزل في الأسواق، وتدخل في البلاد، وورد في رواية عن ابن مسعود أنه عليه السلام نهى عن (في الأصل:"أن"، وهو خطأ) تلقي (قال الخطابي: وقد كره التلقّي جماعة من العلماء منهم مالك والأوزعي والشافعي واحمد وإسحاق، ولا أعلم أحداً منهم أفسد البيع غير أنَّ الشافعي رضي الله عنه أثبت الخيار للبائع قولاً بظاهر الحديث وأحسبه مذهب أحمد ولم يكره أبو حنيفة التلقي ولا جعل لصاحب السلعة الخيار إذا قدم السوق، وكان أبو سعيد الإِصطخري يقول: إنما يكون له الخيار إذا كان المتلقي قد ابتاعه بأقلّ من الثمن، فإذا ابتاعه بثمن مثله فلا خيار له. بذل المجهود 15/104. وفي هذا عدة أبحاث بسطها في الأوجز 11/368) الجلب، أخرجه الترمذي وغيره.

ص: 208

وَنَهَى (1) عَنِ النَّجَش.

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. كل ذلك مكروه، فأمّا النَّجش (2)

(1) إنما نُهُي عنه، وكذا عن التلقي لكونه متضمناً للغرر.

(2)

قوله: فأما النجش فالرجل إلخ، قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ بفعله. ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد البيع في صورة النجش، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، والمشهور عند الحنابلة كذلك إذا كان ذلك بمواطأة البيع أو صنعه، والأصح عند الحنفية والشافعية صحة البيع مع الإِثم، والنَّجَش لا يتم إلَاّ بأمور: منها أن لا يريد الناجش شراءه، ومنها أن يزيد في الثمن ليقتدي به السوام أكثر مما يُعطون لو لم يسمعوا سومه، وأما مواطأة البيع وجعلُه الجُعل على الناجش، على ذلك فليس بشرط إلَاّ أنه يزيد في المعصية، وقيد ابن العربي وابن عبد البر وابن حزم التحريم (قال القسطلاني في (باب النجش) : لا يجوز ذلك البيع الذي وقع بالنجش، وهو مشهور مذهب الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار. والأصح عند الشافعية وهو قول الحنفية صحة البيع مع الإِثم. لامع الدراري 6/54) في النجش بأن يكون الزيادة فوق ثمن المثل، فلو أن رجلاً رأى سلعة تُباع بدون قيمتها فزاد لينتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشاً، بل يؤجَر على ذلك، ووافقه على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو المفهوم من كلام صاحب "النهاية حاشية الهداية" حيث قال: أما إذا كان الراغب يطلب السلعة من صاحبها بدون قيمتها، فزاد رجل في الثمن، إلى

ص: 209

فَالرَّجُلُ يَحْضُرُ فَيَزِيدُ (1) فِي الثَّمَنِ (2) وَيُعْطِي (3) فِيهِ مَا لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ ليُسمع بِذَلِكَ غَيْرَهُ فَيَشْتَرِيَ (4) عَلَى سَوْمه، فَهَذَا لا يَنْبَغِي. وَأَمَّا تلقِّي السِّلَعِ فَكُلُّ أَرْضٍ كَانَ ذَلِكَ (5) يَضُرُّ (6) بِأَهْلِهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي (7) أَنْ يُفعل ذَلِكَ بِهَا، فَإِذَا كَثُرَتِ الأَشْيَاءُ بِهَا (8) حَتَّى صَارَ ذَلِكَ لا يَضُرُّ بِأَهْلِهَا فَلا بَأْسَ بذلك (9) إن شاء الله تعالى (10) .

أن يبلغ فيمتها فلا بأس به وإن لم يكن له رغبة في ذلك، كذا في "شرح مسند الإِمام الأعظم.

(1)

عند المبايعة.

(2)

أي ثمن المبيع.

(3)

أي يظهر عطاؤه أكثر، وكذا إذا مدح السلعة فوق الحدّ ليغترَّ المشتري.

(4)

أي فيشتري الغير على ما قاله الناجش به فيغترَّ به.

(5)

أي التلقّي.

(6)

بأن كان فيه قحط وغلاء.

(7)

لإِفضائه إلى الضرر.

(8)

أي بتلك الأرض.

(9)

أي بالتلقي.

(10)

قوله: إن شاء الله، قَيَّد الحكم به لعدم وجود ما يدل على ذلك نصاً، وإنما حكم به لأن النهي بالتلّقي معلول بإجماع القائسين بالإِضرار والغرر، وهو مفقود في صورة عدم الضرر، وظاهر أحاديث النهي عن التلقي الإِطلاق، وبه أخذ

ص: 210

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشافعي وغيره سواء ضرَّ به أهل البلد أم لا (في الهداية: ونهى عن تلقي الجالب، وهذا إذا كان يضُرُّ بأهل البلد، فإن كان لا يضرّ فلا بأس به إلَاّ إذا لبَّس السعر. بذل المجهود 15/104، وفي هامشه: أن المنع منه لحقّ أهل البلد وبه قال مالك، وقال الشافعي لحقّ الجالب، كذا في العارضة) ، وتعلق قوم بظاهرها، فقالوا ببطلان البيع بالتلّقي. وللطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/200) في هذه المسألة كلام نفيس، فإنه أخرج أولاً من حديث ابن عباس: لا تستقبلوا السوق، ولا يتلق بعضكم بعضاً. ومن حديث ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى السلع حتى يدخل الأسواق، ومن حديث أبي سعيد لا تلقوا شيئاً حتى يقوم بسوقكم، ومن حديث أبي هريرة: لا تلقوا الرُّكبان، وقال: احتجَّ قوم بهذه الآثار، فقالوا: من تلقّى شيئاً قبل دخوله السوق، واشتراه فشراؤه باطل، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل مدينة لا يضرّ التلقي بأهلها فلا بأس به فيها، ثم أخرج من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نتلقّى الركبان فنشتري منه الطعام جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى نُحوِّلَه من مكانه. وبسند آخر عنه: كانوا يشترون الطعام من الرُّكبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه. وقال: ففي هذه الآثار إباحة التلقِّي، وفي الأول النهي، فأَوْلى بنا أن نجعل ذلك على غير التضادّ، فيكون ما نهى عنه من التلقِّي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقِّين من المقيمين في الأسواق ويكون ما أبيح من التلقي هو الذي لا ضرر فيه على المقيمين. ثم أخرج لإِبطال قول من قال بالبطلان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: لا تلقَّوْا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه شيئاً فهو بالخيار إذا أتى السوق، فعُلم منه أن البيع مع التلقّي صحيح مع الإِثم فإنه إن كان باطلاً لم يكن للخيار فيه معنى.

ص: 211

10 -

بَابٌ الرَّجُلُ يُسْلِم (1) فِيمَا يُكال (2)

772 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حدَّثنا نافع: أن عبد الله بن عمر كَانَ يَقُولُ: لا بَأْسَ بأنْ يبتاعَ (3) الرجلُ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ معلومٍ بسِعر (4) مَعْلُومٍ إِنْ كَانَ (5) لِصَاحِبِهِ (6) طَعَامٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، مَا لم يكن (7) في زَرْع

(1) يبتاع: أي يُشترى.

(2)

بالكسر: أي مقدار معلوم.

(3)

يبتاع: أي يُشترى.

(4)

بالكسر: أي مقدار معلوم.

(5)

أي سواء كان عنده ذلك الطعام المسلم فيه أو لم يكن بشرط أن يكون التحصيل ممكناً.

(6)

وهو البائع.

(7)

قوله: مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ إلخ، يؤيده ما في رواية أبي داود عن

ص: 212

لَمْ يَبْدُ (1) صلاحُها أَوْ فِي تَمْرٍ لَمْ يَبْدُ صلاحُها، فإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ وَعَنْ شِرَائِهَا حَتَّى يبدُوَ صلاحُها.

قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا عِنْدَنَا لا بَأْسَ بِهِ. وَهُوَ السَّلَم (2) يُسلم الرَّجُلُ فِي طَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِكَيْلٍ (3) مَعْلُومٍ مِنْ صِنْفٍ (4) مَعْلُومٍ، وَلا خَيْرَ (5) فِي أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ مِنْ زَرْعٍ مَعْلُومٍ أَوْ مِنْ نَخْلٍ مَعْلُومٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى.

ابن عمر: لا تُسْلفوا في النخل حتى يبدو صلاحها (فيه إشارة إلى أن يكون المسلم فيه موجوداً من حين العقد إلى وقت حلول الأجل. بذل المجهود 15/146) . وما عند الطبراني من حديث أبي هريرة: لا تُسْلفوا في ثمر حتى يأمن صاحبها عليها العاهة. وبه أخذ أصحابنا حيث شرطوا في جواز السَّلَم كون المُسْلَم فيه موجوداً من حين العقد إلى محل الأجل وفيما بينهما، خلافاً للشافعي فيما إذا كان موجوداً عند حلول الأجل فقط وذلك لأن القدرة على التسليم بالتحصيل، فلا بد من الاستمرار، ولذا قالوا: لو أسلم في حنطة جديدة تخرج من زرعه فسد، وفي مطلقة صح. وتفصيله في كتب الفقه.

(1)

أي لم يَظهر.

(2)

أي هذا العقد هو المسمى بالسَّلَم وبالسَّلَف أيضاً.

(3)

قوله: بكيل معلوم، هذا في المكيلات، وفي الموزونات بوزن معلوم، وفي المذروعات بذراع معلوم، وفي المعدودات المتقاربة بعدد معلوم، فإن السلم جائز في كل منها ولا يجوز فيما يتفاوت تفاوتاً فاحشاً، وفيما لا يمكن تعيينه بالبيان.

(4)

أي نوعاً ووصفاً.

(5)

لاحتمال الفساد بالعاهة.

ص: 213

11 -

بَابُ بَيْعِ (1) الْبَرَاءَةِ

773 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ حدَّثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ بَاعَ (2) غُلامًا لَهُ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ. وَقَالَ الَّذِي (3) ابْتَاعَ (4) العبدَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: بِالْعَبْدِ دَاءٌ (5) لَمْ تُسَمَّه لِي، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: بَاعَنِي (6) عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بعتُه بِالْبَرَاءَةِ (7) ، فَقَضَى (8) عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ: لَقَدْ بَاعَهُ وما (9) به داء يعلمه،

(1) قوله: أنه باع، هكذا في نسخة عليها شرح القاري، وظاهره ان البائع هو سالم بن عبد الله بن عمر، وألفاظ الرواية تأبى عنه، فالصحيح ما في "موطأ يحيى" مالك عن يحيى عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ الله بن عمر باع غلاماً له (شرح الزرقاني 3/255) الحديث.

(2)

قوله: أنه باع، هكذا في نسخة عليها شرح القاري، وظاهره ان البائع هو سالم بن عبد الله بن عمر، وألفاظ الرواية تأبى عنه، فالصحيح ما في "موطأ يحيى" مالك عن يحيى عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاماً له (شرح الزرقاني 3/255) الحديث.

(3)

أراد بذلك الردَّ على ابن عمر بخيار العيب.

(4)

أي اشتراه.

(5)

أي مرض لم تذكره لي عند البيع ولم تشترط البراءة منه.

(6)

أي ابن عمر.

(7)

أي بشرط البراءة عن كل عيب.

(8)

أي حكم.

(9)

نافية والواو حالية.

ص: 214

فَأَبَى (1) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ، فَارْتَجَعَ الْغُلامَ (2) فصحَّ (3) عِنْدَهُ الْعَبْدُ، فَبَاعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةِ دِرْهَمٍ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: بَلَغَنا (4) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَاعَ غُلامًا

(1) أي امتنع من الحلف (قال الباجي: لم يكن إباؤه عن اليمين، لأنه رضي الله عنه كان دلَّس بعيبه، وعلمُه وفهمُه يقتضي معرفته بأن لا أثم في يمين بارَّة، ولكنه لا يخلو من أحد أمرين، إما أنه اعتقد أن البيع بالبراءة يُبرِّئه مما علم وما لم يعلم، والثاني: التصاون عن اقتطاع الحقوق بالأَيْمان، وهكذا يجب أن يكون حكم ذوي الأنساب والأقدار. المنتقى 4/186) .

(2)

قوله: فارتجع الغلام، أي من المشتري إلى ابن عمر بسبب العيب لمّا امتنع ابن عمر من الحلف.

(3)

أي صحَّ عن المرض عند ابن عمر (في المغنى 4/198: فباعه ابن عمر بألف درهم، وكذا في التلخيص الحبير 3/24، وفي الموطأ بألف وخمسمائة درهم، هذا هو الصحيح، أما ما جاء بألف إما غلط من الناسخ أو الراوي اكتفى على ذكر الألف وترك المئات اختصاراً. أوجز المسالك 11/69) .

(4)

قوله: بلغنا عن زيد إلخ، قد ذكر الشُّمُنِّي وغيره من أصحابنا أنَّ الذي اشترى العبد من ابن عمر وجرى معه ما جرى كان زيد بن ثابت، وهذا البلاغ الذي ذكره صاحب الكتاب يخالفه أنه لو كان مذهب زيد في ذلك البراءة المطلقة لما خاصم مع ابن عمر عند عثمان بعد ما ذكر البراءة من كل عيب إلَاّ أن تكون عنه رويتان في ذلك مقدّمة ومؤخّرة، لكن الكلام في ثبوت كون المشتري المذكور هو زيد بن ثابت وتخاصمه مع ابن عمر، وقد ذكره من علماء الشافعية الرافعيُّ وغيره أيضاً، قال الحافظ في "تخريج أحاديثه": أخرجه مالك في "الموطأ" عن يحيى بن سعيد عن سالم عن أبيه، ولم يسمِّ زيد بن ثابت، وصححه البيهقي، وأخرجه يزيد بن هارون عن يحيى، وابن أبي شيبة عن عبّاد بن العوام عنه، وعبد الرزاق

ص: 215

بالبراءة فهو بريْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَكَذَلِكَ بَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِالْبَرَاءَةِ وَرَآهَا (1) بَرَاءَةً جَائِزَةً. فَبِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ (2) مَنْ بَاعَ غُلامًا أَوْ شَيْئًا، وتبرَّأ (3) من كل عيب، ورضي بذلك المشتري

من وجه آخر عن سالم ولم يسمِّ أحد منهم المشتري، وتعيين هذا المبهم ذكره في "الحاوي" للماوردي، وفي "الشامل" لابن الصبّاغ بغير إسناد، وزاد أنَّ ابن عمر كان يقول: تركت اليمين فعوَّضني الله عنها. انتهى. (التلخيص الحبير 3/24) .

(1)

أي ابن عمر.

(2)

قوله: نأخذ: أي لكونه موافقاً للقياس لا بقول عثمان، وقد اختلف العلماء فيه فمذهبنا أنه إذا شرط البراءة من كل عيب، وقَبِلَه المشتري ليس له أن يردَّه بعيب سواء سمى البائع جملة العيوب أو لم يسمِّ، وسواء علم عيوبَه أو لم يعلم بعضَها، لأنَّ في الإِبراء معنى الإِقساط، والجهالة في الإِسقاط لا تفضي إلى المنازعة، ويدخل فيه البراءة عن العيب الموجود وقت العقد، والحادث قبل القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية عنه، وقال محمد: لا يدخل فيه الحادث، وهو قول زُفَر والحسن والشافعي ومالك وأبي يوسف في رواية، وللشافعي في شرط البراءة أقوال: في قول: يبرأ مطلقاً، وفي قول: لا يبرأ عن عيب، لأن في البراءة معنى التمليك، وتمليك المجهول لا يصح، وبه قال أحمد في رواية، وفي رواية عنه: يبرأ عما لا يعلمه دون ما يعلمه، وفي قول الشافعي وهو الأصح عندهم، وهو رواية عن مالك: لا يبرأ في غير الحيوان، ويبرأ في الحيوان عما لا يعلمه دون ما يعلمه، كذا في "البناية".

(3)

بأن قال: أبيع وأنا بريء من كل عيب فيه.

ص: 216

وَقَبَضَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (1) عَلِمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ لأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ برَّأَه (2) مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ (3) قَالُوا: يبرَأُ الْبَائِعُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ، فَأَمَّا مَا عَلِمَهُ وَكَتَمَهُ (4) فَإِنَّهُ لا يبرأ منه، وقالوا (5) : إذا باعه بيع المبرأت (6) بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عَلِمَهُ أَوْ لَمْ يعلمه (7)، إذا قال: بعتك (8) بيعَ المبرات، فَالَّذِي يَقُولُ أَتَبَرَّأُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وبيَّن ذلك (9)

(1) قوله: فهو بريء من كل عيب، لحديث: المسلمون عند شروطهم، أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة والترمذي والحاكم من حديث عمرو والدارقطني والحاكم من حديث أنس، وابن أبي شيبة مرسلاً عن عطاء، وفي رواية الترمذي زيادة: إلَاّ شرطاً حَرَّم حلالاً وأحلَّ حراماً، كذا في "التلخيص".

(2)

أي البائعَ أي قَبِل براءته.

(3)

أي علماؤها منهم مالك.

(4)

أي لم يبيِّنْه للمشتري.

(5)

قوله: وقالوا، الظاهر أن الضمير راجع إلى أهل المدينة، وقال القاري: أي والحال أن فقهائنا قالوا.

(6)

بصيغة المجهول.

(7)

بيان لبيع المبرات (في جميع نسخ الموطأ: بيع المبرات، وهو تحريف بيع الميراث، لأن بيع الميراث بيع براءة عندهم. انظر هامش الأوجز 11/69) .

(8)

في نسخة: نبيعك.

(9)

أي أوضح الإِبراء العام الذي هو مفاد بيع المبرأت

ص: 217

أَحْرَى (1) أَنْ يَبْرَأَ لِمَا اشْتَرَطَ مِنْ (2) هَذَا، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُنَا وَالْعَامَّةِ.

12 -

بَابُ بَيْعِ (3) الْغَرَرِ

774 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَازِمِ (4) بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (5) نَهَى عن بيع الغَرَر.

(في جميع نسخ الموطأ: بيع المبرات، وهو تحريف بيع الميراث، لأن بيع الميراث بيع براءة عندهم. انظر هامش الأوجز 11/69) .

(1)

أي أليق لكونه مصرَّحاً.

(2)

أي من بيع المبرات.

(3)

أبو حازم: اسمه سلمة.

(4)

أبو حازم: اسمه سلمة.

(5)

قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ، هذا حديث مرسل باتفاق رواة مالك، ورواه أبو حذافة عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وهو منكر، والصحيح ما في "الموطأ" ورواه ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد، وهو خطأ، وليس ابن أبي حازم بحجة إذا خالفه غيره، وهذا الحديث محفوظ عن أبي هريرة، ومعلوم أن ابن المسيب من كبار رواته، كذا قال ابن عبد البر. وذكر في "التلخيص": أن النهي عن بيع الغرر أخرجه مسلم وأحمد وابن حبان من حديث أبي هريرة، وابن ماجة وأحمد من حديث ابن عباس، وفي الباب، عن سهل بن سعد عند الدارقطني والطبراني، وأنس عند أبي يعلى، وعلي عند أحمد

ص: 218

قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ. بَيْع الغَرَر كلُّه (1) فَاسِدٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ.

775 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لا رِبَا (2) في الحيوان (3) ، وإنما نُهي (4)

وأبي داود وعمران بن حصين عند ابن أبي عاصم، وابن عمر عند البيهقي وابن حبان.

(1)

قوله: كله، أي بجميع أقسامه كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء ولبن في ضرع ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقه.

(2)

أي ليس التفاضل فيه بجنسه أو بغير جنسه رباً لعدم كونه موزوناً ولا عددياً متقارباً، وسيجيء تفصيل هذا فيما سيأتي.

(3)

قوله: في الحيوان، قال الزرقاني: المختلف جنسه كمتحدٍ وبيع يداً بيد، فإنْ بِيع إلى أجل واختلفت صفاته جاز وإلا منع عند مالك وأجازه الشافعي مطلقاً، وهو ظاهر قول ابن المسيّب لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه أن يعطي بعيراً في بعيرين إلى أجل، فهو مخصَّص لعموم حرمة الربا، وأجيب بحمله على مختَلِف الصفة والمنافع، جمعاً بين الأدلة، ومنعه أبو حنيفة اتفقت الصفات أو اختلفت لقوله تعالى:(وحرم الربا)(سورة البقرة: الآية 275 تمام الشاهد: وأحل الله البيع وحرم الربا) وهذه زيادة. انتهى. وسيجيء تفصيل هذا البحث عن قريب إن شاء الله.

(4)

قوله: وإنما نُهي، ذكر ابن حجر في "التلخيص" أنّ النهي عن بيع المضامين والملاقيح، أخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً، وفي إسناده ضعف وفي الباب عن عمران بن حصين، وهو في البيوع لابن أبي عاصم، وعن عباس في "الكبير" للطبراني والبزار، عن ابن عمر أخرجه عبد الرزاق، وإسناده قوي.

ص: 219

عَنِ (1) الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلاثٍ: (2) عَنِ الْمَضَامِينِ (3) وَالْمَلاقِيحِ (4) ، وحَبَل (5) الحَبَلَة. وَالْمَضَامِينُ (6) مَا فِي بُطُونِ (7) إِنَاثِ الإِبل، والملاقيح ما في ظهور الجمال (8) .

(1) في نسخة: من.

(2)

أي ثلاث صور.

(3)

جمع مضمون.

(4)

جمع ملقوح.

(5)

بفتحتين فيهما. وغلط من سكن الباء، قاله ابن حجر.

(6)

هذا التفسير من مالك كما ذكره الزرقاني أو من ابن المسيب على ما ذكره شارح "المسند".

(7)

أي من الأولاد.

(8)

قوله: ما في ظهور الجمال، جمع جمل، وهو ذَكَر الإِبل لأنه يُلقح الناقة، ولذا سُمِّيت النخلة التي يُلقح بها الثمار فحلاً، قال الزرقاني: وافق الإِمام على هذه التفسير جماعة من الأصحاب، وعَكَسَه ابن حبيب فقال: المضامين ما في الظهور والملاقيح ما في البطون، وزعم أن تفسير مالك مقلوب، وتُعٌقِّب بأن مالكاً أعلم منه باللغة. انتهى. وفي "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي في حرف الضاد المعجمة: قال أبو عبيدة معمرة بن المثنى فيما رأيته في "غريب الحديث" له وهو أول من صنف غريب الحديث عند بعض العلماء، وعند بعضهم النضر بن شُميل، قال: المضامين ما في أصلاب الفحول، وكذلك قاله صاحبه أبو عبيد القاسم بن سلاّم، وكذلك ذكره الجوهري وغيرهم، وقال "صاحب المحكم": المضامين (قال ابن الأثير: جمع مضمون: وهو ما في صُلب الفحل، ضمن الشيء بمعنى تضمّنه، ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا. "جامع الأصول" 1/569) ما في بطون الحوامل كأنّهنّ تضمَنّه، وقال الأزهري في "شرح ألفاظ المختصر": المضامين

ص: 220

776 -

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ (1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ (2) حَبَل الحَبَلة.

ما في أصلاب الفحول سُمّيت بذلك لأنّ الله أودعها ظهورها، فكأنها ضمنتها، وحكى صاحب "مطالع الأنوار" عن مالك أنه قال: المضامين الأجنّة في البطون، وعن ابن حبيب من أصحابه: هو ما في ظهور الإِبل الفحول. انتهى. وفيه أيضاً في حرف اللام: واحد الملاقيح عند صاحب "صحاح اللغة" ملقوحة، وكذلك قال أبو عبيد والقاسم بن سلاّم والأزهري وغيرهم: إن الملاقيح الأجنّة في بطون الأمهات واحدها ملقوحة لأن امها لقحتها أي حملتها فاللاقح الحامل، ولم يخصّها الأزهري وابن الفارس بالإِبل وخصها أبو عبيد والجوهري بالإِبل. انتهى. ويظهر من هذا كلَّه أنهم اختلفوا في تفسير المضامين والملاقيح التي نُهي عن بيعها في الحديث بعد ما اتفقوا على أن المراد بهما ما في البطون من الأجنّة وما في أصلاب الفحول من النُّطف التي تكون مادّة للأولاد، ولم تقع بعد في الرحم، ففسر بعضهم الأول بالأول والثاني بالثاني، وعكس بعضهم ولكلٍ وجهة ومناسبة، وكان هذان البيعان من بيوع الجاهلية يبيعون ولد الناقة قبل أن تولد، وقبل أن تقع نطفة الفحل في البطن، وإنما نُهي عنهما لأن فيهما غرراً وبيع ما ليس عنده، وما لا يقدر على تسليمه. ولقد أعجب علي القاري حيث فسر قوله ما في ظهور الجمال بقوله من الوبر، وأراد به الشعر الذي على الظهر. ولعل ما ذكرنا ظاهر على كل من له مهارة في فنون الحديث وغريبه فكيف خفي على هذا المتبحِّر؟ ولا عجب، فإن لكل عالم زلة، ولكل جواد كبوة.

(1)

كذا أخرجه الستة من حديث نافع عن ابن عمر، ذكره العيني.

(2)

قوله: عن بيع حَبَل الحَبَلة، بفتح الباء والحاء فيهما ورواه بعضهم بسكون الباء في الأول، قال القاضي عياض: هو غلط، والصواب الفتح، والأول مصدر بحبلت المرأة، والحبل مختص بالآدميات ويقال في غيرهن من الحيوانات

ص: 221

وَكَانَ (1) بَيْعًا يَبْتَاعُهُ الْجَاهِلِيَّةُ يَبِيعُ (2) أحدُهم الجَزُور (3) إِلَى أَنْ تُنْتَجَ (4) النَّاقَةُ (5) ، ثُمَّ تُنتَجُ الَّتِي في

الحمل، قال أبو عبيد: لا يقال شيء من الحيونات حبل إلا ما جاء في هذا الحديث، والحَبَلة جمع حابل كَظَلَمَة وظالم، وقيل: الهاء للمبالغة. واختلفوا في المراد بحبل الحبلة المنهي عنه فقيل: هو البيع بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة، ويلد ولدها، وهذا تفسير ابن عمر ومالك والشافعي وغيرهم، وقيل: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال، وبه قال أبو عبيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو أقرب إلى اللغة، والبيع فاسد على كلا المعنين، كذا في "تهذيب الأسماء واللغات". وفي "شرح المسند": قال ابن التين: محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين، وعلى الأول: هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها؟ وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين، فصارت أربعة أقوال. انتهى. فعِلَّة النهي إما جهالة الأجل أو أنه غير مقدور تليمه أو أنه بَيْع ما في بطون الأنعام، وحكى صاحب "المحكم" في تفسيره قولاً خامساً: أنه بَيْع ما في بطون الأنعام، وهو أيضاً من بيوع الغرر، لكن هذا إنما فسَّر به ابن المسيّب بيع المضامين كما رواه مالك، وفسَّر به غيره بيع الملاقيح، وحُكي عن ابن كيسان وأبي العباس المبرد أن المراد بالحبلة الكَرْمة، وحبلها أي حملها وثمرها قبل أن يبلغ الإِدراك، كما نُهي عن بيع ثمر النخلة حتى تزهي. وهو قول شاذ.

(1)

هذا تفسير من ابن عمر، كذا ذكره ابن عبد البر.

(2)

بيان لابتياع أهل الجاهلية.

(3)

بفتح الجيم وضم الزاء: الناقة.

(4)

قال السيوطي: بضمّ أوله وفتح ثالثه فعل لازم البناء للمفعول: أي تلد الناقة.

(5)

قوله: الناقة، قال القاري: أي المبيعة. انتهى. وهذا قيد مخلّ مختل، والظاهر هو الإِطلاق.

ص: 222