الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَزْعه (1) ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسَ بعَطَن (2) .
60 - بَابُ التَّفْسِيرِ
(3)
997 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الحُصَين، عَنْ أَبِي يَرْبُوعٍ (4) الْمَخْزُومِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثابت يقول: الصلاة
(1) منصوب بنزع الخافض أي كنزعه (فيه إشارة إلى إشاعة أمره وإجراء أحكامه. فتح الباري 7/39) .
(2)
قوله: حتى ضرب الناس بعَطَن، بفتحتين موضع يجلس فيه الدوابّ حول الحوض والماء للسقي. والمعنى نزع عمر ورَوي الناس بشربهم حتى جعلوا العطن، أبركوا دوابّهم للسقي لكثرة الماء. وفي حديث إشارة كالصراحة إلى قلة مدة خلافة أبي بكر وإلى ما وقع في زمن خلافته من اضطراب الأحوال بسبب ارتداد العرب وظهور المتنبئين، وإلى قوة عمر في أمر الدين وطول خلافته وشيوع الدين في زمنه، وقد وقع كل ذلك كما أرى، وكانت رؤيته ذلك مناماً كما في رواية الصحيحين وغيرهما، بينا أنا نائم رأيتُني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة، الحديث. وبه ظهر ما في كلام القاري حيث فسر قوله رأيت بقوله أي علمت بالكشف أو الإِلهام، أو رأيت في المنام. انتهى. فإن الترديد مختلّ النظام لثبوت الرؤية المنامية برواية الأحلام، ومن المعلوم أن منام الأنبياء وحي عند علماء الإِسلام.
(3)
قوله: عن أبي يربوع المخزومي، في نسخة: ابن يربوع، وهو الموافق لما في "موطأ يحيى"، وهو عبد الرحمن بن سعيد بن يَربوع بفتح الياء المخزومي، أبو محمد المدني، نُسب إلى جَدّه، من ثقات التابعين، ذكره في "التقريب".
(4)
قوله: عن أبي يربوع المخزومي، في نسخة: ابن يربوع، وهو الموافق لما في "موطأ يحيى"، وهو عبد الرحمن بن سعيد بن يَربوع بفتح الياء المخزومي، أبو محمد المدني، نُسب إلى جَدّه، من ثقات التابعين، ذكره في "التقريب".
الوُسطى (1) صلاة الظهر.
(1) قوله: الصلاة الوسطى، أي المذكورة في قوله تعالى:(حافظوا على الصلوات والصلاةِ الوسطى)(سورة البقرة: الآية 238) وقد اختلف فيه الصحابة ومن بعدهم، وتخالفت الروايات عنهم، فعن ابن عباس عند البيهقي وابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وسعيد بن منصور أنها صلاة الصبح، ومثله عن عليّ عند البيهقي، وابن عمر عند ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن المنذر وعبد بن حميد، وورد مثله عن عطاء وجابر بن زيد وطاوس وعكرمة. هذا أول الأقوال، الثاني: أنها صلاة الظهر وهو قول زيد بن ثابت أخرجه البخاري وأبو داود وابن جرير والطحاوي وأبو يعلى والطبراني والبيهقي وابن أبي حاتم وأحمد وابن منيع والضياء المقدسي وغيرهم، وهو مرويّ عن ابن عمر عند الطبراني، وعن أبي سعيد الخدري عند البيهقي، وعن عليّ عند ابن المنذر. والثالث: أنها العصر وهو مذهب عليّ رجع إليه بعد ما كان يظن أنها الصبح لمّا سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وغيرهم، وهو المرويّ عن ابن عمر عند ابن جرير والطحاوي وعبد بن حميد وعن أبي أيوب عند البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وعن أبي سعيد الخدري عند الطحاوي وابن المنذر، وعن أم سلمة عند ابن أبي شيبة وابن المنذر، وعن عائشة عند ابن جرير وابن أبي شيبة، وعن حفصة عند عبد بن حميد وغيره. والرابع: أنها صلاة المغرب ورد ذلك عن ابن عباس عند ابن عباس عند ابن أبي حاتم. وهناك أقوال أخر مبسوطة في "فتح الباري" وغيره، والآثار المذكورة وغيرها مبسوطة في "الدر المنثور" والذي يظهر بعد التنقيد أن أصح الأقوال هو القول الثالث لكونه موافقاً لكثير من الأحاديث الصحيحة المرفوعة، وإليه ذهب أكثر الصحابة كما ذكره
998 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عَمْرِو بْنِ رَافِعٍ (1)، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ مُصْحَفًا لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِذَا بلغتَ هَذِهِ الآيَةَ (2) فآذِنِّي (3)، فَلَمَّا بلغتُها آذَنُتها (4) فَقَالَتْ: حَافِظُوا (5) عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى، وَصَلاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ.
999 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن القَعْقَاع (6) بن
الترمذي، وجمهور التابعين كما ذكره الماوردي، وأكثر علماء الأثر كما قاله ابن عبد البر، وهو الصحيح عند الحنفية والحنابلة، وذهب أكثر الشافعية وبعض المالكية مخالفاً لقول إماميهما أنها الصبح.
(1)
هو عمرو بن رافع العدوي مولاهم، مقبول، ذكره في "التقريب".
(2)
أي التي فيها ذكر الصلاة الوسطى.
(3)
أي أخبرني.
(4)
أي أعلمتها.
(5)
قوله: حافظوا، أي أكتب هكذا بزيادة "وصلاة العصر"، وهذه الكتابة وكتابة عائشة قبل أن تُجْمَع المصاحف المختلفة على مصحفٍ واحد في زمن عثمان فإنه لم يُكتب بعد ذلك إلا ما أُجمع عليه وثبت بالتواتر أنه قرآن، قاله ابن عبد البر.
(6)
بفتح القافين بينهما عين ساكنة: كِنَانِيٌّ، مدني، ثقة، ذكره في "الكاشف".
حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ (1) مَوْلَى عَائِشَةَ، قَالَ: أَمَرَتْني أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا، قَالَتْ: إِذَا بلغتَ هَذِهِ الآيَةَ فآذِنِّي (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصلاة الوسطى)، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذنَتْها وأَمَلَّتْ (2) عَلَيَّ:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَصَلاةِ الْعَصْرِ (3) وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (4) ، سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
1000 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ بْنُ صَيَّادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ (5) في الباقيات الصالحات: قول العبد:
(1) قال الزرقاني: من ثقات التابعين، لا يُعرف اسمه.
(2)
أي (فأمَلّتْ: بتشديد اللام من الإِملال وبتخفيفها من الإِملاء وكلاهما بمعنى أي ألقت. بذل المجهود 3/200. وفي نسخة القاري: فقالت بدل وأمَلَّت، وفي البذل: فأملت) كتَبتْ عليّ وأمرَتْني بكتابتها هكذا.
(3)
قوله: وصلاة العصر، استَدل به وبحديث حفصة مَنْ قال: إن الصلاة الوسطى غير العصر، يجعل العطف للمغايرة، ومن قال باتحادهما يجعل العطف للبيان، وهو الموافق لما رُوي عن عائشة وحفصة.
(4)
أي: ساكنِين أو خاشِعِين أو داعِين، على اختلاف التفاسير. والأول أوفق بشأن نزولها فإنها نزلت نَسْخاً للتكلُّم في الصلاة كما بسطْتُه في رسالتي "إمام الكلام في ما يتعلّق بالقراءة خلف الإِمام.
(5)
قوله: يقول في الباقيات الصالحات، أي في تفسير قوله تعالى:(المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدنيا والباقياتُ الصالحاتُ خيرٌ عندَ رَبِّكَ ثواباً وخيرٌ أملاً)(سورة الكهف: الآية 46) ، وهذا التفسير منقول موقوفاً ومرفوعاً كما بسطه السيوطي في "الدر المنثور"، فأخرج
سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إلَاّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَاّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
1001 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا ابن شهاب وسئل (1) عن
ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن ابن عباس قال في تفسيره: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إلَاّ الله والله أكبر. وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "استكثروا من الباقيات الصالحات قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال التكبير والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله. ونحوه أخرجه سعيد بن منصور وأحمد وابن مردويه من حديث النعمان بن بشير والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في "المعجم الصغير" والحاكم وابن مردويه والبيهقي من حديث أبي هريرة، والطبراني وابن مردويه من حديث أبي الدرداء، وابن مردويه من حديث أنس، وابن أبي شيبة وابن المنذر من حديث عائشة كلهم ذكروه مرفوعاً وهو المنقول عن عثمان، أخرجه أحمد وابن جرير وابن المنذر، وعن ابن عمر أخرجه ابن جرير والبخاريّ في "تاريخه".
(1)
قوله: وسئل، أي والحال أن ابن شهاب سئل عن المحصنات من النساء في قوله تعالى (والمحصنات من النساء إلَاّ ما ملكت أيمانكم) عطفاً على أمهاتكم في قوله قبله:(حُرِّمت عليكم أمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم)(سورة النساء: الآية 23، 24) الآية، قال ابن شهاب: سمعت سعيد بن المسيّب يقول: هن ذوات الأزواج، فالمعنى حُرِّمت عليكم المحصنات بالفتح اللاتي لهن أزواج ما لم يُطلِّقوا أو يموتوا (إلَاّ ما ملكت أَيْمانكم) يعني السبايا التي سُبين ولهن أزواج في دار الحرب فإنه يحل لمُلَاّكهن وطؤهنَّ بعد الاستبراء لأنَّ بالسبي وتخالف الدارين يرتفع النكاح. وهذا التفسير مرويّ عن ابن عباس عند ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد
المحصَنات مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: هنَّ ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ. وَيَرْجِعُ (1) ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهُ حَرَّمَ الزِّنَا.
1002 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رأيتُ (2) مثلَ مَا رغِبت هَذِهِ الأُمَّةُ عَنْهُ، من
والحاكم والبيهقي، وعن ابن مسعود عند أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد، وعن أنس عند ابن المنذر وغيرهم من الصحابة والتابعين. وأخرج الطحاوي وعبد الرزّاق وابن شيبة وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فلقوا عدواً فظهروا عليهم، وأصابوا سبايا فكان ناساً من أصحابه تحرَّجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله هذه الآية.
(1)
أي حاصل هذا التفسير حرمة الزِّنا.
(2)
قوله: ما رأيت مثل ما رغبت هذه الأمة عنه، وأعرضت عنه بأن تركت العمل بمقتضاها مثل هذه الآية فإن الآية ناصَّة على أنه يجب الصلح بين المتنازعين وإرشاد الباغين إلى حكم الله ورسوله فإن أبَوْا فالقتل إخلاءً للعالم عن شرِّهم وقد ترك أكثر الناس العمل به، وكان نزول هذه الآية لمّا كانت امرأة من الأنصار تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فحبسها فجاء قومها وقومه واقتتلوا بالأيدي والنعال. وقيل: نزلت لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبيّ المنافق راكباً على حمار، فلما أتاه قال: إليك عني لقد آذاني نَتَنُ حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه فشتما، ووقعت المقاتلة بالأيدي والنعال، كذا ذكره البغوي في "معالم التنزيل"، وقال أيضاً: فيه دليل على أن البغي لا يُزيل اسم الإِيمان، ويدلُّ عليه مل رُوي عن علي أنه سئل وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصِفّين
هَذِهِ الآيَةِ: (وإنْ (1) طَائِفَتَانِ مِنَ اْلمُؤْمِنِينْ (2) اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوْا بَيْنَهُمَا، فَإن بغتْ (3) إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ (4) إِلَى أَمْرِ الله فإن فاءت فأصلحوا (5) بينهما.
1003 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِ اللَّهِ (6) عز وجل: (الزاني لا
أهم مشركون؟ قال: من الشرك فرّوا، فقيل: منافقون؟ فقال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلَاّ قليلاً، قيل: فما حالهم؟ قال: إخوانُنا بَغوْا علينا.
(1)
شرطية.
(2)
فيه حجة قويه لأهل السنَّة على أن الكبائر لا تُخرج العبد عن الإِيمان.
(3)
من البغي وهو الخروج عن الحدّ، أي تعدَّت.
(4)
أي ترجع إلى حكم الله.
(5)
بالعدل بحملها على الإِنصاف والرضاء بحكم الله.
(6)
قوله: في قول الله، قال البغوي: اختلف العلماء في معنى هذه الآية (سورة النور: الآية 3) وحكمها، فقال قوم: قدم قوم المهاجرون المدينة، وفيهم الفقراء لا مال لهم ولا عشائر، وبالمدينة نساء بغايا وهم يومئذٍ مشركات، فرغب ناس من فقراء المهاجرين إلى نكاحهن لينفقن عليهم، فنزلت (وحُرِّم ذلك على المؤمنين) لأنهن مشركات، هذا قول مجاهد وعطاء وقتاة والزهري والشعبي. وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة وكانت بمكة بغيٌّ يقال لها عناق، وكانت صديقته في الجاهلية، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها، فقال مرثد: إن الله حرَّم الزنا،
يَنْكِحُ (1) إلَاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا ينكحها إلَاّ زانٍ أو مشرك) ، قَالَ (2) : وَسَمِعْتُهُ (3) يَقُولُ: إِنَّهَا نُسخت (4) هَذَه الآيَةُ بِالَّتِي بَعْدَهَا ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنْكِحُوا (5) الأَيامى (6) مِنْكُمْ والصالحين من عبادكم وإمائكم) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة والعامة من فقهائنا
فقالت: فانكحني، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه، وقال: لا تنكحها. فعلى قوم هؤلاء كان التحريم خاصاً في حق أولئك دون سائر الناس. وقال قوم: المراد بالنكاح هو الجماع ومعناه الزاني لا يزني إلَاّ بزانية أو مشركة، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك. وقال سعيد بن المسيّب وجماعة: إن حكم هذه الآية منسوخ، وكان نكاح الزانية حراماً بهذه الآية فنسخها قوله تعالى:(وأنكحوا الأيامى)(سورة النور: الآية 32) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين (ورجح هذا القول الإِمام أبو جعفر الطبري وقال: وأَوْلى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عنى في هذا الموضع الوطء. وإن الآية نزلت في البغايا المشركات ذوات الرايات وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وإن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة من عبدة الأوثان. تفسير الطبري 8/58) .
(1)
هو وما بعده خبر بمعنى النهي.
(2)
أي يحيى بن سعيد.
(3)
أي سعيد بن المسيّب.
(4)
بصيغة المجهول.
(5)
خطاب إلى الأولياء.
(6)
جمع أيَّم: مَنْ لا زوج لها وهو مطلق يشمل الزانية وغيرها.
لا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ (1) الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَجَرَتْ (2) ، وَإِنْ يَتَزَوَّجْهَا مَنْ لَمْ يفجُرْ (3) .
1004 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:(وَلا جُنَاح (4) عَلَيْكُمْ فِيمَا عرَّضتم به من خِطبة النساء أو أكْنَتُم في أنفسكم) ، قال: أن (5) تقول
(1) قوله: بتزوّج المرأة (في بذل المجهود 10/19: مذهب الحنفية في ذلك، وهو ما قاله الجمهور بأن الزانية لا يحرم نكاحها على الزاني ولا على غيره، وكذلك لا يحرم نكاح الزاني بالمؤمنة ولا بالزانية، وقد خالف في ذلك الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" وقال بالحرمة. والله أعلم) ، وإن كان بمن زنى بها وإن كانت حُبْلَى بالزنى، لكن إذا تزوجت الحبلى بالزنا بغير الزاني لا يحل له الوطء إلى وضع الحمل وإن نكحت بالزاني يجوز له الوطء.
(2)
أي زنت.
(3)
أي من لم يزنِ.
(4)
قوله: ولا جُناح، بالضم أي لا إثم. عليكم فيما عرَّضتم به (سورة البقرة: الآية 235) ، من التعريض، وهو التلويح بشي يَفهم به السامع مراده من غير التصريح من بيان لما خطبة - بالكسر - وهي التماس نكاح النساء المعتدات المذكورات في ما قبل هذه الآية. أو أكننتم أي أضمرتم وأخفيتم في أنفسكم، كذا في "معالم التنزيل".
(5)
بيان للتعريض أي هو قولك للمرأة في حال العدَّة.
لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتها مِنْ وَفَاةِ (1) زَوْجِهَا: إِنَّكَ عليَّ (2) كَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ سَائِقٌ (3) إِلَيْكِ رِزْقًا، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ.
1005 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عمر، قال: دُلُوك (4) الشَّمس مَيْلها.
(1) وكذا في عدَّة طلاقها.
(2)
أي عندي مكرَّمة.
(3)
أي موصلٌ إليك رزقاً حسناً يعني بتزويجي إيّاك.
(4)
قوله: دُلوك الشمس، أي المذكور في قوله تعالى:(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غَسَق - بفتحتين - الليل وقرآنَ الفجرِ كان مشهوداً)(سورة الإِسراء: الآية 78) ، وفيه إشارة إلى الصلوات المكتوبات وأوقاتها، فقرآن الفجر إشارة إلى صلاة الفجر. ومعنى قوله مشهوداً: يشهده ملائكة الليل والنهار المتعاقبون يجتمعون عند ذلك، وبه فسَّر ابن عباس في رواية ابن جرير وابن شيبة وابن مسعود كما في رواية سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر، وأبو هريرة في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه البخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وابن مردويه، وغسق الليل أشار به إلى صلاة العشاء، وبه فسَّره ابن مسعود أخرجه عنه الطبراني، وعن ابن عباس غسق الليل بدء الليل، أخرجه ابن جرير، وأخرج ابن أبي شيبة، عن مجاهد وعبد الرزاق، عن أبي هريرة: غسق الليل غروب الشمس، فيكون إشارة إلى صلاة المغرب، وعن ابن عباس أنه ظلمة الليل أخرجه ابن الأنباري وابن المنذر فيكون شاملاً لصلاتَيْ المغرب والعشاء، وهو أَوْلى الأقوال. ودلوك الشمس فسره ابن مسعود بالغروب كما أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه، وكذا
1006 -
أخبرنا مالك، حدثنا داود بن الحصين، عن (1) ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ يَقُولُ: دُلوك الشَّمْسِ مَيْلها (2) وَغَسَقُ اللَّيْلِ اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وظُلْمته.
قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا قَوْلُ (3) ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دُلوكها غُرُوبُهَا، وكلٌّ حَسَن (4) .
أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عليّ، فيكون إشارة إلى المغرب ولا يكون لصلاة الظهر ذِكْرٌ في هذه الآية وكذا للعصر، وفسَّره ابن عمر بالزوال أخرجه مالك وعبد الرزاق وابن شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وهو رواية عن ابن عباس فيكون إشارة إلى صلاة الظهر، ويُستفاد العصر من قوله إلى غسق الليل. والآثار في هذا الباب مبسوطة في "الدر المنثور".
(1)
قوله: عن، في "موطأ يحيى": مالك عن داود بن الحصين أخبرني مُخْبِر عن ابن عباس، قال ابن عبد البَرّ في "الاستذكار": المُخبر المُبْهم عكرمة، كان مالك يكتم اسمه لكلام ابن المسيّب فيه.
(2)
أي زوالها من نصف النهار.
(3)
وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين، وقول ابن مسعود اختاره النخعي ومقاتل والضحاك والسُّدِّي، كذا ذكره البغوي.
(4)
قوله: وكلٌّ حسن، لأن اللفظ يجمع المعنين فإن أصل الدلوك الميلان، والشمس تميل إذا زالت وإذا غربت، لكن لا يخفى أن التفسير بالزوال أولى القولين لكثرة القائلين، ولأنّا إذا حملنا عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها بخلاف الغروب كذا قال البغوي، ومما يؤيد ترجيح تفسير الزوال بموافقته لكثير من الأخبار المرفوعة، فأخرج ابن مروديه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم لدلوك الشمس، قال: لزوال الشمس. وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي
1007 -
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ: أَنّ (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّمَا أجَلُكم (2) فِيمَا خَلا مِنَ الأُمَمِ، كَمَا (3) بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ (4) الشَّمْسِ؟، وَإِنَّمَا مَثَلُكم (5) وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمّالاً (6) فقال: من يعمل لي إلى
بسند ضعيف، عن ابن عمر مرفوعاً: دلوك الشمس زوالها. وأخرج ابن جرير، عن عقبة بن عمرو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر. وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر حين زالت الشمس ثم تلا هذه الآية.
(1)
هذا الحديث معروف بحديث القيراط، أخرجه البخاري في مواضع، ومسلم والترمذي وغيرهم وله طرق كثيرة.
(2)
بفتحتين أي مدة بقائكم بالنسبة إلى من مضى من الأمم.
(3)
أي التشبيه في القلة.
(4)
مصدر ميميّ بمعنى الغروب.
(5)
قوله: وإنما مثلكم، المثل بفتحتين في المعنى كالمِثْل بكسر الميم، وهو النظير ثم قيل: للمقول (في الأصل: المعقول هو تحريف) السائر الممثل مضربه بمورده مثل، ولم يضربوا مثلاً إلَاّ بقول فيه غرابة، وههنا تشبيه للمركَّب بالمركب فالمشبَّه والمشبَّه به هما المجموعان الحاصلان في الطرفين، وإلَاّ كان القياس أن يقول كمثل أقوام استأجرهم رجل، كذا قال العيني في "عمدة القاري"(عمدة القاري 5/53) .
(6)
بضم العين وتشديد الميم جمع عامل أي قوماً يعملون له العمل بالأجرة.
نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قيراطٍ (1) قِيرَاطٍ؟ قَالَ: فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ (2)، ثُمَّ قَالَ (3) : مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ (4) النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ (5) : من يعمل لي من الصلاة العصر إلى المغرب الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلا (6) فَأَنْتُمُ الَّذِينَ يَعملون مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ (7) : فَغَضِبَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وقالوا: نحن أكثر عملاً (8)
(1) قوله: على قيراط قيراط، قال الكرماني في "الكواكب الدراري" القيراط نصف دانق، وأصله قرّاط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأُبدل أحد حرفَيْ التضعيف كما في الدينار، والمراد به ههنا النصيب والحصة، وكُرِّر ليدل على تقسيم القراريط على جمعيهم كما هو عادة كلامهم.
(2)
أي فهذا مثل اليهود استعملهم الله بأجر إلى مدة طويلة فعملوا.
(3)
أي ذلك الرجل المستعمِل.
(4)
إشارة إلى قلَّة مدة النصارى بالنسبة إلى اليهود.
(5)
أي المستعمِل.
(6)
حرف تنبيه نبَّه به النبي صلى الله عليه وسلم على فضل هذه الأمة.
(7)
أي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(8)
قوله: نحن أكثر عملاً، قال الكرماني: فإن قلت قول اليهود ظاهر، لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكثر من العصر إلى المغرب، لكن قول النصارى لا يصلح إلَاّ على مذهب الحنفية حيث يقولون: وقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثليه، وهذا من جملة أدلتهم فما هو جواب الشافعية عنه حيث قالوا: هو مصير الظل مثلاً وحينئذٍ لا يكون وقت الظهر أكثر من وقت العصر؟ قلت: لا نسلِّم أن وقت الظهر ليس بأكثر منه، ولئن سلَّمنا فليس هو نصّاً في أن كلاً من الطائفتين =
وَأَقَلُّ (1) عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ (2) مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي (3) أُعطيه مَنْ شِئْتُ (4) .
قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ على أن تأخير العصر أفضل (5) من
= أكثر عملاً لصدق أن كلَّهم مجتمعين أكثر عملاً، أو يُقال: لا يلزم من كونهم أكثر عملاً أكثر زماناً لاحتمال كون العمل أكثر في زمان أقلّ، وجاء في آخر صحيح البخاري في باب السُّنَّة، قال أهل التوراة ذلك. انتهى كلامه. ومثله في "عمدة القاري" وغيره.
(1)
بالنسبة إلى الأمة المحمدية الآخذة بقيراطين.
(2)
أي نقصت من حقكم الذي قرَّرت لكم جزاءً لعملكم شيئاً.
(3)
أي تفضُّلي وإحساني.
(4)
أي فإني مختار لا أُسأل عما أفعل فلا ينبغي تكلُّمكم إلَاّ إنْ كنت نقصت حقكم (قال الحافظ: فيه حجة لأهل السنَّة على أن الثواب من الله على سبيل الإِحسان منه جل جلاله. فتح الباري 4/446) .
(5)
قوله: أفضل من تعجيلها، استنبط أصحابنا الحنفية أمرين:
أحدهما: ما ذكره أبو زيد الدبوسي في كتابه "الأسرار" وتبعه الزيلعي شارح "الكنز" وصاحب "النهاية شرح الهداية" وصاحب "البدائع" وصاحب "مجمع البحرين" في "شرحه" وغيره، أنّ وقت الظهر من الزوال إلى صيرورة ظل كل شيء مثليه، ووقت العصر منه إلى الغروب كما هو رواية عن إمامنا أبي حنيفة، وأفتى به كثير من المتأخرين، وجه الاستدلال به بوجوه كلها لا تخلو عن شيء،
أحدها: أن قوله صلى الله عليه وسلم: إنما أجلكم فيما خلا كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس يفيد قلة زمان هذه الأمة بالنسبة =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= إلى زمان من خلا، وزمان هذه الأمة هو مشبَّه بما بين العصر إلى المغرب فلا بد أن يكون هذا الزمان أقلّ من زمان اليهود، أي من الصبح إلى الظهر، ومن زمان النصارى أي من الظهر إلى العصر ولن تكون القلة بالنسبة إلى زمان النصارى إلَاّ إذا كان ابتداء العصر من حين صيرورة الظل مثليه، فإنه حينئذٍ يزيد وقت الظهر، أي من الزوال إلى المثلين، على وقت العصر من المثلين إلى الغروب، وأما إن كان ابتداء العصر حين المثل فيكونان متساويين.
وفيما ذكره في "قتح الباري" و "بستان المحدثين" و "شرح القاري" وغيرها:
أما أولاً: فلأن لزوم المساواة على تقدير المثل ممنوعة فإن المدة بين الظهر والعصر لو كان بمصير ظل كل شيء مثله يكون أزيد بشيء من ذلك الوقت إلى الغروب على ما هو محقق عند الرياضيين، إلَاّ أن يُقال هذا التفاوت لا يظهر إلَاّ عند الحساب، والمقصود من الحديث تفهيم كل أحد.
وأما ثانياً: فلأن المقصود من الحديث مجرد التمثيل، ولا يلزم في التمثيل التسوية من كل وجه.
وأما ثالثاً: فلأن قلة مدة هذه الأمة إنما هي بالنسبة إلى مجموع مُدَّتَيْ اليهود والنصارى، لا بالنسبة إلى كل أحد، وهو حاصل على كلّ تقدير.
وأما رابعاً: فلأنه يحتمل أن يُراد بنصف النهار في الحديث نصف النهار الشرعي، وحينئذٍ فلا يستقيم الاستدلال.
وأما خامساً: فإنه ليس في الحديث إلَاّ أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقلّ من الزوال إلى العصر، ومن المعلوم أن صلاة العصر لا يتحقق في أول وقته غالباً، فالقلة حاصلة على كل تقدير، وإنما يتمُّ مرام المستدل إنْ تمَّ لو كان لفظ الحديث ما بين وقت العصر إلى الغروب وإذ ليس فليس.
وثانيها: أن قول النصارى نحن أكثر عملاً لا يستقيم إلَاّ بقلة زمانهم ولن تكون القلة إلَاّ في صورة المثلين، وفيه ما مرَّ سابقاً وآنفاً.
وثالثها: ما نقله العيني أنه جعل لنا النبي صلى الله عليه وسلم من زمان الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى الغروب، وهو يدل على أن بينهما أقلَّ من ربع النهار، لأنه لم يبقَ من الدنيا ربع الزمان لحديث: بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بالسبّابة والوسطى، فنسبة ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما مضى مقدار ما بين السبّابة والوسطى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال السهيلي (انظر عمدة القاري 5/53) : وبينهما نصف سبع لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منهما سبع، وزيادتها على السبّابة نصف سبع. انتهى. وفيه أيضاً ما مرَّ سالفاً.
ثم لا يخفى على المستيقظ أن المقصود من الحديث ليس إلَاّ التمثيل والتفهيم. فالاستدلال لو تمَّ بجميع تقاريره لم يخرج تقدير وقت العصر بالمثلين إلَاّ بطريق الإِشارة. وهناك أحاديث صحيحة صريحة دالة على مضيّ وقت الظهر ودخول وقت العصر بالمثل، ومن المعلوم أن العبارة مقدَّمة على الإِشارة، وقد مرَّ منّا ما يتعلق بهذا المقام في صدر الكلام.
الأمر الثاني ما ذكره صاحب الكتاب من أن هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر - أي من أول وقتها - أفضل من تعجيلها. وقال بعض الأعيان متأخِّري المحدثين في " بستان المحدثين" ما معرَّبه: ما استنبطه محمد من هذا الحديث صحيح، وليس مدلول الحديث إلَاّ أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من نصف النهار إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته، وذا لا يحصل إلَاّ بتأخير العصر من أول الوقت. انتهى. ثم ذكر كلاماً مطوَّلاً محصُّله الردُّ على من استدل به في باب المثلين، وقد ذكرنا خلاصته، ولا يخفى أن هذا أيضاً إنما يصح إذا كان الأكثرية لكل من اليهود والنصارى وإلَاّ فلا، كما ذكرنا، مع أنه إنْ صح فليس هو إلَاّ بطريق الإِشارة والأحاديث الدالَّة على التعجيل بالعبارة مقدَّمة عليه عند أرباب البصارة. وقد مر منا ما يتعلق به في صدر الكتاب، والله أعلم بالصواب. ألا ترى، تنوير للمدعى أنه صلى الله عليه وسلم جعل ما بين الظهر إلى العصر، أي إلى صلاة العصر أكثر مما بين العصر، أي صلاته إلى المغرب، أي وقته وهو غروب الشمس في هذا الحديث، ومن عجَّل العصر، أي صلَّاه في أول وقته وهو صيرورة الظل مثلاً كما هو رأي جمهور العلماء وبه قال صاحب الكتاب وصاحبه أبو يوسف وهو رواية عن شيخهما أبي حنيفة، بل قيل: إنه رجع إليه وهو الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة. كان ما بين الظهر، أي أول وقته وهو الزوال إلى العصر، أقل مما بين =